ما أضافه الإسلام للقيم العربية / علي محمد فخرو

علي محمد فخرو ( البحرين ) – الأربعاء 25/8/2021 م …




تحدثنا في مقال سابق عن أزمة القيم، وعلى الأخص الأخلاقية، التي تجتاح العالم كله، بما فيها بلدان الوطن العربي. وبينا أهمية أن يقوم المفكرون والمثقفون والإعلاميون وقادة المؤسسات المدنية العرب، بمواجهة تلك الأزمة، سواء على مستواها العالمي المشترك، أم على مستواها الخاص العربي.
واقترحنا أن تكون معالجة الموضوع القيمي، قبل الانتقال إلى طرح مواجهة الأزمة، على مستويات أربعة: مخزون التراث التاريخي القيمي، المنظور الإسلامي للقيم، حاضر الواقع القيمي في بلاد العرب، وأخيراً إشكالية قيم الحضارة العولمية والموقف منها. وقد ناقشنا المستوى الأول، القيم التراثية العربية التاريخية، في مقال منذ أسبوعين. اليوم سننتقل إلى المستوى الثاني: المنظور الإسلامي للقيم. وهذا موضوع كبير متشعب للغاية، لكنه بالغ الأهمية.
بداية يحتل موضوع القيم الأخلاقية والسلوكية والاجتماعية حيزاً كبيراً وبارزاً في القرآن الكريم والأحاديث النبوية والتراث الفقهي. من هنا قول بعضهم إن الإسلام هو عقيدة وشريعة وأخلاق، مضيفين الأخلاق لمركزيتها في هذا الدين، ولأن التراث الإسلامي مكون أساسي وتاريخي للثقافة العربية، فإنه يهم كل العرب، مسلمين ومسيحيين وأتباع أي ديانة أخرى. لو أخذنا بعضاً من الإشارات إلى القيم التي جاء ذكرها في القرآن والأحاديث لتبين مدى تنوعها وتفاصيل تطبيقاتها. في القرآن الكريم يشار إلى: «الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس» أو «يا أَيها الذين آمنوا كونوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى» أو «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» أو «ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن» أو «ووصينا الإنسان بوالديه حسناً» أو «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر» أو «لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم» أو «ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب» أو «اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، أو «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» أو «إن الحسنات يذهبن السيئات أو «ولا تزر وازرة وزر أخرى». وفي الأحاديث النبوية إشارة إلى: «اتقوا الظلم.. واتقوا الشح» أو «الحياء من البر» أو البر حسن الخلق» أو «الكلمة الطيبة صدقة» أو «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر» أو «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا». مثل تلك الإشارات في عوالم القيم الإسلامية كثيرة، ولن يكفيها مقال. لكنّ تمعن البعض في ماهية القيم الكبرى التي تحكم كل هذه القيم الفرعية قادهم إلى أنها في قيمة الحق، وما يماثله من القسط والميزان والعدل، وفي قيمة تزكية النفس لتسموا روحياً وسلوكياً، وفي قيمة، العمران التي تتطلب وجود أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية عادلة ومتوازنة، تؤدي إلى العمران والبناء وتمنع ما يؤدي إلى الهدم والخراب.

أزمة قيم عصرنا، تكمن في الهيمنة لقدرات الإنسان المادية على حساب الجوانب الروحية والضميرية، وبالتالي النفسية والعقلية

ولأن تلك الإشارات والتوجيهات، تحكمها ممارسة التعبد والتدبر، أصبح موضوع الإيمان الديني، وليس بالضرورة الإسلامي، جانباً مفصلياً في عوالم القيم، إيماناً وتطبيقاً. وهذه نقطة محورية عندما ندرك أن كثيراً من الكتابات حول أزمة قيم العصر الذي نعيش، تكمن في الهيمنة التامة لقدرات الإنسان المادية على حساب جوانبه الروحية والضميرية، وبالتالي حتى النفسية والعقلية. وهكذا فمثلما طالبنا بتحفيز الوعي بالقيم التراثية التاريخية، لأخذ الصالح ورفض السلبي منها من قبل شابات وشباب العرب، فإننا نعتقد بالأهمية القصوى لتحفيز الوعي بهذا الكنز من القيم. ذلك بالغ الضرورة في زمن الأزمة القيمية المستفحلة في عصرنا الذي نعيش، وفي عصر التراجعات الكبرى في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي يعيشها كل أجزاء الوطن العربي، والتي تقترب عند البعض من السقوط الحضاري التاريخي المذهل.
كاتب بحريني

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.