و ماذا، أيضاً، عن “الدّستورالسوري” المزعوم؟! / * د بهجت سليمان

 

* د بهجت سليمان ( سورية ) الإثنين 30/5/2016 م …

على رغم كثرةِ ما قاله الكثيرون عن “الدّستورالرّوسيّ” (المشروع المزعوم)، فإنّ هنالكَ أيضاً ما يُقالُ، بَعد.

إنّ تعقيد الحربِ التي تعيش فيها (سورية) منذ سنوات “طويلة”، يفرض ثقافةً عالميّة، اليومَ، ناهيك عن “الثّقافة” المحلّيّة. و لم يكن لهذه الحربِ أن تُدمي(سورية) لولا أنّ عوامّ السّاسة و سائر “المثقّفين” في الميدان قد اختاروا أسوأ النّوايا و الرّغبات، و أضمروها لسورية الوطن. لقد بات “الإعلام”، هدماً للأفكار أو تمهيداً لهدمٍ لها، ليستبدلَ بها واقعاً ذهنيّاً سرعان ما يتحوّل إلى عملٍ و سلوكٍ عند جماهير الهابطين. وفي هذا الإطار جاءت “التسريباتُ” المزعومة لما سُمّي “مشروع الدّستور الرّوسيّ” لسورية- و المقصودة بتنظيمٍ للممارسة المناوئة- تشكيكاً إضافيّاً، على تشكيكٍ يوميّ، بنتائجِ و محصّلات الإنجازات المباشرة لبطولات الجيش العربيّ السّوريّ، و هزّاً لثقة المواطن السّوريّ بدولته و جيشه و قيادته، و تحالفات دولته،العالميّة.

من الطّبيعيّ أنْ تتأجّج حريقة الحرب السّياسيّة على سورية الأسد، في سعير هزائمِ ما سعت إليه هذه الحربُ من استقطاب كلّ عداءِ “العولمة” الاقتصاديّة و العسكريّة و السّياسيّة، المجرمة، لحاضرنا الذي بدأ يُحرج “العالم الحرّ”، و يعرّيهِ..، ما يستلزم استمراريّة في هذه الحرب، بأشكال مستحدثةٍ، يوميّاً، لاستيعابِ عناصر الفشل التي تتراكم أمام عربة الحرب، و تمويهها بأشكالٍ كاذبةٍ من “الانتصارات” الإعلاميّةالفارغة. و هكذا يتضاءل هامش الواقع أمام المُفلسينَ في أهدافهم، ليحلّوا في مستنقع النّفاق. بعضُ السّياسة و الكثيرُ من الإعلام نفاقٌ محض.

عندما أنجز “معهد كارتر” البحثيّ الأمريكيّ “ورقةً” استفزازيّة ضد حقوق الشّعب السّوريّ و دولته العازمة على إنهاء هذا النّزاع المسلّح الدّائر على الأرض و الإنسان السّوريّينِ، فيما سمّي “مشروع دستور” لسورية، كان لا بدّ في أوساطِ “الدّبلوماسيّةالبحثيّة”.. من الدّرجة الرّابعة أو الخامسة- ربّما- أنْ تُمارسَ ثقافة و أفكار “الكوسموبوليتيّة” السّياسيّة التي مدارها و فضاؤها هو “الإعلام”. و في هذه الغضون التي تَندُّ عن أسرارِ السّياسة العالميّة، دونَ استهلاكِ المتطفّلين، غدا من الّلازم خلطَ الأدمغةِ المراقبة للتّفاصيل كي لا تتمكّنَ من إنجاز خطابٍ إعلاميّ مُيَسَّرٍ يقيها نضوبَ الحرّيّة الّلازمة، أبداً، لإنضاجِ فكرةٍ تاريخيّة واقعيّة عن يوميّاتِ السّياسة و الحرب! إنّه تزويرُ المعلومة الضّروريّة الّتي تصوَّبُ الخطوة المرشّحة لأنْ تكونَ خطوة تالية.

