المهندس الفلسطيني لؤي البسيوني يذهل العالم … أحد المشاركين بمهمة “ناسا” الى المريخ
بإعلان وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” هبوط مركبتها “برسيفرانس” (المثابرة) بنجاح على الكوكب الأحمر المريخ، انتهت الرحلة في مرحلتها الأولى التي استغرقت نحو 7 أشهر بعد أن انطلقت المركبة من قاعدة القوات الجوية “كيب كانافيرال” في ولاية فلوريدا في 30 يونيو/حزيران 2020.
رحلة لم تكن لتنجح دون جهد الفريق التابع لناسا طيلة سنوات، وضمن هذا الفريق انصب الاهتمام فلسطينيا وتونسياً ومغربيا.
وتألق المهندس “لؤي محمد حسان البسيوني” في مهمة وكالة ناسا الأمريكية حيث كان ضمن الفريق المشارك في إرسال مركبة “بيرسفيرنس” الى المريخ.
المهندس لؤي البسيوني فلسطيني الاصل من مدينة “بيت حانون” شمال قطاع غزة ظهر على قناة الميادين في لقاء تحدث فيه عن مهمة وكالة ناسا الاخيرة وعن التجارب التي سبقت عملية ارسال المركبة برسيفيرانس الى كوكب المريخ.
وتداول نشطاء ورواد التواصل الاجتماعي في الاراضي الفلسطينية وعلى وجه الخصوص مدينة “بيت حانون” خبر مشاركة البسيوني في هذا الانجاز العلمي والحدث العالمي بفخر واعجاب شديدين.
كما عبر رواد التواصل الاجتماعي عن اعجابهم وشعورهم بالفرحة بمشاركة
المهندس لؤي محمد حسان البسيوني كونه فلسطيني ومن قطاع غزة المحاصر.
* الاستمتاع بكوب شاي في بيت حانون يعادل فرحة الوصول للمريخ
«أخيراً هبطت بسلام. لا يمكن لكِ أن تتخيلي لحظات الانتظار الطويلة، التي أترقب فيها سماع نبأ وصول أول طائرة مروحية صنعتُها للكوكب الأحمر» المريخ. كنت أعد اللحظات التي سأفرج فيها عن دموع الفرح، التي احتبستها في قلبي لسنوات، خشية وقوع أي خطأ قد يجعل كل ما سبق مجرد لحظة عابرة كلفتني وفريق العمل سنوات من الجد والمثابرة».
نجحت المهمة ووصلت المُثابرة «إنجينيويتي»، هذا ما قاله لؤي البسيوني، الفلسطيني الذي تنحدر أصوله من بلدة «بيت حانون»، شمال قطاع غزة، والذي ترأس فريقاً لصناعة أول طائرة هليكوبتر تتبع لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، هذا ما قاله خلال مقابلة خاصة أجرتها معه «القدس العربي».
المهندس الصغير
السنوات الخمس للعمل من أجل تحقيق إنجاز تاريخي في تسيير أول طائرة مروحيه يتم التحكم فيها من كوكب الأرض، كانت نتاجاً لقصة كفاح طويلة بدأها بسيوني منذ عام 1998 والذي حصل على منحة دراسية جزئية في جامعة بنسلفانيا، بعدما غادر قطاع غزة، الذي عاش وترعرع فيه بعد أن عاد إليه طفلاً في عمر السادسة، بعد انتهاء والده الطبيب من رحلة علمية قضاها في ألمانيا.
الاهتمام في صنع المجسمات الكهربائية بدأ لدى البسيوني عندما أخذ يكتشف نفسه أول مرة في سن العاشرة، بعدما قام في تصليح جهاز مُعطلٍ لرش المبيدات الزراعية. كان والده الذي مُنع من العمل كطبيب بقرار إسرائيلي، بسبب نشاطه السياسي يستخدمه في بساتين البرتقال والزيتون، وما تلا ذلك من اهتمامات، قال إنها لم تكن تناسب مرحلته العمرية، «لكنها بالنسبة لي كانت الشغف»، هكذا يقول.
الطاقة النظيفة
هل كان الفضاء هو ما تحلم في الوصول إليه؟ هكذا سألناه؟
فقال: «عندما غادرت إلى الولايات المتحدة كنت أبحث عن المستقبل، والدي كان يريدني طبيباً، وأردت أن أكون مهندساً كهربائياً، العيش في غزة يعلمك الإصرار على بلوغ الأهداف، وها قد وصلت».
وأضاف: «أنا شخص تربى بين أحضان الطبيعة في حقول البرتقال وأشجار الزيتون، كنت أسعى لإيجاد وسائل بديلة تساهم في حماية البيئة من كل الملوثات التي تحيطنا من كل جانب، ولكن لم أكن أتوقع أن تكون «ناسا» هي المحطة، التي سأصل إليها، ولا أن يكون المريخ هو المكان الذي سيستقبل كل الأفكار التي تتزاحم في عقلي حول كيفية الوصول لتقديم خدمة للبشرية».
