فتح وحماس … وحدة المصير أم الصراع الحتمي؟ / مهند إبراهيم أبو لطيفة
مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) – الثلاثاء 15/6/2021 م …
بلا أدنى شك، وبدون مقدمات طويلة وتاريخية، تُعتبر قضية الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والإستقلال ، أسمى من جميع التناقضات الفصائلية على إختلاف أنواعها ودوافعها، والتي عانت منها الحركة الوطنية الفلسطينية – ولا زالت – منذ بدايات المشروع الصهيوني الإستعماري.
ومن حق الفلسطيني أن يرفع صوته وسقف مطالبه وتوقعاته عندما ينعلق الأمر بوحدة الشعب الفلسطيني ومصيره ، وفي نفس الوقت أن يعبر عن قلقه الشديد من المشهد الفلسطيني الذي تتقدمه حركة فتح وحركة حماس بشكل أساسي.
يجوز في عالم السياسة وعلم الإجتماع، الحديث عن الخلفيات الفكرية والإقتصادية والإجتماعية ، والتركيبة الهرمية للأحزاب والتنظيمات، وتحالفاتها أو إرتباطاتها الإقليمية والدولية، وبرامجها السياسية وغيرها من الإعتبارات، والتي لا تعني مجموع شعبنا الفلسطيني كثيرا، بقدر ما تعنيه أن تحقق الحركة الوطنية إنجازا حقيقيقا على أرض الواقع، يبث في نفوسهم الأمل ويجدد الإرادة على مواصلة الكفاح الوجودي من أجل الأرض والإنسان.
تتلخص مطالب أغلبية الشعب في الفلسطيني، والتي تدركها بلا شك قيادة حركتي فتح وحماس وغيرها من الفصائل، ويأتي التأكيد عليها كإستحقاق جديد لملحمة سيف القدس، بما يلي:
أولا: الشعب يريد أن يرى مشروعا وطنيا فلسطينيا واحدا وليس عدة مشاريع متعارضة متعددة التسميات مختلفة في الجوهر، عنوانه العريض : تحرير فلسطين ، كل فلسطين من البحر إلى النهر، كهدف إسترلتيجي، لا يتم التنازل عنه، وبالتالي إسقاط كل المشاريع التصفوية، السابقة واللاحقة حتى تحت مسمى الفدرالية الذي بدأ البعض يهمس به!.
ثانيا: يريد أن تتحق العدالة الإجتماعية، والحفاظ على كرامة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وفي مخيمات اللجوء، وعلى الفصائل الفلسطينية ( إن أرادت أن تستمر) أن تطور آليات وبرامج لتحقيق ذلك، وأن لا تسمح بأن يعيش الشعب الفلسطيني تحت سطوة إضافية لسطوة وجبروت الإحتلال الصهيوني.
ثالثا: إعتبار الكفاح المسلح، الوسيلة الأولى للصمود والتصدي لممارسات الإحتلال، وهذا يفرض بناء درع المقاومة الشامل، إضافة لباقي الوسائل المشروعة .
رابعا: الإبتعاد عن سياسة المحاور والتجاذبات الإقليمية، وبنفس القدر الإرتهان للخارج بشكل أو بآخر، والعمل على بناء القدرات الذاتية لتحقيق أكبر قدر من الإستقلالية، وفي مقدمتها الإستقلالية المالية.
خامسا: محاربة الفساد والمحسوبية والترهل البيروقراطي بكافة أشكاله وصوره ، والإرتقاء لمستوى تضحيات هذا الشعب وآماله ، ولا يسمح المقام بالتفصيل.
سادسا: دعم التكامل ما بين الداخل والخارج، على أسس عملية وعلمية، وعدم إهمال الأجيال التي ولدت في المنافي وربطها وجدانيا وثقافيا ووطنيا بالأرض المحتلة.
سابعا: إيجاد آليات لعقد مؤتمرات وطنية فلسطينية في الخارج، للتعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني، وإختياره لممثليه، بعيدا عن النهج السائد منذ سنوات طويلة، والذي تسبب بكوارث في جميع الساحات، دون الخوض بتفاصيل أكثر.
ثامنا: العمل بشكل فوري على إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، في سجون الإحتلال وغيرها من المعتقلات، وأن لا تسمح الحركة الوطنية – مهما كلف الثمن – بأن يبقى الفلسطيني أسيرا لفترات طويلة بينما المستوطن الصهيوني يصول ويجول.
