تداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان* / زياد حافظ

زياد حافظ** ( لبنان ) – الأحد 29/8/2021 م …




*محاضرة في ندوة افتراضية لمؤسسة محمد عابد الجابري في الرباط ودار الندوة في بيروت في 26 آب/أغسطس 2021

**باحث وكاتب اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي

مقدمة

بعد اقل من مرور خمسين سنة على هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام تتكرّر صورة مشابهة للهزيمة الأميركية ولكن هذه المرّة في أفغانستان.  سنحاول في هذه المقاربة استخلاص العبر الأولية لذلك الحدث التاريخي سواء على صعيد الداخلي الافغاني أو على صعيد الإقليمي في وسط آسيا أو على صعيد الدولي خاصة في المشهد الأميركي، وعلى الصعيد العربي، وأهم من كل ذلك في نظرنا سقوط المنظومة الفكرية والاخلاقية الغربية.  أي بمعنى آخر نقول بدون لف ودورات أن الولايات المتحدة وعبرها كل منظومة الغرب هُزمت على يد حركة إسلامية تمّت شيطنتها بدون هوادة.  ويتلازم هذا النصر مع تراكمات وانجازات تحقٌقها المقاومة في كل من فلسطين ولبنان وسورية والعراق.  فهل يعتبر الغرب من ذلك؟  ومن الواضح أن كل دائرة من هذه الدوائر تستحق حلقات لأن التداعيات لا تقتصر على المشهد السياسي بل تتناول أبعادا أخرى كالاقتصاد وخاصة ما نقصده في سقوط المنظومة الفكرية الغربية.

من الواضح أن الزلزال الذي شكّله انتصار حركة طالبان على الولايات المتحدة بعد عشرين سنة من الاحتلال الأميركي وبعد إنفاق أكثر من 3 تريليون دولار وبعد كلفة بشرية تجاوزت 2،500 قتيل من الجنود الأميركيين وأكثر من 20 ألف جريح، وبعد الاستثمار في بناء قوّات مسلحة وأمنية تعمل لنظام سياسي مرتبط عضويا بالولايات المتحدة، وإذ تخرج الولايات المتحدة ذليلة دون أي مكسب سياسي أو اقتصادي.  المستفيدون من الاحتلال الأميركي لأفغانستان مجموعة الشركات التابعة للمجمع العسكري الصناعي والمقاولين الأمنيين ومن يدور في فلك تلك الشركات.  الولايات المتحدة كدولة خرجت خاسرة وسمعتها في الحضيض.

التداعيات الافغانية

لكن التداعيات التي تهمنا هي أولا تلك التداعيات على الأفغانيين وما يمكن أن يحصل لهم بعد وصول طالبان إلى السلطة بقوة السلاح.  السردية الغربية لم تبخل أي مجهود لشيطنة الطالبان ووصفها بالإرهاب وأنها متخلّفة ولم تخرج من القرون الوسطى.  لسنا في إطار تفنيد السردية النمطية الغربية لحركة طالبان، وبالمناسبة تلك السردية تُعمّم على كافة خصوم الولايات المتحدة بألوان مختلفة. ففي الحد الأدنى يكون خصوم الأميركيين إرهابيين إن لم يكونوا من الوحوش الكاسرة التي يجب أبادتها أو وضعها في أقفاص.

حركة طالبان في 2021 غير تلك الحركة التي استسلمت للولايات المتحدة عام 2001.  وذلك ظهر بكل وضوح في مهارة وحنكة الدبلوماسية الأفغانية في مفاوضات الدوحة مع الولايات المتحدة وفي المحادثات مع مسؤولي دول الجوار كالصين وروسيا واوزبكستان طاجيكستان وباكستان حيث استطاعت طمأنة أن حكم الطالبان لن يشكّل تهديدا لتلك الدول وأن تصديري “الجهاد” عير وارد.  طبعا، العبرة ستكون في التنفيذ ولكن بما أن الدبلوماسية الصينية والروسية والباكستانية اقتنعت على ما يبدو بالطرح الطالباني فهذا يعني أن قدرة الإقناع كانت كبيرة خاصة أن هذه الدول معنية بشكل مباشر في استقرار أفغانستان.

