68 عاما على النكبة واغتصاب فلسطين….! / * نواف الزرو
* نواف الزرو ( الأردن ) الإثنين 16/5/2016 م …
** “ليست فلسطين جغرافيا فحسب، بقدر ما هي أيضاً تراجيديا وبطولة”.
ما تزال فلسطين من بحرها الى نهرها تتفاعل في فضاءات النكبة التي تحولت الى مستوى هولوكوستي على مدى عقودها الماضية، فمرة اخرى- تعود بنا معطيات المشهد الفلسطيني الماثلة امامنا في هذه الايام التي يحيي فيها اهلنا في الداخل الفلسطيني وخارجه الذكرى الثامنة والستين للنكبة، إلى” درس البديهيات .. العسير ! ” كما يقول الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش في مقالة له، ويضيف:”ليست فلسطين جغرافيا فحسب، بقدر ما هي أيضاً تراجيديا وبطولة، ولا هي فلسطينية فقط، بقدر ما هي إخصاب لفكرة العربي عن نفسه، ومعنى إضافي لمعنى وجوده في صراعه مع خارجه ومع داخله ، ليكون جزءاً من تاريخه الخاص ومن التاريخ العام “.
تحملنا هذه الاستخلاصات المكثفة لشاعر فلسطين الى البدايات والمربع الاول للصراع، وتفتح امامنا كافة الملفات المعلقة والمؤجلة الى حين…؟!!!
فكما هو موثق في صحف التاريخ والجغرافيا والحضارة والتراث، فقد احتلت فلسطين في الوعي الوطني الفلسطيني دائما قمة الهموم و الاولويات والاهتمامات، كما احتلت في الوعي القومي العربي صميم الوجدان العربي ، وكانت في الوعي الاسلامي على امتداد الأمة دائما سرة الأمة الاسلامية.
فكانت وبقيت دوما الجوهر والعنوان الكبير لكل ما يجري على امتداد مساحة الوطن والأمة، وكانت جزءا من خارطة الوطن الكبير، وكان شعبها جزء من الأمة العريقة .
حملت معركة فلسطين معها دائما كل العناوين وكل العناصر وكل الأبعاد الأخرى المتعلقة بالعقيدة والهوية والانتماء والتاريخ والحضارة والجغرافيا والمستقبل .
كلهم كانوا يعرفون ذلك، ولذلك تحالفت وتواطأت قوى الغرب الاستعماري والمؤسسة الاستعمارية البريطانية والحركة الصهيونية من أجل العبث بحقائق التاريخ والجغرافيا والمسميات ..!
اتفقوا على “تسويق فلسطين” على انها “ارض بلا شعب لشعب بلا ارض” وعلى انها ” الأرض الموعودة ” ل “شعب الله المختار ” …؟!
فكانت الجريمة الاولى الكبيرة فكرة في تلك الادبيات الاقتلاعية الصهيونية، ثم تحولت الى قرارات، ثم الى تنظيمات وآليات عمل على مختلف الجبهات التنظيمية والاعلامية والاقتصادية، ثم كان الأجتياح الصهيوني التهويدي تحت مظلة وحماية ودعم الاستعمار البريطاني.
اقترفوا المجازر الجماعية بالجملة وشردوا اصحاب الأرض والحق والوجود.. واغتصبوا الجغرافيا لاقامة الكيان وسعوا الى “عبرنة وتهويد الأمكنة والمسميات”…لتنقلب كل الموازين والمعادلات التاريخية لصالح ذلك المشروع الصهيوني.
ما بين الوعد والتقسيم
يستحضر الفلسطينيون ومعهم العروبيون كلما حلت الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية واغتصاب فلسطين واقامة تلك الدولة الصهيونية على خرابها، في مقدمة ما يستحضرونه ما سمي ب”وعد بلفور”
، وبعده بثلاثين عاما “قرار التقسيم”، وكلاهما نتاج بريطاني كامل الدسم لصالح المشروع الصهيوني، فالعلاقة الجدلية ما بين الوعد والقرار قوية عميقة استراتيجية، فلولا الوعد لما جاء التقسيم، ولولاهما معا لما انجبت دولة”اسرائيل”، ولولا الاحتضان البريطاني الاستعماري الكامل الشامل للمشروع الصهيوني لما ضاعت فلسطين.
