الكشف عن الخطة (ب) في سورية .. دم الفينيق مع دم البحر / نارام سرجون
نارام سرجون ( سورية ) الخميس 26/5/2016 م …
قبل أن تمر بعينيك على هذه المقالة أرجو أن تضع سلاحك جانبا .. ولسانك .. ونيرانك .. وغضبك .. وعينيك اللتين تطلقان الشرر .. وعندها ستجدني أستقبلك مصافحا وأعانقك دون أن تمر على حواجز التفتيش والحراس الذين يسبرون جسدك ويتحسسون باصابعهم جيوبك وحزامك وعقلك ولسانك بلارحمة ولااعتبار لمن تكون ..
في الحرائق لايمكن أن يتصرف الكاتب كما لو كان قلمه سيارة اطفاء تخمد الحرائق وهي محملة بالحبر والكلام لتخمد الغضب والنيران .. بل من العار أن يتحول الكاتب الى رجل اطفاء للمشاعر والانفعالات .. لأن الكاتب هو أن تكون مهمته في الحرائق أن يوقد النار في وجه النار .. وأن يطلق العاصفة على العاصفة .. واللهب على اللهب ..
بالأمس كانت حلب تنزف نزفا شديدا .. واليوم ينزف البحر المتوسط في سورية كله .. وكم تبدو الكلمات التي يؤتى بها هذه الأيام صدئة مستعملة ملايين المرات بلا بريق ولالمعان .. والأصوات التي تتحدث صدئت أيضا .. وربما الكلمات التي تكرر استعمالها يبدو الصدأ عليها ويجب أن نبحث عن قطع تبديل لحروفها .. فأنا لايعنيني أن يقال بأن الارهاب يضرب “عندما يفلس” أو أن الدول الراعية للارهاب “مسؤولة عن سفك الدم السوري” .. وغير ذلك من هذا الكلام .. هذا بالضبط ماأسميه الكلام الذي علاه الصدأ .. والذي أسمع اصطكاك الحروف فيه على الحروف ويقشعر بدني من اصوات احتكاك الحرف الصدئ بالحرف الصدئ ..
ربما لا يعنيني البحث عن تفسير أقدمه لنفسي ولغيري ولكنني معني جدا بأن افهم كيف يفكر العدو كي لاأطلق التفسيرات .. لأن التفسيرات الكثيرة تسقط على التفسيرات التي سقطت على التفسيرات .. وتزيد من التشويش وسوء الفهم .. فكلنا صرنا نعرف أن عمليات قتل المدنيين هي جوهر الحرب على سورية .. لأن علينا أن ننظر الى ماحدث في العراق وليبيا .. ففي هذين البلدين المنكوبين تم دحر الجيش وتفكيكه وبعدها أطلقت بسرعة عملية تفكيك المجتمع الذي بات بلا درع فغاصت السكين في الجسد العراقي العاري .. وفي ليبيا سارت الشفرة على اللحم دون مقاومة .. حيث نفر الدم من خطوط الشفرة على الجسد وانطلق منها مشروع حرب لمئة سنة .. الذي انطلق عبر عمليات قتل عشوائي للمدنيين ومذابح مروعة حتى بات من الصعب لملمة أشتات المجتمع في العراق وليبيا اللذين لم يعودا مجتمعا مدنيا بل مجتمعا غرائزيا قبليا بدائي العواطف .. ولايمكن أن يعود المجتمع مدنيا ربما قبل مئة سنة بسبب استمرار الهجوم على البيئة المدنية للمجتمع وتدمير نسيجها .. حيث تنفصل مكونات المجتمع وتتكلس الطوائف والقبائل منعزلة في كهوف الصحابة وصوامع آل البيت وتفقد القيم المدنية معناها بين الناس لصالح القيم البدائية التي تحيي حربا مزمنة بين أطياف المجتمع تتغذى وتشبع يوميا من البيئة اللامدنية التي تحول ماء المجتمع الى مستنقع ..
