“الشريك” الإسرائيلي في الحرب المزدوجة على “الخلافة” و”الولاية”؟! / عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي ( الأردن ) الخميس 19/5/2016 م …
لا يجد وزير الخارجية المصري سامح شكري مانعاً يحول دون التنسيق مع إسرائيل في مكافحة الإرهاب … ولا يجد رئيس المخابرات السعودي الأسبق الأمير تركي الفيصل غضاضة في مصافحة داني أيالون أو يعقوب عميدرور سراً وعلانيةً، طالما أن مصالح هذه البلدان، تلتقي عن مجابهة “خطر الإرهاب” و”تهديد ولاية الفقيه” … وزراء إسرائيليون يزورون دولاً خليجية للمشاركة في مؤتمرات ومعارض دولية، والمسؤولون الإسرائيليون يؤكدون: أن ما خفي من “جبل جليد” العلاقات العربية – الإسرائيلية، أكبر بكثير مما يظهر منه على السطح وفي وسائل الإعلام.
تتعدد الذرائع والمبررات التي تُغلّف الموجة التطبيعية الأخيرة مع إسرائيل، بيد أن نتيجتها ومآلاتها واحدة … من قائل بأن الحرب على الإرهاب تجمعنا بإسرائيل، إلى مُرددٍ بأن تطويق النفوذ الإيراني المتزايد، هو مصلحة مشتركة … وهناك بالطبع، من يضيف بأن إسرائيل تنتج تكنولوجيا متطورة في مجال الصناعات الأمنية والدفاعية، التي تلزم في حفظ أمن كبار الشخصيات وتوجيه الطائرات من دون طيّار، دع عنك تكنولوجيا الزراعة المتطورة وصناعة الألماس التي تجتذب كثيرين من أثرياء العرب.
إذن، إسرائيل ماضية في تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، ومن دون أن تضطر لدفع أية أثمان نظير ذلك … قبل 14 عاماً، وحين أطلق الزعماء العرب مبادرتهم السلمية من قمة بيروت، بدا أن إسرائيل مترددة في قبول عرض المبادرة المغري: تطبيع كامل مع جميع الدول العربية والإسلامية، نظير الانسحاب إلى حدود 67 وتمكين الفلسطينيين من دولة قابلة للحياة، مستقلة أو شبه مستقلة، لا فرق… حسمت إسرائيل أمرها، وقررت ألا تقبل بالمبادرة، برغم ترجمتها إلى “العبرية” وتوزيعها على نطاق واسع، ورصد موازنات إعلانية ضخمة لتسويقها على الرأي العام الإسرائيلي.
“الجزرة” التي قدمها العرب لإسرائيل لإقناعها بالانسحاب عن الأراضي المحتلة، فقد قيمتها السوقية بعد أربعة عشر عاماً من طرحها للتداول … الآن، العرب يطبعون بالمجان كما يقترح البعض، فيما يرى البعض الآخر، أن العرب قبلوا بتغيير “المقابل” الذي يتطلعون للحصول عليه، نظير التطبيع الكامل والشامل … لم تعد الضفة الغربية والقدس، هي الثمن المقابل، تبادل المعلومات الاستخبارية حول الإرهاب، ورص الصفوف في مواجهة إيران، يكفي كثمن للتطبيع، بل ويزيد.
عندما طُرحت معادلة “الأرض مقابل السلام” سخر إسرائيليون من معسكر اليمين المتطرف من المعادلة برمتها، واقترحوا بدلاً عنها معادلة “السلام مقابل السلام”، يومها سخرنا من سخريتهم، وتساءلنا عن السبب الذي سيدفع العرب للقبول بهذه المعادلة … لم نكن ندرك أن تحوّلات بهذا العمق و”الجذرية” ستطرأ على الإقليم برمته، وأن المعادلة التي اقترحها اليمين الإسرائيلي المتطرف، دينياً وقومياً، كانت “الأكثر واقعية” من معادلاتنا، أو قل أحلامنا ورهاناتنا الخائبة.
لن يكون بمقدور محمود عباس أو صائب عريقات القول بعد اليوم، أن سلام إسرائيل مع الفلسطينيين، هو سلام مع 22 دولة عربية و57 دولة إسلامية … سلام إسرائيل مع الفلسطينيين، هو سلام معهم وحدهم، فالآخرون صنعوا سلامهم معها لأسبابهم ودوافعهم الخاصة، ومن لم يفعل منهم ذلك، فهو في الطريق إليه، والمؤكد أنه سيصل مبتغاه، قبل أن ينجح محمود عباس في إعادة الأوضاع في الضفة الغربية، إلى ما كانت عليه قبل 28 أيلول عام 2000.
وسيكون من “السخف” القول، أن عدم حل القضية الفلسطينية، يفاقم حدة النزاعات والصراعات في المنطقة، ويغذي التطرف ويقوي الإرهاب …. إسرائيل، كما يقول اللسان العربي الرسمي، غير المبين، لم تعد جزءاً من المشكلة، بل صارت جزءاً من الحل، وعضواً مقدراً في نادي الدول المعتدلة، التي تحارب ببسالة الخطر الإرهابي والتهديد الإيراني … وسيكون “أكثر سخفاً” وصف إسرائيل، من الآن فصاعداً، بأنها التجسيد الحي لـ “إرهاب الدولة” الرسمي المنظم، إذ كيف يستقيم اتهام كهذا، مع دعوتها لمحاربة إرهاب “الدولة” التي أنشأها البغدادي في الرقة، وبقيت وامتدت إلى ولاية سيناء… إسرائيل لم تعد سبباً في إشاعة “عدم الاستقرار” في المنطقة، بل عنصر توازن وردع، ومصدراً لأمن الإقليم واستقراره، أليست شريكاً “مطلوباً” في الحرب المزدوجة على “الخلافة” و”ولاية الفقيه”؟
من الآن فصاعداً، سيُعتبر أي نقد لـ “العقل اليهودي” بمثابة جريمة “تمييز عنصري” أو ربما ضرباً من ضروب “اللاسامية”، حتى وإن جاء من باب نقد “عقلية الجيتو”، وفي أحسن الأحوال سيصبح أمراً غير مستحسن من زاوية نظر “عرب الاعتدال”، سيما بعد الدعوة الصريحة لتزاوج “العقل اليهودي” بـ “المال العربي”… دعوة لـ “زواج متعة” يرى مطلقها أنها تحقق المعجزات والأعاجيب، من دون أن يدرك، بأن دعوته تلك، تستبطن اعترافاً ضمنياً، بأن العرب لا “عقل” لهم، وأن كل ما يتوفرون عليه هو المال الوفير، الذي هبط عليهم أو نبع من صحاريهم القاحلة، من دون عناء وجهد، ولا فضل لهم في انتاجه وتحصيله.
ما تشهده المنطقة من مراجعات جذرية لسلالم الأولويات وإعادة تعريف لمنظومات المصالح والتحالفات، ليس مسبوقاً منذ سايكس – بيكو ووعد بلفور قبل مائة عام … وأحسب أن تطوراً نوعياً كهذا، يملي على الفلسطينيين، إعادة صياغة استراتيجيتهم الوطنية، بعد أن ارتكزت استراتيجياتهم طوال قرن من الزمان، على فرضيات ومسلمات، لم يعد لها من مطرح في “الشرق الأوسط الجديد” … وأخشى أن هذه المهمة هي فوق طاقة الطبقة القيادية الفلسطينية الحالية، التي يبدو أنها فقدت القدرة على التفكير، لا من خارج الصندوق ولا من داخله.
التعليقات مغلقة.