من الداخل … لهذه الأسباب وغيرها داعش إلى زوال / احمد قرحات
الأردن العربي ( الإثنين ) 2/2/2015 م …
لم يكن تنظيم داعش يوماً حالة ذات استمرارية، بل إنه يحمل في طيات تكوينه ونشأته ومنهجه علة سقوطه.
تقنيات التصوير والإرهاب وغرس سموم التفتيت، أبهرت العديد من الجهات، وجعلت من هذه الجماعة، الوحش الذي لا يقهر، غير أن نظرة متمحصة، تكشف عن هشاشة هذا الوحش فكرياً وميدانياً.
في إبراز قوة داعش، كان للإعلام الغربي بشكل أساسي كما العربي دور مشبوه، في تظهير مسلحي هذا التنظيم، وتحولت العديد من وسائل الإعلام عن قصد أو غيره إلى “تنسيقيات داعشية”، تعرض ما ينشره هذا التنظيم من ألوان التنكيل والإجرام، تشفياً كان من حكومة رفضتها، أو لغايات تريدها غرف سوداء وتعمل عليها، بهدف بث الرعب في صفوف الشعوب، والمساهمة في تمدد دولة الإجرام.
وفي الميدان، كانت هذه الجماعة ومنذ بدايات ظهورها تتلقى الضربات العسكرية، غض الإعلام الطرف عنها، ونشرها في بعض الأحيان خجلاً، أدت إلى انسحابها من ريف اللاذقية الشمالي إلى محافظة الرقة، بعد مقتل عشرات المسلحين بينهم قياديون أوائل العام الماضي، وكذلك خسر داعش مدينة دير عطية بمنطقة القلمون بعد أسبوع واحد فقط من المعارك مع الجيش السوري، فيما مواجهات دير الزور وريفي حمص والحسكة المستمرة، شاهدة على الخسائر الكبيرة.
باكراً كان للجيش السوري حضوره القوي بوجه الجماعات المسلحة، ودكت طائراته مقرات داعش في دير الزور والرقة أدت إلى مقتل مئات المسلحين، بينهم العديد من الجنسيات الأجنبية، الأوروبية والعربية، في وقت كانت دول الغرب والإقليم تروج لهذا التنظيم، وتقدم له الضمانة السياسية والتغطية الإعلامية.
تفنن داعش في ابتكار صور الإجرام، أغلبها إعدام أبرياء عزل، بقطع الرأس تارة، وبإطلاق النار على رؤوسهم تارة أخرى، وفق مشروع سياسي تكفيري تحدث عنه زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، بأنه قائم على السيف حتى قيام الساعة.
الزرقاوي والمقتول بغارة جوية في العراق عام 2006 لم يكن هو الآخر سوى بالوناً، نفخه الإعلام الغربي، الأميركي على وجه الخصوص، بهدف إثبات علاقة نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة آنذاك.
الجزراويون الحلقة الأضعف
الجزراويون في داعش الحلقة الأضعفوفي داخل داعش، آلاف المسلحين من 80 جنسية وثقافة، من الصعوبة بمكان إلتقائهم على أسلوب عمل موحد، وإن توحدت الأهداف، وهذا ما يبرر القتال الداخلي الذي نشب مؤخراً بين العرب والأتراك من جهة والقادمين من مناطق آسيا الوسطى من جهة أخرى (الاوزبك والشيشانيون وغيرهم)، فيما طرحت تساؤلات عديدة حول مستقبل العنصر السعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام (الجزراوي)، خصوصاً بعد مقتل القيادي العسكري والمفتي الشرعي السعودي عثمان آل نازح، الذي كان المحرض الأول له للإنضمام إلى هذا التنظيم. وسرت أخبار عن أن آل نازل قتل اغتيالاً وليس في معارك كوباني، كما نعاه التنظيم.
ونشبت خلافات بين الجزراويين والعراقيين بسبب السلطة، بعد محاولة لإقصاء حاملي الجنسيات السعودية من مراكز القيادة، وتصفيتهم في كثير من الحالات.
