عبد الباري عطوان: هل سنرى اسرائيل قريبا عضوا كامل العضوية في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؟

عبد الباري عطوان – الأحد 25/7/2021 م …

اليوم إسرائيل عُضو في الاتّحاد الإفريقي وغدًا عُضو كامل في الجامعة العربيّة ومنظمة التعاون الإسلامي.. لم لا في زَمنِ تناسل التّطبيع وتسارعه وغِياب الزّعامات التاريخيّة والتّطاول عليها؟




لم يُجانِب يائير لابيد وزير الخارجيّة الإسرائيلي الحقيقة عندما وصف قرار الاتّحاد الإفريقي منح تل أبيب رسميًّا صفة “عُضو مُراقب” بأنّه “يومٌ تاريخيّ يستحقّ الاحتِفال جاء نتيجة عقدين من العمل المُكثَّف للدّبلوماسيين الإسرائيليين”، فهذا القرار يُمثّل اختراقًا خطيرًا لقارّة كانت تقف دائمًا، وبقوّة، إلى جانب القضايا العربيّة والفلسطينيّة خاصّة، عندما كان هُناك قادة عرب أفارقة بكُل ما تحمله الكلمة من معنى، أمثال جمال عبد الناصر، وهواري بو مدين، ومعمر القذافي، الذين “شيطنهم” البعض منّا، بقصد أو بُدونه، انخداعًا بالشعارات الأمريكيّة، وما تُخفيه من مُؤامرات لتمزيق أمّتنا وإضعافها، وتفتيت بُلدانها المركزيّة، وبما يخدم مصالح إسرائيل واستِمرار هيمنتها في نهاية المطاف والأكثر إيلامًا أننا لا نرى ردّ فِعل رسمي عربي غاضب أو مُتأسِّف سِوى الجزائر.

لماذا نلوم الحُكومات الإفريقيّة التي صوّتت لصالح هذا القرار، وفتحت أبواب عواصمها أمام الدّبلوماسيين الإسرائيليين وسفاراتهم، فاللّوم كلّ اللّوم يجب أن يقع علينا كعرب ومُسلمين، ونحن الفِلسطينيّون على رأسهم، الذين وقّع من ادّعوا تمثيلنا اتّفاقات السّلام المُهينة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وأصبحت قوّات أمن السّلطة المُموّلة والمُسلّحة أمريكيًّا وإسرائيليًّا تقترف أكبر خطيئة في التّاريخ اسمها التّنسيق الأمني مع الاحتِلال، والتّجسّس على مُواطنيها لمصلحته، وتُوفّر الحماية الأمنيّة لمُستوطنيه وتمنع كُل أشكال المُقاومة.

***

كان الرئيس الراحل عبد الناصر الذي نحتفل بثورته هذه الأيّام، يُدرك الأهميّة الاستراتيجيّة للقارّة الإفريقيّة بالنّسبة لمِصر والعرب، ويُوظّف إمكانيّات مِصر السياسيّة والاقتصاديّة والعلميّة في خدمة نموّ القارّة وازدهارها، وتحرّرها من كُلّ أشكال الاستعمار، وتحصينها من أيّ اختِراق إسرائيلي، والشّي نفسه فعله كُل من الراحل هواري بومدين، والعقيد معمر القذافي وإلى جانبهما الراحل ياسر عرفات، قبل أن يقع في مصيدة أوسلو الخيانيّة، عندما حشَدوا هذه القارّة خلف القضيّة الفِلسطينيّة، وجعلوها قضيّتهم الرئيسيّة وأحكموا إغلاق أبوابها في وجه الاستِعمار وأذنابه.

إثيوبيا باتت تُشَكِّل رأس الحربة في مشروع الاختِراق الإسرائيلي للقارّة الإفريقيّة، وطعنت الأمّة العربيّة في الظّهر بخِنْجَرٍ مسموم، عندما أقامت سدّ النهضة تحت سمع العرب والمُسلمين وبصرهم، مُستعينةً بالخُبرات الإسرائيليّة، والأموال العربيّة، وأصبحت البوّابة الأوسع لتسلّل هذه الدولة العُنصريّة إلى مُعظم العواصم الإفريقيّة، وتوظيف قُدراتها العسكريّة لخدمة أهداف سدّها العُدوانيّة، ولا يُمكن أن ننسى كيف اعتلَى بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السّابق، منبر الاتّحاد الإفريقي في أديس أبابا خطيبًا قبل أشهر.