ففي كافة المحطات الرئيسية الكبرى في تاريخ القضية الفلسطينية كان لبريطانيا دائما الدور المركزي في بناء وصناعة الاحداث والمشاريع والدول، ولعل اقامة “اسرائيل” على خراب فلسطين وتشريد اهلها في الشتات تبقى الكارثة الاكبر التي حلت بالامة العربية في ظل المؤامرة البريطانية –الصهيونية …!.
وتبدأ حكاية الغرام والعشق من قبل بريطانيا بالمشروع الصهيوني و”الوطن القومي لليهود” وب”إسرائيل”منذ منتصف القرن الثامن عشر في عهد اللورد بالمرستون، غير انها تطورت على نحو حميمي وعلى وجه الحصر في 1917، حينما اصدر وزير الخارجبة البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.
لذلك يمكن ان نوثق بداية “ان دولة اليهود اسست في لندن”، فبيان وزير الخارجية البريطاني بلفور الصادر في الثاني من تشرين الثاني 1917 في ذروة الحرب العالمية الاولى، منح اليهود- رغم أنهم شكلوا أقلية صغيرة في فلسطين في ذلك الحين-“وطنا قوميا ودولة مصطنعة مخترعة على حساب فلسطين”، وفي نظرة الى الوراء كان هذا البيان البلفوري هو الانجاز التاريخي الأهم الذي أحرزته الحركة الصهيونية في عملها من اجل اقامة الدولة، والوعد حرف وزورالتاريخ والجغرافيا في الشرق الاوسط وطرح الفكرة الصهيونية الهامشية كخيار واقعي في السياسة العالمية، واستمرارية ذلك تجسدت في الاصابة الثانية حيث قامت الجمعية العمومية للامم المتحدة بعد ذلك بثلاثين عاما في تشرين الاول 1947 بتأييد قرار التقسيم واقامة دولة يهودية”، و”كان الوعد حاضرا بعد ذلك في مختلف المؤتمرات والتحالفات الاستعمارية من مؤتمر سان ريمو /1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، الى عصبة الأمم التي صادقت في يوليو/ تموز 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا”.
ليصل الى ذروته التطبيقية بتمرير قرار التقسيم في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/1947.
وها هو ينقضي اليوم ثلاثة وتسعين عاما على الوعد الذي انجب التقسيم، ولا تزال تداعياته النكبوية تلاحقنا، ذلك ان ذلك “الوطن القومي لليهود” وذلك “المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي”يشهد في هذه الايام ذروة تمدده السرطاني وذروة سطوه على الوطن الفلسطيني من نهره الى بحره…!
* خريطة فلسطين وانقلاب الموازين
فالحقيقة الكبيرة الساطعة التي نوثقها ونحن اليوم امام الذكرى الثامنة والستين للنكبة، ان قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة والذي استند بالاصل الى “اعلان- وعد بلفور” اعطى ما لا يملك لمن لا يستحق”، وانه كان قرارا ظالما مجحفا وقف وراءه الانتداب الاستعماري البريطاني بكل ثقله، واسفر عن قضية /نكبة القرن المتواصلة والمفتوحة والمركبة اضعافا مع الزمن، وما بين الوعد والتقسيم تراكمت عوامل تغيير وجه فلسطين وقلب الموازين الجغرافية والسكانية عبر سياسات الاقتلاع والترحيل والاحلال المستندة الى سياسات التطهير العرقي.
فبعد ان كانت فلسطين بكاملها من بحرها الى نهرها عربية الجذور والتاريخ والحضارة والتراث والثقافة والمعالم على كل المستويات، اخذت تتحول منذ الوعد تدريجيا لتنتقل خريطتها الجغرافية والسكانية من عربية الى صهيونية، لتغدو اليوم ونحن امام الذكرى الرابعة والستين للنكبة تحت السيطرة الصهيونية الاستراتيجية الكاملة، من البحر الى النهر.
فكيف اصبحت الخريطة الجغرافية والسياسية والديموغرافية في فلسطين اليوم بعد اربعة وستين عاما على ذلك القرار التقسيمي…؟!.
