هوامش من قمة مجموعة السبعة وقمة حلف شمال الأطلسي 13 و 14 حزيران/يونيو 2021 / الطاهر المعز

الطاهر المعز( تونس ) – الإثنين 28/6/2021 م …

الجولة الأولى لبايدن في أوروبا:




تعود الهيمنة الأمريكية على أوروبا إلى الحَرْبَيْن العالميّتَيْن، حيث دخلت أمريكا الحرب الأولى سنة 1917، قبل أقل من سنة من نهايتها، كما دخلت الحرب العالمية الثانية، بعد أكثر من ثلاث سنوات من انطلاقها، وساهم الطّيران الأمريكي في تخريب مدن الدّول الحليفة (بريطانيا وفرنسا)، فضلاً عن دول المحور الفاشي (إيطاليا وألمانيا)، ولم يلحق الدّمار الأراضي الأمريكية (باستثناء بعض مُستعمراتها بالمُحيط الهادئ)، لأنها لم تخُضْ حربًا دفاعية واحدة في تاريخها القصير، أي دفاعًا على الأراضي التي سلبتها المُستعمِرُون المُستوطِنون الأوروبيون من السّكّان الأصليين، وبعد الحرب استثمرت الولايات المتحدة في إعادة إعمار أوروبا (مُخطط مارشال) وركّزت قواعد عسكرية ضخمة، وأصبحت ألمانيا (الغربية ) تحت الحكم العسكري الأمريكي المباشر، ولا يزال يوجد بها مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا، وهي القيادة العسكرية الفِعْلِيّة لحلف شمال الأطلسي، وفرضت أمريكا عدم تشغيل أي شخص يُشتَبَهُ في شُيُوعيته الحقيقية أو المُفْتَرَضَة، في الوظيفة العمومية، ومنعت وجود أي تنظيم شيوعي بالمانيا، فيما تمارس المجموعات الفاشية (النازية) نشاطها بشكل علني…

قبل قمة مجموعة الدّول السبع (13 حزيران)، وقمة حلف شمال الأطلسي –”ناتو” (14 حزيران/يونيو 2021)، وبمناسبة أول جولة خارجية للرئيس جو بايدن، مَدَحَ أحد أقطاب الحزب الجمهوري (تشاك هيغل، وزير الحرب الأمريكي الأسبق) الرئيس الأمريكي “جو بايدن” من الحزب الديمقراطي، ونائب الرئيس باراك أوباما سابقًا، لأنه، بحسب رأيه “يربط الدفاع عن المصالح الخارجية للبلاد، بالمصالح الدّاخلية، وعندما يناقش مع زعماء الدول الأخرى مسائل التجارة الخارجية أو المناخ أو الإرهاب أو سياسات حلف الناتو، يضع مصالحنا القومية نُصْبَ عَيْنَيْهِ”، بحسب “بوليتيكو 07 حزيران 2021، ويشترك تشاك هيغل وجو بايدن في نزعتهما الحربية العدوانية، واختار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أوروبا كأول محطة في جَوْلاته الخارجية، وفرضت الولايات المتحدة جدول أعمال قمّتَيْ الدول السّبع والناتو، وفق الأجندة الخاصة بالإمبريالية الأمريكية، مع محاولة حل بعض القضايا العالقة منذ فترة رئاسة دونالد ترامب، وحاول الرئيس الأمريكي، بعد القِمّتَيْن إطلاق حوار مع روسيا، دون التّخلِّي عن منطق الحرب الباردة، واعتبار روسيا عدوًّا “أقل خطورةً من الصين”، وعمومًا لا تختلف التّوجّهات والأهداف الإستراتيجية الأمريكية بتغيير الرئيس والأغلبية النيابية من حزب إلى آخر، إذْ يبقى الهدف: قيادة العالم من قِبَل الولايات المتحدة، وتجنيد دول أوروبا لتنفيذ سياسات عزل الصين وروسيا، رغم الأضرار التي تلحقها هذه السياسات بالإقتصاد الأوروبي، لكن أظهرت الولايات المتحدة بعض اللِّين بشأن إتمام أنبوب الغاز “نورث ستريم-2” الذي ينقل الغاز الرّوسي إلى ألمانيا، بالمقابل، تُواصِلُ الولايات المتحدة توسيع حلف الناتو ليتمَدّدَ عسكرياً إلى منطقة البحر الأسود.

