السودان يخصص عام 2022 للإحتفاء بإبن السودان وأفريقيا البار الفنان والموسيقار الراحل محمد الوردي
دشن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، مساء السبت، مشروع تخصيص عام 2022 كعام للمهرجانات والفعاليات الفنية والثقافية احتفاء بالموسيقار الراحل محمد وردي الذي يعتبر الفنان الأكثر تأثيرا في الوجدان السوداني والذي عرف بمزجه بين ثنائية الغناء العاطفي والثوري الذي ما زال يشكل مصدر إلهام للسودانيين رغم مرور 10 سنوات على رحيله.
وقال حمدوك مخاطبا حفل تدشين المشروع بقاعة الصداقة بالخرطوم إن وردي حمل لواء الأغنية السودانية التي صدح بها كل العالم، وكان مبشرا بالسلام وبسودان جديد.
وأضاف “عرفنا وردي فنانا رائعا وقف مع الحرية والديمقراطية”.
ولد محمد وردي في العام 1932 في قرية تسمى صواردة بأقصى شمال السودان؛ ونشأ يتيما بعد وفاة والديه وهو في سن مبكرة. وبدأ وردي حياته معلما في عدد من مدن السودان قبل أن ينتقل في أواخر خمسينيات القرن الماضي إلى العاصمة الخرطوم ليحترف الغناء.
وحتى رحيله في العام 2012 ظل محمد وردي يلقب بفنان السودان وأفريقيا الأول ويعتبر رمزا للحرية والإبداع وخلف وراؤه رصيدا ضخما من الاعمال الفنية الخارقة.
عقود من الإبداع
على مدى 60 عاما جسدت أغنيات محمد وردي؛ التي تقدر بنحو 300 أغنية؛ حضارة السودان على نطاق واسع؛ ووجدت قبولا فنيا في مختلف بقاع السودان حتى جنوب السودان بعد الانفصال حيث لازالت تبث عبر تلفزيون دوله جنوب السودان وتباع تسجيلاتها على قارعه الطريق.
كما جسد وردي من خلال أغنياته؛ ثقافة النوبيين وتاريخ الملك ترهاقا في أبهى صوره وغنى للحرية مما جعله يدفع غالي عمره في ظروف غير مواتيه للإبداع، ومن قصائده التي يحفظها كل سوداني أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق، واغنيه بلى وانجلى، والمرسال وغيرها، أبدع وامتع غالبية الشعب السوداني وشعب أفريقيا وبقيه العالم.
ذهب لا يصدأ
يشبه الكثيرون غناء وموسيقى الراحل وردي بـ “الذهب الذي لا يصدا”؛ فعلى الرغم من أن وردي بدأ مسيرته الفنية في خمسينيات العام الماضي إلا أن موسيقاه لا تزال حتى اليوم تتصدر اهتمامات الكثيرين بما في ذلك جيل الشباب الحالي الذي ترعرع في بيئة ثقافية مختلفة كليا عن ثقافة الأجيال المعاصرة للحظات انطلاقة، وتألق وردي الأولي خلال العقود الخمس الأخيرة من القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الحالي والذي شهد نقلة كبيرة في موسيقى وغناء وردي رغم مرضه وتقدمه في السن.
وتأكيدا على التأثير القوي لغناء محمد وردي على شريحة الشباب الذين نشأ في نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الحالية أي بعد بلوغ وردي سن السبعين؛ يقول محمد مكي وهو شاب في الثانية والثلاثين من العمر إن وردي يمثل له والكثير من الشباب رمزا للأغنية ذات المفردة الرصينة التي تبقى على مر الزمن وتلهم القلوب والعقول عاطفة وثورة.
ويوضح مكي لموقع سكاي نيوز عربية “تربيت منذ صغري على غناء وردي ووجدت نفسي مندمج تلقائيا معه لذلك اعتبره قامة فريدة في نوعها”.
ويشير مكي إلى أن أغاني وردي وكما الهمت ثورة 1964 السودانية قبل 55 عاما؛ فقد كانت أيضا المحرك الرئيسي لوجدان شباب ثورة 2019 التي اطاحت بنظام عمر البشير.
هرم فني
أجمع عدد من السياسيين والمهتمين بمسيرة وردي واللصيقين به على أنه “هرم فني” يصعب تكراره. وقال نجله أحمد إن وردي كان قامة سامقة رواها بالإبداع والأمل وصوتا للحرية مما جعله يحتل مقام الصدارة بين فناني قارة أفريقيا.