نعود هنا مرة اخرى الى احدث المعطيات حول الميزان الجيو ديموغرافي في فلسطين المحتلة لنذكر:
انه “منذ العام 1948 اقامت اسرائيل اكثر من 700 تجمع سكاني (بين مدينة وبلدة )يهودي دون ان يقام ولو تجمع عربي واحد بالمقابل .
الكاتب الاسرائيلي المعروف “عوزي بنزيمان” كتب في هآرتس العبرية: “ان عرب اسرائيل الذين يشكلون 18 بالمئة من السكان اليوم يشغلون فقط 2,4 بالمئة فقط من الارض، والمساحة المخصصة لليهودي اكبر من تلك المخصصة للعربي بثمانية اضعاف “؟، واضاف “ان العرب في الجليل يشكلون %72 من السكان ولكنهم لا يشغلون سوى %16 فقط من الاراضي هناك”مشيرا الى “انه قبل قيام اسرائيل كانت الاراضي العامة اقل من %10 اما اليوم فقد اصبحت %93 حيث وضعت الدولة يدها على الاراضي العربية باربع طرق –لا مجال لذكرها هنا – “.
تفتح هذه المعطيات التي يوثقها بنزيمان امامنا ملف الميزان الجيوديموغرافي في فلسطين، وكيف كان هذا الميزان بعد قرار التقسيم وقبل قيام تلك الدولة الصهيونية وكيف اصبح اليوم …..؟!.
كما تفتح امامنا ملف التهجير والتهويد الشامل لفلسطين على ايدى الاحتلال الصهيوني ….؟!.
وفي هذا السياق يمكن القول ان الهجوم الصهيوني على فلسطين يحمل كل عناوين الاغتصاب والمجازر والاقتلاع والترحيل والتهويد والغاء الآخر العربي الفلسطيني تماما…!
بلدوزرات تزييف التاريخ
وحسب المشاريع والنوايا المقروءة لدولة الاحتلال وبلدوزرها الاستيطاني، فان هذا الهجوم الصهيوني لم ولن يتوقف ابدا، وهذا الاستخلاص ليس اجتهادا سياسيا او فكريا تحت الجدل، وانما هو حقيقة كبيرة راسخة تتكرس على الارض مع مرور كل ساعة، ومع تواصل عمل بلدوزرات الاستيطان والجدران على الارض الرامية الى تزييف التاريخ، وهي حقيقة معززة مدعمة بكم هائل من الوثائق والمعطيات والوقائع الموثقة الملموسة..
فبالنسبة لفلسطين المحتلة 1948 على سبيل المثال وهي عنوان النكبة والتهجير وتهويد المكان الفلسطيني فتؤكد كل التقارير والدراسات العربية والعبرية على “ان الحركة الصهيونية مجسدة بدولة” اسرائيل” تواصل “عبرنة” و”تهويد” اكثر من 8400 اسم عربي لمواقع جغرافية وتاريخية”.
وحسب كتاب “المواقع الجغرافية في فلسطين – الاسماء العربية والتسميات العبرية” وهو من تأليف الدكتور شكري عراف وصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، فلم يكن في فلسطين حتى غزو الصهيونية لها سوى 50 اسما عبريا فقط، وان التوراة اليهودية لا تشمل بالاصل سوى 550 اسما لأمكنة مختلفة في فلسطين وهي في الاصل اسماء كنعانية وبادر الصهاينة الى تحوير الاسماء الاصلية او وضع اسماء عبرية على المواقع الفلسطينية، وهكذا تحولت “بئر السبع ” مثلا الى “بئير شيبع” وطبريا الى “طبيريا” والخضيرة الى “حديرة” والمطلة الى “مطولة” وصفورية الى “تسيبوري” وعكا الى “عكو” وهكذا.
ويتحدث الكتاب عن ان “الصهيونية غيرت وهودت 90% من اسماء المواقع في فلسطين”.
وليس ذلك فحسب، فدولة الاحتلال تواصل من جهة اولى مخططات تهويد ما تبقى من المواقع والاراضي الفلسطينية في فلسطين 1948 سواء في النقب او الجليل المحتلين ، بينما تشن من جهة ثانية هجوما تهويديا استراتيجيا ايضا على المواقع والاراضي العربية في الضفة الغربية ويتركز هذا الهجوم الى حد كبير على مدينتي القدس والخليل وقد امتد في الآونة الاخيرة الى منطقة الاغوار الاستراتيجية.