من جهة أخرى ما صدر عن لسان المسؤولين في حركة طالبان على صعيد السياسة الداخلية فهي مواقف تشير إل نضوج سياسي لم يكن يتوقعه الأميركيون والاوروبيون.  فعلى ما يبدو تتجه قيادة طالبان إلى إقامة حكومة انتقالية تضم قوى غير منتمية لحركة طالبان.  كما أنه صدر “تطمينات” عن المسؤولين فيما يتعلّق بحقوق المرأة التي “يخشى” عليها الغرب. فيقول أحد المسؤولين أن الحركة ستحافظ على التعليم النسائي حتى بعد مرحلة الجامعة وأنه لا يستبعد انضمام نساء إلى الحكومة.  طبعا، كل ذلك سيخضع لاختبار التطبيق ولكن المهم هو عدم إطلاق مواقف مسبقة.

الاعلام الغربي، بالتنسيق مع أجهزة المخابرات وقيادة رموز المحافظين الجدد كبيلي كريستول وبول ولفويتز وجون بولتون على سبيل المثال تروّج إلى حرب أهلية مرتقبة تبدأ في مناطق الشمال وخاصة في وادي بانجير وتراهن على قيادة أحمد مسعود شاه.  كذلك الأمر بالنسبة لطوني بلير الوزير الأول الأسبق البريطاني الذي يرّوج إلى “عدم ترك الأفغانيين لمصيرهم” في مقال نشره عبر موقع معهد طوني بلير للتغيير الإجمالي.  فحركة طالبان مكوّنة من القبائل البشتونية بينما قبائل الشمال تنتمي إلى أعراق أخرى وبالتالي يمكن اللعب على التناقضات القبلية.  والبعض يعتبر “ان التخطيط ” الأميركي هو الانسحاب لخلق الفوضى عبر حرب أهلية ولزعزعة الاستقرار في المنطقة وخاصة لتهديد الصين وروسيا.  لا يمكننا استبعاد ذلك السيناريو لكن فرضياته تعني أن دول الجوار ستكون “متجاوبة” مع هدف زعزعة الاستقرار.  وإذا لم يتوفّر ذلك الشرط فمدى نجاح معارضة من قبائل الشمال يصبح ضئيلا.  لذلك وصلت أخبار عن تفاوض بين أحمد مسعود شاه وحركة طالبان وإمكانية انضمامه إلى الحكومة ما يُسقط رهان الاعلام الغربي.  بات واضحا أن ما يصدر عن ذلك الاعلام هو رغبات وتمنّيات أكثر من وقائع وتحليلات موضوعية. بالمقابل إذا نظرنا إلى الاعلام الاسيوي، وخاصة الصيني، نرى نفسا متفائلا تجاه مستقبل أفغانستان واستقراره.

من جهة أخرى هناك أخبار عن مبايعة العديد من الرموز القبلية غير البشتونية لحركة طالبان بما فيها بعض رموز الحقبة الأميركية كحامد كرزاي الرئيس الأسبق الذي انقلب على الولايات المتحدة وشقيق الرئيس أشرف غاني كما هناك أنباء عن مبايعة أحمد مسعود شاه لحركة طالبان.  الأسابيع القادمة ستكشف مدى دقّة تلك المعلومات وجدّيتها ولكن هي دليل أن المفاوضات بين طالبان وهذه القوى موجودة وتدلّ على نضوج سياسي ورؤية لم تكن متوفرة منذ عشرين سنة.

الكلام التقليدي السلبي تجاه طالبان له أهداف متعدّدة. الهدف الأول هو شيطنة الطرف الذي هزم الولايات المتحدة.  الهدف الثاني هو زرع الفتنة في العالم العربي والإسلامي عبر تأجيج الصراع بين الحركات الجهادية وأكثرية المسلمين.  فنعت الطالبان بالإرهابيين يهدف إلى نزع شرعية عن أي فصيل إسلامي يناهض الولايات المتحدة.  الهدف الثالث هو تجاهل حقيقة أن حركة طالبان قامت بعمل تحرري وطني من الاحتلال الأجنبي وهذا ما لا تستطيع تحمّله الولايات المتحدة والغرب عموما. البعض يشكّك بوجود شعور وطني في أفغانستان التي يطغى عليها الطابع القبلي وبالتالي لا يمكن وصف حركة طالبان بحركة تحرّر وطني.  نفس المنتقدين كانوا وصفوهم في الثمانينات من القرن الماضي كمحاربين من أجل الحرية عندما قاوموا الوجود السوفيتي.  أما اليوم، فأصبحوا إرهابيين لأنهم قاوموا المحتل الأميركي!