من مَساخِر القدر أنّ هذه الدولة العُنصريّة التي تحتل أراضٍ عربيّة إسلاميّة ومُقدّساتها، وترتكب جرائم حرب ضدّ الإنسانيّة بشهادة المجلس الدولي لحِماية حُقوق الإنسان، والمحكمة الجنائيّة الدوليّة، تدّعي أنّها ستُقَدِّم مُساعدات ضخمة للاتّحاد الإفريقي في مجاليّ مُكافحة الإرهاب وجائحة كورونا مثلما قال وزير خارجيّتها أمس، وهذا قمّة الكذب والخِداع والتّضليل، فهي لا تستطيع حماية نفسها أوّلًا، وهزيمتها الأخيرة في قِطاع غزّة خير شاهد، ولم تخترع أيّ لقاح لمُواجهة فيروس الكورونا، واعتَمدت اعتِمادًا كامِلًا على تسوّل هذه اللّقاحات من شركات غربيّة، وتتعرّض حاليًّا لموجة إصابات ضخمة تعتبر واحدة من الأعلى في العالم، فضحت أكاذيبها التي روّجتها وادّعت فيها أنّها جنّة الأمان.

هُناك ما يَقرُب من 50 سفارة عربيّة في العواصم الإفريقيّة، تزدهم بـ”الدّبلوماسيين”، وتُكَلِّف شُعوبها عشَرات الملايين من الدّولارات سنويًّا كميزانيّات، أليس من حقّ هذه الشّعوب أن تسأل حُكوماتها عن إنجازات هذه السّفارات في خدمة قضايا الأمّة، والتّصدّي لهذا الاختِراق الإسرائيلي، ولا نَستثنِي بالطّبع ما يُسمّى بالسّفارات الفِلسطينيّة التي تزدحم بالدّبلوماسيين.

الكُل مُذنب، ومُجرم في حقّ أمّته وقضاياها ومُقدّساتها سواءً المُطبِّعين القُدامى، أو الجُدُد الطّازجين (سلام أبراهام)، والأكثر إجرامًا هي السّلطة الفِلسطينيّة التي لم يَزُر رئيسها أيّ عاصمة إفريقيّة مُنذ سنوات، ولم يُشارك حتّى في تشييع أب القارّة ورَمزها النّضالي نيلسون مانديلا الذي جعل سِفارة فِلسطين في جوهانسبرغ سفارة جنوب إفريقيّة، وأمر ببنائها وتغطية جميع نفقاتها، خشية إغضاب نِتنياهو.

مِصر الكبيرة الرّائدة تتحمّل المَسؤوليّة الأكبر عن هذا الاختِراق، بسبب إهمالها للقارّة الإفريقيّة في السّنوات الأربعين الماضية على الأقل، وتحديدًا بعد توقيعها اتّفاقات كامب ديفيد، وها هِي تدفع ثمَنًا باهِظًا لهذا الخطَأ، حيث تخلّت عنها مُعظم الدّول الإفريقيّة في أزمة سدّ النهضة وبتَحريضٍ إسرائيليّ أمريكيّ، وباتت منظومات الدّفع الإسرائيليّة هي التي تُوفِّر الحِماية للسدّ، بينما تقوم حُكومة تل أبيب بتجييش الدّول الإفريقيّة خلف العُدوان الإثيوبي على الحُقوق المائيّة المشروعة لدَولتيّ الممر والمصَب، أيّ مِصر والسودان.

***

اليوم تتَسلّل إسرائيل إلى الاتّحاد الإفريقي عبر بوّابة التّواطؤ والإهمال العربي، وغدًا إلى الجامعة العربيّة، ومنظّمة التّعاون الإسلامي، هذا إذا لم تَكُن سيطَرت عليهما فعلًا، بتشجيع ومُباركة الدّول المُطبّعة التي تتكاثر بسُرعةٍ هذه الأيّام، ولن نَستغرِب أن يُصبِح بنيامين نِتنياهو خليفة أحمد أبو الغيط كأمينٍ عام لها، فلا تُوجَد فُروق كبيرة بين الرّجلين على أيّ حال.

عزاؤنا أنّ مرحلة الهوان والذُّل العربيّة الحاليّة تَقترِب من نهايتها، ولعلّ انتِصار “سيف القدس” الذي حقّقته صواريخ المُقاومة هو الدّليل الأكبر في هذا المِضمار.. ونقول لإسرائيل “خلا لك الجو فبيضي واصفري”، ولكن دوام الحال من المُحال.. والأيّام بيننا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.