إدارة الحرب ضد الفقر / د.جواد العناني

 

د. جواد العناني* ( الأردن ) الإثنين 25/4/2016 م

*وزير أردني سابق …

قال لنا الشاعر من مخزون التراث

«والنفس راغبةٌ إذا رَغَّبْتها وإذا تُرّدُّ إلى قليل تقنَع».

والفقر في بلدنا في ارتفاع، وَدَرَجته صارت أشد، والهوة الفاصلة بين الفقراء والأغنياء تتسع أكثر وأكثر.

وترى الفقر في أماكن كثيرة في المملكة، وتسمع منه، وتسمع عنه، ويدخل إلى شغاف قلب المرء فيشعر بانقباض شديد. فهذا يتصل بك من أطراف الأغوار ليقول لك «مشان الله، عامل وطن عامل وطن».. وآخر يأتيك من عشيرة ليقول لك أنه يريد توظيف ابنته، على الأقل حتى تتزوج.. وصور لأسر تقودها أمهات، وقد ترك المعيل أولاده دون رحمة.

واذهب إلى المحاكم لتسمع قصصاً تراجيدية.. فلو دخلت إلى محكمة شرعية، لرأيت نساءً يبكين أمام القاضي الشرعي لأن زوجها لا يدفع لها نفقة العشرين أو الثلاثين ديناراً.

واذهب إلى المحاكم المدنية، إلى مكتب أحد المدعين العامين، لترى شباباً يحاكمون بالسرقة، والشجار، أو نساءً أوسعن ضرباً على يد أزواجهن. والفقر يقبع خلف الأبواب والأسباب.

نسمع من بعض المحللين وخطباء المساجد الأقوال المعهودة والمأثورة، وتبدأ النظريات من قائل أن الفقر ليس عذراً، بل هو اختيار شخصي. لماذا لا يعمل هؤلاء؟ وتسمع من آخر يقول أن ثقافة العيب هي السبب حيث أن البعض لا يقبل بأي وظيفة لأنه يخشى على مكانته الاجتماعية. وسمعت في مدينة في الجنوب من يقول لي «يا دكتور، يعني لو اشتغلت عامل وطن، مين بدّه يتجوز بنتي؟؟». وبعض آخر يسوق أمثلة من العمالة الوافدة، الذين يأتون للأردن، ويقومن بأعمال شتى ويجمعون مبالغ كبيرة، بينما أبناء الوطن جالسون لا يعملون شيئاً.

لا إنكار أن في كل هذه النظريات والتبريرات بعض من الصواب، ولكن القضية في الحل لا تكمن في قبول هذه الوقائع على أنها مُسَلّمات غير قابلة للتغيير. ستجد من يقاوم العمل إذا رأى أنه غير لائق به، وستلاقي من يفضّل العمل الحكومي بسبب الاستقرار والمجهود الأقل. ولكن كلنا يعلم أن هنالك وسائل يمكن للسياسة العامة أن تقوم بها لتقود التغيير.

إذا كانت البطالة هي التحدي الاجتماعي والأمني والاقتصادي الأكبر، فإن من الواضح أن أحسن الحلول لها هو خلق فرص العمل؛ خاصة تلك التي تستهدف الفقراء.

الصناديق والترتيبات الكثيرة الموجودة لتقديم القروض السهلة والتمويل للمشروعات المايكرووية والصغيرة والمتوسطة لا تعمل معاً بكفاءة. هذه البعثرة في جهودها تضيّعُ من أثر الإبداع الذي قد يظهره بعضها. المطلوب هو تحديد الأهداف التي يراد تحقيقها، وتحديد الفئات المستهدفة، ومن ثم توزيع الأدوار بين هذه المؤسسات.

يرافق هذا الجهد في نفس الوقت، وضع برامج تدريبية للمقترحين، وللراغبين في العمل معهم. ويركز على الأمثلة الناجحة، وتبرز لتكون قدوة للمقترضين. وتقام حلقات نقاشية بين المستثمرين الصغار لكي يتبادلوا الخبرات فيما بينهم.

نسمع ونشاهد على التلفزة والوسائل المقروءة والمسموعة كذلك مقابلات مع أشخاص من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية. وتقدم أمثلة تسر الخاطر بالفعل. ولكن الحصيلة التجميعية، أو حصاد كل ذلك، لا يؤثر على مجمل الفقر.

نقول للمخططين والدارسين، الأموال المطلوبة لمحاربة الفقر والبطالة بين صفوف الأقل دخلاً وفي مناطقهم ليست قليلة، وتقدر لو جمعت بمئات الملايين (لا أقل من 300 مليون دينار)، إذا احتسبنا منها صندوق المعونة الوطنية، وصندوق التنمية والتشغيل، والمساعدات الخارجية، وبعض الأموال المتاحة في مؤسسة الإقراض الزراعي، وبعض الشركات، والتسهيلات الخارجية التي حصل عليها البنك المركزي، وموجودات منظمات غير حكومية وجمعيات خيرية، ومخصصات الشركات لغايات مشابهة. فأين تذهب حصيلة هذه الأموال.

لا بد من وجود جهة مركزية، تحدد لنا مكامن الفقر، وأولوياته، وخصائص الأسر الفقيرة، وحاجاتها، ومن ثم يجري وضع برامج محددة للتدريب والاستثمار، والمساعدة من أجل توجيه المال المتاح بأكثر كفاءة ممكنة وبأعلى مردود اجتماعي اقتصادي متاح.

غياب الإدارة لمحاربة الفقر وتجفيف منابعه هي أهم قضية تقلل من حجم الجهود المبذولة، وتقزّم من نتائجها المرجوة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.