واعدم أحد الأمنيين في داعش المدعو “أبو إسلام الأنباري” (عراقي الجنسية كما يستدل من اسمه)، مؤخراً السعوديين “أبو الزبير” و “أبو عاصم” بتهمة شق صف الجماعة، فيما اعدم آخرون بتهم “الغلو والتطرف”، وسط تأكيدات على ان هذه الإجراءات هي تصفيات داخلية بالأساس، فيما تحدثت أنباء عن إعدامات بالجملة للجزراويين في مدينة الرقة.
وفي وقت يحاكم أبناء الجزيرة العربية بتهمة التطرف وشق الصف، يعدم السوريين الذين وصلوا إلى داعش بعد قتالهم مع الجيش الحر أو جبهة النصرة، بتهم الخيانة والعمالة للنظام، والتشكيك في البيعة، وهذا ما حصل مؤخراً مع 7 مسلحين تم قتلهم في العراق، فيما وقعت حالات عديدة مشابهة في الرقة ودير الزور خصوصاً.
وفي الآونة الاخيرة، طفت إلى الواجهة حالات هروب من التنظيم، أبرزها القاضي الشرعي العام في مدينة تل أبيض في ريف الرقة السعودي المدعو “أبو علي الحربي”، وكذلك مسؤول ما يسمى الحسبة أو ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف ابو طلحة الكويتي، كما حدثت مواجهات بين فارين وأمنيين من التنظيم، أدت إلى مقتل عدد منهم، أبرزهم السوري مصطفى العمر الملقب بـ “التمساح”، فيما ذكرت مصادر مطلعة أن عدد الهاربين بلغ أكثر من 150.
كما أن جهات عديدة شككت في نوايا قيادة داعش تجاه السعوديين، حيث جعلت منهم وقود الجبهات، ودفعتهم إلى العمليات الإنتحارية بكثافة في سوريا، وهذا من شأنه تسعير نار الإختلافات، ويهدد بخروج الأمور عن السيطرة، بحال انفجرت الأمور، خصوصاً وأن السعوديين هم العدد الأكبر من المقاتلين.
ويستحوذ العراقيون والشيشانيون على المناصب الرفيعة في كيان داعش، أبرزهم القائد العسكري الجورجي من أصل شيشاني ترخان باتيراشفيلي والملقب بعمر الشيشاني، ورئيس مجلس الأمن والاستخبارات أبو علي الانباري، فيما استندت الإدارات المحلية إلى التونسيين والليبيين، خصوصاً في سوريا، ما أثار استياء العديد من مسلحي البلد.
وتحدثت بعض الجهات الإعلامية القريبة من تنظيم القاعدة عن صراع خفي داخل داعش – العراق، بين عشائر التركمان والجبور، أدت إلى مقتل العشرات بين قادة ومسلحين.
ثورة عشائرية
مسلحو داعش اجتماعياً، فشل داعش في تقديم الخدمات للمواطنين تحت سيطرته، ما يجعل منه كياناً غير قادر على البقاء لفترة طويلة، كما أنه يحمل أفكارا من الصعب أن تنمو في مجتمع عربي إسلامي، عرف المحبة التعايش والألفة لمئات السنين، فيما استمرارية هذه الجماعة مرهونة بتعاون دول الجوار السوري والعراقي وقطع الدعم عنها، السياسي والإعلامي والعسكري.
وانتهجت هذه الجماعة سياسة عدائية تجاه العشائر الموجودة في العراق وسوريا، على سبيل المثال تشريد عشيرة الشعيطات في دير الزور، بعد قتل الشباب والرجال في أكبر مذبحة عرفتها البلاد خلال التاريخ الحديث.
وفي مجتمع عشائري، يعتبر الزواج من الأمور المهمة، حيث خلفت سياسة داعش بإجبار القاصرات على الزواج من مسلحيه، وبمعاقبة من يرفض، موجات من الإستياء، فيما لجأت العائلات إلى تزويج بناتها القاصرات على عجل، خوفاً من أن يتم تزويجهن بالقوة، كما سجلت عمليات اغتصاب بحق نساء في سوريا والعراق، وسبيهن.
وتمهد هذه الأفعال لثورة عشائرية ضد تنظيم داعش، بدأت بوادرها بالظهور في بعض المناطق السورية، بعمليات اغتيال طالت العديد من مسلحيه، قد تزيد من تقهقره وتراجعه في الميدان.
التعليقات مغلقة.