أطفال فلسطين جنرالات الحرية / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) – الخميس 29/7/2021 م … 




لأ اتمتع بذاكرة حديدية ولا خشبية ولا كرتونية، ولكن من أوائل المشاهد التي ما زالت ترافقني من ذكريات الطفولة، تعود تقريبا لبدايات السبعينيات، وكان عمري وقتها ثلاثة سنوات. كانت قد مرت فترة من الزمن على أحداث أيلول المؤسفة في الأردن التي وقعت بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني والتي أدت لخروج الفصائل الفلسطينية إلى سوريا.

ما عشته من تجارب في بدايات شبابي ، وفي أعماقي إحساس مركب  تراكم مع مرور الوقت، وسبب لي ما يُمكن تلخيصه بعبارة ” القهر” من كثير من تناقضات البيئة التي عشت فيها، وتناقضاتي الشخصية وهفواتي وشطحاتي ، والتي أحمل فيها الإحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى المسؤولية عن حرماني من أن أعيش قي ظروف شبه طبيعية مثل باقي أطفال العالم، وتسبب في أن أعيش آثار النكبة المريرة بكل تفاصيلها والمنفى البعيد.

يا ترى كيف يعيش أطفال فلسطين كل هذه الأحداث الأكثر قسوة، كيف تترك بصماتها على شخصيتهم وسيكولوجيتهم؟، هل يمكن أن نتوقع مناخا طبيعيا لأطفالنا في ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي المتواصل؟، ماذا عن أطفال غزة وإلى أي مدى تساهم بعض المبادرات الرائعة التي نتابعها في تخفيف آثار الهمجية الصهيونية على نفسيتهم؟، هل تدرك الطبقة السياسية التي لا تخصص برامجا تربوية لدعم الطفل الفلسطيني ولا توليهم الإهتمام، مقدار هذا الوجع الذي يصيب الطفل والأهل في ظل غياب الرعاية المتخصصة له؟.

بالتأكيد يساهم وعي العائلة وتماسكها، وخصوصا الأمهات الفلسطينيات وجهد المعلمات والمعلمين، بالحد من الأزمات النفسية التي يمكن أن تعانيها الطفولة الفلسطينية، ولكن على المؤسسات والقوى والأحزاب، أن يكون لها أيضا دورها المجتمعي وأن لا تكتفي فقط بالتغني ببطولات أطفالنا ( وهم جنرالات بالطبع) وشبابنا، ولكن أن تطور برامجا تربوية خاصة تساعدهم بالحد الأدنى على أن لا يُسلب منهم حقهم في الطفولة والتعليم وتنمية مواهبهم وقدراتهم بعيدا عن الدم والقهر والصراعات الفئوية، والأزمات المادية.

فرضت الظروف الموضوعية السياسية والإقتصادية والإجتماعية، على الطفل الفلسطيني والشاب الفلسطيني، أن يكون لديه وعيه المبكر وموقفا سياسي من الأحداث، ا وهو جزء من حالة الإشتباك الدائمة مع الإحتلال، محصلتها أنه في طليعة العمل الوطني المقاوم الصامد في تحديه للإحتلال وممارساته النازية ومما يدعو بالتأكيد إلى الفخر والإعتزاز بأطفال فلسطين وشبابها، ولأنه قدرنا فلا خيار سوى أن ندعم وعيهم الوطني والإنساني ونساهم في تشكله ليكون حصانة لهم يساعدهم على تحمل هذه الظروف، لا سيما أن من بينهم الشهيد والجريح واليتيم والمُعاق جسديا، والأسير أيضا!، والكثير منهم يتعرض لشتى أنواع العنف، والإحتلال المجرم يستهدفهم ولا يجد رادعا يمنعه من التنكيل بهم، فالقتل هو فانون الإحتلال النازي.

يكبر الطفل الفلسطيني ربما أعوام عن باقي أطفال العالم خصوصا من يتمتع بحالة من الرفاهية والإستقرار، ونجد أطفالا بعزم الرجال في مختلف ساحات النضال الوطني، نريدهم أن يكونوا شركاء كاملين في العمل من أجل الدفاع عن حقوق شعبنا، وعن مشروعه الوطني ( تحرير فلسطين من البحر إلى النهر) ، ولكن من حقهم علينا أن لا ننسى طفولتهم ، نقدم لهم الرعاية والحماية وان نُعد لهم ولمستقبلهم المزيد من الإنجازات والإنتصارات، وأن لا نتخلى عن حقوقهم في العيش بحرية وعدالة وإستقلال، أطفال شعبنا أحق وأولى بملايين الدولارات التي يتم صرفها هنا وهناك على أنشطة لا يمكن وصفها تأدبا سوى بأنها سطحية وعديمة الجدوى.

ما يتم تقديمه للطفل الفلسطيني من برامج ورعاية، هو أقل بكثير من الواجب، ويكفي معرفة أنه يبلغ عدد الأطفال دون سن الثامنة عشرة حتى منتصف العام 2021 في فلسطين، 2،31 مليون طفلا، أي أن نسبة الأطفال في الضفة والقطاع تشكل 44،2 % من إجمالي السكان، إضافة لأطفال المخيمات الفلسطينية في بلاد اللجوء والمنافي، والذين هم بأمس الحاجة للعمل من أجلهم، فهم مستقبل فلسطين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.