معاذ أم داعش؟ معنا أم علينا؟ / وليد السبول
وليد السبول ( الأردن ) الأربعاء 4/2/2015 م …
من شدة الألم لا أستطيع أن أجد مدخلا للحديث حول شهادة بطل الأردن الشهيد الطيار “معاذ الكساسبة”. فالمصاب جلل، والحادث غاية في الألم، فاق في عنجهيته وجبروته حتى الخيال.
وإن كنا من الألم نستصعب الحديث عن الجريمة بذاتها، إلا أننا يجب أن نتحدث عن ظاهرة مقلقة رافقت هذه الجريمة في تكالب غريب على تحويل مسؤولية هذه الجريمة من على تنظيم ما يدعى “بالدولة الإسلامية في العراق والشام داعش” وتحميلها على كاهل الدولة الأردنية. يدعي الطابور الخامس في الأردن أنهم كانوا يطالبون الحكومة الأردنية أن تتفاوض على إطلاق سراح البطل الطيار الأردني منذ شهر، وتناسوا وتعاموا عن حقيقة أن داعش أعدمت الشهيد الطيار قبل شهر أيضا، أي أن مطالبتكم كانت لأجل لا شيء، بل للعب على أعصاب الأردنيين وكسبا للوقت وإيجاد المبررات والأعذار لهم ولكم، فالإعدام والقتل كان قد تم تنفيذه.
إن كنتم لم تدروا مسبقا أن الأردن، نظاما وحكومة وشعبا وأرضا، جزء من أهداف داعش فعليكم أن تعلموها الآن. لقد صرحوا وفي عدة مقابلات وأشرطة أن انتظروا أيها الأردنيين فنحن قادمون إليكم، وما انتظاركم إلا جبنا وتخاذلا من قبلكم. كنا ولا زلنا مستهدفين وما كان انتظارنا إلا خطأ وتخاذلا وفقدانا للحصافة السياسية. كان علينا أن نعلن عليهم الحرب منذ اليوم الأول. كان يجب علينا أن نذهب إليهم قبل أن يأتوا إلينا.
لقد تركناهم ينتشرون بيننا، ينثرون سمومهم وحقدهم، تركناهم يستغلون مساجدنا وجمعياتنا ( الخيرية ) وحتى شاشات تلفزيوناتنا وبعضا من صحفنا. تركناهم يتسربلون بأثوابهم ليلا بين بيوتنا متسترين تارة بالدين وتارة بالأعمال الخيرية وتارة بالوطنية وأعذارا ومبررات أخرى. تركناهم ينتشرون بيننا ويفسدون عقول شبابنا كرائحة الغاز حين تزكم الأنوف فتقضي على النفس وتقتل كل أحاسيس المروءة والكرامة والشرف.
من الواضح أن هذا التنظيم يمتلك خبثا ودناءة لم تكونا تتوفرا حتى لتنظيم القاعدة. من الواضح أن أفعالهم ليست من رأسهم – كما يقال – وإنما هي من تدبير وتخطيط خبراء نفسيون وعسكريون على غاية الدهاء، ونحن لا نخرج تركيا وإسرائيل وأمريكا أيضا من دائرة الظن والاتهام والمسؤولية.
وقبل أن نحاربهم في أرضهم، علينا أن نطهر أرضنا ومنازلنا منهم. نعلم أن مدننا وبلداتنا مليئة بهم، يبتسمون لنا ظاهرا لكنهم يعدون عدتهم ويخزنون السلاح والعتاد لأجل الانقضاض علينا في ليلة صباحها أحمر قان.
إن طابورهم الخامس موجود بيننا، لا يرتدي زيهم لكنه يتكلم بلسان معسول، ويحاول تشتيت انتباهنا عن العدو الحقيقي لكل ما هو أردني وإنساني وحضاري. يريدون أن يفرضوا علينا فهمهم الخاص لروايات لا نعلم ثبوتها وربما دست في كتب التراث كرواية حرق “محمد ابن أبي بكر”، في جوف حمار، وحرق “الفجاءة” أو كما أحرق علي بن أبي طالب الخوارج. فيستخدمون هذه الأساليب لإنهاء وجود كل من يخالفهم المذهب أو التفسير أو الفهم.
يجب على كل أردني حقيقي، منتم لهذا الوطن، محب لأرضه وناسه أن يعي هذا الخطر الداهم، طاعون العصر الجديد، وأن نطالب نظامنا حكومة وجيشا وقيادة، وأن نقف معهم في حربهم ضد هؤلاء الدواعش على أن نبدأ بمن هم بيننا. السجن لهم لن يكفي فهناك سيتكاثرون كالأفاعي والعقارب. يجب أن ننهي وجودهم على أرض الأردن بالنفي أو بأية وسيلة، فإن لم نبدأ بذلك، فسريعا ما سيأتون علينا. إن رسالتهم في حرق البطل الأردني معاذ وصلت إلينا، فهم استخدموا النار في الهشيم كرمز لما هو آت، هم آتون لحرقنا جميعا.
علينا أن نبدأ بالذين يعيشون بيننا، في قرانا وبلداتنا، جيرانا لنا، أحيانا يؤموننا في المساجد أو يخرجون علينا في المحطات التلفزيونية، يدعون البراءة والتعاطف، وأحيانا يبدون كالناصحين لكنهم يتربصون للانقضاض علينا، على حين غرة.
وضع الرأس في التراب (كالنعامة ) لن يجدي. إنها حرب وجود. إما نحن وإما هم. رأس الأفعى هي تركيا وإسرائيل، وإن لم نحدد عدونا فسنكون كالشخصية الخيالية في الرواية الإسبانية “دون كيشوت”، نحارب طواحين الهواء.. فتطحننا.
التعليقات مغلقة.