فجاء على سبيل المثال في تقرير أعدته المبادرة الفلسطينية “ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 شرعت العديد من القوانين والاجراءات التي تخدم سياسة تهويد القدس” و”انها تحاول فرض حقائق على الارض من شأنها فصل المدينة المقدسة عن تاريخها العربي والاسلامي لصالح تثبيت ادعاءات يهودية المدينة المقدسة”.
ولكن- دولة الاحتلال لا تكتفي بتهويد الجغرافيا والتاريخ وانما تخطط وتبيت وتسعى لاقتلاع وترحيل من تبقى من اهل فلسطين بوسائل مختلفة، او تسعى لالغاء وجودهم تاريخيا ووطنيا وسياسيا وحقوقيا وحشرهم في اطار كانتونات ومعازل عنصرية هي في الصميم معسكرات اعتقال ضخمة قد يطلق عليها اسم “دولة او دويلة فلسطين” او “كيان فلسطيني” او ربما تبقى بسقف “الحكم الذاتي الموسع”.
وبيت القصيد هنا في هذا الصدد ان ما يجري اليوم في فلسطين من البحر الى النهر، انما هو نتاج للوعد والتقسيم، فغدت فلسطين تحت مخالب الاغتصاب والتهويد والاقتلاع والترحيل، وهذه العملية تجري مع بالغ الاسف والقهر تحت مظلة “عملية السلام”والمؤتمرات تارة، او تحت غبار حرب الاجتياحات والاغتيالات والتدمير والجدران طورا، وذلك على مرأى من العالم العربي والمجتمع الدولي.
* تواطؤ الامم المتحدة .
تفيد الوثائق المتسربة من ارشيف الامم المتحدة، ان تلك المنظمة الاممية وقفت سرا الى جانب قرار التقسيم البريطاني والى جانب تلك الدولة الصهيونية المصطنعة بالقوة، بل ان المؤرخ الإسرائيلي الدكتور إلعاد بن درور كان كشف النقاب في ذكرى صدور “قرار التقسيم” في 29 تشرين الثاني العام 1947، عن “أن الأمم المتحدة أعدت مخططا لتشكيل ميليشيا يهودية مسلحة ومزودة بطائرات حربية بهدف تنفيذ القرار بتقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية فقط”، وكشف المؤرخ الإسرائيلي عن ذلك بعد اطّلاعه على وثائق سرية في الأمم المتحدة، على مدى العام/2007، وكانت مصنفة على أنها سرية لكن الأمم المتحدة أزالت مؤخرا صفة السرية عنها وفتحتها أمام الجمهور.
وأكد بن درور على أن “الأمم المتحدة أهملت نصف قرار التقسيم أي أنها أهملت فكرة إقامة الدولة العربية، وقد كانت الفكرة تنفيذ إقامة الدولة اليهودية فقط وأن تعمل الأمم المتحدة في وقت لاحق على إقامة الدولة العربية”، وقال بن درور “إنه بموجب مخطط اللجنة التنفيذية فإن المهمة الأساس للمليشيا اليهودية كان فرض سيطرة الدولة اليهودية على العرب الذين بقوا فيها والذين كان عددهم في الدولة اليهودية، وفقا لخارطة التقسيم، مطابقا تقريبا لعدد اليهود”.
تصوروا….!
هذه الحقيقة الكبيرة الضائعة…!.
يضاف الى ذلك ما كان أكده بحثان تاريخيان إسرائيليان -كانا صدرا بمناسبة الذكرى الستين لقرار التقسيم- من “أنه لولا النشاط البريطاني في فلسطين والمنطقة وضغوط يهود الولايات المتحدة لما قامت إسرائيل، ولتغيّر وجه التاريخ في المنطقة”، اذ أكد المؤرخ موطي جولاني من جامعة حيفا “أن البريطانيين حين امتنعوا عن التصويت على قرار التقسيم في 29/11/ 1947 بدعوى أن المشروع غير مقبول من الطرفين، تبنوا خطة تقسيم بديلة”، وفي بحث آخر قال المؤرخ زوهر سيغف من جامعة حيفا “إنه لولا تدخل اليهود في الولايات المتحدة قبيل التصويت على قرار التقسيم لكان من المرجح أن إسرائيل ما كانت ستقوم”.
