الرقة لتعقيد الملف السوري.. بأصابع إسرائيلية / محمود عبد اللطيف

 

محمود عبد اللطيف  ( الخميس ) 26/5/2016 م …

 يبدو أن ما تقدم به رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي “أودي ديكيل” قبل أسبوعين عن ضرورة توسيع تحالف الميليشيات المسمى “قوات سورية الديمقراطية” بهدف السيطرة على مدينة الرقة

 بما تحمله من معاني سياسية أكثر منها معاني استراتيجية في مسار الحرب الدائرة في سورية، كان مجرد تأكيد من الإدارة الإسرائيلية على وجودها في الملف السوري، ومع أن الإسرائيلي بات يعلن عن نفسه أكثر في توجيه الإدارة الأمريكية وفقا لمقتضيات مصلحته في الملف السوري، إلا أن البحث لم يزل يدور في فلك السؤال عن المصلحة الأمريكية في تلك المنطقة، وتوسع قوات سورية الديمقراطية لتضم 31 فصيلا من الميليشيات التي تسميها الولايات المتحدة الأمريكية بـ”المعارضة المعتدلة”، دليل على أن التنظيم لن يطول وجوده في مدينة الرقة لتصبح هذه المدينة تحت سيطرة “كردية”، وبموافقة من النظام التركي الذي يبدو أنه حصل على التطمينات اللازمة من أمريكا على أن الوجود الكردي في الرقة لن يكون نواة لتشكل كيان كردي قوي مستقل جنوب الحدود التركية، وهذا ما دفع نظام حزب العدالة والتنمية لوقف محاولاته لنقل صراعه مع حزب العمال الكردستاني إلى الداخل السوري، على الأقل خلال المرحلة القادمة.

الرقة من الناحية العسكرية والسياسية لم تشهد إلى الآن العمليات التي تتوافق والزخم الإعلامي الذي يتحدث عن معركة “تحرير الرقة” كما يسميها الإعلام الموالي للمسار الأمريكي، وهذا المسار يبحث عن استنساخ تجربة إقليم كردستان العراق في الداخل السوري لضمان سيطرة أمريكا على نفط المناطق الشرقية، وعلى هذا الأساس كان الطرح الإسرائيلي بتشكيل تحالف موسع من الميليشيات للسيطرة على الرقة ومنها التقدم باتجاه مناطق أخرى لتربط مناطق النفط جميعا تحت راية القوات الديمقراطية، الأمر الذي يجعل سورية جغرافيا مقسومة على ثلاث، الجزء الأول تسيطر عليه الدولة السورية والثاني تسيطر عليه الميليشيات تحت مسمى “الديمقراطية”، والثالث يكون تحت سيطرة الفصائل المتطرفة المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، وهذا ما سيعطي زخما سياسيا أكبر لوفد الرياض في الجولة القادمة من المحادثات السورية، ويجب الانتباه إلى أن إعلان المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا لتأجيل المحادثات لما بعد شهر رمضان، يعطي الهامش الزمني الكافي لإحداث هذا التبدل في الميدان السوري، وبالتالي يبدو واضحاً أن دور دي مستورا في المرحلة الحالية ليس بريئا، وموافقة القوى الحليفة لدمشق على هذا التأجيل تأتي أيضا من باب كسب الوقت لتحقيق منجزات ميدانية أكبر من التي سبقت المحادثات، ولربما تأتي التأكيدات الروسية على توسيع العملية العسكرية ضد الإرهاب في سورية من باب التلويح للأمريكان بالقوة إذا ما استمروا في جنوحهم نحو استخدام الإرهاب كورقة ضغط على دمشق.