قَرّرت الحكومة الألمانية، سنة 2011، إغلاق المفاعلات النووية قبل موفّى سنة 2022، والتكثيف من توريد الغاز الروسي، فهو أرخص ثمنًا وأكثر أمانًا من الطاقة النّووِيّة، لكن الولايات المتحدة – خلال فترة رئاسة باراك أوباما- اعترضت على القرار الألماني، ولا تزال تُعرقل إنهاء أشغال خط أنابيب نقل الغاز “نورث ستريم 2” من روسيا إلى شمال ألمانيا، ثم إلى شمال أوروبا، ما قد يضر بمصالح ألمانيا الإقتصادية ويُقَوِّضُ مخططاتها الإستراتيجية، ولذلك قاومت حكومة ألمانيا (بحَذَر)، لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، القرار الأمريكي، بشأن مقاطعة روسيا، وكذلك الأمر بشأن الصين، وشجعت الاتحاد الأوروبي على توقيع اتفاقية الاستثمار مع الصين، بنهاية سنة 2020، خدمة لمصلحة الصناعة الألمانية، التي يُعارض مُمثّلُوها العقوبات الإقتصادية التي أقرتها الولايات المتحدة، والتي يُطبّقها الإتحاد الأوروبي، ويعتبرون أن قرارات الولايات المتحدة لا تُراعي مصالح حُلفائها.

عندما بدأت بريطانيا، خلال فترة حُكْم “مارغريت تاتشر” من 1979 إلى 1990، تتخلى عن قاعدتها الصناعية وقطاع الإنتاج، مقابل تشجيع قطاعات الخدمات والمصارف والمؤسسات المالية، تمسّكت ألمانيا بالقطاع الإنتاجي، وبالنسيج الصناعي الضخم، الذي جعل منها قوة صناعية وتجارية عالمية، تبحث عن الصفقات في أي مكان، بما في ذلك الصّين، وعندما اعتبرت الولايات المتحدة “إن الصين تُمثل تهديدًا وجوديّا” لها، لم تعتبر ألمانيا والاتحاد الأوروبي الصين “تهديدًا وجوديًا”، وكثفت الولايات المتحدة الهجوم على الصين منذ العام 2012 (حكم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون)، حيث اعتبرت منطقة “المحيطين الهندي والهادئ” منطقة حيوية للأمن القومي الأمريكي، واعتبرت تطويق الصين أولوية قصوى للأمن الإقتصادي والإستراتيجي الأمريكي، وجرت العدة أن تُعَمِّمَ الولايات المتحدة قراراتها وتفرض مصالحها على الحُلفاء، دون استشارتهم، ومن ضمنهم الاتحاد الأوروبي، رغم التّعارض أحيانًا بين المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وتطلعات الاتحاد الأوروبي، وتمكنت الولايات المتحدة من فَرْضِ هيمنتها وطريقتها في تصور “النظام الدولي” خلال القمم الثلاث – G7 وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، سنة 2021 …

 

حلف شمال الأطلسي، قوات متعددة الجنسية بقيادة أمريكية:

تُهيمن الولايات المتحدة على حلف شمال الأطلسي، منذ تأسيسه، قبل سبعين سنة ونيّف، بواسطة عشرات الآلاف من الجنود والقواعد العسكرية في أوروبا (خاصة في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا) وفي آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا…) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت أوروبا خرابًا، وهيمنت الولايات المتحدة على القرار السياسي الأوروبي، وصادرته، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، ومارست الوصاية على أوروبا (وغيرها) بذريعة حماية أوروبا الغربية، ومحاربة الشيوعية

في الرابع عشر من حزيران/يونيو 2021، انعقدت، بمقر حلف حلف شمال الأطلسي (ناتو) ببروكسل، عاصمة بلجيكا، قمة الحلف على مستوى رؤساء الدول والحكومات، ويترأس رسميا الأمين العام للحلف “ينس ستولتنبرغ” اجتماعاته، لكن الكلمة الفَصْل كانت للرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” الذي أكّد على توجيه السّهام نحو روسيا والصين.

