لبنان … العودة الى سيرة الشيوعي الأول
الأربعاء 4/5/2016 م …
كتب علي ابراهيم مزيد … غداة المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي اللبناني عام 2009، علّق عالم الاجتماع اللبناني “شوكت أشتيّ” على واقع الحزب بأنه في نصف الطريق، يشبه ذلك المشهد الذي رسمه الروائي السوداني الطيب صالح في روايته موسم الهجرة الى الشمال عندما قال: “….تلفتُ يمنة ويسرة، فإذا أنا في منتصف الطريق… لن أستطيع المضي ولن أستطيع العودة… كنت أحس بقوى النهر الهدامة تشدني إلى أسفل وبالتيار يدفعني إلى الشاطئ… لن أستطيع أن أحفظ توازني مدة طويلة. إن عاجلًا أو آجلًا ستشدني قوى النهر إلى القاع…”.
وتساءل أشتيّ يومها: هل يختار الحزب الحياة ويصرخ كما صرخ بطل الرواية: النجدة النجدة النجدة؟
لقد أسفرت انتخابات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني خلال مؤتمره الحادي عشر الذي انعقد قبل يومين، عن هزيمة كبيرة للتيار المحافظ في الحزب أو «الحرس القديم»، وبذلك سيكون للرابحين الجدد الكلمة الفصل في اختيار الأمين العام الجديد للحزب وأعضاء المكتب السياسي.
لكن أيديولوجيًّا، عاد المؤتمر خطوات الى الوراء وذلك من خلال تأكيده على الإلتزام بالماركسية اللينينية كمنهج فكري، وفي ذلك عودة إلى المؤتمر السادس.
أما النتائج على المستوى التنظيمي تشير الى أنّ هذا الحزب العريق يسير قدمًا باتجاه تكريس تجربة ديمقراطية داخلية فريدة، لطالما طالب بها الكثيرون من محازبيه منذ المؤتمر السادس الذي انعقد بعد اتفاق الطائف 1992.
فقد حصل حنا غريب على 204 صوتًا، مقابل 178 صوتًا لحدادة. علمًا أنّ بعض المراقبين لوقائع المؤتمر لمسوا رغبة قوية لدى العدد الأكبر من أعضاء اللجنة المركزية المنتخبة باختيار حنا غريب لمنصب الأمانة العامة، مؤكدين على أنّ 70 بالمئة من أعضاء اللجنة المركزية المنتخبة هم من الوجوه الجديدة والشابة المطالبة بالتغيير، لكنها تتوزع على ثلاث مجموعات: مجموعة غريب، مجموعة حدادة، ومجموعة وسطية.
لقد أصبح من المؤكد أنّ حنا غريب سيكون الأمين العام للحزب الشيوعي. ولا سيما بعد اعلان الأمين العام الحالي د. خالد حدادة عدم رغبته بالترشح من جديد للأمانة العامة. إنّ إختيار حنا غريب ليس غريبًا على تاريخ الحزب وطبيعة روافده الأولى وبنيته، بل هو انعكاس لسيرة “الشيوعي الأول في لبنان النقابي فؤاد الشمالي”، على حد تعبير المؤرخ “حنا بطاطو”. لكن غريب ستكون أمامه تحديات جسام أهمها:
أن يأخذ بعين الاعتبار التركيبة الإجتماعية الحالية للحزب.
أن يتبنى خطة وخطاب سياسيين مناسبين تجاه هذه التركيبة المكونة من فئات عدة، وأن لا يقتصر خطابه على فئة الموظفين والعمال، فهو هنا أمام فئات المثقفين وأصحاب المهن الحرة والطلاب والتجار وعامة الشعب.
أن يعمل على تفعيل الحضور النسائي داخل الحزب، الذي كان قد شهد تراجعًا من 30 بالمئة الى 11 بالمئة، وذلك بسبب عدم وجود برنامج واضح من قبل الحزب.
أن يعمل على إعادة جذب الشيوعيين الذين خرجوا من الحزب ولم يلتحقوا بأي تنظيم أو كيان يساري جديد.
أن يبادر الى صياغة تحالفات قوية مع قوى اليسار الحقيقي ومع كل حزب مقاوم للصهيونية وللتكفير والفساد، وأن يشارك في الانتخابات البلدية بشكل فعال وبتحالفات متقنة مع قوى سياسية يتقاسم معها رؤى وقواسم مشتركة.
والأهم من ذلك كله أن يحمل قضايا الناس التي هي في أساس وجوهر وجوده وتكوينه الفكري، والتي لطالما ناضل غريب شخصيًا من أجل تحقيقها وعلى رأسها المطالب الاجتماعية، ضمان الشيخوخة، سلسلة الرتب والرواتب، إنصاف الأيدي العاملة، مكافحة الفساد، حماية البيئة، الخ..
أن يستغل ومعه الجيل الشاب وكافة التغييريين هذه المرحلة الانتقالية من أجل إحداث تطور ديمقراطي لا يمكن الرجوع عنه، عسى أن يشكل ذلك نموذجًا يضع الأحزاب الأخرى أمام تحدي مأسسة هياكلها التنظيمية.
أن يسعى للحؤول دون الوقوع مجددًا في أدلجة الحزب، بل العمل على إستلهام الماركسية اللينينية بشكلها الإيجابي بأبعادها الثورية والإقتصادية الإجتماعية، آخذًا بعين الإعتبار تنوّع المجتمع اللبناني، لئلا نقع مجددًا في فخ الخلافات العقائدية العقيمة.
أن يوفر مصادر تمويل مستقلة، من خلال محازبيه حتى لا يقع تحت سطوة أية قوة أو دولة وليحافظ على استقلاليته.
المهام جسام، لكن الحزب الشيوعي بقرارات ونتائج انتخابات مؤتمره الأخير، لم يترك لقوى النهر أن تشده الى الأعماق، بل مدّ يده الى الجيل الشاب والعمال والنخب وسائر شرائح الشعب، كأني به يناديهم: النجدة النجدة النجدة.. فهلّا مددتم إليه أياديكم؟؟؟
التعليقات مغلقة.