تاسعا: إيجاد إطار جامع يمثل قيادة موحدة، عُليا للشعب الفلسطيني، وإعادة الإعتبار للتراث الثوري الفلسطيني، نهجا ولغة وممارسة، ويمكن أن يتشكل هذا الإطار تحت إسم منظمة التحرير الفلسطينية بعد هيكلتها من جديد، أو تكون المنظمة طرفا مؤسسا فيه إلى جانب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، تحت إسم آخر مثلا : القيادة الموحدة للشعب الفلسطيني. كإطار إئتلافي جامع يتشكل من فصائل المنظمة والقوى الوطنية الأخرى من خارجها، إضافة لممثلي الشتات الفلسطيني المنتخبين شعبيا ، وعلى أرضية القواسم المشتركة.
عاشرا: تفعيل الإتحادات والمؤسسات والنقابات الفلسطينية، وتحويلها لمؤسسات عالمية الطابع تواكب العصر وتستفيد من تقنيات الثورة الصناعية، وتتيح المجال لتأطير وتأهيل جماهير الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، صاحبة المصلحة الحقيقية في التحرير، لا سيما أن الحركة الوطنية الفلسطينية تملك في تراثها وأدبياتها تجاربا غنية يمكن إخراجها من غرفة الإنعاش والبناء عليها.
لا يعقل أن تبقى آلاف الكوادر القديمة ، التي شكلت العمود الفقري للثورة الفلسطينية المعاصرة في المنافي ( كوادر سياسية وضباط ومثقفين ومهنيين، وأكاديميين) أغلبها يعيش على الذكريات ، وأجيال شابة لا تجد مجالا لتشارك شعبها معركته الوطنية ، دون أن يستفيد منها أحد.
حادي عشر: الشعب يريد اكثر من فضائية فلسطينية، تعبر عن القضية الفلسطينية، وبلغات عالمية حية، تمارس عملا إعلاميا مهنيا، يليق بشعبنا ، وأن لا تكون منابر (حركية أو فئوية) تقليدية تنتمي لعصر آخر وفضاء ثقافي مختلف، تجاوزته أجيال شعبنا الشابة بمراجل، شكلا ومضمونا.
ثاني عشر: أن تتم جميع اللقاءات والحوارات الفلسطينية- الفلسطينية، تحت رعاية الشعب الفلسطيني حصرا!.
ثالث عشر: الشعب يريد أن لا يسمع مطلقا تبريرا وتخريجا للفشل وعدم الإتفاق وإستمرار الإنقسام، ولا سماع قاموس التهم المتبادلة، الذي دفع الشعب من لحمه الحي ثمنا لها، مما فتح المجال رحبا لتطاول أعداء الشعب الفلسطيني وبعض الناقمين عليه في السنوات الماضية، وكأننا شعب لقيط!.
رابع عشر: مراجعة الذات، وأن تدرك الفصائل الفلسطينية مجتمعة وفي مقدمتها فتح وحماس، أن الشعب الفلسطيني قدم تضحيات جبارة، وأنه شعب كريم ومناضل دائم العطاء، وعلى طليعته أن لا تترفع عليه ولا تسمح بإستخدامه فئويا، وأن لا تكرر أخطاء الماضي والتي دفع ثمنها أجيال من الشباب في محطات مختلفة.
تتمتع حركة فتح، بتاريخها ومناضليها الشرفاء برصيد كبير في الشارع الفلسطيني، وكذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس بمجاهديها البواسل، ولكن الشعب يريد أن يرى قلعة فلسطينية واحدة موحدة مناضلة ، على أسس وطنية كفاحية أصيلة، تحترم دماء الشهداء، وتضحيات الأسرى والجرحى، ومن تحمل بؤس المخيمات والمنافي، نعبر عن إرادة شعبها الحرة، وتؤكد على تمثيلها الحقيقي لمطالبه ، وتكون جسرا يُعمق إرتباطه بوطنه، ولا يريد أن يرى أي شكل من أشكال التصادم وصراع الأخوة مستقبلا.
العالم مشغول بقضاياه الخاصة، والتي يعتبرها مركزية بالنسبة له ، ويخدع نفسه من يظن أن قضية فلسطين من أولوياته، وقضيتنا المركزية لن تستطيع حملها في المرحلة القادمة أيدي مرتعشة أقصى طموحها الحصول على الحماية الدولية، بل همة عالية تؤمن أن السياسة حسب الفهم الفلسطيني هي : فن تحقيق المستحيل، والمستقبل يصنعه الأقوياء.
التعليقات مغلقة.