إقرار حدّ أدنى للضريبة على الشركات العابرة للقارات … من المُستفيد من “الإصلاح الدّاخلي” للرأسمالية؟ الطاهر المعز





الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 22/6/2021 م

تضمّنَ جدول أعمال قِمّةَ الدّول السّبْع ( الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، إضافة إلى الإتحاد الأوروبي) مناقشة مُقترح الولايات المتحدة تنسيق وإقرار حدّ أدنى للضريبة على أرباح الشركات العابرة للقارات، وتوصّل وزراء مالية مجموعة السبع، يوم السبت الخامس من حزيران/يونيو 2020، إلى إقرار نسبة 15% كحد أدنى، لتتم المُصادقة النهائية على النّسبة وعلى التفاصيل في وقت لاحق، ويستهدف الإتفاق بشكل أساسي شركات التكنولوجيا التي تتّهمها الدّول الأوروبية بالتّهرّب الضّريبي منها “أمازون” و”مايكروسوفت”و”أبل” و”فيسبوك”، ويؤدّي تطبيق الإتفاق إلى تسديد شركات التكنولوجيا العالمية، ومعظمها أمريكية، نسبة 15% كضرائب على الأرباح في الدول التي تعمل بها وتحصل بها على أغلب عائداتها، وتلجأ هذه الشركات إلى فتح مكاتب لها في بلدان لا نشاط لها بها، بل هي مُجرّد عناوين، أو فُرُوع إدارية صغيرة، وليست مَقرّات فعلية للشركات التي تختار هذه البلدان لأنها تفرض نسبة ضعيفة من الضرائب على الأرباح، ما يُمكّن الشركات العالمية من تجنّب تسديد ضرائب على أرباح تُحقّقُها من النشاط الفعلي ومن العائدات في دول اخرى حيث الضرائب مرتفعة نسبيا، وتتميز شركات التكنولوجيا بسهولة التنقل بين البلدان، واختيار الدول التي تفرض معدلات منخفضة من الضرائب كمَقَرّ إداري لها (وهي في الغالب مَقَرّات وهْمِية)، وإعلان أرباحها هناك، وهي أرباحٌ تحقّقت في مناطق أخرى من العالم، ما يُعسِّرُ على دولة بمفردها، عملية حَصْرِ نشاطها، وفَرْضِ ضرائب على نشاطها ومبيعاتها، ويعسُر تطبيق هذا الإتفاق لأن الشركات لا تُعلن إيراداتها وأرباحها في كل بلد على حدة، وقدّرت ورقة بحثية صادرة عن صندوق النقد الدّولي بتاريخ 12 حزيران/يونيو 2021، أن “12 تريليون دولارا من استثمارات الشركات العالمية هي مجرد استثمارات وهمية، بهدف تجنّب تسديد الضّرائب”.

أظهرت هذه الشركات الضخمة العابرة للقارات في مجالات التكنولوجيا أو الإستشارات أو الأدوية والمضاربات وغيرها، براعة فائقة في تضخيم أرباحها من خلال التهرب الضريبي، وإظْهار ربح منخفض أو معدوم، في البيانات المُوجّهة لإدارة الضّرائب، وإعادة هيكلة نشاطها، والإستفادة من الدّعم الحكومي ومن الحوافز الضريبية، لأن هذه الشركات تدعم الحملات الإنتخابية وتمتلك وسائل الإعلام، ما يجعلها قادرةعلى تنصيب حكومات ومجالس نيابية تُمثّل مصالحها، بعد انتخابات “ديمقراطية”، ولذا تُقِرُّ حكومات العالم سياسات خفض الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة والصحة والتعليم والسّكن والنقل العمومي، وعلى خلق وظائف لائقة، وتُعتَبَرُ السياسات الضريبية مُؤَشِّرًا على الإتجاه السّياسي للحكومات، يُمكِّنُ إقرار الحد الأدنى من الضرائب على الأرباح من وضع حدٍّ للخلاف بين الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي بشأن كيفية احتساب الضّرائب على أرباح شركات التكنولوجيا العملاقة، واعتبر بيان لمنظمة “أوكسفام” (05 حزيران/يونيو 2021) أن نسبة 15% منخفضة للغاية، ولا يحل مشكلة توزيع الحُقُوق الضّريبيّة، وقدّرت اللجنة المُستقلّة لإصلاح الضّرائب الدّولية على الشركات ( ICRICT ) الحد الأدنى المطلوب بنسبة 25% على أرباح الشركات العابرة للقارات، مع تعميم تطبيقه بهدف الحَدّ من استخدام الشركات الكبرى للملاذات الضريبية مثل إيرلندا وسويسرا