الأردن وفلسطين .. شعب واحد لا شعبين … ويا جبل ما يهزك ريح / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) – الأربعاء 11/8/2021 م …




منذ فجر التاريخ تكتسب العلاقات بين شقي الوطن الواحد شرقي وغربي النهر، طابعا خاصا بالرغم من الأحداث والتطورات التاريخية المختلفة التي مرت على المنطقة، ومن الصعب في أدق المراحل التاريخية الفصل بين نتائجها على الأردن وفلسطين معا.  

من يراجع تاريخ القطرين قبل الميلاد مثلا وما سجله التاريخ المشترك، سيكتشف عمق وخصوصية هذه العلاقة وهذا الترابط والتداخل السكاني والسياسي والاقتصادي، وما زالت هذه الحقيقية التاريخية تجدد نفسها وتجلت واضحة اكثر منذ الحرب العالمية الأولى حتى يومنا هذا.

في إطار المخططات الصهيونية لإحتلال فلسطين، والتي جاءت في سياق مشاريع أريد لها أن تشمل المنطقة كلها، ومنها على سبيل المثال مشاريع التوطين في سيناء، والوطن البديل، والتمدد الصهيوني وحلم إقامة إسرائيل الكبرى، والذي ما زال يعشش في عقل بعض القادة الصهاينة خصوصا المتدينين المتشددين منهم، ولم يسقط أو يتراجع كما يتوهم البعض تكتسب هذه العلاقة ووحدة المصير بعدا جديدا إستثنائيا وفي غاية الأهمية.  

يشكل الأردن عمقا إستراتيجيا لفلسطين والمنطقة كلها ، ومن تعجزه رؤية هذا الواقع الجيوسياسي للاردن، يسقط في سذاجة لا تغتفر، ولم يقرأ ما تشهده المنطقة من تحولات سياسية وإقتصادية إقليمية ودولية في السنوات القليلة الماضية، مما يفرض قدرا كبيرا من اليقظة والحذر من أن يتم المساس في أمن الأردن السياسي والإقتصادي ووحدته الوطنية، وعلى وجه الخصوص الوحدة بين الشعب الواحد التوأم في الأصول والمصالح والمصير.

من يسعى لزعزعة الإستقرار في الأردن، بالرغم من الصعوبات الإقتصادية والتنموية ومطالب الإصلاح،عليه أن يدرك أنه – ربما دون أن يقصد- يهدد الكيان السياسي للبلد في مرحلة غاية في الحساسية والدقة، وستكون بمثابة الهدية التي يحلم بها الكيان الصهيوني، خصوصا أن المحيط الإقليمي للأردن وفلسطين، يمر بمرحلة صعبة جدا تحديدا في العراق وسوريا ولبنان.

إن أي مساس بوحدة وتماسك الكيان الأردني، يعرض الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، لخطر وجودي حقيقي، ويُنعش أحلام بعض القيادات الصهيونية من أجل التوسع أكثر في الإستيطان والإستيلاء على مزيد من الأراضي وخصوصا في الأغوار، وربما أيضا إستمرار سياسات التطهير العرقي والترانسفير.

هناك العديد من الاصوات الصهيونية التي باتت تطرح بعض الأفكار بشكل علني، مستلهمة الفكر النازي تحت عنوان ” الحل النهائي للمسألة الفلسطينية ” على غرار” الحل النهائي للمسألة اليهودية ” والذي كان يعني في فكر القادة النازيين: إخلاء اوروبا وألمانيا تحديدا من اليهود، والبدء بعمليات تهجير جماعي ونقل السكان من منطقة إلى أخرى وبأعداد كبيرة وإعادة توطينهم ، ولذلك ساهموا في مرحلة ما في تسهيل الهجرة إلى فلسطين بتعاون وتنسيق مع الصهيونية العالمية، ويحتفظ إرشيف التاريخ الألماني والصهيوني بالعشرات من الوثائق حول هذا الأمر.

