هشاشة المعارضة الأردنية الخارجية / أ. د. انيس الخصاونة
تشكل المعارضة السياسية مكون هام من مكونات الأنظمة السياسية في معظم الديمقراطيات في العالم، وهي تعتبر رديفا للنظام السياسي وضمانا لاستمراره وكينونته، حيث تلعب دورا هاما في الرقابة على مؤسسات السلطة التنفيذية، وترصد المشكلات وتطرح الحلول، كما أنها تشكل مصدرا هاما للمعلومات والتغذية العكسية للمواطنين ولمؤسسات النظام السياسي وقيادته عن واقع الأداء العام لأجهزة الدولة. وفي الوقت الذي تتباين الأنظمة السياسية في احترامها وتقبلها للمعارضة السياسية، فإن الأنظمة السياسية المستبدة ترفض وجود المعارضة، لا بل تسمها بالخيانة، والتعامل مع الأجنبي، وأعداء الوطن، وأصحاب الأجندات الخاصة وغير ذلك من المسميات المهينة التي تنال من مقاصد المعارضة والدور السياسي الوظيفي (Functional Role) الهام الذي تلعبه. من هنا تلجأ بعض الأنظمة السياسية غير الديمقراطية إلى إنشاء حالة من الاستقطاب الثنائي (Polarization) بين المعارضين والمؤيدين للنظام ،وهما معسكرين متضادين أحدهما ولاءه مطلق للنظام والآخر معارض دائم لكل شيء وفي كل زمان ومكان.
المعارضة السياسية في الأردن ينطبق عليها ما ينطبق على بعض الديمقراطيات الناشئة حيث تمر عليها فترات من التضييق الشديد، والتوقيف للمعارضين ،والحبس ،وتشهد فترات أخرى التسامح والمرونة. وهنا ينبغي أن نشير أن القوانين الناظمة للحريات هي ذاتها التي تطبق ولكن كيفية تطبيقها تخضع لرغبة الحكومة والأجهزة التابعة لها ،فتارة يتم تطبيقها تطبيقا حرفيا ويشعر المعارضين والكتاب والناشطين بالتقييد، وتارة أخرى يتم تطبيقها بمرونة تتضمن التغاضي عن بعض المواقف وتطرف بعض الآراء.
موضوعنا هنا عن المعارضة الخارجية التي تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي والفيديوهات وغيرها وسائل للتعبير عن أرائها السياسية. ينبغي أن نشير هنا أن المعارضين يلجأون للخارج عندما يزداد التضييق عليهم في الوطن ،وعندما يصبحوا ملاحقون قانونيا في أروقة المحاكم ،وأنا هنا أود أن أشير أنه ومن خلال متابعاتي لبعض المعارضين الذين يبثون آرائهم من الخارج ويتابعهم بعض شرائح الأردنيين وجدت أن عددهم لا يتجاوز سبع أشخاص والان انخفض العدد إلى ستة أشخاص بعد العودة الميمونة للسيد نايف الطورة الذي أشبعنا كلاما وشتائم وفيديوهات لو تكلم بها معارض من الداخل ربما بقي سنوات في السجون!. من حيث الحجم والعدد فإن المعارضين الخارجيين غير مؤهلين لإطلاق مصطلح المعارضة الخارجية عليهم، فخمسة أو ستة أشخاص من ثمانية ملايين أردني لا يمثلون قاعدة معارضة خارجية تعكس تأييد قطاع كبير من المجتمع الأردني. أما من حيث محتوى ومضمون ما يتناوله المعارضون الخارجيون فقد تابعته متابعة الباحث والأكاديمي لأجد أن ما يبثه الستة أشخاص لا يعدو أن يكون سرد ونشر معلومات وبعضها “تفضيح” وإساءة لشخوص في النظام السياسي أو الحكومة .لم أجد هناك أي تحليل سياسي ذا قيمة ويمكن الاستناد إليه سواء في الاستنتاج أو الاستنباط أو البناء عليه في التحليل فهي معلومات مبعثرة تعوزها الدقة ولا تتجاوز أساليب القال والقيل والتجسس فعن أي معارضة خارجية نتحدث؟. لا أعلم كيف يستوي أن خمسة أشخاص يمكن أن يحصلوا على معلومات تفصيلية من داخل القصر ورئاسة الوزراء وهم على بعد آلاف الأميال عن الوطن؟ حاولت التحقق من صحة المعلومات التي يدلون بها ومتابعتها لأجد أن أكثر من 80% من هذه المعلومات غير صحيحة وأن مصادرهم تعتمد على نقل العوام أو أفراد ليسوا ذوي صلة بالأحداث.
يبقى السؤال قائما لماذا يتابع عدد معتبر من الأردنيين هذه المنصات ما دام أن الأحداث تثبت عدم صحة ما تبثه المعارضة الخارجية؟ الإجابة برأينا المتواضع تتمثل بنقص في الشفافية ونقص في المعلومات المتاحة للمواطنين عن الحكومات وما يتم في أروقة الوزارات والديوان الملكي وأجهزة الدولة المختلفة، حيث توفر منصات المعارضين من الخارج زخم معلومات تلبي حاجة وفضول الأردنيين حتى لو كانت المعلومات غير دقيقة وتعوزها المصداقية.
أما السبب الثاني لإقبال بعض الأردنيين لمتابعة منصات المعارضين من الخارج فهو يعود لخبرات هؤلاء المواطنين من العاطلين عن العمل أو المهمشين أو الذين يشعروا بالإحباط وعدم العدالة وهؤلاء يشكلون صيدا ثمينا لهذه المنصات.
خمسة أو ستة أشخاص لا يستوي أن نسميهم معارضة خارجية خصوصا أن تركيز هؤلاء ليس على التحليل والمفاهيم ولكن على نقل معلومات فقط تبهر المواطنين المتابعين لهم وهذا يثير تساؤلات على الكيفية التي استطاعوا فيها أن يصلوا لهذه المعلومات.
أعتقد بأن مصطلح المعارضة الخارجية لا ينطبق على هؤلاء الأردنيين الذين اختاروا أن يعبروا عن آرائهم من خارج الوطن. عودة السيد نايف الطورة دون سؤال أو جواب تثير الكثير من علامات الاستفهام على هذه المعارضة ومقاصدها وارتباطاتها.
أنا كمعارض من داخل الوطن أقول بأنني كتبت مئات المقالات الناقدة وتناولت معظم مؤسسات الدولة وسياساتها وقلت ما لم يقله أحد قبلي ولم يستدعيني أحد ،علما بأني أعمل في جامعة رسمية وعلى بعد أمتار من دائرة المخابرات العامة .نحن ننتقد المؤسسة بلا تردد ولكن نقدنا موجه لسياسات وقرارات ويمكن أن يتحول هذا النقد إلى إشادة إذا كانت السياسات والقرارات سليمة فما الداعي أن يذهب المعارضين للخارج ليقولوا ما يمكن قوله من الداخل؟ ننصح الحكومة بأن تعامل كل المعارضين في الخارج باستثناء اثنين أساءوا للأردن وشعب الأردن ايما إساءه. نعم ندعو الحكومة لإسقاط كافة التقييدات بحق أربعة من المعارضين وان يتاح لهم العودة الآمنة لبلدهم وأهلهم وأن تصبح منصاتهم من الداخل لا من خارج الوطن.
التعليقات مغلقة.