وعن استراتيجية القرار الاممي قال شلومو نكديمون في يديعوت احرونوت-29/11/2007 “ان رئيس الوزراء الاول دافيد بن غوريون ووزير الخارجية الاول موشيه شريت، اختلفا في ارائهما، اذ اعتقد شريت انه “لولا قرار الامم المتحدة في العام 1947 لما قامت الدولة في العام 1948″، اما بن غوريون فأجابه: “فقط جسارة اليهود اقامت الدولة وليس قرار “اوم – شموم” (الامم المتحدة – القفر).
فما الذي جرى اذن قبيل وبعد قرار التقسيم…؟!
انقضت التنظيمات الارهابية الصهيونية تحت مظلة القرار الاممي وبحماية ودعم البريطانيين على كامل فلسطين، فسطت سطوا مسلحا اجراميا مجازريا في وضح النهار على الوطن العربي الفلسطيني…!
فقامت التنظيمات والدولة الصهيونية على خراب وتدمير فلسطين وتهجير اهلها، وما تزال تواصل تدمير وشطب عروبة فلسطين تاريخا وحضارة وتراثا ، كما قامت وما تزال تواصل تهجيرالشعب الفلسطيني وتهويد ارضه ووطنه وتحويله الى “وطن يهودي” والى “دولة يهودية نقية” يسعون في هذه الايام باستماتة من اجل ابتزاز الشرعيات الفلسطينية والعربية لها..!.
بل انهم يشنون هجوما استراتيجيا شاملا بهدف شطب فلسطين بكل ملفاتها وعناوينها الى الابد…!
ولم يعد سرا ان تلك الدولة اقترفت ابشع اشكال التطهير العرقي، وقامت بتهديم المكان العربي على امتداد مساحة فلسطين، فدمرت ومحت نحو ستمائة قرية فلسطينية ومنها على رؤوس ساكنيها، كما دمرت العديد من الأماكن العربية المقدسة في فلسطين، بينما قامت بتهجير اهل الوطن والتاريخ والحضارة بفعل المخططات الاستعمارية وبقوة “التطهير العرقي” البشع وفي ظل جالة من الاوضاع العربية التي تعجر مفردات القاموس السياسي عن وصفها…!
* التقسيم والدولة الفلسطينية..؟!
كلما يثار استحقاق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كما يجري في الآونة الاخيرة، تتجدد الاسئلة والتساؤلات الكبيرة الجذرية على اجندة قرار التقسيم ومسؤولية الفلسطينيين والعرب التاريخية في عدم احباط المشروع الصهيوني اولا، وفي عدم اقامة الدولة العربية آنذاك …!
فقد كان من المفترض وفق قرار التقسيم على ما فيه من ظلم وسطو على معظم الوطن الفلسطيني، ان يعطي الشعب الفلسطيني نحو 44% من فلسطين ، لتقام الدولة الفلسطينية عليها:
فما الذي حدث اذن…؟
رفض الفلسطينيون والعرب مشروع التقسيم واقامة الدولة الصهيونية وكانوا على حق، ولكنهم لم يعملوا على اقامة الدولة العربية، بل استسلموا للامر الواقع وتأقلموا مع سطوة المشروع والدولة الصهيونية.
فضاعت فلسطين وتشرد اهلها وضاعت الحقوق والدولة العربية في فلسطين معها..!.
ولذلك نتساءل اليوم بعد تسعة وستين عاما على القرار-كما تساءلنا على مدى الاعوام السابقة-:
– هل تضيع الحقوق والاوطان هكذا مع التقادم…؟!
– ام انها يجب ان تعود مركبة…؟!.
– الم تنضج القناعات الدولية باقامة الدولة الفلسطينية…؟!
– الم تنضج الظروف المحلية والإقليمية والدولية لتحقيق هذا الاستحقاق المتأخر ثمانية وستين عاما….؟!
– الظروف الإسرائيلية الرسمية والشعبية غير ناضجة كما هو واضح للقبول بالدولة الفلسطينية المستقلة، فلماذا يا ترى الرفض الاسرائيلي المطلق للدولة المستقلة…؟!
