الضفة الغربية ، بين أوسلو وقوننة الضم … ابراهبم ابو عتيلة

 

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الثلاثاء 3/5/2016 م

منذ ان تم توقيع اتفاقية ” أوسلو ” الأولى في أيلول / سبتمبر 1993 والتي تنازل فيها القائمون على ” منظمة التحرير الفلسطينية ” حينذاك رسمياً عن 78 %  من أراضي فلسطين التاريخية واعترافهم ب ” اسرائيل ” وحقها في الوجود ، وصولاً إلى تفاقية ” أوسلو ” الثانية الموقعة عام 1995 والتي قضت بتقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام لكل منها ترتيبات وسلطات أمنية وإدارية مختلفة ، مع وجود نية لدى  الكيان الصهيوني بعدم الاعتراف بأي حق فلسطيني على الأرض الفلسطينية ، فتلك الأرض في نظر الصهاينة هي ملكية خالصة لبني صهيون غير قابلة للتصرف أو المشاركة ، وإن كان من اعتراف بشيء من قبل الصهاينة ، فهو لا يتجاوز الاعتراف بإدارة سلطة الحكم الذاتي للسكان دون أي سيادة على الأرض ، فمع توقيع اتفاقية أوسلو الثانية يتضح المعنى بشكل جلي وواضح ، فمناطق ( أ ) التي تمثل 18% من مساحة الضفة الغرية وتضم كافة المراكز السكانية الرئيسية وتخضع لسيطرة فلسطينية أمنياً وإدارياً كاملة – نظرياً –  حيث أثبتت الأحداث أن لا سيادة لسلطة الحكم الذاتي –  للسلطة الفلسطينية – على تلك المنطقة حيث يخترقها الصهاينة في كل وقت يفتشون ويعتقلون ويدمرون ولا من رادع ، أما مناطق ( ب ) والتي تبلغ مساحتها 21 % من مساحة الضفة الغربية وتشكل القرى والبلدات الملاصقة للمدن وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية وهذا لا يعطي السلطة الحق بممارسة مهامها بالشكل الطبيعي في تلك المناطق فوضعها الأمني والإداري من وجهة نظر فلسطينية أسوء بكثير من مناطق ( أ ) ، فيما تشكل مناطق ( ج ) 61 % من مساحة الضفة الغريية وهي المناطق الوحيدة المتلاصقة وغير المتقطعة في الضفة الغربية، وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة أمنياً وإدارياً ، ولقد اصببحت هذه المنطقة مرتعاً لقطعان الصهاينة يفعلون فيها ما يريدون علاوة على تفشي السرطان الاستيطاني فيها وتضخم المستعمرات بشكل جلي وواضح ، فمنذ توقيع إتفاقية أوسلو تضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين خمسة أضعاف مما كانوا عليه قبل عام 1993 ، مستغلين بذلك الاتفاقية والمفاوضات العبثية المراثونيية والتي لم تتجاوز كونها ملهاة للمفاوضين الفلسطينيين وللسلطة الفلسطينية .

ومع تقادم الاحتلال ظهر جلياً تناقضاً قانونياً في مناطق الضفة الغربية المختلفة في ظل التعامل بقوانين مختلفة – إسرائيلية وفلسطينية – تختلف من منطقة لأخرى ، فإن كانت سلطة الحكم الذاتي ” السلطة الفلسطينية ” تستطيع – إلى حد ما – تطبيق بعض القوانين الإدارية في مناطق ( أ ) إلا انها لا تستطيع شيئاً في بقية المناطق علماً بأن الكيان الصهيوني يتعامل مع مناطق – ( ب ) و ( ج ) – كمناطق خاضعة لسيطرته ، فمناطق ( ب ) بمثابة منطقة حدودية  يهتم الصهاينة بها لأغراضهم ولخدمتهم ، وأما مناطق ( ج ) فكأنها تابعة بالكامل للكيان الصهيوني.

