لماذا الحروب؟ / أسعد العزوني
أسعد العزوني ( الأردن ) – الجمعة 13/8/2021 م …
تاريخيا فإن الحروب والغزوات التي أرهقت العالم منذ القدم ،كان سببها البحث عن الغذاء والماء والتوسع،أما الحروب الحديثة التي تفوقت فيها أمريكا الجديدة التي قامت على أنقاض مستدمرات البيض في أرض الهنود الحمر ،فكانت لأكثر من سبب منها التوسع والهيمنة وسرقة الثروات وفتح أسواق جديدة لتصريف البضائع المكدسة،ونحن في العالم العربي تحديدا عانينا كثيرا من هذه الأنماط من الدوافع وأبرزها زرع الكيان الصهيوني في فلسطين بموجب بنود وثيقة كامبل السرية التي خرجت كتوصيات معتمدة من قبل التحالف الإمبريالي بقيادة بريطانيا في مؤتمر مدريد عام 1907.
سجلت أمريكا الجديدة الرقم القياسي في شن الحروب العدوانية على الشعوب والدول القريبة منها وحتى البعيدة لذات الأسباب التي أصبحت مثل طابع البريد،ففي العام 1893 شنت أمريكا الجديدة حربا على أسبانيا بحجة أن الإسبان إعتدوا على السفينة الحربية “مين”في ميناء هافانا ،وقد صرح ثيودور روزفلت وكان مساعدا لوزير البحرية ،آنذاك ومن ثم أصبح رئيسل لأمريكا قال بالحرف “هذه البلاد تحتاج حربا”،وقد تم إحتلال كوبا ومناطق إسبانية أخرى ومن ضمنها جزر الفلبين.
عند إنتهاء الحرب على إسبانيا وتحقيق أهدافهم ،شكلوا لجنة للتحقيق في موضوع إغراق الطوربيد الأمريكي ،وتبين أنه لا علاقة للإسبان بإغراقه ،وإن العملية تمت لأسباب فنية،وكانت هذه الخدعة بداية عصر البلطجة الأمريكية الجديد،وتكرر الأمر في أفغانستان ،حين شن المجنون بوش الصغير حربا على أفغانستان وإحتلها بذريعة أن الشيخ أسامة بن لادن نفذ عملية تفجير البرجين الإرهابية ،لكن كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين الأمريكيين يعترفون اليوم علانية بأن الموساد واليمين الأمريكي هم الذين نفذوا تلك العملية الإرهابية،وكان الهدف من وراء إحتلال أفغانستان هوالسيطرة على ثرواتها وخلق عدو جديد هو الإسلام السياسي ،بعد تفكيك النظام السوفييتي وإنهيار الشيوعية.
تكرر ذات الشيء مع العراق عندما جيّش بوش الصغير لإحتلال العراق بحجة رئيسية وهي إمتلاكه لسلاح الدمار الشامل ،لكنه وبعد وضعه يد أمريكا القذرة على العراق وتغيير نظامه ،أعلن براءة العراق من هذه التهمة وقالوا انهم تصرفوا بناء على تقارير كاذبة وصلتهم من هنا وهناك،وإضطر المجرم باول إلى تقديم إعتذار علني للأمم المتحدة،علما أن المجنون بوش كذب 925 مرة بخصوص العراق،وحقيقة الأمر أن لعابه كان يسيل على النفط العرقي النقي وسهل الإستخراج،وها هي أمريكا تشن حربا ربما تكون الحرب العالمية الثالثة ضد الصين، ولكن بإستخدام السلاح البيولوجي كورونا لإعاقة تقدمها ووقف تهديدها لأمريكا التي تتربع على عرش العالم شرطيا يفتقد الأخلاق والآداب.
هناك بعض الحروب الأمريكية التي شنتها امريكا على بعض الدول المعارضة لسياستها ولم تستخدم فيها السلاح الفتاك،وإنما لجأت إلى المؤامرات والحصار وتمويل الثورات المضادة والإنقلابات العسكرية ،كما حصل في كوبا وإيران وفنزويلا على سبيل المثال لا الحصر،بهدف تغيير الأنظمة العصية عليها والإتيان بدمى تحركهم عن بعد ،ويسلمون لها مفاتيح ثروات بلادهم نظير السكوت عن إجرامهم ولنا في قناة بنما خير مثال وكذلك هاييتي والدومنيكان وكافة جمهوريات الموز.
عندما حصل أسوأ كساد في امريكا عام 1929 ،وإستمر لعقد من الزمان ،وإنهارت بسببه سوق الأوراق المالية في وول ستريت ،كانت الحرب الكونية الثانية هي المنقذ الوحيد للرأسمالية الأمريكية من حتفها المؤجل،رغم أن تلك الحرب حصدت نحو 5ملايين شخص،ونجم عنها تأسيس أسوأ مؤسستين ماليتين هما البنك وصندوق النقد الدوليين،للتحكم في إقتصاد العالم ،وهيئة الأمم المتحدة للتحكم في العالم وخاصة مناطق المستعمرات والمناطق الهشة .
بعد الحرب العالمية الثانية حلت الرأسمالية الأمريكية محل الإمبراطورية البريطانية التي نصبت نفسها شرطيا قذرا على العامل وإستباحت مقدراته ،وشنت حروب إبادة في فيتنام واليابان وغيرهما من الساحات ،وكان شعار الرأسمالية الأمريكية هو الهروب من الكساد إلى الحروب،وهذا ما يفسر ما يطلقون عليه الحرب على الإرهاب ،للهروب من مآسي تسعينات القرن المنصرم،التي قادت إلى كساد كبير ومع ذلك لم تنجح الحرب على الحرب على الإرهاب في تخطي الكساد وأصبحنا هذه الأيام نعيش كسادا آخر ،وها نحن نشهد نذر حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق.
عموما فإن الإمبراطورية الأمريكية شأنها شأن الإمبراطوريات البائدة زرعت بذور فنائها بنفسها ،وها هي الصين تنقض عليها كما إنقضت هي على بريطانيا،وقد تغولت الإمبراطورية الأمريكية المفترسة بعد تفكيكها للإتحاد السوفييتي ،وهي تعاني من التخبط والجنون بسبب صعود قوة الصين ،وربما لا تريد ان تعترف أن اليهود تحولوا عنها وعقدوا حلفا مع الصين ضد أمريكا كما فعلوا مع أمريكا ضد إنجلترا.
لم يكن القائمون على الإمبراطورية الأمريكية المتوحشة يعلمون أن إمبراطوريتهم التي بنوها على أنقاض الآخرين هالكة لا محالة لأنها بنيت على رمال متحركة،فعدوها اللدود هو الدولار عملتها الورقية التي تطبع منه الكثير يوميا في مطابعها الخاصة وبدون كلفة تذكر ،وقد أصبح عملة العالم الإحتياطية ،ولذلك فإننا نعيش لحظة قاتلة لأمريكا تتجسد في ضعف الدولار وإقتران ذلك بأزمة نفطية.
ربما ساعدت الصين واليابان ودول شرق آسيا الغنية في توريط أمريكا بشرائهم سنداتها المالية لتمويل حرب غزو العراق ،وهذا ما عمق من ازمتها المالية خاصة وإنها قائمة على الديون والعجز ،ولولا دولارها الورقي وهيمنتها على البترول العربي خصوصا لما بقيت صامدة حتى اليوم،فدينها اليوم يتجاوز ديون كساد الثلاثينات ومع ذلك فإنها مستمرة في طباعة الدولار الورقي وإغراق العالم به .
التعليقات مغلقة.