في سورية هناك حقيقة وهي أن عملية تدمير الجيش فشلت فشلا ذريعا بسبب غياب العامل العسكري الخارجي الذي كان يفترض ان يتدخل كما في العراق وليبيا .. وكانت مهمة تدمير الجيش موكلة للأتراك كرأس رمح يسانده الناتو .. ولكن الرمح التركي اصطدم بعامل الاقليم القوي المتمثل بايران وحزب الله ومن ثم روسيا .. وهي قوى شكلت عمقا قويا للجيش السوري .. ولذلك تم الهجوم مباشرة على المجتمع المدني السوري .. وكان المدنيون السوريون هم الذين دفعوا الثمن الباهظ في هذه الحرب .. فهم في كل الوطن السوري تم استهدافهم بقسوة عبر المذابح أو التهجير لأن العسكري لايهتز الا اذا اهتزت الأرض التي يقف عليها وهي العمق المدني للجيش حيث الزخم المعنوي والدافع الوطني والاستقرار النفسي والوجداني للعسكري المقاتل .. الجيش السوري لم يسقط ولم يتشقق رغم كل الضربات النفسية والتحريض المذهبي لأن المجتمع المدني الذي يغذيه لم يتآكل ولم يتفتت .. فتمت المجازر بحق المدنيين في طول البلاد وعرضها وتم تصويرها على الكاميرات واستماتت الماكينة الاعلامية منذ البداية لنشرها على أنها انعكاس لمزاج الشعب المضطرب مذهبيا أملا في أن يتلوها تمدد المزاج المضطرب الى الجيش وانشطار الجيش نفسيا وتفككه في الحال .. وبعد ذلك يمكن اطلاق أي مشروع حرب داخلية لايتوقف مثل حرب المئة سنة كما هو الحال في ليبيا والعراق .. فانشقاق الجيش لايبدأ الا اذا انهار المجتمع الذي ينتج الجيش ويستند عليه الجيش ..
ان تنقل الضربات على المدنيين السوريين صار من الواضح أنه يراد به ايقاف الجيش عن تحركه عبر سلبه الزخم المدني الذي يقف عليه ثابتا .. المجتمع المدني المأزوم لايستطيع جيشه أن يتقدم في اية معركة ولذلك نجد أن عمليات التفاوض التي قادها الروس بنيت على اساس الجيش القوي الذي يتقدم والذي جذره راسخ في بيئة مدنية متماسكة وراءه حيث كل خدمات الدولة متوفرة في المشافي وحاجات الاسواق والرواتب رغم شح المصادر الاقتصادية .. وهناك درجة من الأمن والأمان تطورت عبر عملية التهدئة .. ولكن الطرف الآخر وجد أن التناسق بين الجيش والبيئة المدنية المستقرة زاد من فاعلية الطرفين وهدد بانهيار المشروع الأميريكي الاسرائيلي والخطة الغربية التي عملت لخمس سنوات دون توقف وبذل من اجلها الغالي والرخيص .. فما ان هدأت المفاوصات في جنيف حتى كانت الخطة (ب) قد أخرجت الى العلن وهي ضرب البيئة المدنية للجيش السوري وتشتيت جهد الدولة الضخم لارساء حياة عادية في المدن لتساند المدن السورية الجبهة وجهد الجيش وتضخ مزيدا من الدماء فيه وفي حركته التحريرية .. فضربت العاصفة الاقتصادية الليرة السورية بعنف ثم انطلقت شائعات نقص الخبز واستفحال انتشار الفساد وهذا أدى الى اهتزاز البئية المدنية السورية المستقرة نسبيا التي سيزداد فيها الفقر والقلق والتوتر بسرعة .. والفقر سيزيد من اعتماد ثقافة الفساد في عملية تخادم متبادلة بين الفقر والفساد والاحباط ..