وسنغافورة ولسمبورغ والعديد من المُستعمَرات البريطانية والعديد من الولايات والمُستعمَرات الأمريكية، من خلال خلق شركات وَهْمِيّة، ولا تزال بعض الدّول الأوروبية مُتشبّثة بالملاذات الضريبية المحلّية، ورفضت نسبة 21% من الضريبة على الأرباح، التي اقترحتها الولايات المتحدة، قبل لقاء قمّة الدّول السبع، لأن التهرب الضريبي يتسبب بخسارة الخزينة الأمريكية أكثر من 427 مليار دولارا سنويا. أما في أوروبا فإن الشركات العابرة للقارات (والأمريكية المَنْشَأ بشكل خاص) مثل ماكدونالدز وأمازون وغوغل تُحقّق الجُزءَ الأكبر من أرباحها في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ولا تُسدّد ضرائب بها، لأنها تستفيد من الملاذات الضريبية الأوروبية (ومن الثغرات القانونية) مثل إيرلندا ومالطا ولكسمبورغ وهولندا وغيرها، بحسب دراسة، صدرت سنة 2019، عن منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية.
أثار التّوسّع الكبير للشركات العابرة للقارات، مقابل انخفاض قيمة الضرائب التي تُسدّدها للدول، ضجة تجاهلتها الحكومات لعدة عُقُود، لكن لم يعد بالإمكان  تجاهلها، ولا حتى من الحكومات المتواطئة مع الملاذات الضريبية، أو من صندوق النقد الدّولي الذي يُفضّل الضرائب غير المباشرة كضريبة القيمة المُضافَة، وسبق أن أثارت دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ضرورة  “إقرار إطار عالمييضع قواعد وضوابط لنظام ضريبي يتماشى مع العصر الرقمي”،  وعارضت الولايات المتحدة، موطن أكبر الشركات الرقمية، مثل هذا الإصلاح، لكن الخلافات المتزايدة مع الصين والهند والإتحاد الأوروبي ، خصوصا خلال رئاسة دونالد ترامب، جعلت الولايات المتحدة تقترح حدًّا أدنى بنسبة 21% وهو ما رفضته أوروبا، ليتمكن المجتمعون من إقرار نسبة 15% وهي منخفضة جدا، فضلا عن عدم إقرار آلية لمعاقبة الدّول غير المنضبطة، أو لإغلاق  الملاذات الضريبية التابعة لبريطانيا، أو غيرها مثل “برمودا” وجزر “فيرجن” البريطانية وجزر “كايمان” وجزر “القنال”، ويعتبر بعض الباحثين أن الولايات المتحدة هي أكبر مركز لغسيل الأموال في العالم، وصرح  رئيس المفوضية الأوروبية السابق “جان كلود يونكر” إن لوائح الضريبة والإستثمارات في بعض الولايات الأمريكية، مثل ولاية “ديلاوير”، لا تختلف عن  الملاذات الضريبية في منطقة البحر الكاريبي، ما يساهم في تفسير الصعود السريع لشركات أمريكية، في قطاع التكنولوجيا، على سبيل المثال، فيما تمكنت سويسرا من الإثراء السريع بفضل السّرّية المصرفية واللوائح التي تجتذب الأموال المشبوهة والمُهربة، فيما  اجتذبت دول سنغافورة وأيرلندا وجزيرة موريشيوس وهولندا استثمارات ضخمة بفعل الضرائب المنخفضة، وتواطأت شركة أمازون مع حكومة لوكسمبورغ لوضع قواعد مالية تسمح بعدم تسديد الضرائب، وعمومًا تُوظّف الشركات العابرة للقارات خُبراء في القانون لإعداد مشاريع قوانين تخدم مصالحها، تقترحها جاهزة على الحكومات وعلى التجمعات، مثل الإتحاد الأوروبي، مع تَرْكِ بعض الثغرات التي اختصت هذه الشركات في استغلالها، لأنها هي التي خلقتها…
استنتاجات:
إن جميع الملاذات الضريبية مناطق خاضعة للدول الرأسمالية الكُبْرى، وتفتح الشركات العملاقة شركات وهمية، أو فروعا لها  في البلدان ذات الضرائب المنخفضة وفي الملاذات الضريبية العالمية المعروفة مثل جزر كايمان في البحر الكاريبي وجزر جيرزي وغيرنزي وآيل أوف مان التابعة لبريطانيا، وتُمَكِّنُ هذه الملاذات الشركات العملاقة من الإستفادة من معدل الضريبة المنخفض، وإعلان ضرائبها في تلك الدول أو الملاذات، ولو تحقّقت أرباحها في دول أخرى.
