صناعة الطائفية / د. يحيى محمد ركاج

 

 د. يحيى محمد ركاج ( سورية ) الإثنين 16/5/2016 م …

* باحث في السياسة والاقتصاد  

يحفل التاريخ الذي وصل إلينا بقصص وتبريرات عن نشأة الطوائف والمذاهب ومسبباتها، وكذلك الأمر في ظهور الأقليات المنفصلة عن كينونة مجتمعاتها التي تحتضنها وترعاها، بحيث تشير أغلبها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أن نشأة الطوائف كانت نتيجة غياب القوة المركزية الجامعة للدولة أو الإمارة أو الكيان الجامع تحت تهديد القوة والعصا، وعلى ذلك شواهد كثيرة سواء أكان في أوروبا في العصور الوسطى وصراع الكنائس فيما بينها أم في دويلات ملوك الطوائف إبان سقوط الدولة الأموية في الأندلس، أم دويلة الطوائف الحديثة في لبنان، أم فيما تسعى إليه الصهيوأمريكية الحديثة في ليبيا تحت مسميات مختلفة وما تسعى إليه في العراق وما يحاولون صناعته الآن في سورية عبر سفك الدماء والمجازر والشائعات.

وبالبحث عن أسباب هذه الصناعة المفككة للأمة من خلال دراسة تراكيب المجتمعات المتسمة بالطائفية أو بقراءة الأدبيات الهادفة إلى تطوير المجتمعات غير الطائفية كما يمكننا تسميتها، نلاحظ أن العامل الأبرز يكمن في غياب المفهوم المتجدد للمواطنة والإنتماء، حيث العوامل الجامعة للعيش المشترك والهدف الجامع، ليقوم كل فرد بما عليه من واجبات الأمر الذي يجعله متمتعاً بحقوقه ضمن ضوابط العقد الإجتماعي الذي يكوّن الدولة التي ينتمي إليها، ويعتبر حينها مفهوم القوة المركزية متمماً للمواطنة والإنتماء حيث الإخلال بالواجبات يتم انتقاصاً للحقوق المتحصلة، فتكون القوة هي العصا الرادعة والضامن لتوازن الحقوق والواجبات ضمن المنظومة النفعية.

أما لو سلمنا فقط بمفهوم القوة المركزية كعامل وحيد ضامن لزوال الطائفية فإننا سنكون أمام خيارين، إحداهما أننا نقف أمام أمة من الغنم–كما أشار إليها وليا ج ليدرر- أو أمة من الكسالى تسعى لرشوة الأمم الأخرى لمساعدتها، وتُخلص لأمتها في أيام الرخاء فقط، ويخدمون بلدهم عندما يحصلون على الرفاه و المساعدات، ولا يتجرؤون على الخوض في القضايا التي لا تروق للفئة المسيطرة، لكنهم يتميزون فقط بطلب أوقات الراحة دون معرفة سبب طلبها.

والآخر أننا معرضون لتفاهم وتحالف بعض المكونات غير المندمجة بالوطن ضمن المواطنة والانتماء، وإحلال القوة المركزية للدولة بقوة مركزية مؤقتة تقوم على تفاهمات فئوية تحت مسميات مختلفة ينشأ عنها بالنهاية التفرد والإقصاء.

أي أن صناعة الطائفية التي يتفنن أعداؤنا بمحاولات صناعتها لن تحقق أكلها إلا إن ارتكزت على مفهوم تغييب الحقوق والواجبات، أو على تغليب منطق القوة على التشارك، ومنطق التفرد بالتضحية على التشارك في الواجبات.

الأمر الذي استطاعوا زرعه بنجاح في أغلب الدول العربية والإسلامية ولو لم تكن الطائفية بها بارزة للآن، فالمحاصصة السياسة بلبنان مؤشر واضح عليها رغم المحاولة الخجولة لبعض الأحزاب في القضاء عليها، والسيطرة الجهوية والإقليمية في ليبيا هي دليل آخر ، والمذهبية في العراق هي أيضاً دليلٌ آخر على ذلك. وما تأخر بروزها في سورية رغم كل المحاولات القذرة لصناعتها إلا نتيجة التوازن المتين الذي قامت به الأحزاب العلمانية والمترافق مع ثقة المواطنين بقوة سيطرة الدولة على أغلب المناطق.

حيث أن ما واجهته سورية خلال السنوات الماضية لم يُضعف من قوتها العلمانية، ولم يُخل كثيراً بمفهوم العقد الإجتماعي، ووحدها فقط الشائعات التي استطاعت إختراق هذا الحصن المنيع للدولة العلمانية في سورية، مرتكزة –الشائعات- على التساهل والتهاون في اتخاذ إجراءات رادعة بحق مروجيها أو المستفيدين منها ولو من باب المصادفة، وخاصة عند إظهار فئة بمظهر الضحية أو المتسلط. ومرتكزة أيضاً على عدم الشفافية الكاملة في التعامل مع القضايا الجوهرية والسريعة.

إن سورية اليوم تعيش مراحل انتصاراتها الأخيرة، متوجة عمل سنوات طويلة في مواجهة الإرهاب بأنواعه المختلفة، ولا يملك أعداؤها إلا التحريض والترويج للدم والعنف، فما عجزوا عنه بالحرب يحاولون نيله بالاقتصاد والخروقات المجتمعية. لكنهم سيفشلون كما فشلوا في كل الميادين السابقة، فنحن قومُ شهداؤهم قدوةٌ، وصغيرهم وكبيرهم، طفلهم وكهلهم على درب الشهادة سائرون , عشتم وعاشت الجمهورية العربية السورية قلب العروبة النابض.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.