وفي ذات الوقت بدأت ماكينة الارهاب في حملة عنيفة على المدنيين السوريين في حلب وحمص وحماة وريف دمشق ووصلت الى طرطوس واللاذقية .. في عملية تريد ان تدمر البئية المدنية التي يقف عليها الجيش أثناء اعداده للحرب على عدة جبهات .. فهو مضطر للتوقف لأن ظهره يتعرض للطعن .. كما أن البلبلة التي يثيرها التأزم الاقتصادي وقتل المدنيين تسبب توترا تزيد أواره الشائعات التي يلقيها العدو بذكاء عن المندسين والحواضن المهاجرة للارهاب الى المدن الآمنة .. ولايحتاج الأمر الا الى عدد من العمليات الدموية حتى تنهار البيئة المدنية القائمة على العلاقة الطبيعية بين مكونات المجتمع لتحل محلها قيم المجتمع المأزوم الذي تتدفق فيه الانفعالات والغرائز البدائية من القلق والتوجس والتخوين والخوف المتبادل لتصبح كالبنزبن تشتعل لمجرد مرور شرارة .. ناهيك عن هجرات جديدة وموجات نزوح بسبب تأزم الحياة المدنية في غياب الأمن والثقة بالدولة ومكونات المجتمع الأهلي .. مما يرهق أجهزة الدولة ويضعها أمام أزمات جديدة لاتسمح لها بالتعامل مع التهديد العسكري لتركيا والسعودية عبر داعش أو النصرة أو جيش الفتح .. والأهم ان الجيش سيفقد أهم شيء يحتاجه الجيش .. وهو البيئة المدنية الصلبة للتعايش والقيم المدنية للمجتمع المستقر في حالة الحرب ولو في حدها الأدنى فيتراجع الأداء وقد تصل اليه أزمات البيئة الشعبية المأزومة وأمراضها ونزقها وتوتراتها المذهبية ومجادلاتها البيزنطية .. وهي وصفة لانهيار القوات المسلحة ..
ستخطئون ان صدقتم أن داعش هي من ارتكب مجازر البحر في سورية دون التشاور مع بقية المنظمات الارهابية التي تشرف عليها دول كبيرة لأن هناك تساوقا وتناوبا في قتل المدنيين وفق خطة تدمير النسيج الاجتماعي بتدمبر تركيبته المدنية .. فبالأمس استشهد مئات الحلبيين بجرار الغاز والقذائف التي نفذتها جبهة النصرة وأحرار الشام .. ولم تهدأ حلب حتى لحقتها مجازر الزارة .. ومن ثم بعد أيام وصلت المطرقة الدموية الى الساحل السوري عبر داعش كما تزعم الأخبار .. التي يحاول البعض القاء اللوم فيها على المهجرين الحلبيين وغيرهم .. وهي عمليات منسقة وتشبه السباق بالتتابع حيث يسلم كل عدّاء الراية لمن يليه .. وهي بالتالي ليست بمحض الصدفة بل أدوار متبادلة بين المنظمات الارهابية ستتنقل على مايبدو بين المدن السورية لأن هذا سيظهر الدولة التي تجهز معركة في ادلب أو حلب أو دير الزور ضعيفة كما أنها ستضطر للتعامل مع حرب المدنيين القاسية بعيدا عن الجبهات ..وستؤجل أو تلغي أي عملية تحرير حتى يهدأ المجتمع وتعود اليه الحالة المدنية ..بدل القبلية ..
