فلسطين والجزائر…أخوة لا تعرف الحدود / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) – السبت 12/6/2021 م …   




لعب الإستعمار المُباشر للأقطار العربية، وسياسات الإلحاق و التجزئة، وإتفاقية سايكس- بيكو وتبعاتها، وزرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي ، دورا كبيرا في تعميق الإقليمية والقطرية، والحد من تكامل الشعوب والدول العربية إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا، مما أعاق ويعيق التنمية والنهضة المشتركة. وفرض على كل دولة (إقليم) أن تواجه مُختلف التحديات، دون عُمقها الجيوسياسي الطبيعي.  

وبالرغم من كل السلبيات التي نتجت عن هذه السياسات، والتي كان ضحيتها أجيال من الشباب العربي الحالم بالوحدة والتكامل ، إلا أن النماذج الإيجابية ما زالت موجودة، وما زالت الروابط القومية بين شعوب منطقتنا، تتسامى على التفرقة والخلافات التي تعمقت في السنوات الأخيرة بشكل كبير.  

من النماذج المُشرفة، والتي يكتبها  التاريخ بحروف من ذهب، هذه العلاقة التي تربط أحرار الجزائر بفلسطين: القضية والشعب.  

فمنذ أن كان الشعب الجزائري، لا يعتبر حجه مكتملا، إلا بعد أن يزور المسجد الأقصى، وهذا الشعب يعتبر الأرض الفلسطينية أرضه، وقضية تحرير فلسطين، قضيته المركزية، الحاضرة دوما في وعيه ووجدانه، كما عبر عن ذلك ، إمام الجزائر عبد الحميد بن باديس :  

” إن رحاب القدس الشريف ، مثل مكة والمدينة، وإن الدفاع عنها فرض على كل مسلم ”  

شارك أجداد أحرار الجزائر، في جيش صلاح الدين الأيوبي، وقبله مع نور الدين زنكي. وكان للقادة من الجزائريين دورهم الهام ، مع جيش صلاح الدين في تحرير بيت المقدس، منهم على سبيل المثال: القائد عبد العزيز بن شداد بن تميم بن المعز بن باديس.  

وتقديرا لكفاحهم ، أقطعهم صلاح الدين حائط البراق والجهة الغربية من الأقصى الشريف. وما زالت صورة من وثيقة هذا الوقف، لآل بومدين، موجوده في مكتبة كلية سانت أنطونيوس بجامعة اكسفورد، وفي سجل المحكمة الشرعية بالقدس (ص 588، سجل 77).  

تحدى الأمير عبد القادر الجزائري، قرار السلطات الإستعمارية الفرنسية، بإبعاده عن البلاد، بأن طلب أن يقيم في عكا الفلسطينية، التي هزمت أسوارها نابوليون بونابرت. وعندما رفض الفرنسييون طلبه، ونقلوه إلى دمشق، أشار على  أقاربه أن يتوجهوا للإقامة في فلسطين.  

عائلات كثيرة فلسطينية، جذورها جزائرية ، مسجلة في سجلات الدولة العثمانية والموسوعة السورية ، عاشت على أرض فلسطين في عدة قرى منها: عموقة، الحسينية ، ماروس، ديشوم ، تليل ، عولم ، شقارة ، كفر سي ، سميح ، خربة الهوشة ، بير المكسور ، ميس الجبل ، حاصور ، عليا ، رأس الأحمر.  

شارك المهاجرون الجزائريون في النضال الفلسطيني، منذ البدايات، وخصوصا في ثورة 1936، وشكلوا ثلاثة فصائل مسلحة:  

1- فصيل صفد ، بقيادة أبو عاطف محمود سليم الصالح  

2- فصيل حيفا ، بقيادة الحاج وحش أرغيس  

3- فصيل طبريا ، بقيادة أبو درويش أحمد بن محمد عيسى  

كان لهذه الفصائل، مشاركة مهمة في فعاليات الثورة ولغاية عام 1939 ، مما دفع بسلطات الإحتلال البريطاني، لحرق بيوتهم وإعتقال أبناءهم.  

