الاختبار الاكبر .. 11 يوما فرضت معادلات القوّة والتحدّي / أحمد عبد الباسط الرجوب
من حي الشيخ جراح في قدس الاقداس بدأت اشارات النصر .. حي الشيخ جراح في القدس أحيا الأمة وأحيا القضية الفلسطينية وفضح التخاذل العربي، فقد أحيا الأمة فذكرها بمقدساتها المغتصبة وأرضها السلبية، ووجوب العمل على استعادتها من أيدي الغاصبين، وفضح المطبعين – الذين تواروا – عن المشهد مع الكيان الصهيوني الغاصب المحتل تحت شعارات كاذبة ورطتهم بها ادارة ترامب تاجر العقارات الغير ماسوف عليه.
القدس دائما هي البوصلة التي تشير إلى موطن الجهاد والعزة والكرامة، وهي التي تميز الأحرار والشرفاء عن العملاء والخونة، وهي التي تفضح الضمائر الإنسانية .. المسجد الأقصى جزء من عقيدة وهوية المسلم، يقول الله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الإسراء.
في اليوم الحادي عشر للحرب التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، وتلاقيها انتفاضة في الضفة والأراضي المحتلة عام 48 والقدس، وتصل خلالها صواريخ المقاومة الى كل مدن وبلدات كيان الاحتلال، شهدت محاولة تمهيدية من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لإعلان نصره وتحقيق أهدافه من الحرب عبر لقاء مع سفراء الدول الغربية لدى الكيان تحدّث فيه عن تحقيق أغلب أهداف الحرب، مشيراً الى ضرب القدرة الصاروخيّة لقوى المقاومة وتدمير الأنفاق والبنى التحتية لإنتاج الصواريخ، لتردّ عليه المقاومة عملياً بصليات الصواريخ من عيارات مختلفة وبكثافة تعادل ما كان عليه الحال في اليوم الأول، وباستهداف المدن البعيدة عن غزة مثل بئر السبع وتل أبيب والقدس.
اليد العليا للمقاومة أقفلت طريق البحث عبر الوسطاء عن اتفاق لوقف النار يرضي نتنياهو، واليد العليا داخل الكيان لصالح المستوطنين أبعدت فرص البحث باتفاق يتضمن التزام نتنياهو بوقف انتهاكات المستوطنين في القدس، والذي تكلل بمساعي الوسطاء وبخاصة مبادرة الحكومة المصرية من خلال التنسيق مع الجانب الامريكي وايضا دور دولة قطر والاردن للتوصل الى وقف نار ، وهو ما تم التوصل اليه فعليا عن الساعة الثانية من فجر يوم الجمعة 21 ايار / مايو 2021 ، .. وهو في رأينا قد يكون وقف اطلاق نار هش ، ما يبقي الباب مفتوحاً، وفق المصادر أمام ما سيقوله الداخل الفلسطينيّ، حيث تراهن قوى المقاومة على النهضة التي تشهدها الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48، في خلق واقع جديد سيفرض حضوره على المشهد، بينما سيكون على نتنياهو أن يواجه من جهة ضغوط المستوطنين، خصوصاً في المدن المختلطة عام 48، لجهة المزيد من المواجهات.
من خلال احد عشر يوما فرض فيها الفلسطينيون معادلات القوّة والتحدّي ، وما فرضته فصائل المقاومة من سيطرة الردع على ارض المعركة ، وفشل المجرم نتينياهو على تحقيق مكاسب من هذا العدوان ، برزت الكثير من الحيثيات والمآلات نلخصها في الاتي:
-اختفاء نتنياهو عن المشهد الاعلامي مساء امس الخميس 20 ايار / مايو 2021 بعد انتهاء الاجتماع الامني المصغر والقبول بوقف اطلاق النار ، حيث انه اعتاد على الظهور للغطرسة والتبجح بانتصار وهمي ومن حولة جوقة الجنرلات دلالة على عدم تحقيقة اي انتصار في هذه المعركة تاركا الساحة لابي عبيدة الناطق العسكري باسم حماس ليزف الخبر اليقين بالتحذير والوعيد…
-نتنياهو بإعلانه وقف النار يريد الإيحاء أنه دمّر قدرات المقاومة، ويتحدّث عن تدمير الأنفاق والبنية التحتية للصواريخ، وقتل القادة، لكن المقياس يبقى لكل خبير بما يقوله الميدان عن شكل حضور المقاومة في الحرب، وهو ما يسمّونه بشتاء القذائف على خط التماس، وصواريخ الكورنيت على الآليات، والأهم زخات الصواريخ على عمق الكيان، وكل شيء يقول إن كل هذه البنى بألف خير وفاعليتها لم تتأثر.