إن الوعي بأهمية ما يتهدد مصير الشعبين (الشعب الواحد) والتحديات التي تفرض نفسها، ليس له علاقة – ولا ينبغي أن يكون – بمسألة إنحياز أو عدم إنحياز إلى سياسة حكومة هنا أو سلطة هناك ، بل يتعلق بالمصلحة العليا للبلدين، الذي يفرض على المستوى الشعبي بالدرجة الأولى، التنبه إلى أن تجسيد هذه الوحدة الشعبية ليست مسألة ” نخوة ” فقط أو عواطف ومشاعر، بل هي حقيقة إجتماعية وضرورة سياسية مصيرية بالدرجة الأولى.

أمام بعض المحاولات التي تابعناها في السنوات القليلة الماضية، تسعى بعض الأطراف الموتورة أن تزج بمكونات الشعب الأردني الواحد في لعبة إستغلال الظروف الإقتصادية والتناقضات السياسية التي يمكن أن يمر بها أي بلد، وأحيانا تستخدم خطابا إقليميا أسودا ومشبوها ومرفوضا، دون أن تحسب حساب النتائج على أمن وإستقرار المواطن الأردني على إختلاف أصوله المناطقية.

أمام هذه المحاولات، يجب الوقوف بكل حزم ووعي ورفض أي نوع من المساس بالتلاحم والتماسك المجتمعي، وعدم الإنجرار إلى حسابات خاطئة لا تقود البلاد إلا إلى إنتكاسات مفاجئة.

في حديث متلفز لأحد الصهاينة – كان يتحدث بالعربية – حول المنطقة وسبل تحقيق السلام الدائم من وجهة نظره، طرح بكل صفاقة وإستهتار، أن الحل الذي يحقق الأمن للكيان الصهيوني على المدى البعيد، لا يمكن أن يكون سوى تقسيم وتفتيت المنطقة وتحديدا دول الجوار سوريا والأردن ولبنان والعراق، إلى كانتونات طائفية ومناطقية صغيرة، وأقاليم تحكمها عائلات أو عشائر أو تحالفات عشارية، وبالتالي إضعاف الكيانات السياسية الموجودة، بالرغم مما تعانية هذه الكيانات من تحديات كبيرة جدا، تفوق أحيانا طاقاتها ومواردها وإمكانياتها وما تشهده من أزمات وحصار وإستنزاف، هكذا بكل بساطة دون أي حساب للحقوق الوطنية، لكي يبقى الكيان اللقيط وحده يقوم بدوره الوظيفي في المنطقة.  

إن معادلة ” الأمن مقابل السلام ” التي سبق وطرحها نتنياهو، والتي إتضحت مخرجاتها، لا تمثل إبتكارا لشخصه، بل هي أساسا من تنظيرات الزعيم الصهيونيزئيف جابوتنسكي” عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية ، منظر الأمن الصهيوني الأول والحالم ب ” إسرائيل الكبرى ” ، ولا تقيم أي إعتبار لشيء إسمه ” الدولة الوطنية ” في إتساق تام مع الفكر العولمي الرأسمالي، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع منها أي مكتسبات إجتماعية أو إقتصادية أو حقوقية لجماهير الشعب في البلدين، بل على العكس تماما ستعمق أكثر من الأزمات الحالية، وعندما تأتي ضمن مشاريع سياسية لتصفية القضية الفلسطينية، سيكون الثمن الذي سيدفعه الشعب مضاعفا، وبالطبع حركته الوطنية.  

دائما وابدا، من حق جميع الشعوب أن تسعى نحو الإصلاح والتغيير والتطوير، والعدالة الإجتماعية ، والتوزيع العادل للثروة من منطلق الحرص على وحدة وتماسك الوطن والسلم الأهلي، وفي منطقتنا بالتحديد، يبدأ النضال نحو تحقيق هذه الأهداف بالتلاحم الشعبي الوطني كصمام أمان ، والتصدي للخطر الوجودي الذي يمثله هذا الكيان الصهيوني والدورالمنوط به وكل ما يرتبط به، وتكتسب مقاومته على مختلف الأصعدة، عملا يصب في صميم المصلحة العليا للبلاد، مصلحة نشامى الأردن وأحرار فلسطين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.