ووصف رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير وردي بـ “الأسطورة”؛ وقال إن السودان فقد برحيله قامة فنية كبيرة.
وفي الواقع كان محمد وردي أكثر من فنان حيث كان يحمل مشروعا وطنيا كبيرا؛ وهو ما يوضحه ياسر عرمان القيادي بالحركة الشعبية شمال بالقول “عندما شارك وردي في حفل استقلال جنوب السودان في العام 2011 كان حزينا على انفصال الجنوب وجسد ذلك من خلال تغنيه بأغنية: أبدا ما هنت ياسوداننا يوما علينا”.
وأضاف عرمان أن حب الجنوبيين لوردي جعلهم يطالبون بالاحتفاظ بعلم السودان وبالموسيقار محمد وردي وهو تقدير لما يقوم به في توحيد الشعوب بين دولتي السودان.
من جهته، قال صديق يوسف القيادي بالحزب الشيوعي السوداني انه يصعب الحديث عن الراحل وردي، مشيرا إلى أنه قاوم تهجير اهل حلفا، وقال إنه رمز للنصال الثوري.
ثناية “العاطفة” و”للثورة”
تغنى محمد وردي لأكثر من 14 شاعرا؛ لكن الراحلان إسماعيل حسن ومحجوب شريف يعتبرا الأكثر حضورا في أغنيات وردي العاطفية والثورية الشهيرة.
في مجال الغناء العاطفي؛ نشأت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي ثنائية فريدة بين وردي والشاعر الراحل إسماعيل حسن. وأثمرت تلك الثنائية أغاني لم تسهم فقط في تشكيل الوجدان السوداني فحسب بل امتد تأثيرها ليشمل معظم بلدان القارة الأفريقية رغم حاجز اللغة.
وتعتبر اغنية “الوصية” واحدة من أبرز الأغنيات التي تغني بها وردي لإسماعيل حسن ومن بين كلماتها:
حلفتك يا قلبي… الخانك تخونه
والناكر غرامك.. أوعك يوم تصونه
زي ما أبكى عيني… بكّي لي عيونه.
كما تغنى وردي لإسماعيل حسن بروائعه “سؤال” و “المستحيل” و”خاف من الله” و”بعد إيه” التي يقول فيها:
اعتذارك مابفيدك.. ودموعك ما بتعيدك
العملتو كان بإيدك.. وأنا مالي ذنب فيه.
وفي الجانب الآخر؛ كان الراحل محجوب شريف هو الأكثر حضورا في أغاني وردي الثورية والتي تصلح بحسب الكثير من النقاد لأن يبني وطناً وتشكل برنامجاً لإنقاذ بلد مثل السودان ويتجسد ذلك في اغنية “حنبنيهو” التي تقول:
حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي
وطن شامخ وطن عاتي
مكان السجن مستشفى مكان المنفى كلية
مكان الأسرى وردية مكان الحسرة أغنيّة
مكان الطلقة عصفورة تحلّق حول نافورة
وطن بالفيهو نتساوى نحلم نقرا نتداوى.
ولأن الحرية تأخذ حيذا كبيرا في أغاني محمد وردي، فقد اختار أن يتغنى لمحجوب شريف واحدة من أكثر الأغنيات إلهاما للشعب السوداني وهي أغنية “يا شعبا تسامى” التي جاء فيها:
يا شعبا تسامي .. ياهذا الهمام
تفج الدنيا ياما .. وتطلع من زحاما.. زي بدر التمام
تدي النخله طولها .. والغابات طبولها .. والايام فصولها
قدرك عالي قدرك .. ياسامي المقام
ثم يمضي ممجداً الوطن فيقول:
وطنا الباسمك كتبنا ورطنا.. أحبك .. مكانك صميم الفؤاد
أحبك حقيقه..وأحبك مجاز.. أحبك بتضحك.. وأحبك عبوس
بناتك عيونن صفاهن سماى ..وهيبة رجالك بتسند قفاى
بحضرة جلالك..يطيب الجلوس ..مهذب أمامك يكون الكلام
لأنك.. محنك وعميق الدروس.. مجيد المهابه ومديد القوام
التعليقات مغلقة.