من (واشنطن) إلى (موسكو) كان الطّريق، دوماً، معبّداً أمام توازن الحضور و التّأثير في مُجريات العالم. و لكّن جُلَّ العاملين في الشّأن الفكريّ، كانوا و ما يزالون يقتاتون على فُتاتِ الحقائقِ المُدبّرة. لقد أسفرَ الّلقاءُ السّياديّ العالميّ في رحلةِ “الورقة الدّستوريّة” المنفوخة الأوداجِ، عن مجموعة مناسباتٍ من القُبَلِ و الضّمّ و العناقاتِ المحكومة بسلطة التّفاهمات القلقة بين (روسيا) و (أمريكا)، كانت (سورية) شاهدةً عليها في المكان و الزّمان، و في عبورها الحتميّ في الحربِ التي تُنجزها (دمشق) بالتّنسيقِ مع أقدار هذا العصر..!

في مرآةٍ مشوّهةٍ انعكست “الفكرة الدّستوريّة” المزيّفة. إنّ توزيعَ الأدوارِ الضّروريّ- على الأقلّ- لتشغيل العاطلين عن التّفكير بمجموعةٍ من الإنجازات المأجورة.. ، و ثوابت “قواعد” الاشتباك السّياسيّ.. ، و ترتيباتٍ أخرى تتعلّق بتوجيه المزاجِ الشّعبيّ لإعادة ربطه بالإعلامِ.. ضماناً لطاعته الثّقافيّة.. ؛ كلّ هذا و غيره جعل صحيفة “الأخبار” الّلبنانيّة، ضحيّةً ينزفُ دمُها من “تاجيّاتِ” محرّكات “المقاومة” التي يجبُ أن تدفعَ ثمناً، هي أيضاً، أو جزء من ثمنٍ يُعيدُ الطمأنينةَ إلى غيلان الحرب على (سورية)، تأميناً لتوريطهم الأبعد و الأبقى بالدّورِ الذي يقومون به، على أنّهُ “الصّلاة” و “الزّكاة”..، ليكون- أخيراً- من الواقعيّ اليوميّ أنْ يتقاسمَ “الجميعُ” إنهاكات الحرب، كعدالةٍ أرضيّةٍ في توزيعٍ “متساوٍ” لآلامِ الحدَثَانْ.

من الطّبيعيّ أنْ تكون (سورية) في هذه الجملة الفيزيائيّة النّشِطةِ، مركز العطالة.. و نُواةَ “المكان” الذي لا يصدرُ عنه إلّا ثوابت (بلانك) ما بين طبقاتِ المجالات التي تنتشر فيها طاقةٌ لا تنتهي. إنّ “العطالة” الفيزيائيّة- السّياسيّة التي “تحتكر”..(!)..(سورية) مركزها في الحدثِ العالميّ، اليومَ، لها لغةٌ رمزيّة واحدة..، و أعني بها المزيدَ من تشخيصها كمشكلةٍ تثيرُ الفوضى الطّاقيّة للأيديولوجيّات المختلفة، و بؤرة “الأنتروبيا” السّياسيّة العالمية، الآنَ- على الأقلّ..!- لإقناع الرّأي “الخاصّ”.. العالميّ، و الخلّبيّ، بأنّهُ كائنٌ سياسيّ و اجتماعيّ- عَولَميّ،خائفْ!

ما استقرّ عليه، أخيراً، “دستورنا القاطع” (حسب “الأخبار” الّلبنانيّة) .. هو أنّ (سورية) رفضَتْ- بالعموم- جميع ما جاء فيه جملةً و تفصيلاً..

و لكن ماهو الهدفُ المدبّر وراء كلّ هذا؟

أُولى الإنجازات التي حقّقتْها رحلة “الدّستور” إلى مثواه الأخير في صحيفة “الأخبار” الّلبنانيّة الإسلاميّة- السّياسيّة، هي هذا الّلغط المُنتَجُ بعنايةٍ فائقةٍ تكفل له كلّ حقوق الانتشار. الطّرفُ الأوّل: لقد انتقمنا من الرئيس بشّار الأسد و شركائهِ المحتملينَ جِدّيّاً، و لم نعفَّ عن اتّهام (روسيا) بأنّها متذبذبة المواقف “المبدئيّة”، عندما يتعلّق الأمر بسورية. و أمّا الطّرف الثّاني: و لْيكنْ! و لْيعلمَ العالمُ “كلّه” بما “جرى”.. ، ولكنّنا قادرون على رفضِ ما لا نُريد.

