الحوار على رقعة الدم / د. يحيى محمد ركاج

 

د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) السبت 28/5/2016 م …

*باحث في السياسة والاقتصاد …

 أتى توقيت العمليات الإرهابية في مدينتي جبلة وطرطوس السوريتين في وقت دقيق وواضح للغاية، فتوقيتهم يحمل العديد من الرسائل الدولية والإقليمية والمحلية الفاضحة للمكون الهجين المسمى بهتاناً بالمعارضة، ناهيك عن الرسائل التي حملها الإرهاب نفسه من خلال ما تضمنته هذه العمليات من استهداف للفقراء ولقمة عيشهم وحرمانهم من أبسط الخدمات الإنسانية المقدمة لهم في المستشفيات والمراكز الطبية.

فإذا وقفنا على مضمون الرسائل الدولية والإقليمية التي حملتها هذه التفجيرات الإرهابية كما تناولتها العديد من مراكز الدراسات والأبحاث باعتبارها رسائل أمريكية لروسيا في أماكن تمركز وانطلاق قواتها المساندة للجيش العربي السوري، والمتضمنة نقطة وجود أمريكية في الميدان الروسي إن لم يتم الإتفاق والتفاوض بشكل كلي على إعادة توزيع النفوذ والسيطرة في مناطق الثروات والممرات اللوجستية في جنوب شرق أسيا وافريقيا وبعض النقاط الأوروبية، ورسائل القوى المنخرطة بالحرب على سورية عبر الفصائل التي تدعمها بما أنه تم استبعادها من حوارات جنيف بحيث ظهر للعالم أجمع دورها الحقيقي والقزم في المعايير الدولية والوطنية ومعايير السيادة والحضارة والإنسانية، ورسائل السماسرة الدوليين ومن خلفهم من شركات الأموال التي أضحت كلياً خارج برامج إعادة إعمار سورية بعد الامتصاص السوري الناجح والمتفوق للضربة الاقتصادية الكبرى والتي تمثلت بتغيرات سعر الصرف المتناقضة مع كل ما تشير إليه المعايير الدولية وتقارير المؤسسات والمنظمات الدولية المعادية لسيادة سورية.

إلا أن أي من هذه المراكز والأبحاث وقف على مضمون الرسائل المحلية والإقليمية عمداً وتضليلاً، فتاريخ العملية قبل ذكرى تحرير جنوب لبنان من الكيان الصهيوني والتي سبقها عملية اغتيال للشهيد القائد ذوالفقار، لا يعتبر مجرد رسالة تهدئة من الكيان الصهيوني للداخل بمقدار ما هي رسالة واضحة المعالم عن ارتباط الكيان الهجين المسمى صهيونياً بالمعارضة في مصالح الكيان الصهيوني وأهدافه العدوانية وأدواته الإرهابية.

بالإضافة إلى كونها رسالة تضليل ممنهجة لمن لا يعرف الحضارة والعراقة السورية أو لمن لا يريد أن يرى الحقائق بعيون الواقع والمنطق الإنساني عبر الترويج لاستهداف العملية لمكونات الدولة الوطنية السورية في الساحل إقليم الشهداء وعريس المتوسط الحاضن للسوريين الذي أرغمتهم الجماعات الإرهابية على هجرة بيوتهم توقعاً واعتقاداً منها إما قيامهم بتشكيل ضغط على مقدرات الدولة السورية أو بتشكيل ضغط دولي جديد على الدولة في عدم مقدرتها على تأمين متطلباتهم ومن ثم هروبهم أو تهجيرهم إلى الدول الأخرى.

إن الرسائل المباشرة أو غير المباشرة التي حملتها هذه التفجيرات كثيرة جداً سواء أتناولتها مراكز البحوث والدراسات أم لم تتناولها، لكن الرسالة الأبرز التي لم ولن يتناولها أياً من هذه المراكز رغم الحيادية التي تبديها بعضها في التعامل مع الحرب السورية، هو اللحمة الوطنية السورية في التعاطي مع الأحداث من جهة، والرسالة الأكثر انتصاراً في ميادين المواجهات غير المباشرة بين الدول عبر مقدرة الحكومة السورية وبالتعاون مع المواطن الذي استهدفته هذه التفجيرات في إعادة المرافق المدمرة إلى الخدمة العامة في وقت قياسي حتى قبل أن تنتهي بعض مراكز الأبحاث من تحليلاتها من جهة أخرى.

لقد حققت سورية مجدداً مقدرة كبيرة في مواجهة الصدمات والضربات الكبيرة والمفاجئة، ولعل انتصارها المضاف الذي لم يكن يتوقعه أعداؤها هو في التعاطي مع حرب الشائعات، إذ تمكن المجتمع المحلي من السيطرة على حرب الشائعات خلال فترة قصيرة جداً من وقوع الهجمات الإرهابية، بل واكتشف خلال هذه الفترة القصيرة أماكن الخلل التي يعاني منها سواء أكان خللاً على مستوى تداول الشائعات شعبياً، أم على مستوى تقصير بعض الجهات الحكومية وبعض المسؤولين في الساحل باعتبار الحرب قد حسمت كلياً لصالح الدولة السورية وأن كل ما يجري من أحداث وأمور هو تحصيل حاصل.

إن الرسائل المحلية والإقليمة والدولية التي رمزت إليها هذه التفجيرات والمرتبطة بأعداء سورية تشير جميعها إلى مقدرة سورية وانتصاراتها القادمة لا محالة، ولكن الرسائل الداخلية الموجهة إلينا نحن العرب السوريين تستدعي العمل على تغيير نهج التفكير السائد في الرد على القضايا العامة والخدمة العامة، ولعلها تستدعي دماء جديدة في تقديم الخدمات التنموية المرتبطة بالسيادة، والأكثر صوابية برأي هو إعادة دمج جديد للعلوم والجامعات في تقديم هذه الخدمات، فالعلوم تتقدم نتيجة الحاجة لها وخاصة في الحروب.

عشتم وعاشت الجمهورية العربية السورية موطن الأبجدية الأقدم في العالم

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.