الجنود الصهاينة يبكون رعبا وقلقا … الخطر بات وجوديا!!

الأردن العربي – الخميس 6/5/2021 م …




كتب عباس الزين …

مع انسحاب “إسرائيل” من لبنان في العام 2000، ثم قطاع غزة في العام 2005، مروراً بعدوان 2006 على لبنان، وعدواني 2008 و2014 على قطاع غزة، كانت التهديدات الوجودية التي تواجهها تتزايد فعاليتها.. كيف حصل ذلك؟

قام كيان الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948 على فكرة “تفوق القوة العسكرية”، أي تعاظم قدراته العسكرية وهيمنته الاستراتيجية على المنطقة. صَاحَب ذلك ضرورة الحفاظ على منظومة متكاملة من “الردع” أمنياً وعسكرياً، تمنع أي جهة من تهديده، ومن الحد من قدرته على التوسع جغرافياً والتغول في الأراضي العربية، وشن الاعتداءات أيضاً.

أسّست هذه الفكرة في السنوات التي تلت إعلان إنشاء الكيان، لتصوّر مفاده أن “إسرائيل” لديها أولوية تتعلق بالحفاظ على هيمنة قدراتها العسكرية في المنطقة، فبات الكيان بصورته التي قام عليها مرتبطاً بالقدرة على فرض تلك الهيمنة ومواجهة كل ما يهددها.

لذلك، يمكن الإشارة إلى حدثين تاريخيين تدخلت فيهما “إسرائيل” بشكل مباشر بعد سنوات من إعلان قيامها المزعوم، للحفاظ على هيمنة قوتها العسكرية. الحدث الأول يتمثل في تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر قناة السويس. حينها، شعرت “إسرائيل”، بمعزل عن أهداف بريطانيا وفرنسا، بأن قدرة مصر على الاستفادة من عائدات قناة السويس سيعطيها حافزاً لتطوير قدراتها العسكرية، من خلال تحرير الإنتاج الوطني من سطوة الخارج، وإيجاد مصادر دخل يمكن توجيهها للوصول إلى هذا الهدف.

ويتمثل الحدث الثاني في حرب العام 1967. ومن أسبابها، ضرب المخطط المصري المتعلق بالصواريخ الباليستية، الذي كان حينها قد شارف على الانتهاء وتطوير القدرات العسكرية المصرية، وهو تحول يأتي بطبيعته نتيجة صمود القرار المصري بتأميم القناة في عدوان العام 1956.

توضح هذه الأحداث التاريخية أن الأولوية لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي، والتي دفعته إلى الانخراط في هذه الحروب، كانت الحفاظ على الهيمنة العسكرية ومنع أي طرف في الجهة المقابلة من الوصول إلى مستوى من الردع يستطيع من خلاله إعاقة التوسع الإسرائيلي جغرافياً أو فرض سياسات معينة في المنطقة.

إلى جانب ذلك، إن الردع بمفهومه لم يكن حينها يتعلق بـ”إسرائيل”، لأن الكيان في الفترة التي تلت إعلانه كان في حالة هجومية مستمرة تسعى إلى منع نشوء أي قوة “رادعة” دفاعية في وجهه… فما الذي تغيّر؟

بروز القدرة على “ردع” كيان الاحتلال يمكن ملاحظتها في حرب العام 1973، عندما استطاع الجيشان المصري والسوري التقدم وتحرير أراضٍ محتلة في الساعات الأولى من الحرب. وبعيداً من النتائج السياسية لتلك الحرب، فإن اللحظة المفصلية التي يمكن الحديث عنها لبروز قوة “الردع” كانت بتحرير الجنوب اللبناني في العام 2000، لأنها جاءت تحت ضغطٍ عسكري استمر لسنوات، ومن دون قيدٍ أو شرط، ثم جاء عدوان تموز على لبنان في العام 2006 ليثبّت معادلة الردع العربية الأولى كاستراتيجية قادرة على منع الاحتلال، من خلال القدرات العسكرية، وليس “القوة العسكرية المادية”، من شن عدوان وحسمه أو تحمل أعباء كارثية على المستويات كافة، والتي ظهرت جوانبها في لجان التحقيق الإسرائيلية بعد ذلك.

حرب 2006 نقلت الردع إلى يد محور المقاومة

وهنا، نذكر أيضاً ما قاله منسق شبكة “أمان” للبحوث والدراسات الاستراتيجية، المرحوم أنيس النقاش، خلال مقابلة مع قناة الميادين في آب/أغسطس 2019، حين أشار إلى أن “انتصار تموز 2006 نقل قوة الردع من يد إسرائيل إلى يد محور المقاومة”، وهو تأكيد لما ذكره تقرير “التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط” الصادر عن جامعة “تل أبيب” في العام 2007، والذي شدّد حينها على أن “قوة الردع الإسرائيلية تضررت في أعقاب حرب لبنان الثانية”، باعتبار أن تلك الحرب “مسّت بصورة الردع الإسرائيلية، وكشفت نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي وعملية صنع القرارات في إسرائيل”.

