من هو شمشون الفلسطيني؟ / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) السبت 3/7/2021 م …




تعنبر قصة شمشون الجبار، من أشهر المرويات في التراث الديني، والتي ترد بتفاصيل مختلفه، ولكن مصدر الحكاية الأصلي هو العهد القديم من الكتاب المقدس، أو المعروف مجازا بالتوراة، وتحديدا من سفر القضاة الإصحاحات 13 لغاية 16. وتحكي القصة عن رجل من بني إسرائيل كان إسمه ” منوح ” من بلدة صرعه ومن عشيرة الدانيين، وهي بلدة  كنعانية قديمة تم احتلالها حسب الرواية التوراتية في زمن يشوع ، تقع غربي القدس، وكانت من نصيب سبط أو قبيلة دان عندما تم توزيع الأراضي على المحتلين.  

 كانت زوجة منوح إمرأة عاقر لا تنجب أطفالا، ولكن ظهر لها ملاك وبشرها بأنها ستحبل وتلد إبنا، يكون له مكانة في وسط شعبه، وأنه سيصبح زعيما أو قاضيا، يُخلص شعبه من أعدائهم ويدافع عن حقوقهم، وسيكرس حياته لخدمتهم ورعايتهم. وتعبير قاضي يرد في سياق العهد القديم بمعنى القائد الكبير أو المسؤول الثيوقراطي أو المرجعية السياسية والاجتماعية، وليس بمعنى القاضي الشرعي مثلا أو من هو في سلك القضاء.  

فرحت زوجة منوح – التي لا يُذكر اسمها – بالتأكيد بمولد إبنها بعد طول إنتظار، واسمته شمشون الذي يعني إسمه بالعبرية ” شمس ” ، بدأ الصبي حياته سائرا حسب الشريعة التي تربى عليها، ناذرا نفسه للخدمة التي ولد لأجلها وعندما كبر أصبح زعيما وصاحب مكانة بين قومه، ويسجل الكتاب أنه ولمدة عشرين سنة كان يحتل هذا المركزالمتميز. ولكنه عندما اشتد عوده وأصبح يمتلك قوة إستثنائية، قام بالزواج بإمرأة فلسطينية من بلدة ” تمنة “، مخالفا الشريعة والناموس وضد رغبة والديه، لأن الشريعة كانت تقضي بأن لا يرتبط بأجنبية خصوصا من أعداء شعبه.  

 بإختصار شديد، تُسجل الرواية التوراتية، أن شمشون قام بقتل أسد وهو في طريقه إلى المدينة الفلسطينية في بداية مشواره ليتزوج. وفي أثناء الإحتفال بزفافه وهو منتشي فرحا بنفسه، قام بطرح لغز أو أحجية على المعازيم، مستوحاة من حادثة أنه وجد عسلا في جوف الأسد المقتول، فأكل منه، ووعد بتقديم هدية لمن يقوم بحل اللغز، وهي عبارة عن ثلاثين قميصا وثلاثين حُلة ثياب وطبعا ليست أرضا . كانت العادة قديما أن يستمرالإحتفال لعدة أيام بالعرس، فاعطاهم فرصة سبعة أيام لحل اللغز، واشترط أن يقدموا هم نفس الهدية في حالة فشلهم أو عجزهم. عجز الفلسطينيون عن فهم أو حل اللغز، فاستعانوا بزوجته ، علها تستخدم تأثيرها عليه لمعرفة الجواب، وهو ما كان، فاضطر شمشون البطل، أن يقدم الهدية للفلسطينيين رغما عنه ولكن على حساب ثلاثين من الفلسطينيين قام بقتلهم، أما زوجته التي اعتبرها خانته فقام بهجرها.  

لم يحتمل شمشون هجران زوجته فترة أطول، فعاد إلى ” تمنة ” ليصالحها، ولكنه خاب أمله بعد أن علم أنها تزوجت بشخص آخر بدلا منه، ورفض أهلها السماح له برؤيتها، وتقول الرواية أنه ولكي ينتقم منهم، أمسك ثلاث مئة بنات آوى (نعم 300) ووضع مشعلا بين كل ذنبين ، ثم أضرم المشاعل نارا، وأطلق بنات آوى لتحرق مزارع وكروم الفلسطينيين وترك ذئاب البراري ترهبهم وتعتدي عليهم.  

