ليس ردا على تصريحات سمير الرفاعي / أ. د. انيس الخصاونة




أ. د. انيس الخصاونة ( الأردن ) – السبت 10/7/2021 م …

يدرك طلاب العلوم السياسية والمهتمين بالشأن السياسي أن “المعارضة السياسية” تشكل جزءا شرعيا من النظام السياسي في أي بلد يؤمن بالتداول السلمي للسلطة. و”المعارضة” هو مصطلح نسبي يشير إلى الدور التي تلعبه القوى السياسية أحزابا وجماعات خارج الحكومة في متابعة أداء الحكومة وتسييرها لشؤون الدولة الداخلية والخارجية وطرح بدائل للتعامل مع المشكلات. والمعارضة قد تقوم بتبادل الأدوار مع الحكومة في حال كسبها لأصوات الناخبين حيث تصبح القوة السياسية أو الحزب الذي يتولى إدارة الحكومة يصبح في الجناح المعارض والعكس بالعكس.

الشاهد في هذه المقدمة أن المعارضة السياسية هي جزء مهم وأساسي من النظم السياسي الديمقراطي وليست ضده أو ضد الوطن. بريطانيا التي تأثر الأردن بتجربتها السياسية ولو جزئيا في شكل الحكم ومؤسساته الدستورية، لديها حكومة ومعارضة وهي تتبادل الأدوار على مدار قرون من الحياة السياسية ولم نسمع يوما أن تم نعت المعارضة في المملكة المتحدة ووصمها بأنها ضد الوطن، لا بل فإن الزيارات الرسمية لقادة الدول الأجنبية لبريطانيا عادة ما تتضمن برامجها لقاءات لضيوف الدولة مع المعارضة وقادتها. ملكة بريطانيا نفسها تقول بأن النظام السياسي البريطاني له جناحين هما حكومة الملكة ومعارضة الملكة، وهذه التجربة تكاد تتكرر في معظم الدول الديمقراطية مع بعض التباينات والخصوصيات لكل نظام سياسي.

تصريحات السيد سمير الرفاعي رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية أو ما اصطلح عليه “لجنة الإصلاح” شكلت صدمة لمعظم الأردنيين. يقول دولته بأن “نتائج ومخرجات لجنة الإصلاح ستشكل ردا على معارضة الوطن”. لا أعلم كيف يمكن لرئيس وزراء سابق وخريج جامعتي هارفارد وكيمبرج أن يدلي بهكذا تصريح صادم ومجافي لأبسط قواعد العلوم السياسية.

لا أحد في الأردن يعارض الوطن وقيادة الوطن. المعارضة الأردنية هي معارضة للحكومات التي تتبدل وتتغير حسب أدائها وإدارتها لشؤون الدولة.

الحكومات تصيب وتخطئ، تنجح وتفشل، تنجز وتفسد، تستقيم وتنحرف فما المشكلة في انتقادها وتتبعها وإبراز أخطائها. المعارضة الأردنية بجميع أطيافها وتنوعها تشكل موزايييك واسع ومتنوع قاسمه المشترك الوطن والمصالح الوطنية فكيف جادت قريحة السيد الرفاعي في وضع المعارضة الأردنية في حالة تضاد وتنافر مع الإصلاح!!

نقول بأن من حق السيد الرفاعي أن يستنهض همم أعضاء لجنة الإصلاح وأن يخطب بهم وفيهم ما يشاء وكما يشاء ،ومن حق دولته أن يتقرب لأولي الأمر كما يريد ،لكن ليس من حقه أن ينكر على الأردنيين معارضتهم ،كما أنه ليس من حقه أن يطعن ويشكك في مقاصدهم.

المعارضة الأردنية تضم قطاع معتبر من الأردنيين المحبين لوطنهم ولقيادتهم وشعبهم ومنهم المتقاعدين العسكريين ،والأمنيين ،والأكاديميين ،والفنانين ،ورجال الأعمال ،والشعراء ،والأدباء، والمزارعين، وأبناء الشهداء، فكيف يتهمهم السيد الرفاعي بأنهم ضد الوطن؟.

لا يجوز المزاودة على الأردنيين بحبهم لوطنهم وبنزاهة مقاصدهم السياسية وإنه لمن المدهش حقا أن يقوم شخص له سجل طويل في الخدمة العامة بالإدلاء بتصريحات صادمة ومؤذية وتمس مشاعر ومقاصد نسبة معتبرة من الأردنيين.

السيد الرفاعي شخصية عامة وينبغي أن تدقق في تصريحاتها وتعبيراتها ،فإن كان ما صرح به من قبيل “خانه التعبير” أو “زلة لسان” فيمكنه الإعتذار والاردنييون طيبون ونساؤون ومتسامحون ،وإن كان يقصد ما قاله بحق المعارضة فأعتقد بأن يجب أن يتحمل مسئولية تصريحاته ،وأنا متأكد بأن ما أدلى به لا يعجب جلالة الملك الذي طالما التقى بقوى المعارضة واجتمع برموزهم غير مرة في القصور الملكية.

الأردنيون كلهم مع الوطن ،وكلهم ضد الفساد والمفسدين ،وكلهم يسعون إلى الإصلاح ،ولا مكان بيننا لمن هو ضد الوطن.الأردنيون يعارضون الحكومات التي يغيرها ويبدلها الملك في ضوء أدائها وتحصل على ثقة مجلس النواب ،وبالتالي فإن معارضة الحكومات معارضة مشروعة وهي لصالح الوطن وهي التي تكشف إنحرفات الحكومات عن بوصلة الوطن.تصريحات الرفاعي غير موفقة وليست في مكانها ولا زمانها وأعتقد أن إعتذاره واجب وهذا لا يعيبه.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.