أصبح حديث وسائل الإعلام العالمية بعد وصول طائرة “إنجينيوتي” التي صنعها أخيرا للكوكب الأحمر
الشاب الذي تلقى تعليمه الابتدائي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، واجه خلال رحلته في أمريكا العديد من الصعوبات، لم يكن آخرها شعوره بالاغتراب، فالشاب الذي غادر قطاع غزة المكان الأكثر ازدحماً بالأحداث والأضيق في المساحة وهو في عمر التاسعة عشرة، لم يكن يعرف أن انتقاله للعيش في الولايات المتحدة سيجعله أمام مواجهة حقيقية مع حياة لم يكن يراها إلا في البرامج والأفلام.
صعوبات جمّة
الشعور بالوحدة، وانعدام سبل العيش، التي اعتاد عليها في بلدته بيت حانون، والتي كان يقضي وقته فيها إما باحثاً عن الجمال بعدسة كاميرته، التي كانت هوايته الثانية، أو عاملاً مع والده كمزارع في الأرض، لم يكن هو فقط ما واجهه المُهندس الفلسطيني، فبعد زيارته الأولى والأخيرة عام 2000 إلى قطاع غزة ومع بدء اشتعال أحداث انتفاضة الأقصى جرف الاحتلال الأراضي الزراعية لعائلته، وهو ما حال دون تمكن والده من مساندته في دفع مصاريف الجامعة لمواصلة تعليمه والوصول إلى شغفه وهو ما دفعه للتوقف عن الدراسة في سنته الدراسية الثانية.
وعن هذا قال: «لم يكن أمامي من خيارات سوى التخلي عن مقاعد الدراسة لصالح البحث عن فرصة عمل تساعدني على الأقل لمواصلة العيش، لم يكن الأمر سهلاً، كنت اضطر للعمل في مطاعم تقديم الوجبات السريعة، ومن ثم انتقلت للعمل في توصيل البيتزا، كنت أعمل لما يزيد عن المئة ساعة أسبوعياً».
وأضاف: «ازدادت الأوضاع صعوبة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عام2001، أصبح من شبه المستحيل أن أغادر وأتخلى عن حُلمي الذي انتظرته طويلاً، ولا أن أبقى تحت وطأة الإجراءات المُعقدة التي بدأت تواجهني كعربي يعيش في الولايات المتحدة.»
نقطة فارقة
وأوضح أنه في حينه تعرض للعديد من المواقف العنصرية، لكن أبرزها تلك التي تعرض فيها للضرب من قبل مجموعة من الطلاب بعدما قام بتوصيل «البيتزا» لهم، وشتموه بعدد من العبارات العنصرية، حيث تحولت هذه الحادثة لقضية رأي عام شكلت نقطة تحول في حياة البسيوني.
وأشار إلى أن تحول قضيته لتصبح مثار جدل في الأوساط الأمريكية دفع رئيس قسم الهندسة الكهربائية في جامعة كنتاكي، الجامعة التي كان يدرس فيها، لعرض فرصةٍ للعمل في القسم، قبل أن يصطدم مجدداً بعقبة عدم قدرته على مواصلة الدراسة، بسبب عدم حصوله على أوراق رسمية تؤهله لاستكمال الدراسة فيها.
حيث انتقل لجامعة «لويفيل» وأنهى فيها دراسته الأساسية عام 2002، وحصل على الشهادة الجامعية الأولى في هندسة الكهرباء، وبعدها بثمانية أشهر حصل على درجة الماجستير من الجامعة ذاتها عام 2004.
وعن انطلاقه في رحلة البحث عن فرصة عمل، لفت البسيوني إلى أن فرصته في الحصول على عمل يناسب عناء سنوات من الدراسة لم تكن كبيرة بالقدر الكافي، فلم يكن يحصل على حقوقه المالية كونه لا يحمل حقوق المواطنة، وكانت الفرص الأفضل تذهب لحاملي الجنسية الأمريكية.
الأمر الذي جعله يتنقل بين الشركات العاملة في مجال محركات السيارات الكهربائية، ومن ثم الطائرات الكهربائية، والطائرات المُسيَرة، حتى وقع عليه الاختيار ليكون رئيساً للفريق العامل على إنشاء أول طائرة عمودية مروحية، وذلك ضمن مشروع تعاقدت عليه الشركة، التي يعمل فيها مع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا».
وعن هذا يقول: «مجدداً تجربة فردية هذه المرة، دخلت في تحد كبيرٍ وفريق العمل، من أنه يجب أن ننجح في إيصال أول طائرة لكوكب المريخ، كنت في مزيج من المشاعر والأفكار، تتأرجح بين الشغف لتحقيق هذا الحُلم والقلق من فشل التجربة التي انطلقنا فيها سويا، عام 2014.