قبل قمة حلف شمال الأطلسي وقّع رئيس الولايات المتحدة ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم العاشر من حزيران/يونيو 2021 “ميثاق الأطلسي الجديد” ( نيو أتلانتيك )، وهي وثيقة سياسية مهمة لم تجد صدى لها في وسائل الإعلام الأوروبي، رغم الشّبَه الكبير بينها وبين الوثيقة التي وقّعها الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل، في آب/أغسطس 1941، بعد شهرين من غزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفيتي، للتأكيد على التحالف “الغربي” أو “الأطلسي”، لبناء منظومة السياسة الدّولية، لفترة ما بعد الحرب، ولم تتعرض تلك الوثيقة، التي سُمِّيَتْ فيما بعد “ميثاق الأطلسي”، لمحاربة النّازية، بل أكّدت على محاربة الشيوعية، وبعد ثلاثة عُقُود من انهيار الإتحاد السوفييتي، يُعيد الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء بريطانيا تحديث “ميثاق الأطلسي”، والتّأكيد على أهمية اعتماد حلف شمال الأطلسي على “الرّدع النّوَوِي، دفاعًا عن الدّيمقراطية وحقوق الإنسان”، هذه “الديمقراطية الغائبة من روسيا والصّين”، بحسب ما يمكن قراءته ما بين السّطور، وهو ما أكدته بيانات ووثائق قمة مجموعة السبع ، التي انعقدت في “كورنوال” (بريطانيا) في الفترة من 11 إلى 13 حزيران/يونيو 2021، وتتهم هذه البياناتُ روسيا بانتهاج “أنشطة خبيثة، وسلوك مزعزع لاستقرار الأنظمة الديمقراطية”، أما الصين فهي مُتّهَمَة بـ “زيادة الإنفاق العسكري، وبممارسات تجارية تقوض الاقتصاد العالمي”.

تمكّنت الولايات المتحدة من تعزيز هيمنتها على القرار الأوروبي، عبر “أجندة الناتو 2030″، التي تشمل زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي “لمجابهة الأعمال العدوانية لروسيا، والنفوذ المتنامي للصين”، وللتذكير فإن الإنفاق العسكري الأمريكي يصل إلى نحو 70% من إجمالي إنفاق دول الناتو الثلاثين، كما تشمل قرارات قمة الناتو تعزيز دور مجلس شمال الأطلسي  (الجهاز السياسي للحلف) الذي يتخذ قراراته بالإجماع، أي الخُضُوع لما تُقرّره الولايات المتحدة، وعدم استشارة نواب 21 برلمان أوروبي، وهو عدد دول الإتحاد الأوروبي المنتمية لحلف شمال الأطلسي، من إجمالي 27 دولة عضوة في الإتحاد، ليصبح حلف شمال الأطلسي أداة أمريكية تُضيّق هامش استقلالية القرار الأوروبي، في مجالات السياسات الخارجية، أي قرارات التجارة الدولية والتحالفات الإقليمية والداولية وشؤون الحرب والسّلم، وتُهَيْمن أوروبا (بما فيها بريطانيا) بدورها على القرار السياسي بإفريقيا وآسيا (بواسطة مجموعة الكمنويلث)، ويقع الوطن العربي ضمن هاتيْن القارّتَيْن، ما يجعل من عشرات الأنظمة بالدول التابعة، خاضعة لهيمنةِ ولقرارِ الإمبريالية الأمريكية، ومُمثّليها الأوروبيين ووكلائها المَحلّيّين، وما يجعل الأنظمة العربية تُشارك في احتلال وتدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن، وتتآمر على الشعب الفلسطيني…

 

خاتمة:

هل الهيمنة الإمبريالية الأمريكية حتمية؟

إن الوطن العربي والشعوب العربية من أكبر المُتَضَرِّرِين من الإمبريالية الأمريكية، فهي تُخرّب وتحتل أجزاء من المشرق العربي، وتُطوّقه بالقواعد العسكرية، فضلاً عن الكيان الصهيوني الذي تندمج مُخططاته ومصالحه مع الإمبريالية عمومًا والإمبريالية الأمريكية خصوصًا، ضمن دَوْرِهِ الوظيفي.

لا تستطيع القوة الأمريكية (المُفْرطة) ولا الأحلاف العسكرية كَسْرَ إرادة الشعوب إلى الأبد، ويكمن سِرُّ قُوّة الإمبريالية أو القوى الرأسمالية داخل كل بلد، في ضُعْف نقيضها، أي الشُّعُوب الواقعة تحت الإحتلال والإضطهاد، والطبقات التي تُعاني من الإستغلال، وأظْهرت تجارب الشّعوب من فيتنام إلى فلسطين، أن إرادة المُقاومة قادرة على رفع ثمن الإحتلال والأضطهاد، لتصبح الخسائر (المادية أو البشرية أو السياسية والإقتصادية) أعلى من الأرباح، وهي الخطوة الأولى على طريق إنهاء الإحتلال، لكن الإرادة لا تكفي، إذ تحتاج أداةً قادرة على التخطيط والتنظيم ومتابعة التّنفيذ، وقد تكون الأداة حزبًا أو جبهة أو ائتلافًا، يجعل من التّحرّر (من الإحتلال أو الإضطهاد والإستغلال) خطوة نحو بناء مُجتمعٍ عادل…    

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.