ومع تزايد أعداد المستعمرات الصهيونية وتزايد سكانها والذي أصبح عددهم قرابة نصف مليون مستوطن، علاوة على ما يزيد عن رع مليون مستوطن آخر يعيشون في القدس ، ومع تزايد نفوذ هؤلاء المستعمرين في مراكز صنع القرار الصهيوني ، فقد قالت وزيرة العدل الإسرئيلية ايليت شاكيد في – قبل يومين – بإنها تسعى لسن قانون “ينص على تطبيق القوانين الإسرائيلية على المستطنات والمستوطنين في الضفة الغربية” ومن أجل ذلك فقد قامت بتشكيل طاقم مع وزارة الحرب الصهيونية لبحث سبل تطبيق القوانين بعد تحويلها إلى أوامر من قبل الحاكم العسكري ، ولقد جاءت أقوال الوزيرة الصهيونية  خلال “مؤتمر المنتدى القضائي لصالح أرض إسرائيل” والذي عقد مساء يوم (الأحد) .

أما على الجانب الفلسطيني فقد جاء في بيان ” لوزارة الخارجية الفلسطينية “  أن “الحكومة الإسرائيلية ” تهدف منذ زمن بعيد إلى تهيئة المناخ لفرض حقائق جديدة على الأرض، كان آخرها الدعوات العلنية التي أطلقتها وزيرة العدل في حكومة نتنياهو (ايليت شاكيد) ، كخطوة لضم الضفة الغربية لإسرائيل” وترى الخارجية الفلسطينية في دعوات شاكيد، “بالونات اختبار للمجتمع الدولي لمعرفة ردود أفعاله تجاه القرار الإسرائيلي”، مطالبة المجتمع الدولي بـ”التعامل بمنتهى الجدية مع مخاطر تلك الدعوات” فالواقع هنا يؤكد بأن تنفيذ دعوات شاكيد فيما لو تم ، يعني بالضرورة ضم الضفة الغربية للكيان الصهيوني .

          ولم يتوقف القول عند تطبيق القوانين الإسرائيلية  بل تجاوز الأمر ذلك حيث كشف رئيس مجلس المستعمرات في الضفة الغربية شيلا إلدار، النقاب عن أن البرلمان الصهيوني (الكنيست) سيمرر قريباً مشروع قرار لضم الضفة المحتلة للكيان الصهيوني ، مشيراً إلا أنه قد حصل على تعهدات من وزراء ونواب حزب الليكود الذي ينتمي إليه بالإضافة إلى قادة حزب “البيت اليهودي”، بأن يتم إصادر قانون يشرع ضم الضفة الغربية ، مشددا على أن هذا المشروع “سيكون على رأس أولويات كتل اليمين البرلمانية” حيث لقي ذلك تأييداً من قبل نائب وزير الحرب الصهيوني “الحاخام إيلي بن دهان ” القيادي في “البيت اليهودي ، حين قال أن “ضم يهودا والسامرة (الاسم العبري الذي يطلق على الضفة الغربية) هو أمر الساعة وبأن الظروف الإقليمية والدولية تسمح بذلك” ، فيما توالت الأخبار بأن وزراء بارزين في الحكومة الصهيونية يقترحون ضم الضفة الغربية “بشكل متدرج”، على يتم في البداية ضم مناطق “ج”، التي تشكل 61 في المئة من مساحة الضفة الغربية يتبعها ضم بقية المناطق وعلى أن يعرض على السكان الفلسطينيين غي تلك المناطق إما الحصول على المواطنة ” الإسرائيلية “  أو منحهم حق الإقامة” علماً بأن هناك أصوات صهيونية تعارض عملية الضم الكاملة للضفة الغربية لكونها تتعارض وشعار يهودية الدولة فهؤلاء يرون بعدم الحاجة لضم المناطق ذات الكثافة البشرية العالية ( مناطق أ ) مما يعني ترجيح عملية الضم التدريجي .

