“كلمة السر”..رواية للواء الشاعر شهاب محمد … سيرة ذاتية تجسد مرحلة النضال الفلسطيني / أسعد العزوني

مدارات عربية – الثلاثاء 24/8/2021 م …

كتب :أسعد العزّوني

أبدع صديقي اللواء الشاعر شهاب محمد في روايته بعنوان”كلمة السر”،عندما دمج الشخصي المحترم بالعام المقدس،وأعني بذلك أنه كتب سيرة ذاتية مغلفة بالنضال الفلسطيني ،لإيمانه بأن النضال هو شرعية الفلسطيني أينما حلّ،وبحق أنه انجز وثيقة مزدوجة …سيرة ذاتية تجسد النضال الفلسطيني.




بدأ الكاتب وثيقته بالحديث عن قريته “كفل حارس” ومكانتها في نفسه وتعلقه بها ،ولم يغالي ويصرف الأوصاف هكذا مجانا بدون حساب ،بل إعترف  بواقعها الإقتصادي الهش ،شأنها شأن بقية قرى فلسطين آنذاك،لكنه أشّر على قدرة الناس آنذاك على الصمود والتصدي ومجابهة  الواقع الصعب ،والتعامل مع الضيوف ثقيلي الظل الذين كانوا يأتون على ظهور خيولهم لجباية الضرائب من العدم ،أو للتحقيق في شكوى كيدية ربما،ويطلبون الولائم المدججة بالصيصان البلدية والحمام ،والويل لمن لم يمتلك ذلك حيث يركلون زاده بأقدامهم ويجبرونه على الإستدانة ،كي لا يعاقبونه .

إستعرض اللواء الشاعر طفولته وكشف أن أطفال زمان كانوا يتسابقون على حفظ القرآن وتجويده في المدرسة ،معترفا أنه لم يكن كذلك ،بل كان ميالا ومشدودا إلى الغناء الشعبي والتراثي والشعر والقدرة على حفظه وإلقائه بشكل جيد،وهذا ما جعله لاحقا يتبوأ مكانة متقدمة في صفوف شعراء المقاومة ،وكانت له فلسفة خاصة في الشعر ،أن لا ممالك ولا أمراء في الشعر.

بعد ذلك يدخل الكاتب في مرحلة هزيمة حرب الساعات الست في حزيران 1967،وأبدع في وصف الحالة ،وكيف بدت وجوه الناس شاحبة صفراء من هول الهزيمة  التي وقعت بدون حرب فعلية أصلا،متوسعا في الحديث عن جبهات سوريا ومصر وكيف إنتهت الحرب في بدايتها.

كشف الكاتب عن رغبته بالعودة إلى الوطن بعد خروج  قسري مؤقت إلى الأردن،ورفض الذهاب مع والده إلى الكويت حيث يعمل هناك،وإتفق مع آخرين على العودة متسللين إلى الوطن عبر نهر الأردن ،مع دليل يعرف الطريق جيدا.

أسهب الكاتب في وصف طريق العودة جيدا ،والذي يمر عبر التلال المسماة “قطرات” يلفها السكون،وكان يعج بالعظام والجماجم وأباريق الشاي  والأحذية وبقايا الملابس  الناجمة عن مجازر وحشية إرتكبها جيش الإحتلال بحق العائدين تسللا من الفلسطينيين بطبيعة الحال،لافتا أنهم كادوا يلاقوا نفس المصير عندما بدأت  مجنزرات الإحتلال  بإطلاق النار بإتجاههم بغزارة ،رغم إنهم لا يحملون السلاح،ومع ذلك تم إلقاءالقبض عليهم وسلبهم من قبل جنود الإحتلال ،ولم يبقوا عليهم سوى الملابس الداخلية ،وأمروهم بالعودة إلى الأردن  حفاة وشبه عراة،وقالوا لهم :”إرجعوا إلى خسين ولا تحاولوا العودة مرة اخرى”.

ينتقل الكاتب من الخاص إلى العام بعد ان تعرّف على أدبيات حركة فتح آنذاك وإلتحاقه مقاتلا في صفوفها  عام 1967 بعد تلقيه التدريبات العسكرية المطلوبة ،وفرزه إلى القاعدة الأمامية رقم 70 وهي قاعدة الشهيد منهل شديد في سفوح جبال السلط ،وتحدث عن معركة الكرامة والنصر المؤزر الذي حققه تحالف الجيش الجيش الأردني العتيد  مع المقاومة الفلسطينية  الفتية،وكان بمثابة وحدة عربية حقيقية على الأرض،وزاد بالحديث عن تصاعد الكفاح المسلح ضد الإحتلال،وعن بعض مسلكيات الزعيم الراحل أبو عمار الذي كان ناطقا بإسم فتح آنذاك ،وكيف كان يتعامل مع المقاتلين.

يروي الكاتب شهاب محمد أولى مشاركاته المسلحة عندما تم فرزه لواجب وطني في التاسع والعشرين من تشرين ثاني 1968 في فلسطين المحتلة،وكيف تحركوا وساروا وفق خطة وخط مرسومين بدقة ،وكان  نائبا لرئيس المجموعة الأخ نبيل،وكان مفعما بتفاصيل الرحلة  المقدسة /موضحا أن قوات الإحتلال إكتشفتهم وبدأت بإطلاق طلقات التنوير بإتجاههم  مع طلقات عشوائية لإظهار اليقظة والحضور،كما أن العديد من اللغام الأرضية  تفجرت من تحت أقدامهم ما أدى إلى قطع أرجل البعض وهم منهم بطبيعة الحال.

في الجزء الثاني من الرواية يتحدث الكاتب عن رحلته العلاجية إلى بيروت في مستشفى الدكتور  أحمد النقيب بعدة عودته إلى عمّان ،وكيف قام الطبيب بمعالجته ،ولم ينس الحديث عن وهج بيروت في تلك الأيام ووصفه لها بالعروس المتألقة،كما لم ينس الإشاره إلى لحظات توهج الحب بداخله على يد الممرضة زينب.

يقول الكاتب شهاب محمد انه غادر بيروت بعد تماثله للشفاء إلى دمشق مؤقتا،إذ قرر الشهيد أبو علي إياد نقله إلى مكتب الحركة في بيروت كي يعمل هناك ،وأخبره ان للنضال اوجها عديدة،وكيف أنه لم يخبر أهله وأقاربه وحتى والدة الذي كان يعمل في وزارة الأشغال الكويتية عند وصوله ،بل توجه فورا إلى مكتب الحركة في العاصمة الكويت،وأثبت نفسه هناك مناضلا وشاعرا وكان من خيرة الأصدقاء،ولعل ما زاد الرواية ألقا فوق نبضها المتدفق هو إغناؤها بقصائد شعرية نظمها الكاتب وتوائم الموقف ،فأضفت عليها ألقا فوق ألق.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.