الأردن وسوريا وآخرون .. ما المانع؟! / محمد حسن التل




محمد حسن التل ( الأردن ) – الإثنين 31/5/2021 م …

ازدحمت الأصوات في الفترة الأخيرة من النخب السياسية والشعبية تطالب بتوسيع دائرة الدبلوماسية الأردنية على المستوى العربي والإقليمي والدولي بحثا عن مصلحة الأردن وتحصينها، دون الأخذ بالاعتبار حساسية الآخرين في المنطقة أو على المستوى الدولي. الكثير من الدول وبالخصوص في منطقتنا تسير في هذا الاتجاه دائما، مقدمة مصلحتها الوطنية على حساسيات الآخرين. بالطبع ليست هناك دعوة بأن يقوم الأردن باستفزاز طرف على حساب طرف آخر، وهذا ما امتاز الأردن به عبر العقود الماضية، مما جعل منه طرفا أساسيا في اللعبة السياسية في الشرق الأوسط على امتداد عقود طويلة. فالمهم عند الأردنيين أن تكون المصلحة الوطنية في مقدمة الأولويات.

الدول عادة ما توازن بين السياسة والاقتصاد في علاقاتها بالدول الأخرى، بحيث لا تطغى السياسة على الاقتصاد، ولا يكون الاقتصاد مرتبطا بالذبذبة السياسية للعلاقات بين الدول، إذ أن الاقتصاد في معظم الأحيان أهم من السياسية بكثير. خذ مثلا أننا في علاقة مجمدة مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة والتي نرتبط بها جغرافيا وديموغرافيا منذ الأبد ضمن منطقة بلاد الشام، والكثير من العشائر والعائلات الأردنية لها امتدادات ديموغرافية عميقة على الأرض السورية، وهم يتزاورون ويتناسبون، وربما يدفعون مع بعضهم في الدية إن وجبت. أما على الجانب الاقتصادي، فالدولتين الشقيقتين لا يمكن أن تكون خطوط الاقتصاد مقطوعة فيما بينهما، فكلاهما ممر للآخر نحو العالم، وكلاهما شريان مهم لبعضهما في أمور تجارية وحياتية كثيرة، فسوريا على سبيل المثال تستطيع أن تزودنا بالماء والقمح والكثير من متطلباتنا الضرورية، مقابل أن يزودها الأردن بالكهرباء مثلا وأمور كثيرة يملكها، ولا يمكن قيام جدار مهما كان نوعه بين الشعبين الشقيقين. ما زلنا نذكر ذلك اليوم الذي فتحت فيه الحدود بين البلدين بعد إغلاق طويل، حيث كان تدفق الناس في الاتجاهين كبيرا معبرين عن فرحهم بالحدث العظيم.

الشام تجاوزت كل التحديات التي واجهتها في العقد الأخير، واستطاع الجيش العربي السوري الانتصار على كل جبهات الإرهاب التي فتحت على اتساع رقعة الجغرافيا السورية، واليوم، كثير من الدول ومنها عربية والتي كانت على قطيعة مع دمشق، عادت أو في طريقها لإعادة إحياء العلاقة معها، ونحن الأقرب إلى الشام، لا نريد أن يسبقنا غيرنا إليها، فهل من المعقول أن بعض الدول التي كان لها علاقة مباشرة بالحرب على سوريا تسبقنا على الأشقاء هناك؟؟؟

يجب على دبلوماسية عمان أن تنفتح على دمشق دون الأخذ – كما ذكرنا – بالاعتبار حساسية الآخرين، ولا يحتجن أحد بقانون قيصر الذي فرضته واشنطن على دمشق، والذي يدعو لحصارها تحت طائلة العقوبة. نذكر هنا أنه في تسعينيات القرن الماضي عندما ضرب العالم كله الحصار على العراق اقتصاديا وسياسيا، استطاع الأردن أن يتنزع قرارا أمميا باستثنائه من حصار العراق تجاريا، وفتحت الحدود بين البلدين وشكلت العراق على مدى ما يقارب عقدين عمقا اقتصاديا كبيرا للتجارة الأردنية، كما شكل الأردن متنفسا كبيرا للعراق.

ربما لا تكون المواقف السياسية بين الأردن وسوريا متطابقة في القضايا العربية أو غيرها، وهذا أمر طبيعي ، ولكن يجب ألا يؤثر على العلاقة الاقتصادية الضرورية لحياة الشعبين الشقيقين، فالكثير من الدول في المنطقة تحاول ما استطاعت أن تفصل المصالح الاقتصادية عن المصالح السياسية ولو بخط رفيع للحفاظ على المصالح الوطنية. وهذه الفكرة لا تنطبق على العلاقات مع سوريا فقط، فهناك للأردن مصالح اقتصادية كبيرة مع الكثير من الدول في المنطقة، خذ إيران مثلا، رغم أن معظم الدول في المنطقة ونحن منها لا نتوافق مع مواقفها السياسية بالمجمل، إلا أن بعض الدول الخليجية الشقيقة بعد قطيعة مع إيران، بدأت بالجلوس مع الإيرانيين خلف الكواليس وفي بعض العواصم العربية للوصول إلى حل وسط بين الطرفين، لأن دول المنطقة وخصوصا العربية تسعى لتهدئة المنطقة سياسيا وعسكريا وذلك لفتح المجال أمام المسارات الاقتصادية لتنطلق خدمة للشعوب.

يجب ألا تتردد الدبلوماسية الأردنية بإعادة ترتيب العلاقات على المستوى الاقتصادي مع دول المنطقة ، خصوصا أن الأردن ليس على خلاف سياسي قطعي مع أي دولة من هذه الدول، ولم يسجل في تاريخه أنه اصطدم مع أي دولة في المنطقة. ومن الضروري أيضا للمصلحة الوطنية الاردنية أن تعمق علاقات الأردن مع دول خارج المنطقة كروسيا والصين وتركيا ودول كثيرة في العالم من الممكن أن تكون علاقتنا الاقتصادية معها مفيدة لنا، وكما قلنا في البداية التركيز على المصالح الوطنية الأردنية بعيدا عن أخذ الخواطر الذي ثبت أنه لا فائدة منه وتبين أنه مضر لنا، على الأقل من الناحية الاقتصادية. ويجب أن لا تكون مواقفنا انعكاسا لمواقف الآخرين، فهؤلاء يبحثون في النهاية عن مصالحهم، ويجب أن تكون مصلحة الأردن فوق أي اعتبار.

نحن ندرك تماما انه من الصعب فك التشابك بين السياسي والاقتصادي، ولكن علينا أن نسعى جاهدين كما ذكرت في بداية هذه السطور ان يكون هناك خط ولو رفيع للمسار الاقتصادي بعيدا عن السياسة، وننوع في خياراتنا وعلاقتنا في العالم خدمة للمصالح للعليا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.