درع المقاومة الحديدي / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) – الخميس 27/5/2021 م …




منذ أن خطت يداه مقالته الشهيرة: ” على الجدار الحديدي”، وأفكار الزعيم الصهيوني  جاوبتنسكي (1880- 1940)،  تشكل الأساس الأيدولوجي لسياسات الكيان الإسرائيلي الأمنية، عبر الحكومات المتعاقبة، وصولا إلى الطاقم الحالي الذي من الواضح أنه لم يتجاوز ظل منظره الصهيوني.  

تعتبر أغلب الأدبيات المتخصصة، القيادي الصهيوني زئيف فلاديمير جابوتنسكي، هو من وضع التصورات الأولى للعقيدة الأمنية لدولة الكيان، ومن حدد أهم وأبرز ركائز رؤيته الأمنية، قبل دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء في الكيان الإسرائيلي.  

 ولد جابو تنسكي المنحدر من أسرة تنتمي للطبقة الوسطى، في أوكرانيا في 18 اكتوبر 1980، وتوفي في 3 أغسطس عام 193 في الولايات المتحدة الأمريكية. شاعر وصحافي ومترجم، وسياسي صهيوني، شارك في المؤتمر الصهيوني السادس، ويعتبر من أبرز الصهاينة إلى جانب هرتزل وبنسكر. درس القانون في سويسرا وإيطاليا، عمل فترة في الصحافة، ويُعتبر من مؤسسي ” الصندوق القومي اليهودي” و” الفيلق اليهودي” ، الذي شارك ضمن صفوف الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، تولى قيادة الكتيبة 38 في الجيش البريطاني عام 1917، يُنسب إليه المشاركة والتخطيط لعدة عمليات إعتداء على قرى وبلدات فلسطينية ضمن عصابة ” الهاغاناة”، إلى أن تم إلقاء القبض عليه عام 1920 في القدس، حكم علية بالسجن خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة في سجن عكا.  

 يتم تعريفه حسب قاموس موقع الكنيست الإسرائيلي بأنه كان رئيسا للقسم السياسي لمؤسسة ” الهاغاناة” ، ومن أهم من ساهم في تشجيع الهجرة الغيرشرعية لليهود إلى فلسطين، ويعتبر الأب الروحي لتيار ” الصهيونية الُمصلحة ” التي انبثق عنها حزب الليكود أي الأكثر تطرفا . تخليدا لذكراه يوجد قانون سنه الكنيست يسمى ” قانون جابوتنسكي” بتاريح 23 آذار 2005، ومعهدا يحمل إسمه.  

ما يهمنا من سيرته، أن المؤرخ الصحفي ( شلومو لكديمون)، وبعد إطلاعه على الإرشيف الحكومي في تل أبيب، سرد في كتابه : ” الرؤية الأمنية الإسرائيلية ” أهم ما قامت عليه هذه الرؤية  الجابوتنسكية والتي يممكن تلخيصها في النقاط التالية:  

– أنه لا يوجد حل سياسي لمشكلة الصراع العربي- الإسرائيلي، وعلى دولة الكيان الشروع في بناء حائط حديدي قوي، لتثبت للعرب عجزهم عن تغيير الواقع الذي فرض عليهم.  

– يجب إستخدام القوة والعنف لاستحالة الوصول إلى إتفاق حقيقي للسلام مع العرب، لفرض الهيمنة والردع .  

– التركيز على التغيرات الديموغرافية والسياسية في المنطقة، لتقوية هذا الدرع الحديدي.  

–  تكثيف الهجرة والإستيطان.  

– برغم وجود الدول الحليفة، يجب الإعتماد على الذات بأقصى حد.  

– يجب الدفع بإستمرار لكي يقدم العرب تنازلات للمشروع الصهيوني، والإعتراف بوجود دولة إسرائيل.  

– التعايش مع حقيقة أن العرب وبشكل طبيعي، سيعارضوا مشروع الكيان ، ولكن هذه الحقيقية، لا يجب أن تُشكل مانعا أمام تقوية وبناء الدولة.  

