المفكرة الأردنية ديانا فاخوري تكتب: من فيتنام الى “سيف القدس” فأفغانستان – لديهم الساعة ولنا الزمن! … ثم ماذا تعني البلدان الصديقة وشعوبها للمحتل الامريكي؟

ديانا فاخوري ( الأردن ) – الثلاثاء 24/8/2021 م …




مجرد جثث في خدمة المصالح والاستراتيجيا كما صرح مؤخراً – دون خجل او حياء – الجنرال ديفيد بتراوس، قائد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الذي يُعَدُّ من كبار القادة العسكريين بمستوى الجنرال جورج باتون والجنرال دوغلاس ماك آرثر .. نعم شعوب البلدان الصديقة للمحتل الامريكي ان هي الا مجرد وقود بشري يُوَظَّف – في الحالة الأفغانية مثلاً – لإثارة الاضطرابات في ايران والصين، وربما تكتيكياً في باكستان كما يتبين من اقتراحه باستثمار الفوضى المرتقبة على الأرض الأفغانية لاشغال الخاصرتين الايرانية والصينية .. أتراهم يعملون على خلق مشكلة في طريق الحرير الصيني نظراً لما يمثله موقع أفغانستان كهمزة وصل استراتيجية لمناطق شرق آسيا والشرق الأدنى والساحل الأفريقي؟ ولكن، كم صنفوا حركة طالبان باعتبارها حركة إرهابية، وكم أنفقوا عليها في محاولة صناعة أفغانستان جديدة، والنتيجة أنهم سلّموا البلد بعد عقدين من الزمن للجماعة التي أعلنوا حربهم على أفغانستان للتخلص منها فشاهدنا الأفغان من حلفائهم يتعلقون بالطائرات الأميركية ليتحولوا الى أشلاء على أرض المطار! 
 
نعم، حلفاء أميركا قلقون وفي أزمة ومأزق ويستغربون (على طريقة “المنتصر بالله”) كيف تفشل الامبراطورية الأميركية في استدامة احتلالها لدولتيْن (العراق وأفغانستان) أنفقت فيهما  6.4 ترليون دولار يوم ظنّوا – غير آثمين – أن بمقدورها ان تُفني بلداً بكامله خلال فترة وجيزة. سقط الحلفاء في الحفرة ويواصلون الحفر اذ تتخلى أميركا عن بعض أدواتها، وإذ تضمحل بل تكاد تتلاشى إمكانات التدخل العسكري الامريكي المباشر (ضع عدة خطوط تحت “المباشر”) اثر تلاحق الهزائم  .. انهم في الحفرة ويستمرون بالحفر مستغيثين بدولة الاحتلال الاسرائيلي وب”بركات”ها تراهم يتدخلون بالوكالة (نظرا لكبح الجموح الاستعماري الأميركي الأصيل تَريُثاً لبضع سنوات) في اليمن والعراق ولبنان وليبيا ومصر وتونس وحتى أفغانستان .. نعم يستعينون ب”الموساد” لتدريب وتطوير جيوشهم ومخابراتهم. 
 
وبمناسبة توالي علامات أفول عصر الهيمنة الأمريكية على هذا الكوكب، هل تذكرون انسحاب أميركا من لبنان عام 1984؟ وكيف كان ذاك الانسحاب في زمانه مُذلاً للقوة  العظمى إلى درجة أن رونالد ريغان وصفه بـ”إعادة الانتشار” عوضا عن “انسحاب” في محاولةٍ لالتقاط السمعة بعد هزيمتها في فيتنام! ويأتي درس أفغانستان بعد “سيف القدس” بحمولة أصداء سقوط سايغون ليتوّج دروس انتصارات المقاومة الشعبية والمسلحة في الجزائر وفيتنام والصين واليمن والعراق وجنوب لبنان .. انه اعلان سقوط مشروع السيطرة الأميركية الأحادية على العالم، واخفاقها في تكبيل قوة وحضور الدور الروسي والصيني والإيراني على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، وبالتالي الإطاحة بنظرية فوكوياما حول نهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية الأميركية عقب انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي .. فهل نحن امام مشهد الدولة العثمانية عام 1853 وقيصر روسيا نيكولاي الأول يطلق عليها لقب “رجل أوروبا المريض”، ام هو مجرد اعادة تموضع سيما وان “عراب الربيع العربي” برنار هنري ليفي، وصل إلى ولاية بانشير التي تعد آخر معقل للمقاومة المناهضة لحركة «طالبان» في البلاد حيث نشرت وكالة Pajwok الأفغانية صوراً تظهر ليفي برفقة أحمد مسعود، نجل القائد العسكري الراحل أحمد شاه مسعود المعروف بـ”أسد بانشير”؟!
 
ولن اختم الا بصنعاء وقد طال السفر كما كتبها شعرا الشاعر اليمني عبدالعزيز المَقالح من عشرات السنين، حيث قال:
 
يوما تُغنّى في منافينا القدر .. لا بدّ من صنعاء وإن طال السفر
سيثور في وجه الظلام صباحها .. حتما ويغسل جدبها يوماً مطر
 
نعم، انها اليمن ان صلحت صلح العالم، وان اضطربت اضطرب العالم ..
 

اما أفغانستان فشراؤها أوفر من احتلالها كما أعلن نائب الملك في الهند اللورد كيرزون في مجلس العموم الانجليزي بعد عدة محاولات فاشلة عام 1839 ادت لإبادة الجيش الانجليزي برمته. وكان الإسكندر المقدوني (فاتح العالم في حينه) قد قضى فيها سنتين كاملتين خسر خلالهما من جنوده في جليد جبال هندوسك، وفي صحارى شمالها القاحلة أكثر مما خسر في أيّ مكان آخر. اما الخليفة عثمان فقد عدل عن غزوها لدى استماعه لتقرير رسوله اليها حيث قال: بلاد، سهلها جبل، وماؤها وشل، وثمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرّها طويل، والكثير فيها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراؤها شرّ منها.

اما أهل اليمن فهم أصل العرب، وفرسان الاسلام، ولهم فضل الريادة في بناء السدود وناطحات السحاب (كانالظهور الأول لناطحات السحاب في العالم وفي التاريخ في مملكة سبأ اليمنية) .. انها اليمن ان صلحت صلح العالم، وان اضطربت اضطرب العالم .. فلا تغذوا مصانع الأسلحة الأمريكية يالدم العربي!

“لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ” ..  ” فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ” .. “لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”!
نعم، لديهم الساعة ولنا الزمن – من فيتنام الى “سيف القدس” فأفغانستان!
 
ديانا فاخوري
كاتبة عربية أردنية

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.