خزعبلات دستور سورية الجديد …ماذا عن متانة حلف موسكو – دمشق ؟ / هشام الهبيشان

 

هشام الهبيشان ( الأردن ) الأحد 29/5/2016 م …

في وقت كثر الحديث عن مستقبل وطبيعة العلاقة بين الدولة الروسية والدولة السورية في المقبل من الأيام، وخصوصاً بعد ما نشر في إحدى الصحف المحسوبة على محور المقاومة  عن دستور روسي جديد لسورية سرعان ما أتت الاخبار لتؤكد أن لا علاقة لموسكو بمسودة الدستور السوري المقترح، وإنما كان بطلب من الأمم المتحدة التي وقع اختيارها على مركز ” كارتر” الأمريكي – الصهيوني لتقديم المشروع ،و جَرَى تسريبه وبتؤاطو من بعض المحررين بالصحيفة  على أنه من اقتراح موسكو.. هذه “الخزعبلات أو ما يسمى بدستور سورية الجديد حملت مجموعة تفاصيل مضللة وغير موثقة بدلائل عن تفاهم روسي – أميركي لتقسيم سورية، هذه الأخبار المضللة التي أوردتها الصحيفة، تزامنت تقريباً مع أخبار أخرى حملتها صحيفة “فرنسية “قبل أيام والتي تحدثت عن مفاوضات سعودية – روسية، تتمحور أهدافها حول قبول الروس بالتخلي عن حلفهم مع الرئيس السوري بشار الأسد مقابل التزام السعوديين تخفيض إنتاجهم من النفط، ما يعني ارتفاعاً سريعاً جداً في أسعار النفط، ما سيساعد الاقتصاد الروسي على التعافي من أضرار انخفاض أسعار النفط .

حديث هذه الصحف كان له وقع خاص في الفترة الأخيرة، وكانت له أبعاد وتأويلات عدة، وهذا بدوره ما دفع لافروف بالأمس وخلال مؤتمره الصحفي المشترك مع عادل الجبير في موسكو للتأكيد على مواقف موسكو الثابته اتجاه ملف الحرب على سورية ، رغم المحاولات العديدة للسعوديين والأميركيين في مسار المساومات مع الروس بخصوص التنازل عن حلفهم مع الدولة السورية، وهناك أوراق مساومات طرحها جون كيري وجو بايدن وماكين وبندر بن سلطان ومحمد بن نايف والراحل سعود الفيصل للتفاوض مع الروس بمراحل زمنية مختلفة، ولكن صمود الدولة العربية السورية، وثبات موقف بعض القوى والنخب الرسمية والشعبية والسياسية داخل روسيا، هو من أجهض بالكثير من المراحل أوراق المساومات الأميركية- السعودية التي كانت تُقدّم للروس.

ولكن ومع كل هذه الضغوط الأميركية – السعودية على الدولة الروسية بخصوص موقفها من الحرب المفروضة على الدولة السورية، لاحظ جميع المتابعين كيف أن موسكو كانت بالفترة الأخيرة، مسرحاً لمجموعة لقاءات، ومنطلقاً لطرح مجموعة رؤى لحل ملف الحرب على الدولة السورية، فقد اصبحت موسكو مؤخرآ عبارة عن قبلة حج سياسي لكل الاطراف المنخرطة بملف الحرب على الدولة السورية ، وخصوصآ بعد تدخلها العسكري في سورية ونجاحها بفترة زمنية محدودة بتحقيق انجازات نوعية على الارض السورية بملف مكافحة الارهاب ،ويتزامن كل ذلك  مع استمرار الحراك الدبلوماسي والسياسي الروسي الخاص بالملف  السوري، فقد برز  واضحاً أن موسكو تسعى للوصول إلى بعض الرؤى للحلول المشتركة بين الدولة العربية السورية وبعض المعارضين السوريين، وهنا يقرأ البعض أن مجموع هذا الحراك الروسي، ما هو إلا دليل على أن الدولة الروسية تسعى وبشكل ممنهج للحفاظ على وحدة سورية وتعزيز مسار التوافق الداخلي بين مكوناتها، وهذا ما يدحض مرحلياً فكرة قبول الروس بالطرح الأميركي لتقسيم سورية، وهذا يبقى مجرد تحليل وليس هناك شيء مثبت في هذا الإطار.

وعلى محور هام فالروس بدورهم يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها العمليات الأميركية – السعودية – الفرنسية – التركية – القطرية، المتوقعة بشمال شرق سورية “الرقة ومحيطها ” على ملف وحدة سورية الديمغرافية والجغرافية ، فالروس يدركون أن النظام الأميركي الرسمي وحلفاءه بالغرب وبالمنطقة يستعمل سلاح محاربة تنظيم داعش بشمال شرق سورية  لتنفيذ مخططات خبيثة هدفها اقامة واقع تقسيمي على الارض السورية يفرض نفسه من خلال ما يسمى بـ “مشروع حدود الدم الأمريكي ” ولهذا يسعى الروس قدر الامكان تعزيز تنسيقهم مع كل قوى المجتمع السوري لمنع تنفيذ هذا المشروع الأمريكي، من جهة أخرى برز واضحاً في الفترة الأخيرة مدى التقارب بالمواقف السياسية والأمنية، بين النظام الرسمي الروسي والنظام العربي السوري، وذلك ظهر جلياً من خلال تبادل وجهات النظر بخصوص ملف محاربة الارهاب وملف التصدي للمشاريع الأمريكية في سورية ، وهذا ما يضحد جميع الإشاعات التي كانت تطلقها بعض الصحف الصفراء، ووسائل الإعلام، بخصوص تغيير الموقف الرسمي الروسي تجاة الحرب المفروضة على الدولة السورية.

ختاماً، يمكن القول إن جميع أوراق وبالونات الاختبار التي يسعى البعض لطرحها لقياس حجم القبول بها سوريآ وروسيآ سيكون مصيرها كمصير تلك  المساومات التي كان ومازال يطرحها الأميركيون -والسعوديون، للضغط على الروس ودفعهم إلى التخلي عن حلفهم مع الدولة السورية والتي كان مصيرها الفشل، وهذا ما سيثبت أن الروس وحلفاءهم في الإقليم والعالم قادرون على تجاوز تعقيدات هذه المرحلة التي تفرضها أميركا وحلفها في الإقليم والعالم، مع العلم أن موجة هذه الحرب التي تستهدف الدولة السورية  تحرق بنارها الآن صانعيها ، وهذا ما يعني أن هذه الحرب لن تستمر طويلاً، ومن هنا سننتظر الأشهر الثلاثة المقبلة لتعطينا إجابات واضحة عن تغيرات وتطورات سياسية كبرى قد تشهدها الساحة الدولية والإقليمية بخصوص الحرب المفروضة على الدولة السورية.

*كاتب وناشط سياسي -الأردن .

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.