ويمكن الحديث عن حدوث شرخ في المسار الكردي في التعاطي مع القوى الإقليمية، ففي حين أن المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن من موسكو أن العملية التي من شأنها “تحرير الرقة” ستكون بالتنسيق مع الروس – وهذا ما أكدت عليه موسكو أيضا- فإن جناح آخر من الأكراد يرفض هذا التنسيق ويصر على أن تبقى العملية بوصاية أمريكية، وهذا يشير بدوره إلى القدرة الإسرائيلية على توظيف نفوذ رئيس إقليم كردستان العراق “مسعود البرزاني”، في خلق المناخ المناسب للمشروع القادم للمنطقة الشرقية، وهو مشروع يقضي بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإخراج داعش المرفوض من قبل الرأي العام العالمية من معادلة المنطقة واستبداله بالقوات الديمقراطية، وهذا يبقي على التدفق النفطي باتجاه الأراضي التركية، ومنها عبر ميناء جيهان إلى الأسواق العالمية، وخصوصا الأمريكية، وسيكون لإسرائيل حصتها من هذا النفط كما هو حال نفط كردستان.

ولن تكون معركة تحرير الرقة إلا تكرار لسيناريو سيطرة القوات الديمقراطية على بلدة الهول ومدينة الشدادي بريف الحسكة، وهما من المناطق النفطية الهامة في سورية، والاستراتيجية من الناحية العسكرية بالنسبة لداعش، وكان من المفروض أن يدافع التنظيم عن هاتين المنطقتين بشكل أكبر، إلا أنه قرر الاستغناء عنهما بعد معارك يمكن وصفها بمعارك “رفع العتب” لا أكثر، وهذا ما يفسر قيام التنظيم بنقل معداته العسكرية الثقيلة من الرقة باتجاه دير الزور وريفها، إضافة لنقل قياداته من الأجانب الذين يسميهم بـ “المهاجرين” إلى الموصل العراقية، حيث أغلق التنظيم :معهد ذات النطاقين” الذي يدرس فيها علومه الشرعية للنساء، وهو معهد كان يدار من قبل أجنبيات من قبيل “أم أحمد المصرية”، و”أم فاطمة العراقية” وهي زوجة ذي القرنيين المصري أمير ما يسمى بـ “ديوان التربية”، وكانت تشرف عليه “أم سمية المهاجرة” زوجة المفتي العام السابق للتنظيم المعروف بـ “شرعي الخلافة” وهو “تركي البنعلي”، كما نقل الشرعي الجديد السعودي “عمر القحطاني” الملقب بأبي بكر القحطاني، نحو الموصل أيضا.

ويأتي هذا بالتزامن مع شن هجمات متعددة الأساليب والمحاور من قبل التنظيم على الأحياء المحاصرة في دير الزور بهدف إنهاء وجود الدولة السورية في هذه المدينة، ولعل السبب هو التمهيد لمعركة جديدة من قبل الديمقراطية في مرحلة قادمة للسيطرة على المحافظة النفطية الأهم في الجغرافية السورية، وهذا أيضا يلفت النظر إلى توقف حالة الاشتباك بين “الديمقراطية” وداعش في المنطقة الممتدة بين ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشمالي كلما شن التنظيم هجوما واسعا على دير الزور ومطارها العسكري، وهو سيناريو يتكرر أيضا للمرة الثالثة دون أن يكون ثمة مبرر منطقي على مستوى الميدان أو السياسية لوقف “الديمقراطية” لتمددها في جنوب الحسكة.

ومن الواضح أن المشروع الأمريكي القائم على إحداث هذا التعقيد أو التبدل الميداني سيكون ممهدا لطرح خيار الفدرلة على طاولة الحوار من قبل واشنطن، لكن المشكلة تكمن في تمسك دمشق بثوابت السياسة، والمنطق يرفض قبول فدرلة منطقة لصالح حكم مستقل أو إدارة ذاتية للأكراد في حين أنهم لا يشكلون الأغلبية المطلقة في هذه المنطقة، كما أن استنساخ تجربة “كردستان العراق” بفدرلة جزء من سورية وترك الباقي تحت الحكم المركزي غير مقبول منطقيا، وهذا ما يفسر تأخر دعم واشنطن الواضح لهذا المشروع لكنها ترغب في المرحلة الحالية بالتعاون مع “إسرائيل” بتعقيد ملف “الشرقية” لإطالة الأزمة بما يبقي النفط قدر الإمكان خارج حسابات الموازنة السورية، الأمر الذي يطيل إرهاق الاقتصاد السوري ويصعب الوصول إلى حل سياسي.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.