من الضروري الوعي، بأن هذه الرؤية، لم تزل هي جوهر موقف الطبقة السياسية صاحبة القرار في الكيان الإسرائيلي، وأنها – كما عبر عنها بنيامين نتينياهو- هي التي تقود جميع التحركات السياسية والدولية، فأساس الحديث عن السلام هو: الأمن الإستراتيجي القائم على القوة أولا وأخيرا.  

يعتمد أمن الكيان الإسرائيلي على سلسلة طويلة من العوامل وفي مقدمتها: الموقع الجغرافي المتميز لفلسطين التاريخية، والمنافذ البحرية ، شبكة الخطوط البحرية والجوية، الدعم السياسي والعسكري والمالي اللامحدود، القدرة التقنية العالية، الشعب المسلح، مستوى المعيشة الإقتصادية ونسبة عالية من الرفاهية، إضافة للمجال الحيوي الاستراتيجي الذي عملت على إنشائه منذ عام 1956، فتوسعت شبكة علاقاتها قي مختلف الإتجاهات، وآخرها الإختراق الكبير للمجتمعات العربية، إضافة لعوامل دينية وإجتماعية ومعنوية أخرى. وبالرغم من غياب الُعمق الإستراتيجي الجغرافي، إلى أن الكيان يحث الخطى نحو تجاوز هذه الثغرة الكبيرة، وهذا ما يفسر ما يُسمى باستراتيجية ” التطبيع ….السلام بالقوة”.  

تواجه المقاومة  بدورها تحديات كبيرة تفرض عليها مواكبة هذه الرؤية الأمنية، والعمل على تطوير مفهومها او رؤيتها الخاصة لأمنها أو ل ” درعها الحديدي” في المستقبل، ومن أهم عناوينه الكُبرى: أهمية ادراك العلاقة المتبادلة بين العقيدة العسكرية والسياسات الخارجية فهما وجهان لعملة واحدة، والتركيز على الوصول إلى أقصى مدى ممكن من تطوير الذات ماديا، عسكريا، تقنيا، وإستغلال ثغرات الجغرافيا بشكل جيد وسريع وتكتيكي ، وإعتماد فتح الجبهات الرديفة أو المساندة في حالة أي إشتباك مستقلبي.  

أثبتت إنجازات المقاومة في فلسطين مؤخرا، وجود جيل من الشباب في الداخل والخارج، تجاوز إلى حد كبير، تراجيديا الترهل والتراجع والإنبطاح الرسمي العربي، وعبر عن شجاعة فائقة ، وفهم مؤدلج لعمق وطبيعة هذا الصراع، وتجاوز بمراحل محاولات ” كي الوعي” والتضليل الإعلامي بالرغم من المليارات التي صُرفت ، وهذا الجيل هو القاعدة الأهم التي يجب أن يقوم عليها درع المقاومة !. هناك فرصة تاريخية لتُقدم المقاومة (عبر الإنجازات) مشروعها السياسي الواضح لأوسع شرائح شعبية ، وأن تستفيد من أوسع إلتفاف جماهيري حولها داعم ومساند لها.  

بالرغم من الحصار الشديد والمرشح بالإزدياد مستقبلا على المقاومة في فلسطين المحتلة ، إلى أن أولوية الأولويات هي الوحدة الوطنية، ورفع المستوى المعيشي للمواطن الفلسطيني إلى أقصى حد ممكن، فهو الدرع الحقيقي للمقاومة.  

إن التركيز على الجولة القادمة والإستعداد لها ، يتطلب أن لا تسمح المقاومة بمصادرة إنجازاتها، وتمييع خطابها الاعلامي، والنجاح في محاولة تدجين موقفها السياسي، وإفقادها مصداقيتها وهويتها أما جماهيرها. وفي ظل غياب المجال الحيوي الحقيقي لمحور المقاومة بحكم الجغرافيا- السياسية  وإذا كانت استراتيجية الكيان تقوم على الأمن  والأمن فقط، فليس أقل من أن تكون إستراتيجية المقاومة هي : تعزيز درعها، المواجهة والتصدي دائما.  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.