وجه الله ونفسية محور المقاومة / د. يوسف الحاضري

د.يوسف الحاضري* ( اليمن ) – الخميس 27/5/2021 م …




* كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
[email protected]

قليل هم اولئك الذين لم يجعلوا القرآن عضين فتعاملوا معه بدون تجزأة اليهود وأتباعهم من منافقي الإسلام الذين جعلوا القرآن عضين فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض حسب المزاجية والأهواء وليس حسب الأوامر والتوجيهات الإلهية ويأتي على رأس هؤلاء قيادات حركات المقاومة في الأرض وتجلى ذلك في أحداث فلسطين (الحرة والمحتلة) الأخيرة .

وضح القرآن الكريم موضوع “الإنفاق في سبيله” وحدد شروطه وأوقاته وأهدافه وأماكنه وبين أيضا نتائجه على المستوى النفسي للمنفق وعلى المستوى الجمعي للمجتمع المنفق وعلى المستوى المنفق له ، ولعل من أهم هذه النقاط التي وضحها الله عز وجل جانبين (على حبه) و (لوجه الله) ومدلولات “على حبه” تعني من جوهر ما تمتلك والذي يمتلك صفات الجاذبية للنفسية والتي تصنع فيها رغبة لمالكها سواء كان كثيرا أو قليلا ، وسواء كان على المستوى الفردي “انفاق الفرد” او على المستوى الجمعي “انفاق الدولة” وسواء كان الحب أي التمتع بزيادة ما تمتلك (رفاهية) او الحاجة الملحة في ظروف الضيق والفاقة (حصار وجدب وفقر) ، وهذا أمر تجلى بصورة كبيرة وواضحة في محور المقاومة (إيران ) و (أنصار الله اليمن ) و (حزب الله لبنان ) و (الحشد الشعبي العراق) وبقية المحور في كل البلدان هنا وهناك ، فهذه الدول تعيش وضعا اقتصاديا مأساويا بسبب مؤامرات الأعداء الصهاينة وأذنابهم في المنطقة ومن خلفهم الأمريكان وتحتاج الى كل (ريال) لتوازان ما بين تصديها للعدوان وما بين الحفاظ على وضع شعبها وأستقراره اي انها تعيش مرحلة (على حبه) أي في حاجته ولكنها لم تغفل عن أهمية سلاح الإنفاق في سبيل الله للمرابطين في فلسطين مدركين تمام الادراك ان توضيح الله لطريقة الجهاد في سبيل الله من خلال “أنفقوا في سبيل الله ” و “قاتلوا بأموالكم” لا يقل أهمية عن “قاتلوا في سبيل الله ” و “قاتلوا بأنفسكم” مهما قل منه او كثر فليس المقياس عند الله “الكم” بل “الكيف” لذا سن سنة عظيمة في القران موجبا الإنفاق على كل انسان مهما اختلف وسعهم سواء “قدر عليه رزقه” أو “وسع عليه رزقه” فقال ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللهُ ) ولم يقل ومن قدر عليه رزقه فلا ينفق لعلمه المطلق جل وعلا بأن الهدف هو نفسية المنفق وليس جيبه .

