هل سلمت واشنطن مفاتيح حلب للروس؟ / باسل أبو شاش

 

باسل أبو شاش ( الأربعاء ) 4/5/2016 م …

عندما يخرج نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف ليقول إن بلاده لا تنوي الضغط على دمشق لوقف استهداف الإرهابيين في مدينة حلب شمال سورية،  فلا يبدو هذا التصريح عشوائياً وغير مدروس، أو أنه جاء من قبيل المصادفة. عندما يتعلق الأمر بالمواقف السياسية، فإن موسكو تحسب ألف حساب قبل أن تدلي بتصريحاتها، سيما عندما يتعلق الأمر بحلفائها.

التصريح السابق يكتسب أهميته ليس فقط من لغة الحزم التي تكتسي مفرداته، وإنما أيضاً من كونه الأول من نوعه الذي يصدر عن القيادة في روسيا حيال ما يجري في مدينة حلب، فعلى خلاف تصريحاتها السابقة التي أكدت دائماً على ضرورة التهدئة في المدينة وضبط النفس، خرج غاتيلوف ليؤكد بأن بلاده لن تستجيب لمطالب الهيئة العليا للمفاوضات السورية المعارضة التي تتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقراً لها، لممارسة ضغط على حليفتها الأبرز دمشق، مضيفاً وبعبارات واضحة لا تحتمل أيَّ لبس أن ما تعيشه حلب اليوم يدخل ضمن إطار مكافحة التهديد الإرهابي، وهو ما نص عليه قرار مجلس الأمن الدولي المؤيد لاتفاق وقف الأعمال القتالية، الذي أشار إلى أن المعركة ضد الإرهاب ستستمر في سورية.

وبالعودة إلى الأسباب التي قد تدفع بروسيا إلى إطلاق هكذا تصريحات فيما يتعلق بمدينة حلب، فيمكن إرجاعها إلى عوامل عدة أبرزها:

1-   إدراك روسيا لحقيقة عدم جدوى الهدنة في مدينة حلب في ظل استمرار خرقها من قبل التنظيمات المسلحة، التي واظبت خلال الأيام الماضية على إمطار المدينة بآلاف القذائف الصاروخية والهاون، مستهدفةً جميع أرجائها، ووصلت للمرة الأولى إلى الأحياء التي كانت تصنف خلال السنوات السابقة بالآمنة، ما أدى إلى ارتقاء ما يقارب 200 شهيدٍ وأكثر من 600 جريحٍ خلال الإثني عشر يوماً الماضية.

2-   مبايعة مختلف الفصائل المسلحة في مدينة حلب لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي، فرع القاعدة في سورية، وتشكيلها مع الجبهة حلفاً واحداً لقتال الجيش السوري في مدينة حلب، وحشدها الآلاف من مقاتليها، بهدف توسيع نطاق سيطرتها في المدينة وريفها، وهو ما باء بالفشل خلال الأسابيع الماضية، حيث تمكن الجيش من صد هذه  الهجمات ملحقاً بصفوف المسلحين خسائر كبيرة.                               

أما فيما يتعلق بمبايعة الفصائل المسلحة لجبهة النصرة، فلهذا الأمر أهميته بالنسبة للجيش السوري وحلفائه، حيث باتت تنتفي عنهم صفة المقاتلين المعتدلين التي واظبت أمريكا على إطلاقها عليهم سابقاً، فقرار مجلس الأمن الدولي يؤكد بأن القتال في سورية لن يتوقف ضد تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، وبالتالي فإن استهداف هذه التنظيمات لم يعد يشكل حرجاً بالنسبة للجيش السوري نتيجة لالتحاقها بركب الإرهاب.

الحقيقة هذه جاء تأكيدها أيضاً قبل أيام قليلة فقط على لسان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي صرح باستحالة القدرة اليوم على التمييز بين الإرهابيين والمعتدلين في مدينة حلب، وهو ما يمثل نقلة نوعية في الموقف الأمريكي.

3-   كل ما سبق أدى إلى نوعٍ من الانسجام في الموقفين الأمريكي والروسي، حيال مدينة حلب على وجه التحديد، هذا الانسجام ظهرت أولى بوادره مع ولادة اتفاق التهدئة الجديد، الذي جاء برعاية أمريكية روسية، ليشمل فقط الغوطة الشرقية لريف دمشق ومدينة دمشق، وريف اللاذقية الشمالي، واستثناء مدينة حلب من هذا الاتفاق، وهو ما يعبر بصورة أوضح عن الإنسجام الذي أشرنا إليه، سيما إذا علمنا بأنّ هذا الاستثناء جاء بناءً على طلبٍ روسي وموافقةٍ أمريكية عليه، وفقاً لما أفادت به وكالة فرانس برس نقلاً عن مصدر أمني في دمشق.

 

أما لماذا طلبت روسيا استثناء مدينة حلب من التهدئة، فيعود إلى إدراكها أن مأساة حلب باتت تتطلب حلاً جذرياً ينهي حالة الألم الذي تعيشه المدينة، ويعيد الأمن والاستقرار إليها، من خلال عملٍ عسكريٍ واسعٍ يبدو بأن الجيش السوري والحلفاء استعدوا له بصورةٍ جيدة.

التنظيمات المسلحة وداعموها بدورهم يستعدون لما هو قادم في حلب، سواء على الصعيد الميداني من خلال حشد المزيد من المقاتلين والتزود بمختلف وأحدث الأسلحة ومنها المضادة للطيران، وعلى الصعيد السياسي، وهو ما تمثل بدعوة أنس العبدة رئيس الائتلاف السوري المعارض لـ”أصدقاء الشعب السوري” باتخاذ إجراءات حقيقية وعملية على الأرض لدعم المسلحين، وأيضاً دعوته لجميع الفصائل المسلحة للتوجه إلى مدينة حلب استعداداً لما هو قادم.

إذاً الجميع اليوم بات مقتنعاً بأن حلب على موعدٍ مع تصعيدٍ جديد، وأن المدينة ستشهد معركة هي الأكبر بتاريخ الحرب التي تتعرض لها سورية، إلا أن توقيت هذه المعركة يبقى هو المجهول الأكبر، والذي يعود تقديره إلى القيادة العسكرية في سورية وحلفائها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.