ما نريد أن نؤكّد عليه هو التريّث قبل إطلاق الأحكام المسبقة المروّجة في الأعلام الغربي.  كما أنه لا يجب على القوى المناهضة للهيمنة الأميركية في الوطن العربي خسارة حركة طالبان ورميها في أحضان جماعات التعصّب والغلو التوحش.  ما صدر عن المسؤولين في الحركة هو تأكيد أن أفغانستان لن تكون ملاذا للحركات الجهادية الإسلامية وأنها لن “تصدّر” الامارة الإسلامية في أفغانستان إلى دول الجوار والعالم وإن تمسّكت بالشريعة الإسلامية كمنطلق وقاعدة التشريعات التي يمكن أن تصدرها في المستقبل.  المهم في رأينا أن على حركة التحرّر العربي بشكل عام والمقاومة بشكل خاص ألا تخسر مجّانا حركة طالبان لأفكار مسبقة غير متطابقة مع التحوّلات التي حصلت داخل الحركة.

التداعيات الاسيوية

مما لا شكل فيه أن موقع أفغانستان الجغرافي في وسط آسيا يعطيها بعد استراتيجيا بالغ الأهمية في اللعبة الجيوسياسية الكبرى التي أطلقت في القرن التاسع عشر وما زالت قائمة حتى الساعة (the Great Game).  ويعتبر علماء الجيوسياسية كهالفورد ماكيندر (1861-1945) ان السيطرة على آسيا هي السيطرة على العالم والمفتاح لتلك السيطرة تكمن في السيطرة على أفغانستان.  فأفغانستان محاطة بكل من باكستان في الجنوب والشرق، وإيران في الشرق، وتركمنستان وأوزبكستان وطاجكستان وقيرغيزستان والصين في الشمال والشرق.  لكن دولتين لا حدود مشتركة مع أفغانستان تلقيان بظلالهما على أفغانستان هما روسيا والصين فتكملان اللوحة الجغرافية.  أي بمعنى آخر مجرد القاء نظرة على الخارطة يفهم المرء أهمية أفغانستان.

في خضم الصراع القائم بين المحور الروسي الصيني والمحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة حاولت الأخيرة عبر وجودها في أفغانستان تحقيق عدّة أهداف على الصعيد الجيوسياسي.  الهدف الأول هو زعزعة استقرار وسط آسيا بوسائل عدة لا داعي الدخول فيها الآن لضيق المساحة والوقت المتاح في هذه المقاربة.  اما الهدف الثاني فهو قطع التواصل بين الصين والبحر المتوسط وزعزعة مشروع الطريق الواحد والحزام الواحد الذي وصل إلى باكستان ويتجه إلى إيران والعراق.  أفغانستان قد تكون منصة لقطع ذلك الطريق كما يمكن أن تكون منصة لطريق ثاني لطريق الحرير.  الهدف الثالث للولايات المتحدة هو السيطرة على مناجم الليثيوم وسائر المعادن النادرة الضرورية في التكنولوجيا الحديثة التي تريد أن تستعمل الطاقة النظيفة.  ويقدّر احتياطي الليثيوم في أفغانستان بقيمة أكثر من تريليون دولار.  اما الهدف الرابع الذي لا تتكلّم عنه الإدارات الأميركية هي أن في حقبة الاحتلال أصبحت أفغانستان منتجة لأكثر من 93 بالمائة من الإنتاج العالمي للأفيون.  والمخابرات المركزية التي تسيطر على تجارة الأفيون وتتقاسم أرباحها مع امراء الحرب في قبائل التحالف الشمالي تموّل عملياتها السرّية خارج موازنتها (السرّية أصلا) من موارد تجارة الأفيون. ففي حكم طالبان الأول (1996-2001) هبط انتاج الافيون إلى صفر ولكن مع الاحتلال الأميركي أصبحت أفغانستان المنتج الأول في العالم.   وللمزيد من المعلومات نشير إلى أبحاث المؤرّخ الأميركي الفريد ماكوي والصحافي البرازيلي بيبي اسكوبار.