قد يُؤدّي تطبيق الحد الأدنى من ضريبة الشركات بنسبة 15% إلى اندلاع خلافات مع بعض الدّول التي تتخذ قرارًا سياسيا، يتمثل في تقديم بعض الحوافز والإعفاءات الضريبية للشركات المُصَدِّرَة لبعض السّلع، أو للشركات التي تستثمر في المناطق الفقيرة، أو في مجال البحوث والإبتكارات، أو في مجال التنمية، وما إلى ذلك.
يشمل هذا الإتفاق، مبدئيا، حوالي مائة شركة عالمية، ولن يتم إقراره نهائيا وتطبيقه سوى بعد المُصادقة عليه من المجالس النيابية الوطنية التي تُقر مُعدّل الضريبة على الدّخل وعلى أرباح الشركات، وبعد الموافقة عليه من قِبَل مجموعة العشرين، ومجموعة الدول الثماني والثلاثين، أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) (OECD).
كانت الضرائب موضوعًا داخليا وشأنا سياديا، لكن توسّع الشركات العابرة للقارات وتضخّم نفوذها أدّى إلى طَمْس الحُدُود، في المجال الإقتصادي، لتصبح بعض الشركات أكثرَ نفوذًا من بعض الدّول متوسّطة الحجم، وتحتكر العديد من المجالات والأسواق، بفعل تقديم الرُشى للمسؤولين الحكوميين، مقابل الحصول على العقود، وشكل موضوع إقرار الحد الأدنى للضريبة على أرباح (وليس إيرادات) الشركات فُرصة لتأكيد الولايات المتحدة زعامتها الدول الصناعية الكبرى والعالم، واستغلال موقعها المُهَيْمِن للانفراد بالقرار، وفَرْضه على الحُلفاء والخُصوم.*****
خاطرة
على هامش حدث رياضي

شاهد مئات الملايين من سُكّان العالم، بمناسبة بطولة كرة القدم الأوروبية، يوم 14 حزيران/يونيو 2021، المهاجم البرتغالي “كريستيانو رونالدو”، الذي أزاح، خلال مؤتمر صحفي، زُجاجتَيْ مشروب شركة “كوكاكولا” (الرّاعي الرّسمي لهذا الحَدَث الرياضي)، داعيًا إلى شُرْب الماء، ورفع زجاجة ماء، وكان من نتائج هذا المَشْهَد القصير، انخفاض سعر سهم شركة الصّودا الأمريكية، من 56,18 دولارا يوم الجمعة 11 حزيران إلى 54,67 دولارا، يوم 16 حزيران/يونيو 2021 وانخفضت قيمة الشركة في السوق بحوالي أربعة مليارات دولارا.
يثشكّل السّكّر نسبة تُقارب 45% من حجم مشروب الصّودا “كوكاكولا”، وتُمثل مثل هذه المشروبات ما يصل إلى 25% من حجم استهلاك الطاقة اليومي للبالغين، في حين لا يجب أن تتجاوز هذه النسبة 10% على أقصى تقدير، بحسب منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن الإدْمان الذي يُسَبِّبُهُ الإستهلاك المُفرط للأغذية التي تحتوي على السّكّر، كما الإدمان على التّبغ أو الكُحُول.
