استراتيجيات حديثة في تضليل الرأي العام / د. ذوقان عبيدات
بعد أن فقدت الثقة بمناقشة الآراء ونقدها، والفصل بين الرأي وتجريم صاحبه، وبعد أن اطمأنت الغالبية على قوتها في سحق الخصوم، فإن ما يجري – وقد أسماه رئيس الوزراء بالتنمر – من المناسب تقديم ما يضعه علم الاجتماع من إسهام.
فهل ما يجري يسير وفق قواعد مدروسة؟
يرى بعضنا أن ما يجري أغلبية كبيرة انتفضت ضد أفراد تمادوا!!
قد يكون في هذا بعض الصحة أو جزء قليل من الصحة، فخلف سطحية التفسير يحدثنا علم الاجتماع عن استراتيجيات تضليل تستخدم وسائل وأدوات مثل الإلهاء وتحويل الاهتمام عن مشكلات مهمّة إلى صراعات جانبية، وخلق المشكلات وتقديم الحلول لها، وشراء المستقبل بعملة الحاضر (إرهاب المستقبل عن طريق الحاضر)، ومخاطبة الرأي العام بوصفه جمهورًا لا رأي فرديّا له!! وخلق روح جمعية طاغية تقتل أي تفكير فردي، مستغلين بذلك عواطف مقدسة أو ثمينة أو تاريخية عند الناس.
فمعركة الكرامة مثلا تصلح لأن تكون وقودًا يحرق كل من ذكرها أو مرّ بذكرها دون أن يلتزم بإلهامها أو بما كتبه التاريخ عنها. وكذلك في أي فكرة أو تغريدة أو رأي له شحنة عاطفية عند الروح الجمعية.
إن ما حدث في مجتمعنا مؤخرًا يهدف إلى إشعال جدل مستمر ونقل الناس من أزمة إلى أخرى! فقد غطت الأحداث المحلية مثلًا على مترتبات زيارة الملك إلى واشنطن!
نعم، ما حصل ينطبق على ما ذكره نعوم تشومسكي من أن غاية التضليل وبراعته تكمن في جعل المجتمع يستحسن الرداءة، ويفخر بالتطرف. ويهتف للتنمر، وبالتالي بقاء المجتمع بعيدًا عن الحقيقة، يثور دون سبب أو لسبب غير مهم!! وقد يؤدي هذا إلى دفع كل مواطن للشعور بالعجز والتقصير بل والإحساس بالذنب إذا لم يسر “الهوجة”، أو التيار.
قالوا للشعب: إن كاتبًا سرق انتصارًا، وإن باحثة ارتكبت إثمًا! فأين أنت مما يجري؟!!
نعم أشعروا الشعب بأن مؤامرات كبيرة تحدث وعليك التصدي لها. فموجّهو الشعب والأحداث يوهمون المواطن بأنهم يعرفون ما لا يعرف، وأن عليه التحرك وإلا ضاع كل الوطن وقيمه النبيلة!!
يقول تشومسكي: إن استراتيجيات التضليل تقوم على الإلهاء وتحويل الانتباه، ومصادرة المستقبل، وإثارة الغرائز – وليس العواطف – وفرض الوصاية على الناس، وابتكار المشكلات ووضع الحلول لها والتدرج في التأثير يعني مواجهة الضحايا بالترتيب أو الدور، ودفع المواطن للتمرد عن طريق إحساسه بالقصور والعجز!!
فهل هناك مخطط لما يجري؟ أم أن قلة الوعي هي من تحرك الأحداث؟ أميل إلى الرأيين معًا!!
ملاحظة:
من الخطورة أن تشعر فئة بلذة الانتصار من خلال استراتيجيات التضليل!!
التعليقات مغلقة.