تراهن جهات عديدة في الولايات المتحدة والحلف الأطلسي والمملكة المتحدة عن “حرب أهلية” بين مكوّنات تحالف الشمال وبين البشتون.  وتعتبر هذه الجهات أن بعض دول الجوار كطاجكستان واوزبكستان ستسهّلان التسلّل والتسليح.  لكن هذه الجهة تعتبر أن لا نفود ولا دور لكل من الصين وروسيا وباكستان في التأثير وهذا غير صحيح.  المعلومات الواردة في المواقع الاسيوية تفيد أن كل من الصين وروسيا ضغطت على دول الجوار المعنية لعدم السماح بحرب أهلية مقابل أن دولة طالبان لن تصدّر الجهاد لتلك الدول.  من جهة أخرى، الخروج الأميركي لن يخلق “الفراغ” الذي يخشاه الغرب بل أن منظمة شانغهاي ستتولى رعاية أمن الإقليم. والمنظمة لها إمكانيات عسكرية وقدرات دبلوماسية تؤهلها للنجاح حيث أخفق الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص.  وليست من الصدف أن يتم ابلاغ الجمهورية الإسلامية في إيران بأنها أصبحت عضوا كاملا في المنظمة وذلك تلازما مع اعلان الانسحاب الأميركي من أفغانستان.  فإيران معنية أيضا بالاستقرار في أفغانستان ولها دور ونفوذ لا ينمكن التقليل منه.

المعلومات الأولية تفيد أن المحادثات بين مندوبي حركة طالبان والصين كانت مثمرة وأن الصين ستقوم بسلسلة من الاستثمارات في البنى التحتية دعما لطريق الواحد الحزام الواحد ولتمكين التواصل السريع (hyperconnectivity) الحجر الزاوية للمشروع الصيني.  كذلك الأمر هناك تفاهمات بين حركة طالبان وروسيا.  أما الباكستان، الداعمة الأولى لحركة طالبان طيلة العقود السابقة فهي أيضا معنية بتعزيز علاقاتها بأفغانستان (لمنع تمدد النفوذ الهندي) ولاستكمال المشاريع الصينية في وسط آسيا.  والجمهورية الإسلامية في إيران معنية أيضا بالاستقرار في أفغانستان لمنع الولايات المتحدة من استعمال أفغانستان لزعزعة استقرارها.  وهناك معلومات تفيد بأن إيران كانت من الداعمين المباشرين لحركة طالبان في حربها التحريرية ضد الاحتلال الأميركي.  وهذا الدعم لم يكن مقتصرا على الجانب العسكري بل أيضا على الصعيد الاقتصادي حيث كسرت الحصار الأميركي المفروض عليها وزوّدت بربع حاجيات أفغانستان بالمشتقات النفطية. وهذا حصل تحت عين الأميركيين الذي يرون يوما بعد يوم عبثية إجراءاتهم لمحاصرة خصومهم.  في الخلاصة، يمكن القول إن دول الجوار لأفغانستان ستكون حريصة على دعم الاستقرار في أفغانستان وذلك لدعم الاستقرار في المنطقة واستكمال مشاريع التكامل الاقتصادي الاسيوي.

التداعيات الغربية الأميركية

قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان وما تلاه من تصريح للرئيس الأميركي أن لا جدوى من البقاء كان بمثابة صاعقة أصابت اركان الحلف الأطلسي وداخل النخب الحاكمة في الولايات المتحدة.  التصريحات الصادرة عن هؤلاء تشير إلى مدى التخبط والارباك.  وما يلفت النظر هو فحوى التصريحات التي تؤكد “المفاجأة” بالقرار الأميركي وأكثر من ذلك الأسلوب والتنفيذ لذلك القرار وما رافقه من فوضى في مطار كابول استدعى ذاكرة كادت تختفي وهي مشهد الخروج الأميركي من سايغون.

رصد التفاعلات للمسؤولين الغربيين بشكل عام والأميركيين بشكل خاص يؤدّي إلى أن منظومة فكرية سياسية انهارت بشكل كامل.  ومن عناصر هذه المنظومة النظرة إلى الولايات المتحدة كقائدة تعرف ما تريد وإلى أين ذاهبة.  هذه الصورة أصابها عطبا من الصعب أن تصححه على الأقل في المدى المنظور بسبب رداءة القيادات.  ويمكن تلخيص التداعيات الغربية للانسحاب الأميركي بالنقاط التالية:

النقطة الأولى هي هزيمة الولايات المتحدة على يد مجموعة إسلامية ادعت انها من القرون الوسطى!  لم تحظ حركة طالبان بدعم من قوّة عظمى كما حصل للفيتناميين في مواجهتهم مع الولايات المتحدة.  هزيمة تحققت رغم تفاوت القوّة ورغم القوّة النارية، ورغم الشيطنة المستمرة لحركة طالبان.  فهذه الهزيمة أكبر وأهم من الهزيمة في فيتنام لتداعياتها الاستراتيجية وخاصة في حقبة التراجع أو الأفول كي لا نقول الانهيار.

