*العَدميون في سوريا يضربون في الهواء … ويمسكون الريح..!

 

الخميس 28/4/2016 م ..

كتب سليم نقولا محسنلا وجود لعدمية الجغرافيا، فجغرافية أي أرض موجودة، لا يمكن محوها، وإن كان يمكن حرق أرضها وجعلها جحيم لمُن يطأها..؟ إنما لن يطالها العدم،  كما التصور الحرفي، لما ورد في التكوين التوراتي لحالة الخراب والعَماء، وإنما هذا هدفا أمريكيا أوروبيا يتقصدونه في حرفيته لمنطقتنا دون مواربة، إن أمكن، لبشر من الشياطين، وهو إن ظهر كهوس مجنون، تستقدم له كل الوسائل لتنفيذ ما يشبهه، لكنه ممكن التحقق ضمن ما وصلت إليه إمكانات التطور العلمي للدول العظمى، وليس هذا القول محاولة للدفع إلى التيئيس أو الإحباط..فعليهم أي الغربيون كما يعتقدون، أن يصنعوا جهنما لسَكن عالم الشياطين..؟

 ولكن ليس من المفترض للمتابعين الأخذ بحرفية الأقوال المتعددة المرصوفة أو المبعثرة، وإنما بروحها، كي يصلوا إلى جوهر المعنى والمغزى الذي تشير إليه عباراتها وجملها، فالحَرف يميت كما تعلمنا أما الروح فيُحي، إذا فمن الأفضل هو استيعاب ما تنجزه الحروف من كلمات، وجمل، وإدراك روح المعاني فيها، ذلك الذي يصر التعليم المتوارث على تحريمه، كي نبقى في الجهل والمجهول..؟

  فالعدمية يمكن أن تحصل على أرض واقع جغرافي محدد، لكن هذا لا يطال الأرض والوجود المادي لها، كأن تختفي، لذا فالمقصود في العدمية: عدمية الوجود الاجتماعي، لا إنتاج، لا اقتصاد، لا استقرار، لا وجود للمجتمع الإنساني، وبالتالي لا حاجة للمنتظم السياسي ومؤسساته، والدولة، وإنما اجتماع بشري على أرض محددة شبيهة بمخيمات اللجوء الخ؟. لا يمكن أن تنتج مجتمعات إنسانية سياسية، وهذا ما تسعى إليه تلك الدول وإلى إبقاء حالته كما هي إلى ما شاء الله؟، فقد صنعت هراوات ضخمة لمن يتحرك، أو لمن هو قابل للحياة، والبناء، فعلى هذه الأرض ممنوع الكلام ممنوع الحوار، ممنوع الفكر..؟ فمَن وراء الأحداث المعممة المستنسخة التي تنقلت من قرية إلى أخرى ومن مدينة لأخرى، بما صدر عنها من قتل جماعي ومذابح وتعذيب وخطف، وما نتج عنها من تهجير وإفناء للنسل والضرع وإشاعة الرعب وما يمكن أن تسمى هذه الأحداث..؟ ألم يكن المقصود منها تقسيم الجسم المجتمعي المستقر وتذريره ونشر الفوضى، ألا تنتج الفوضى الدائمة حالة عدمية..؟

وكما هو معلوم فإن أي إنسان لا بد أن ينطلق من معطيات، وهنا لا بد من العودة إلى مقولة يؤخذ بها كمسلمة، للبدء منها ضمن إطار موضوعي علمي، وهي أن الجهد الإنساني وواقعه الذي يطلق عليه علاقات الإنتاج، هو من ينتج تطور الفكر ، كما ينتج الوعي، وينتج المجتمع الإنساني كما شكله وظروفه في جدلية مستمرة إلى صيرورة إيجابية، هنا المخيلة يمكن أن تعمل حتى في عالم الحلم على بناء التصور المثالي، ولنقل الإبداعي، ومن هنا تبدأ من واقع موجود له مقوماته، أيا تكن بدائيته وبساطته، ومن ثم لتنقله إلى هذا الواقع لتجسده عليه وتجدده..هكذا ينشأ التطور؟