هذه المجازر المتنقلة والتي يتناوب عليها داعش والنصرة والفتح وجيش الاسلام وأحرار الشام هي عمل منظم خبيث غايته أبعد من مجرد عملية ثأر بل عملية ضرب المجتمع والقيم المدنية .. تديره نفس الجهات التي تفاوضنا من واشنطن ومن خلفها تل ابيب .. بدليل أن داعش سارع الى تولي المسؤولية ولم تترك للجزيرة الفرصة لالقاء اللوم على النظام السوري وأجهزته الأمنية ولم يترك الحبل على غاربه لميشيل كيلو وبرهان غليون والمعتوهة رنا قباني لاتهام النظام كالعادة لأن المراد ايصال رسالة الى المدنيين السوريين جميعا وحلفائهم خاضة بعد اتضاح ملامح هذا الصيف الحارق واعلان روسيا موعد 25 أيار موعدا لتصفية الحساب مع التنظيمات التي تتلاعب بالهدنة وهي في غالبها في حلب وادلب .. وفحوى الرسالة هي أننا نتحداكم أن تشعلوا المعركة شمالا لأننا سندخلها الى بيوتكم .. وأنكم بعد كل انتصاراتكم الأخيرة ستدفعون ثمنا باهظا لأنكم تخوضون حربا خاسرة .. ولاأمل لكم الا الاستسلام .. فجيشكم وحلفاؤكم يحاربون في الشمال غير قادرين على حمايتكم منا .. نحن نقف لكم في كل مكان .. في الباصات والمدارس وسنهبط عليكم بجرات الغاز والهاون ..وسنضرب قرب قواعد الروس .. في رسالة الى الروس أيضا لكبح جماحهم ..
كل ماسبق من تتالي التصعيد على كل المستويات يمكن أن نسميه ملامح الخطة (ب) التي طالما أخرجها ألاميريكيون من جيوبهم عدة مرات وأعادوها .. والتي كررها الببغاء الصغير عادل الجبير دون أن يعرف ماهي الخطة (ب) التي ربطنا سلاسلها وقطعها كما في السرد أعلاه ..وتذكروا أن السيد حسن نصرالله قال في آخر خطبة له بأن العدو مستهتر ومتهور وبأننا قريبا سنشهد تصعيدا شديدا .. وهذا كلام العارفين ببواطن الأمور وربما كانت لديه معلومات عن الخطة (ب) وتأتي هذه الموجة ترجمة لما حذرنا منه ..
ولكن تذكروا ايضا أننا لم نكن نفاوض في جنيف فقط بل كنا نحضر لمعركة قادمة اذا ما انطلقت فسيسمع فيها الأعداء صوت طحن عظام لأسماء تنظيم عزيز على قلوبهم .. تخرج من بطنه احدى المدن الأسيرة .. فكما للعدو خطة (ب) فان لدينا ترياقها الذي سيحقنه رجال الجيش السوري في فم الببغاء السعودي وسيده كيري ..
نحن اخترنا منذ خمس سنوات أننا نريد سورية واحدة موحدة .. ونحن اخترنا ألا نترك مصير أبنائنا لغيرنا كيلا يأتي يوم يكونون فيه في عدة دويلات وربما يتقاتل أبناء الشمال مع ابناء الجنوب .. وأبناء الشرق مع ابناء الغرب ..
ونحن اخترنا ألا نكون ولاية عثمانية ولامزرعة لأمير وهابي أو شيخ نفطي .. ونحن اخترنا ألا تقوم أرض الميعاد من الفرات الى النيل على جثة سورية .. ونحن اخترنا أن نطلق العاصفة على العاصفة .. وأن نوقف اللهب باللهب ..
ونحن اخترنا قيم النبي في أن نحمل الحق ونزهق الباطل .. ونحن اخترنا قيم علي في الشجاعة والفداء فلن نكون جبناء .. ونحن اخترنا قيم الحسين في الثورة ولن نبخل بحياتنا .. ونحن اخترنا قيم عمر في العدالة فلن نجامل الظلم .. ونحن اخترنا قيم المسيح في المحبة والتضحية .. ولن نخون المسيح ..
نحن فينا نزلت قيم كل هؤلاء .. ولذلك فاننا سوريون وطيور فينيق .. ولن نكون الا سوريين .. وليجربوا خططا من الألف الى الياء .. ومابعد الياء .. فليس هناك اجمل من النهوض في أعماق النار .
التعليقات مغلقة.