ومن المواقف المشرفة الكثيرة لأحرار الجزائر، دعما للقضية الفلسطينية:  

– شارك الجزائريون في المؤتمر الإسلامي الأول في القدس ، الذي إنعقد في ديسمبر 1931، وأكدوا على دعمهم للحركة الوطنية الفلسطينية.  

– شارك علماء الجزائر، في مؤتمر القاهرة الإسلامي- العربي في أكتوبر 1938، من أجل فلسطين.  

– دعمت جمعية العلماء المسلمين ، الكفاح الفلسطيني ، عبر الهيئة العُليا لإغاثة فلسطين سنة 1948.  

– ساهمت الجزائر في جميع الحروب العربية – الإسرائيلية، بالرجال والسلاح والعتاد والتمويل : 1948 ، 1967 ، 1973 ، ولم ينقطع دعمها للحركة الوطنية الفلسطينية لغاية اليوم.  

– ساهمت الجزائر في دعم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، ودعمت السياسي والدبلوماسي الراحل أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان بدوره صوت الجزائر في الأمم المتحدة في الخمسينييات، حين دافع عن الجزائر وهو يمثل المملكة العربية السعودية حينذاك.  

– إستقبلت الجزائر ، حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح ” ، وافتتحت لها مكتبا في عام 1963، وكان هذا المكتب منطلقا لعمل الحركة الوطنية، وأشرف عليه في البدايات القائد الشهيد خليل الوزير ( أبو جهاد).  

– ساهمت الجزائر في عهد الرئيس الراحل هواري بودين ، في إصدار قرار إعتبار منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني في سبتمبر عام 1973.  

– وقعت الجزائر – عبر وزارة الدفاع – على إتفاقية دعم لمنظمة التحرير الفلسطينية ، لتدريب وإعداد مقاتلين فلسطينيين، وبحضور الرئيس بودين ومدير مكتب المنظمة سعيد السبع، حيث تم تخريج أول دفعة من كلية شرشال العسكرية في عام 1966، وحضر التخريج إلى  جانب الرئيس: رئيس الأركان طاهر زبيري، ومدير الكلية العقيد عباس.  

ولا ينسى الشعب الفلسطيني مقولة بومدين الشهيرة : ” نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة “.  

– كانت الجزائر أول من إعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية  وحركة فتح ، بطريقة عملية ، بالدعم والمساندة، وفتحت سفارة لفلسطين عام 1974.  

– إستقبلت الجزائر بعد الإستقلال، قرابة 2500 مدرسا فلسطينيا، بناء على طلب الحكومة الجزائرية ، للمساهمة في حملة التعريب، وخرجت الجزائر بدورها عددا كبيرا من الكوادر العلمية الفلسطينية.  

– الجزائر أول من إعترف بدولة فلسطين في عام 1988، وكان إعلان الإستقلال على أرضها  ومن قاعة الصنوبر ، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني ال 19 ، يوم 15 نوفمبر 1988. وبعد الإعلان ، كانت الفرقة الموسيقية للجيش الجزائري، هي من عزف التشيد الوطني الفلسطيني.  

– كانت الجزائر على الدوام بمختلف مكونات شعبها العرقية والدينية ، وأطيافها السياسية، قاعدة دعم وإسناد لنضال الشعب العربي الفلسطيني ، وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات، يُدرك قيمة الجزائر، ويختار أن تكون الإجتماعات الحاسمة لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، على أرضها.  

وبعد أن ألقى أبو عمار خطابه الشهير من على منبر الأمم المتحدة، خلال الدورة ال 29 للجمعية العامة عام 1974، والتي كا يرأسها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة آنذاك ، قال الرئيس عرفات: ” لولا الجزائر ما كنت قد تمكنت من إلقاء خطابي في الأمم المتحدة ” .  