أما ما الذي يمكن أن يتصوره إنسان مضطهد مقموع ينتجه الفراغ، ومصنع الموت، هذا إن وجدت له مخيلة وإن تكن بدائية، وما الذي يمكن أن تنتجه هذه المخيلة، فلا وجود لفكر إنساني، لا احتضان له من مجتمع إنساني طبيعي، فهو لن يولد وإن ولد يموت في مهده..؟ هذا إن افترضنا وجوده في حالة  بدائية، وإن افترض أنه انتقل إلى العوالم غير الحسية، فإنه في الواقع ينتقل من عدمية واقع إلى متخيل ضبابي وحشي يعيش في الفراغ لا ملامح له ولا إسناد، إنه فراغ آخر وعدمية أخرى، فالإنسان يحمل وجوده إلى عوالم الحلم لكن بأشكال ورموز أخرى، فإذا أراد العودة بكل تصوراته الإبداعية المحدودة إن وجدت، فماذا يحمل معه: عدمية ربما مخففة، فليس من مكان له ولها، وعلى أي وجود يشيدها حيث لا وجود..؟

هذا ما يحدث ممن هم يحاولون البحث في مجتمعاتنا عن معنى لوجود مفقود، لن ينتجوا شيئا، وإنما يضربون الفراغ، ويمسكون الريح، إنهم يحاولون أن يقولوا نحن موجودون، لكنهم يصرخون ولا يقولون شيئا، إنهم أحيانا يتمظهرون بالعقل، ومن أين لهم؟، فيبنون كلمات على الكلمات وجملا يجترونها لا معنى لها، إن تحدثت تحدثت في لغة عدمية عن عدمية وفراغ لا يفهمها أحد، ولكن يعرف مضمونها مَن وضعوا أيديهم على الجرح النازف والمأساة..؟ لذا يكثر في هكذا أوضاع المنجمون، والراقصون، والمدعون بما لا يعلمون، ومتقدموا الصفوف والعراضات،  ومتصدروا الموائد، ومَن لهم أول الكلام والصريخ وكل الكلام، بما فيهم البوجقجية والجقجقجية المتأنقون وكل صنف من أشباه الرجال، وأيضا أصحاب البهلوانات والخبثاء، كل منهم يريد الصورة الأولى ليمسك من خلالها وجوده المفقود..؟

فكيف للمراقبين الغرباء والمحليين، إذا شاهدوا هذه المهازل وعرفوا بواطنها أن يصنفوا هؤلاء المتسكعين في الحواري وشوارع المدن وعلى أبواب السفارات ومباني أجهزة الأمن، هؤلاء اللقطاء الذين لملموهم ليسمونهم شخصيات معارضة، وليعرضونهم كممثلين لشعب لا يعرفهم ولا يريدهم، يترحلون بهم إلى عواصم العالم ومباني الدول وجمعية الأمم المتحدة في جنيف، ليؤدون أدوارهم وما تدربوا عليه، أليست مهزلة تدعوا إلى البكاء، وما الذي يمكن أن يقال فيهم: أليسوا نتاج العدمية، أليس تجمع المافيات والمهربين واللصوص والشبيحة وبلطجية الشوارع والخارجين عن القانون، الذين يعلوا صوتهم فوق كل صوت، والذين يسمون أنفسهم ثوارا وما يقومون به من خراب ثورة، أليسوا نتاج العدمية..؟ 

 فما شاهدناه وما حدث على أرض الواقع، كان الفوضى التامة، كنوع من العَماء، لكن ليس كما جاء في التكوين التوراتي عن بدء العالم، التكوين افترض أن الأرض كانت خربة وعلى وجه الأرض غمر (عدمية مطلقة) وروح الله ترفرف، وهذه الروح هي مَن بادرت في التكوين، لكن الفكر البشري هنا، إن قدمته المنطقة، وإن وجد هذا في طفرة غير محسوبة وسط هذا العَماء والخراب، لن تكون له القدرة على الخلق، لإتمام النمو والتطور إلى الياء حيث الكمال، ولا بد أن مَرَدَ عجزه لكونه صادر عن العدم، وهذا سيوقعه في دوامة الجهد العبثي المضني، والمفارقة المُرعبة.. التي قد  تساهم في خربة أخرى يجلس هذا الفكر تائها على تلتها..؟

وربما مَن خطط ونفذ هذه الحالة العدمية وجعلها واقعا، كان يفكر في طريقة أخرى ، كإله مثلا: قادر وحده على الخلق الجديد في العالم الجديد..؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.