و الإنجاز الثّاني هو قياسِ كميّات ردود الأفعال و اتّجاهها و هل هي- فيزيائيّاً- في “حركة سياسيّة” أم في “تحريك سياسيّ”..؟؟! طبعاً هناك في الدّاخل حولنا و في كلّ جوانبنا مَنْ هو يعملُ بـ”القطعةِ” في مأجوريّته الأخلاقيّة و السّياسيّة، و هناك في العالم مَن ينتظر معلوماته لتحصين قلعةِ الاستثمار السّياسيّ و الفكريّ و الفلسفيّ، ضدّ “عوادي” الحقّ..!!!؟ و النّتيجةُ هي تحديثُ الخطّ الدّراميّ الجانبيّ و المرافق للسّياقِ الأساسيّ للرّواية الإعلاميّة.

هذه هي القبضة العالميّة الّتي تحتكر الطّاقة الأرضيّة المنتجة للتّاريخ..، في صورتها “العادلة”.

(سورية) و (روسيا) و (إيران) مطلوبٌ منهم التّصويب المتبادل للأفكار و الحقائق السّياسيّة التي تتيح للجميع إنجاز دوره في فكرة “الحدث”. لا يُصدِّقُ منكم أحداً يقول إنّ أيّ اختلافٍ في الرّؤية عند أحد أو جميع هذه الأطراف، يمكن لهُ أن يشقّ طريقاً خلافيّاً في “الفكرة”. ربّما يحصُلُ أن تنشب الخلافات على الأدوار و توزيعها المتبادل..، و كذلك على المصالح؛ غير أنّ جوهر الاتّفاق المعبّرَ عنه بالفكرة و الهدف و الغاية..، لا يُمكن أن يكون محلّ رهانات الأغبياء بناء على فرضيّاتٍ كاذبةٍ على ما يتجاوز لعض التّناقضات الحيّة و الضّروريّة.. لتمكين “الجميع” من الحضور الفاعل، تأكيداً على ما يتجاوز إقليميّة هذه الحرب إلى “العالميّة”.

قدرُ (سورية) السّياسيّ هو أنْ تكون هاهنا (ههنا) اليوم. أعني في مكانها الّلولبيّ في فضاءٍ فيزيائيّ- سياسيّ يؤكّدُ- ممّا يؤكّد- نظريّة “البعد الفائق” في “المكان” الفيزيائيّ المحسُوب.

و أمّا من الشّرفة الأخرى فيختلف الكلام، تبعاً لتغيّر المنظر.

الفكر الحصيفُ يرفضُ أن تُختزل هذه الحربُ، حربنا المقدّسة، إلى نزاعٍ على “الدّستور”.. حتّى و لَو كان هذا النّزاع عالميّاً. و السّياسة الوطنيّة السّوريّة، تتبعُ أفكارها الشّاخصة.

من أكبر الأخطاء الثّقافيّة، أن تبحث السّياسة في سيكولوجيا الأشخاص، لترتّبَ على هذا مواقفَ و قناعات و عمل. أعني (بوتين) و (إيران) الإسلاميّة- السّياسيّة.. و “حزب الله” و جريدة “الأخبار”..! إذْ لا تقومُ سياستُنا في (سورية) على “التّخمين”. هذا درسٌ مفهوميّ نظريّ و واقعيّ و عمليّ يُمليه القائد (بشّار الأسد) باستمرار على العالم. نحن دولة تتبادل المنافع مع أصحاب الأفكار المشتركة، و المصالح و الضّرورات التّاريخيّة المتعلقّة بالمستقبل.

و أمّا (روسيا) فدولةٌ مُعتدى عليها، كانت دائماً في التّاريخ. و اليوم (إيران) كذلك. و (سورية) صاحبة قضيّة..!

نحن لسنا في عجلةٍ من أمرِ أحدٍ في العالمِ..، لإرضاءِ أحد..! و هذا كلامٌ يفهمه البعض عن طيب خاطر و ذكاءٍ..، فيما يفرضه “الجيش العربيّ السّوري” على مَنْ يتساءَل. نحنُ لا نقبل الضّغُوط. هذه هي “الشّكوى” الدّائمة الموجّهة عن القائد(بشّار الأسد)..!!؟ و فيما نحنُ في (دمشق) أعدَدْنا عزمنا على توازي الحلّين “العسكريّ” و “السّياسيّ”..، فإنّنا، أيضاً و أيضاً، نُعدّ العُدّةَ لحرب “الثلاثين”.. من هذا القرن!

قدرٌ عظيمٌ أنْ يُكلَّفَ (الأسد بشّار) بالدّفاعِ عن العالم الحرّ.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.