– ولماذا تجمع الخريطة السياسية الاسرائيلية على عدم السماح باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة…؟!
-ثم لماذا تصطف الادارة الامريكية ومن ورائها الاتحاد الاوروبي ومجلس الامن وراء الرفض الاسرائيلي المدجج بالتهديد والوعيد والتدمير ضد الدولة…؟!
بعد ان اعلنت السلطة الفلسطينية مؤخرا –وهي الشريك في عملية المفاوضات التي من المفترض ان تقود الى مصالحة تاريخية مزعزمة- عن اعتزامها التوجه الى مجلس الامن لاستحصال اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية ، قامت الدنيا الاسرائيلية والامريكية والاوروبية ولم تقعد اعتراضا على هذه النية الفلسطينية ..!.
فكشفت عن النوايا والانياب الحقيقية لديهم تجاه استحقاق اقامة الدولة الفلسطينية.
يزعمون من جهة اولى ان مثل هذه الدولة لن يحصل عليها الفلسطينيون الا عبر المفاوضات والتسوية، بينما تراوح المفاوضات مكانها منذ نحو خمسة وعشرين عاما ، ويزعمون من جهة ثانية ان الشعب الفلسطيني ليس مؤهلا لاقامة الدولة، وكانهم قيمون على مقدرات هذا الشعب، ويزعمون من جهة ثالثة ان الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس لا يسمح باقامة الدولة، وكان هذا الانقسام ليس من صنعهم …وهكذا…!
هذه هي اللعبة الاسرائيلية في المماطلة وكسب الوقت واقامة حقائق الامر الواقع على الارض التي تدمر مقومات اقامة الدولة.
ولذلك فانه لمن بالغ الدهشة الحديث احيانا عن “سلام عادل وشامل ودائم”، والاغرب التمسك العربي بالنواجذ على خيار المفاوضات وخارطة الطريق على وقع المجازر وبناء المستعمرات والجدران الاغتصابية التهويدية.
تصوروا- رئيس الدورة الـ63 للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة المنظمة العالمية ميغيل ديسكوتو بروكمان طالب في العام/2008 بعد واحد وستين عاما على التقسيم ، بالعمل على تطبيق قرار تقسيم فلسطين -181- الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1947، إلى دولتين، والعمل بدون تأخير على “تنفيذ الالتزام القديم للأمم المتحدة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة/ الوكالات -2008/8/19″، وقال في كلمته التي ألقاها بعد انتخابه لمنصب رئيس الجمعة العامة، إن “الفشل الأكبر للأمم المتحدة هو عدم إقامة دولة فلسطينية”.
لا شك ان كبرى الكبائر العربية هنا ان الدول والسيات العربية الرسمية تأقلمت مع الامر الواقع البريطاني اولا ثم الامريكي الصهيوني ثانيا، لتنتقل في السنوات الاخيرة من موقع اللاءات الى موقع النعمات في التعاطي مع المشروع الصهيوني ونتاجه على الارض”اسرائيل”.
ونقول في الخاتمة:
لم يكن “وعد بلفور” ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟.
ولم تكن فلسطين لتقسم وتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب لمشروع التقسيم البريطاني – الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول إلى “وطن قومي لليهود” لو ارتقى العرب إلى مستوى اخطار”الوعد والحدث التقسيمي”؟!!
وما بين “بلفور والتقسيم” آنذاك وخريطة فلسطين الواقعة بالكامل تحت انياب البلدوزر الصهيوني، تجري عملية اغتيال الوطن العربي الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة الراسخة، ومقومات الاستقلال الفلسطيني، في ظل العجز العربي الرهيب وفي ظل هذه الحروب الطائفية والمذهبية المفتعلة وفق مخطط امريكي صهيوني مبيت ….!
ولكن ، برغم كافة معطيات المشهد النكبوية، فان الشعب العربي الفلسطيني يواصل مسيرة الكفاح والصمود والتصدي التي بدأها مع اقامة اول مستعمرة صهيونية هي مستعمرة “بيتح تكفا” على اراضي قرية الملبس الفلسطينية عام 1878.
التعليقات مغلقة.