-المقاومة تُسقط أكاذيب نتنياهو عن إنجازات بسلامة سلاحها الصاروخيّ بكثافة ومدى القصف واظهرت هشاشة نظام التصدي للقبة الحديدية، وللدلالة على ذلك تعهد بايدن خلال حديثة المقتضب ليلة امس الخميس حول اعادة تاهيل وتقوية القبة الحديدية.
-الحكومة الاسرائيلية مارست الفصل المكاني والعنصري حتى بين افراد مجتمعها.. سكان الجنوب الاسرائيلي في عسقلان واطراف بئر السبع (الاحياء البدوية) تحت ضربات صواريخ المقاومة وبدون ملاجئ في حين الوسط الاسرائيلي وفرت له كافة وسائل السلامة والملاجئ.
-احياء الهدنة بين الجانبين واحياء التفاوض مع الجانب الفلسطيني والعودة الى موضوع حل الدولتين ، واللافت هنا حديث المستشارة الالمانية ميركل للعب دور الوسيط وعلى ضرورة التفاوض مع الفصائل الفلسطينية..
-ايقنت دولة الكيان الصهيوني على حتمية احياء التفاوض مع الجانب الفلسطيني وان التطبيع مع دول عربية ليست في حالة حرب معها لا فائدة منه.
-انتفاضة الشعب الفلسطيني في حي الشيخ جراح وفي غزة وفي الضفة وفي المناطق الفلسطينية الأخرى داخل ال 48 أعادت الأمل للفلسطينين والعرب في استعادة مقدساتهم، وفي قدرتهم على مواجهة أعدائهم وحتى وإن بدوا قوة عظمى تتسلح بأحدث الأسلحة وأفتكها في العالم وبدعم امريكا الدولة العظمي راعية الحريات في العالم كما تدعي..
-التقى صوت الشعب مع صوت الصواريخ فمنذ اضراب عام 1936 لم تشهد فلسطين التاريخية اضرابا عاما من البحر الى النهر الا في هذه الانتفاضة حيث انتفض الفلسطينيون عن بكرة ابيهم هبة لنصرة القدس في الداخل وفي الشتات..
صفوة القول ..
المقاومة أطلقت صواريخها الأولى رسالة واضحة حول التزامها بالقدس، في سياق مواجهة لن تحسمها جولة، فاستنهضت الضفة والمقدسيّين وأبناء الأراضي المحتلة عام 48 ووحدة الشعب الفلسطيني واستنهضت الشارعين العربي والعالمي، وأثبتت سقوط قدرة الردع لدى جيش الاحتلال، وأجهضت كل حديث عن قيمة قبّته الحديديه وجعلت أمنه مكشوفاً في أي حرب مقبلة، وما يعنيها بعدما أعلن جيش الاحتلال حربه عليها أن تنجح بإجباره على وقف هذه الحرب، من دون المساس بقدرتها، وما يعنيه ذلك من فشل للحرب وعلى أن يرتبط أي إنهاء لهذه الحرب بتثيبت هذه المكاسب المحققة.
هذه أول جولة مواجهة يخوضها الفلسطينيون مع كيان الاحتلال عبر فصائل المقاومة في فلسطين مع الصواريخ التي نفذت عبرها المقاومة إنذارها الخاص لوقف الانتهاكات والاعتداءات المتمادية بحق المسجد الأقصى وسكان حي الشيخ جراح، تحت عنوان وقف تهويد القدس، وبدا للكثيرين أن الجولة لن تتوقف حتى تسليم الكيان بوقف تهويد القدس، علماً أن هذا التسليم يعني شيئين معاً، الأول هو هزيمة تيار المستوطنين والمتطرفين الذين يحكمون المشهد السياسي للكيان ، ويخوض نتنياهو حربه لكسبهم، والثاني إعادة الحياة للمسار التفاوضي الذي أسقطه رفض الكيان للتفاوض حول القدس، والمقاومة ليست ساذجة لتراهن على انهيار مكانة المستوطنين في الكيان، ولا غبية لتخوض حرب إعادة تعويم خيار التفاوض على حساب خيار المقاومة.
هبة القدس احدثت رعب وجوديّ في “الكيان الصهيوني” ، فالفلسطينيون اليوم يدافعون عن شرف الأمة وكرامتها وحقوقها المسلوبة، ويدافعون عن مقدسات المسلمين المغتصبة، ودعم صمودهم ونصرتهم في مواجهة أعدائهم ليست تطوعًا أو منة منا عليهم، بل هو واجب تمليه الإخوة في الدين والإنسانية، ويحث عليها الضمير الحي والفطرة الإنسانية الذي ترفض الظلم والضيم، وتدعو كل حر إلى نصرة المظلومين أينما كانوا.
التعليقات مغلقة.