أفكار حول العدالة الإجتماعية / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) – الأربعاء 7/7/2021 م …




تُعتبر العدالة الإجتماعية كمفهوم، من المفاهيم مركزية الطابع لأهميتها في المجتمعات الحديثة، وبالرغم من حاجة الإنسان الدائمة للعدالة منذ بدء الوجود الإنساني ، وما مر في السياق التاريخي على الانسانية من ثورات وصراعات تحمل مضامين اجتماعية، إلى أن عالمنا المعاصر وبفضل التقدم الحضاري للمجتمعات المدنية، يولي العدالة الإجتماعية أهمية خاصة.  

ومع نشوء الدولة القومية ، وبدأ تعريف وتحديد الحقوق الدستورية، وصولا لما ُعُرف بدولة القانون، ومع مطالب الأخوة ، العدل، المساواة، الديمقراطية، اكتسب مفهوم العدالة الإجتماعية مزيدا من الأهمية.  

لا يكاد يوجد تنظيم إجتماعي أو حزب سياسي أو تيار ديني ، أو مؤسسة رسمية لا تتحدث عن العدالة الإجتماعية، بل أن برامجها لا تخلو من المطالبة بتحقيقها. فالكل – كما يظهر- مُتفق على ضرورة مبدأ العدالة الاجتماعية كشعار يُرفع بصوت عال جذاب للشعب وقواه الاجتماعية، مع أن النقاش (بصوت منخفض) يتركز على آليات التطبيق، والنموذج الأفضل.  

ما لا يقال بكل وضوح هو: أنه طالما لم يتفق المجتمع بأعلى نسبة أغلبية ممكنة عبر آليات التعبير الحر، وبشكل واضح وعبر عقد إحتماعي بكل حريته وارادته على  مضمون العدالة الاجتماعية التي يُريدها، ويفرضها في المجتمع عن وعي بقوته كصاحب الولاية، سيبقى الحُلم بعيد المنال وسيبقى المجتمع يعيش في دوامة اللاوعي وغياب العقل الجمعي  وسيطرة أوليغارشية فوقية استغلالية واستبدادية، خصوصا في المجتمعات العربية.  

ما يُحدد ماهية العدالة الإجتماعية عوامل عديدة لا يُمكن تجاوزها:  

 – المُنطلقات النظرية والعقائدية لكل تيار سياسي يطالب بتحقيق العدالة الإجتماعية (إسلامي ، مسيحي، سني، شيعي، يساري، اشتراكي، شيوعي، علماني، ديمقراطي ، ليبرالي، قومي، وطني قطري…الخ). وليس صحيحا على الاطلاق أن كل الديانات تتفق على نفس التعريف للعدالة الإجتماعية ، وإن اتفقت على الخطوط الأخلاقية العامة والعريضة، فالواقع يؤكد نسبية الأخلاق.  

– لكل من الديانات رؤيته الخاصة وخصوصا ما يتعلق بالعدل الالهي، بل هناك عدم إتفاق جوهري عن  الخالق والخلق ومعنى الوجود ، ومصادر التشريع، ومئات الاختلافات الأخرى- حتى في إطار الدين الواحد- التي لا يتسع المجال في هذه الُعجالة للتفصيل فيها.  

– إختلاف وجهات النظر يشمل كذلك  مفاهيم شبيهة  مثل : الحرية ، المساواة، العدل، الحقوق، وهي خلافات أساسية وليست ثانوية، تقود للتباين الشاسع في  شكل الدولة التي يُناط بها تطبيق العدالة الإجتماعية.  

– النظرة الفلسفية لمعنى الوجود، تعريف الإنسان ، حقوق المرأة، النظام السياسي، الاقتصادي، المقاييس الثقافية والأخلاقية، وهي تختلف أيضا تبعا للإرث الحضاري والموروث الثقافي، والتاريخ السياسي بمراحله المختلفة، الموقف الطبقي الحالي لكل إنسان ، موقفه من الملكية الخاصة ، توزيع الثروة، ملكية وسائل الانتاج.  

 

– الواقع السياسي للمجتمع من جيث كونه يتمتع حاليا بالاستقلال السياسي والاقتصادي النسبي، أم خاضع للهيمنة والتبعية. ففي كل مجتمع يوجد شرائح  ليس من مصلحتها أن تسود العدالة.  