ولعله من المستغرب بأن يتم طرح مشروع القانون في ظل إجماع ” إسرائيلي” متصاعد حول أهمية دور السلطة الفلسطينية في الحفاظ على أمن المستوطنين حيث يؤكد غالبية الصهاينة إن إسرائيل “ليس بإمكانها ضمان أمنها دون تعاون السلطة الأمني” والتي قامت بإحباط عشرات العمليات التي خططت لاستهداف المستوطنين والجنود” خلال  الأشهر ستة الأخيرة .

ومن المتوقع أن يحظى طرح قانون ضم الضفة الغربية ولو بالتدريج على أغلبية أعضاء الكنيست الصهيوني في الوقت الذي رفضت فيه ” اسرائيل ” بشكل قاطع المبادرة الفرنسية التي تدعو إلى احترام “حل الدولتين” ناسفةً بذلك أحلام السلطة الفلسطينية ، كما يؤكد المراقبون بأن “اليمين الصهيوني ” قد اختار هذا التوقيت أي قبل الانتخابات الأمريكية بعام واحد الأمر الذي ستكون فيه الولايات المتحدة مشغولة بانتخابات الرئاسة ولن تكترث لما يجري في المناطق الفلسطينية ، ومن جانب آخر يصر اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني على تنفيذ خطة الضم مقابل استمراره  في الحكومة مما يعني إن عدم قبولها من قبل نتنياهو انتهاء حكومته  والإعلان عن انتخابات جديدة من شأنها أن تعيد اليمين مرة أخرى إلى الحكم دون وجود نتنياهو فيها وبصورة أكثر يمينية مما هي عليه اليوم .

وفي الختام ، فإن من الأسباب التي دفعت باليمين الصهيوني لطرح مثل هذا القانون ، ما يلي :

1.      التزايد الكبير في أعداد المستوطنين في الضفة الغربية خاصة على أراضي مناطق ( ج ) البالغة 61% من أراضي الضفة الغربية والتي وضعتها اتفاقية أوسلو الموقعة بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ، حيث كفلت تلك الاتفاقية عدم تدخل او تواجد أي نفوذ للفلسطينيين فيها .

2.      قوة نفوذ اليمين الصهيوني وقوة نفوذ المستوطنين في الحكومة والكنيست وبما يشكل 20 % من الحكومة .

3.      التخلي عن خيار المقاومة أو إسقاطه من قبل السلطة الفلسطينية واعتبار المفاوضات الطريق الوحيد للنضال الفلسطيني ، وفي سبيل ذلك قامت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بمحاصرة ومضايقة واعتقال كل من يتبنى هذا الخيار .

4.      الانقسام الفلسطيني بين حماس وفتح وتفرد رئيس السلطة الفلسطينية باتخاذ القرارات الحاسمة دون اعتبار للهيكلية الفلسطينية التي كانت راسخة قبل اتفاقية أوسلو والتمنع عن تبني برنامج وطني لتطوير منظمة التحرير الفلسطينية .

5.      غياب المشروع الوطني الفلسطيني الذي يلتف حوله الشعب الفلسطيني وذلك بعد أن قام القائمون على السلطة بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني .

6.      الوضع العربي المتأزم بعد أن تم إضعاف الدور الاقليمي والقومي لمصر وبعد تدمير واحتلال العراق وليبيا والصومال وفي ظل الاقتتال في اليمن والحرب المستعرة في سوريا مما أدى إلى تغيير الأولويات وتراجع مكانة فلسطين على المستوى العربي .

7.      الوضع الدولي وهيمنة الولايات المتحدة والمعسكر المتحالف معها على كافة القرارات الدولية والحماية التي يمنحها مجلس الأمن من خلال الفيتو الأمريكي للكيان الصهيوني وتصرفاته .

فهل لدى السلطة الفلسطينية من خطة لمواجهة هذا المشروع ، وما هو قول المنظومة العربية في ذلك ؟؟؟؟

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.