وواصل حديثه، لـ»القدس العربي»: انتهينا من وضع التصميمات، عام 2018، سبقها في ذلك إجراء الدراسات النظرية وعمل الحسابات اللازمة لضمان وصولها للمريخ، دون أن تنفجر إذا ما غادرت الغلاف الجوي للأرض، كان هذا التحدي الأكبر بالنسبة لنا».
فالصاروخ الذي حملها انطلق من الأرض في، يوليو/ تموز2020، ووصل في الثامن عشر من شهر، فبراير/شباط2021، في رحلة استغرقت نحو سبعة أشهر قطعت خلالها ملايين الأميال.
الدور الرئيس لبسيوني في هذا الانجاز التاريخي، يكمن في تصميم المحرك الرئيس للطائرة، والمحرك الخادم، وواجهة الكهرباء والأسلاك، كما ساعد في وضع خوارزمية العاكس، التي تتحكم في المروحية عن بعد، علاوة على التعامل مع مواد الرصاص الكهربائي والألياف الكربونية، التي تدخل في صناعة هيكل الطائرة.
فعلتها «انجينيويتي» ووصلت
ووصف البسيوني جملة المشاعر، التي انتابته خلال رحلته الطويلة للوصول لهذا الإنجاز، الذي احتفى به العالم كونه الأول الذي يصلُ إليه العلم الحديث، والتي اختلطت بين الفرح والخوف والقلق، قائلا: كنت أفكر لسنوات عديدة، أين سوف أكون في هذا اليوم؟ من الذي سيرافقني عندما أشاهد لحظة وصولها، أول علامات النجاح أنها لم تنفجر عندما خرجت من نطاق الغلاف الجوي، لقد فعلتها، وصلت انجنيويتي أخيراً للكوكب الأحمر».
وتابع «في اليوم الذي حلقت فيه الطائرة لم أنم طوال الليل وأنا انتظر توارد المعلومات، التي كانت تجمعها وتؤكد نجاح وصولها لسطح المريخ، لم أكن أعرف ما إذا كان علي أن أبتسم أم أبكي من الفرح، أم أشعر بالفخر لكوني الفلسطيني الوحيد، الذي استطاع أن يحقق هذا «لا يمكن وصف تلك اللحظة حقا»ً، هكذا يقول. وعن سؤالنا له حول الهدف من تسيير طائرة مروحية لكوكب المريخ، وعما إذا كان العلماء يبحثون عن حياة أخرى على كوكب غير الأرض، أوضح أن السبب الرئيس هو البحث عن تاريخ هذا الكوكب، الذي تقول الروايات القديمة المتداولة إنه ثمة حياة كانت فيه، مشيراً إلى أن الغرض الرئيس هو معرفة الماضي لاستشراف المستقبل.
ولفت إلى وجود سلسلة من المشاريع الموازية التي قد يتواصل العمل عليها مع وكالة الفضاء الأمريكي من أجل إثبات نظريات علمية ذات صلة بماهية الحياة السابقة على المريخ.
النجاح الذي حققه الغزيُ، الذي غادر القطاع في سن مبكر، دفعت الفلسطينيين وتحديداً في بلدته «بيت حانون» للاحتفاء به على طريقتهم الخاصة، بعدما بدأ مئات المهنئين بالتوارد لمنزل عائلته للتعبير عن فخرهم واعتزازهم بما حققه ابن بلدتهم، فيما قام آخرون بتعليق لافتات التهنئة في الشوارع والأماكن العامة كنوع من التقدير للبسيوني ،الذي قال: «إن أجمل ما وقع خلال هذه الرحلة الشاقة والطويلة، هو كم الفخر والفرح الذي أحاطني به الفلسطينيون في كل مكان وتحديداً في بيت حانون، الناس في بلدتي استطاعوا أن يحيطوني بالحب، رغم سنوات الغربة الطويلة، وأن يشعرونني بحجم الفخر كوني فلسطينيا، أنا حقاً فخور بفلسطينيتي».
هذا هو الفلسطيني
وأضاف: «هذا هو الفلسطيني، وهذه هي رسالته نحو العالم، إنه قادر على أن يفكر ويبدع في مجالات عديدة لن يكون الوصول للمريخ آخرها»، مشيراً إلى أن عمله في مجال الفلك والفضاء لن يتوقف عند هذا الحد، فهو يعكف على إنشاء شركة خاصة به، يمكن لها أن تجري تعاقدات مع وكالة «ناسا» من أجل مواصلة تحقيق مزيد من النجاحات».
أما حلمه الذي يبدو بعيد المنال، فهو أن يعود لغزة ولو لمرة واحدة على سبيل الزيارة، والتي قال: «يبدو أن الوصول إلى المريخ بات أسهل من الوصول إليها بعدما تحولت لسجن كبير منذ خمسة عشر عاماً، فتناول كوب من الشاي المصنوع على الحطب هناك برفقة عائلته، يعادل حجم الفرحة، التي عاشها عندما قالت له «انجينيويتي» ها قد فعلناها ووصلنا للكوكب الأحمر.
التعليقات مغلقة.