عند الحديث عن حرب تموز/يوليو 2006 كمحطة مفصلية في “الردع” ضد كيان الاحتلال، فإننا نتحدث أيضاً عن كونها مرتكزاً انطلقت منه جميع مكونات محور المقاومة لتثبيت تلك المعادلة في جبهاتها. ومع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005 ،كان الامتحان الأبرز لدى فصائل المقاومة في القطاع هو فرض معادلات الردع اللازمة لمنع الاحتلال من إعادة سيطرته على القطاع، فجاء عدوان العام 2008 على غزة بعد عامين من عدوان تموز، ليؤكد أن “الردع” لدى المقاومة الفلسطينية متوفر بعوامله الميدانية والعسكرية. بعد ذلك بسنوات، كان عدوان العام 2014، واستطاعت المقاومة الفلسطينية تثبيت معادلة الردع والاحتفاظ بها وتنميتها لوجستياً وأمنياً خلال السنوات اللاحقة التي حصلت فيها جولات متقطعة من القتال، فرضت من خلالها المقاومة الفلسطينية شروطها بوقف الاعتداءات، وباتت معادلة “تل أبيب تحت القصف” بصفتها “قوة رادعة” حاضرة لحماية قطاع غزة وأهله.

شهدت تلك القوة تطوراً. وخلال الأسابيع الماضية، لم يتمحور القلق الإسرائيلي حول الخوف من اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية والقدس المحتلة فحسب، ولكنه كان يدور أيضاً حول دخول مدينة القدس المحتلة ضمن معادلة الردع لقوى المقاومة الفلسطينية، إذ إن تراجع الاحتلال عن إجراءاته في المدينة يرتبط بشكل أساسي، إلى جانب هبة المقدسيين، بعشرات الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية باتجاه المستوطنات، لإجبار الاحتلال على التراجع عن إجراءاته القمعية في باب العامود.

كذلك، إن الموقف الأخير لقائد كتائب القسام محمد الضيف الذي حمل شعار “التحذير الأخير”، والذي تم ربطه بإجراءات الاحتلال الهادفة إلى تهجير أهالي حي الشيخ جرّاح، نقل معادلة الردع الفلسطينية إلى مرحلة جديدة، باتت فيها أكثر قدرةً، لا على توسيع دائرة حضورها العسكري والأمني فحسب، بل دفع “الردع الإسرائيلي” أيضاً إلى التآكل بشكلٍ متسارع.

من غزة، إلى القدس المحتلة، إلى الأحياء المهددة بالتهجير داخل القدس المحتلة، تطوّرت معادلة الردع لدى المقاومة الفلسطينية لتصل إلى “تل أبيب”. ومن بيروت، إلى جنوب لبنان، إلى الشريط الحدودي، ومن ثم إلى سوريا خلال العقد المنصرم، تطوّرت معادلة الردع لدى المقاومة في لبنان، لتصل إلى “الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة”.

لم يقف الأمر عند ذلك الحد، إذ إن معادلة الردع طالت أيضاً إمدادات الأسلحة إلى فصائل المقاومة، وخصوصاً أن “إسرائيل” كانت تحسب حساباً عسكرياً لاستهداف مسار العتاد خلال السنوات الماضية، وهو ما عبّرت عنه صحيفة “معاريف” الإسرائيلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بقولها إن “موافقة إسرائيل على دفع الثمن أدت إلى أن تكون أيدي الجيش الإسرائيلي مكبلة في أحيان كثيرة في عملها ضد تهريب الوسائل القتالية وعتاد الصواريخ الدقيقة من سوريا إلى لبنان”. المقصود هنا ما تحدث عنه الأمين العام لحزب السيد حسن نصر الله، حين قال إن أي “مسّ بعناصر المقاومة على أرض سوريا، سيقابل بالمس بجنود إسرائيليين”.

المسار المستمر لعملية سقوط “القوة العسكرية الرادعة” لـ”إسرائيل” أمام معادلات الردع التي فرضتها فصائل المقاومة، يمس بشكلٍ مباشر، كما ذكرنا آنفاً، الاستراتيجية التي قام عليها هذا الكيان، الذي ربط وجوده وأمنه بتوازن القوى العسكرية، وبتفوقه العسكري أيضاً، فبات أي اهتزاز في الموازين، وإن كان يؤدي إلى توازن في القوى فحسب، يعرضه لخطرٍ وجودي.

لذا، إن تحليلات الأمن القومي الإسرائيلي المتعلقة بمحور المقاومة في المنطقة لا تصف قوى المقاومة بـ”التهديد” أو “الخطر” فحسب، بل تصفها أيضاً بـ”التهديد والخطر الوجودي”. والسبب أنّ قوى محور المقاومة تسير ضمن مخطط استراتيجي متين قام على تراكم الخبرات العسكرية والأمنية والسياسية خلال العقود الماضية، سيمكنها من تحويل “الردع” إلى حالة هجومية تمس جوهر وجود كيان الاحتلال، لارتباطه المباشر بتفوق قوته العسكرية، وتحديداً تأثير هذه القوة، بعد أن استطاعت تثبيت “الردع” كحالة دفاعية تمنع الاحتلال من شن اعتداءات أو عمليات عسكرية هدفها التوسع جغرافياً.. لتنتقل من ردع القوة الإسرائيلية إلى قوة الردع في وجهها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.