– دعم أحرار الجزائر، جميع الإنتفاضات والهبات الشعبية الفلسطينية، ووقفوا ضد كل أشكال العدوان على قطاع غزة.  واستقبلت الجزائر  المقاتلين الفلسطينيين بعد الخروج من بيروت عام 1982.  

– ما زال النشيد الفلسطيني- الجزائري ” فلسطين…فلسطين الشهداء ” حاضرا في الوجدان والذاكرة ، كيف كان أحرار الجزائر يدعموا المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم، وكيف إرتفعت الأعلام الفلسطينية لتعانق علم فلسطين، في مشهد خالد ، وهتافات المدرجات تشجع الفريق الفلسطيني، يوم تجسدت فيه الأخوة والوحدة والروابط القومية .  

– تخليدا لإسم الراحل هواري بومدين، قرر المجلس البلدي لمدينة دورا جنوب الخليل ، إطلاق إسم “بومدين” على ملعب دورا الدولي.  

– لم تسعى الجزائر لإستخدام القضية الفلسطينية، كورقة سياسية، بل عبرت دائما عن أصالتها وعروبتها وإنسانيتها تجاه فلسطين والشعب الفلسطيني، وعبرت كتابات الشعراء والأدباء عن هذه المشاعر النبيلة ، وساهم مثقفوا الجزائر في فضح الأطماع الصهيونية منذ أن كتب الشيخ سعيد الزهري، في جريدة ” الإصلاح ” سنة 1929 عن ثورة البراق، إضافة لكتابات :  

عمر باسم (1883- 1959)، سعيد الزاوي (سنة 1927) ، محمد العيد آل خليفة (سنة 1936)، علي جوهر ، محمد حريدي ، مفدي زكرياء ، صالح خزمني (1932- 1998) ، أحمد توفيق المدني (1899- 1983) ، محمد بودية (1932- 1973) ، كاتب ياسين (1929- 1989) ، نور الدين عبة (1921- 1996)، وغيرهم عشرات الأقلام.  

إبتدع أحرار الجزائر مصطلح ” جزائسطين ” للتأكيد على عُمق هذه الروابط، والتي تُعتبر نموذجا يُمكن أن يُحتذى به، ويمكن لنا أن نتخيل أهمية وسمو هذه الروح القومية، التي لو ساهم الساسة  وأصحاب القرار، والنُخب في ترسيخها!.  

 ليست سايكس- بيكوا مجرد  حواجز جغرافية وسياسية وإقتصادية ، بل هي أيضا حواجز وجدانية ونفسية ، سرطان أصاب الجسد العربي الواحد بمختلف مكوناته وطوائفه، يجب إزالته.  

لا أجد في ختام هذا المقال، سوى أن أردد – مع أحرار الجزائر-  نشيدنا الوطني  الفلسطيني العربي الجزائري :  

قسما بالنازلات الماحقات
و الدماء الزاكيات الطاهرات
و البنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…  

2  

نحن جند في سبيل الحق ثرنا
و إلى استقلالنا بالحرب قمنا
لم يكن يُصغى لنا لما نطقنا
فاتخذنا رنة البارود وزنا
و عزفنا نغمة الرشاش لحنا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…  

3  

يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
و طويناه كما يُطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب
فاستعدي وخذي منا الجواب
ان في ثورتنا فصل الخطاب
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…  

4  

نحن من أبطالنا ندفع جُندا
و على أشلائنا نصنع مجدا
و على أرواحنا نصعد خُلدا
وعلى هاماتنا نرفع بندا
جبهة التحرير أعطيناك عهدا
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…  

5  

صرخة الأوطان من ساح الفدا
فاسمعوها واستجيبوا للندا
و اكتبوها بدماء الشهدا
واقرأوها لبني الجيل غدا
قد مددنا لك يا مجد يدا
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.