كانت ردة فعل الفلسطينيين شديدة على ما جرى لهم، فقاموا بحرق زوجته وأهلها بالنار، لتسببهم بتلك الكارثة وجلب البلاء عليهم، ولكن شمشون لم يكتفي بما فعل بل قتل بدوره عددا كبيرا من الفلسطينيين إنتقاما. لاحق الفلسطينيون شمشون حتى وصلوا إليه في عقر داره وبين قومه، وبدأو بدورهم بالإنتقام منهم، حتى اجبروهم على تسليمه مقيدا بالسلاسل ليقع أسيرا في أيدي الفلسطينيين، ولكن شمشون ولقوته الخارقة، تمكن من فك قيوده والخلاص منهم.  

لم يتعلم شمشون من الدرس الأول، فذهب إلى غزة هذه المره، وتعرف على إمرأة يقول الكتاب أنها كانت بغي أو زانية، وتدعى ” دليلة “، التي احتالت عليه تلبية لرغبة قومها،  خدعته وكشفت سر قوته العظيمة، وهي شعره المسترسل رمز مكانته ومركزه وموقعه، فجاء الفلسطينيون واوثقوه بسلاسل من النحاس، قصوا له شعره، وقلعوا عينيه، ليفقدوه قوته ويتحكموا به، ثم وضعوه في السجن ذليلا مهانا.  

وفي أحد الأيام، أقاموا إحتفالا بالنصر، قدموا فيه الذبائح للإله داجون في المعبد ، وداجون هو أحد أكبر الآلهة عند الكنعانيين والفينيقيين قديما، وكان له معبد في أسدود، واجتمع هناك عدد كبير من القادة والشخصيات وجمهور كبير ، اعتلى بعضهم أسطح المعبد ليشاهدوا الحفل، وقدرعددهم بثلاثة آلاف، أخرجوا شمشون من السجن ووضعوه في وسط المبنى بين عمودين أو ركيزتين يقوم عليهما المبنى كله، انتهز شمشون الفرصة، وبكل حقد معتمدا على قوته التي عادت اليه ، ازاح العمودين فتزعزع كل المكان، وسقط البيت على من فيه، ومات كل الذين اعتلوا السطح جميعهم.  

كان من المفترض أن يعي شمشون مكانته التي اكتسبها، والمركز الدي وصل إليه، والمقام الذي اعترف به شعبه له، اندفع بعيدا عن مسؤولياته، وأخذته العزة بالإثم كما يقال، واستبدل العقل والمنطق والحكمة بالإعتماد على القوة والبطش ، على الإحساس الإستثنائي بالسلطة، وتصور أنه قادر دائما على تحقيق النصر بهذه العقلية وهذا النهج، وبالرغم من أن الكتاب يسجل أنه كان محبا لشعبه ولا تنقصه الوطنية، ولكن نتيجة تصرفاته ومسلكياته وفكره كانت كارثية على من حوله.  

إلى هنا لغز شمشون، ولكي لا يسرح القاريء بعيدا ، اشير إلى أن شمشون الفلسطيني الدي اقصده ليس بالضرورة شخص، ويمكن أن يكون حالة ، أو فئة تصنع حالة ، تكررت في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية كثيرا، وربما تتكرر مرة أخرى على أرضية ” علي وعلى أعدائي”، أما تجنب وقوعها فلا يكون إلا بالوحدة الوطنية والحفاظ على التماسك المجتمعي شعبيا والخيارات الوطنية المقاومة، وأن يعي شمشون أن قوته في شعره – أو بتعبير أدق- في شعبه، قوته الحقيقية التي تصمد أمام كل التحديات، صمام الأمان ورمز كبريائه، ولن يسقط المعبد.  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.