تُعرقل شركات إنتاج الأغذية التي تحتوي كميات زائدة من السّكّر أو الملح أو الدّهون، إنجاز ونشر البحوث العلمية النّادِرَة، المتعلقة بالأضرار النّاجمة عن استهلاكها، وتستأجر عُلَماء ينشرون بُحوثًا تُشكّك بمصداقية زُملائهم، عندما لا تستطيع تكذيب نتائجها بشكل مُباشر…
دعمت شركة كوكاكولا انقلاب الجيش، بقيادة “أوغوستو بينوشيه”، على الرئيس التشيلي المُنتخب “سلفادور أليندي” (11 أيلول/سبتمبر 1973)، وبعد عودة الديمقراطية البرلمانية، شنّت جمعيات المُستهلكين ومجموعات “المجتمع المدني” حملة تُعَرّف بالأضرار الصّحّية الناجمة عن استهلاك إنتاج هذه الشركة وأمثالها، ما أجبر السّلطات على مقاومة زيادة الوَزْن والسّمنة، عبر وضع شعار أسود على العبوات، وحَظْر الإعلانات عن المشروبات الغازية المُوجّهة للأطفال، ما أدّى إلى خفض استهلاك مثل هذه المنتجات بنسبة 25% تقريبا، خلال حوالي ثمانية عشر شهرًا.
تُساهم شركة “كوكاكولا” (وهي ليست الوحيدة) في الإستحواذ على المياه العذبة في العديد من البلدان الفقيرة، وتستحوذ على العديد من الشركات الغذائية المَحلّية، لتحتكر إنتاج المشروبات والأغذية، ضمن حفنة من الشركات، ولتُقوّض السيادة الغذائية للبلدان وللشعوب، كما تدعم شركة كوكاكولا (وهي ليست الوحيدة) الكيان الصهيوني، ما يدعو إلى شن حملات مستمرة تُبيّن المخاطر الصّحّية لإنتاجها، بالإضافة إلى مُساهمتها (بأموالنا) في دعم احتلال فلسطين، وفي الإستحواذ على أراضي صغار المُزارعين في العديد من أنحاء العالم…

*****
خاطرة
عن البيروقراطية النقابية بتونس
على هامش بيان الهيئة الإدارية للإتحاد العام التونسي للشغل
إن التواجد في قيادة الإتحادات الجهوية والفيدراليات (بانتخابات ليست دائمًا شفافة) تُغَيِّرُ موقع النقابي، ليرتقي بضعة درجات في السُّلّم الإجتماعي والإقتصادي، فتنقطع أو تضْعف صِلَتَهُ بالواقع اليومي لزملائه، أما قيادة الإتحاد الجهوي بتونس (حيث كان الطبوبي يُمارس الوشاية بزملائه) وقيادة الإتحاد العام (المكتب التنفيذي) فتُحوّل النقابي من أجير إلى فصيلة أخرى، لِقُرْبِه من السّلطة، وتتذرع قيادات الإتحاد بالمسؤولية وخدمة الصالح العام وغير ذلك، وكان الراحل حسين بن قدّور (الذي عانى نقابيو التعليم خلال عقد السبعينيات من تَسَلُّطه) يُردّدُ “إن الإتحاد قُوّة خير”، لتبرير التحالف مع سلطة بورقيبة وقمع النقابيين المحسوبين على اليسار…
ما دَخْل الإتحاد ليلتقي مع اتحاد أرباب العمل والمنظمات الأخرى من أجل تمرير حل سياسي وقع اقتراحة من قبل أطراف في الإتحاد الأوروبي؟ إن مهمة القيادة النقابية تتمثل في الدّفاع المُباشر واليَوْمِي والمُستمر (بدون هُدنة ولا مُهادَنة) عن مصالح مُنتسِبية وعامة الأُجَراء…
لو اهتم المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل بالدّفاع عن مصالح الشغالين الأُجَراء (الرواتب وظروف العمل، وتَعَسُّف أرباب العمل والحكومة، والبطالة وارتفاع الأسعار والضرائب غير المباشرة، وما إلى ذلك)، ولو امتنع عن محاولات إلغاء الفصل 20… لكان ذلك أفْضَل للإتحاد كمنظمة نقابية وللشغالين الذين انتسبوا للنقابة أملاً في الدّفاع عن مصالحهم…

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.