جانب هام من جوانب الإنفاق على حبه هو ان نفسية المنفق سينتفي منها موضوع “الأذى المرتبط بالإنقاق ” ك”المن” (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى” و “التشهير” و”الكره” (ولا ينفقون الا وهم كارهون) وهذه نفسية أنتفت جملة وتفصيلا عن قيادات محور المقاومة فلم نسمع أي قيادي ايراني يمن ويشهر ويتكلم كمن بيده الفضل والخير رغم أنهم من كان لهم اليد الفضلى في دعم المقاومة في فلسطين تسليحا ومالا وخططا وأساليبا واعلاميا وغيرها ، ولم نسمع من قيادة اليمن الا أنها ستتقاسم لقمة العيش مع اخواننا في فلسطين رغم ما تمر به اليمن من حصار وعدوان منذ 7 أعوام ، ولم نسمع من قيادة لبنان والعراق وسوريا الا كل ما يعكس نفسياتهم الراقية العظيمة المرتبطة بسنن الله تعالى وهذه أمور تنتفي عن تلك الجهات الكافرة بالله وبسننه والمنافقة فطالما سمعنا هذه الجهات (أمريكا وأممها المتحدة والسعودية والامارات وغيرها) من أغرقت وسائل الاعلام بجميع اللغات عندما ترمي لأهلنا في فلسطين بقليل من القمح والزيت والرز وكم تطلب منهم من تنازلات ومن مقابل على جميع المستويات السياسية والأقتصادية والاستخباراتية والولاء بحيث انها تمن وتؤذي وتشهر ثم تأخذ مقابل لما تقدمه وهذا أمر لا تمارسه هذه الدول الجاحدة والمنافقة مع فلسطين بل هو دأبها مع كل دول العالم التي تدعي ان لها يد خير وفضل فيها ومنها يمن الإيمان حيث تتعامل مع الانفاق وكأنها هي الرزاق ذو القوة المتين وهي من خلقت وأوجدت ثرواتها النفطية فتبحث عن الشكر والولاء والطاعة والخنوع والعبودية التي يطلبها الله الرزاق الخالق ممن يعطيهم ويزرقهم ويهيأ لهم معطيات الحياة العزيزة ، لذا نرى هؤلاء منبوذين مستحقرين مخذولين وغير موفقين في جميع مجالات حياتهم الدنيوية وفي الاخرة الخذلان الأكبر وبالعكس نجد كيف دول المقاومة مستقرة ثابتة شامخة جاعل الله لها ودا في قلوب العالمين أجمع وخشية ورهبة في قلوب الجاحدين المنافقين رغم فارق الإمكانيات والقدرات .

جانب آخر من جوانب عطاء محور المقاومة تجسد في عطاءها وهو “لوجه الله” فعلمهم اليقيني ان ربهم الله أمرهم ضمن اطار العبودية له ان ينفقوا لوجه وليس لأهداف ذاتية او اعتبارات شخصية او خطط مستقبلية او مؤامرات خبيثة بل لوجه الله دون ان ينظر الى أي اعتبارات مناطقية او مذهبية او جغرافية أو ولائيه او حتى مجرد ان يطلب منها موقفا بالكلمة او شكرا فقيادة هذا المحور هم خط السلالة الطاهرة النقية للإمام علي الذي قال لمن أنفق عليهم عندما شكروه (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) ولا نريد حتى ان تأخذوا هذه المساعدة كما يقال ” جمالة ودين في عنقك تقضيه لنا بموقف ما او بمناصرة” فإذا كان لديكم موقف او مناصرة فليكن لاجل الله وفقا للحق وليس لأننا أعطيناكم مساعدة ومساندة وهي روحية هؤلاء العظماء من أحفاده عليهم جميعا سلام الله .

استشعار هذه النفسية وهذه الروحية في انفاقنا وفي صدقاتنا وفي زكاننا وفي كل جوانب المساندة والمساعدة للاخرين هي التي تؤدي للنجاح في الدنيا بجميع جوانب النجاح ومفاهيمه وللنجاح في الاخرة والفوز العظيم أما أن يحمل الانسان في نفسيته اعتبارات معينة تسبق انفاقه وعند انفاقه وينتظر نتائج من البشر بعد انفاقه فهذا الذي يؤدي الى أن الله لا يتقبل صدقاتهم ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ) فوصفوا هنا بالكفر نعم وصفوا بالكفر رغم انهم يظنون انفسهم في مقدمة صفوف المسلمين فهم هنا يقيمون الصلاة وينفقون اي ضمن موجه المدعين للإسلام ومن لا تقبل منهم انفاقهم لا يقبله الله ومن لا يقبله لا ينصره ولا يوفقه وهذا ما وجدناه في فلسطين حيث كانت خلال عقود سابقة ينفق عليها من بعض دول النفاق والتطبيع فكانت النتيجة قهر وتقهقهر وانكسار وانحسار ودماء وسجون ولما جاء الانفاق والمساندة ممن يستشعر ان ما يقوم به هو واجب عليه وإلتزام ديني واخلاقي وانساني جاءت نتائجها فوق ما كان يتخيله ويتوقعه الصهاينة واسيادهم الامريكان وعبيدهم المطبعون ، وهذا توصيف عملي وواقعي وحياتي لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِـمَا يُحْيِيكُمْ) فبهذا الانفاق جاءت الحياة .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.