لا يُمكن أن يكون الإجماع الظاهري، الشكلي، السطحي كافيا لتحقيق العدالة الإجتماعية أو ما يسمى مجازا ب ” العقل الجمعي”، دون أن يكون هناك خيارا تاريخيا لمجموع الشعب أو أعلى نسبة معبره عنه، يقرر فيه مصيره، ومضامين العقد الإجتماعي الذي يريده وبالتالي شكل الحكم، كما أن تطبيق العدالة يتطلب قدرا كبيرا من التنظيم في المجتمع، شفافية عالية ، ودرجة من الوعي أو برامج توعية وعلى مراحل ونقاش وحوار مجتمعي.  

حتى ولو تم الإتفاق على الحد الأدنى من المعايير الإجتماعية ، ستبقى التناقضات والخلافات الجوهرية ، ويبقى المجتمع في حالة دائمة من التوتر وعدم الإستقرار ، وسينتهز أي تيارأو إتجاه فيه فرصته لفرض نظامه السياسي والاجتماعي  ولو بالقوة، وتاريخنا في المشرق شاهد على ذلك.  

من الواضح أن العدل الإجتماعي لا يُمكن إلا أن يكون نسبيا دائما، ويتطور تبعا للظروف والمتغيرات السياسية والإقتصادية.  

 ولكن بشكل عام يُنظر للعدالة الإجتماعية على أنها نظام إجتماعي ، يسعى لتحقيق المعادلة الحقوقية بين جميع أفراد المجتمع من حيث المساواة في الحقوق والواجبات، في فرص العمل، توزيع الثروة، الإمتيازات، الحقوق السياسية، فرص التعليم، الرعاية الإجتماعية، وبالتالي يتمتع جميع الأفراد وبغض النظر عن الجنس، العرق ، اللون، الديانة ، أو المستوى الإقتصادي، بحقهم في العيش الكريم بعيدا عن الإقصاء والتمييز، وبامكانية الوصول لهذه الحق بالقانون.  

وعلى الدولة أن تحقق التوازن في تطبيق وضمان هذه الحقوق وخصوصا:  

 الحريات ، الأمن ، توزيع الثروة، القوانين ، الحفاظ على الموارد والثروات الطبيعية وحق الإنتفاع بها، والخدمات الإجتماعية لعموم الشعب.  

أورد لاحقا بعض المضامين التي تعبر عنها التعريفات المختلفة للعدالة الإجتماعية، دون تعليق:  

– التساوي في فرص الحصول على الحقوق السياسية والإقتصادية وفرص العمل.  

– الإستفادة من التوزيع العادل للثروة.  

– الإستفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة دون إقصاء أو تمييز.  

– توفير ظروف تحمي المواطنين من الأستغلال.  

– الحفاظ على كرامة المواطن وحقه في المشاركة الإجتماعية  في جميع المجالات.  

– التكافل الإجتماعي وحمايته من الفقر.  

– ضمان أمنه الإجتماعي، الصحي.  

– المساواة أمام القانون، ومؤسسات الدولة المختلفة.  

– المساواة في الحقوق والواجبات، وتحمل المسؤولية الإجتماعية.  

– حق التعبير بحرية ، حرية الضمير، حرية الإجتماع.  

ولمن يرغب بالتعرف أكثر على مفهوم العدالة الإجتماعية، بالامكان الرجوع إلى كتابات:  

جون لوك ، دوركهايم، كارل ماركس، فريدرش انجلز، امانويل كانت، جون ستيوارت ميل، جون رولس، جيرمي بينثام، سيد قطب، محمد باقر الصدر، وغيرهم.  

يختلف تطبيق العدالة الإجتماعية بشكل عام ، تبعا لطبيعة النظام السياسي والاقتصادي ، الاجتماعي لكل دولة،  أما الشعب الذي لم يُحقق بعد دولته أو يعيش ضمن كيان سياسي يسبه الدولة ، فيكون أول وأهم مطلب له في طريق إنجاز العدالة الإجتماعية يجب أن يجتمع عليه الكل بمختلف تياراتهم وايدولوجياتهم، هو:  

التحرر من الإستعمار، والإحتلال ووكلائه  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.