النقطة الثانية هي انهيار مؤسسة الناتو.  فالحرب التي خاضها الحلف الأطلسي كحلف هو المشاركة في احتلال أفغانستان.  فبات واضحا أن المشاركة الفرنسية أو البريطانية أو الألمانية أو الاسبانية أو الإيطالي لا جدوى منها.  والسؤال المطروح ما هو مستقبلها خاصة أنها كانت مكلفة ولم تأت بأي نتيجة سياسية تبرر تلك المشاركة.

النقطة الثالثة هو حالة الارباك والغضب بين النخب الحاكمة والمعارضة في الولايات المتحدة.  لا يجب أن ننسى أن احتلال أفغانستان كان يحظى بإجماع سياسي في أعقاب أحداث أيلول.  صحيح أن الحزب الجمهوري كان الحزب الحاكم آنذاك لكن لم تكن معارضة ديمقراطية تذكر باستثناء بعض الرموز.  ومحاولات الخروج من أفغانستان في عهد أوباما وترامب اصطدمت بمعارضة شديدة وفعّالة من المجمع العسكري الصناعي بل أدّى إلى تكثيف الوجود العسكري الأميركي والانفاق اللامتناهي الذي تجاوز 2 تريليون دولار وفقا لمعظم التقديرات والتي لم تنفق في أفغانستان بل في الولايات المتحدة لحساب شركات التصنيع العسكري.

الغضب داخل مكونات التحالف الذي أوصل جوزيف بايدن إلى الرئاسة كبير جدا لما يشكّل ذلك الانسحاب ضربة قاضية لطموحات قيادات عسكرية التي استثمرت وما زالت في حرب عبثية وذلك لإرضاء طموحاتها في الترقية وفيما بعد في الحصول على مراكز في المجمع العسكري الصناعي.  لا يجب أن يغيب عن البال أن وزير الدفاع الحالي لويد اوستن جنرال متقاعد تحت إشارة الخدمة ولكن كان عضوا في مجلس إدارة شركة رايثيون التي تُصنّع صواريخ الباتريوت.  الخروج من أفغانستان يعني حتما تخفيضا في الانفاق العسكري وهذا سيضر بمصالح القيادات العسكرية لمرحلة ما بعد الخدمة.

الغضب أيضا موجود لدى بعض أجهزة المخابرات، وخاصة وكالة المخابرات المركزية، أي ألسي أي أيه. ما هو غير معروف لدى الجمهور الأميركي بل فقط من قبل بعض المؤرخين والمحققين الإعلاميين الجادين هو أن قسما كبيرا من تمويل تلك الأجهزة يأتي من تجارة المخدرات.  في حقبة الاحتلال الأميركي لأفغانستان والتي كان مخططا لها أن تستمر عقودا تحوّلت أفغانستان إلى أكبر منتج للأفيون.  والخروج من أفغانستان سيفقد هذه الأجهزة مصدرا كبيرا للتمويل.  وهناك روايات تفيد أن غضب تلك الأجهزة قد يكون قاتلا لمن يسبّبه، كما حصل للرئيس الأميركي الراحل جون كندي ثم شقيقه روبرت كندي اللذين كانا يفكران بإيقاف التورط في فيتنام.  فهناك من سيدفع ثمنا لتلك النكسة.

الغضب موجود على مستويين.  المستوى الأول هو ضد الرئيس والمستوى الثاني ضد كل من أخفق في التخطيط لتنفيذ قرار الانسحاب.  فيما يتعلّق بالرئيس الأميركي كان الكلام دائرا حول اللجوء إلى المادة 25 من تعديلات الدستور الأميركي الذي يعطى الحق للوزراء ونائب الرئيس ورئيس مجلس النوّاب اعتبار الرئيس غير مؤهّل لاستكمال مهامه.  في هذه الحال تصبح كمالا هاريس الرئيس الجديد.  لكن خصوم نائب الرئيس كثيرون داخل الحزب الحاكم إضافة أنها برهنت عن عدم كفاءة في إدارة الملفات التي كلّفت بها. لذلك قد يتم غضّ النظر عن تنحية الرئيس بايدن.  في هذا السياق لا بد من التوقف عما حصل في الأيام القليلة الماضية داخل الإدارة الأميركية.  ونقصد هنا زيارة نائب الرئيس كمالا هاريس إلى جنوب شرق آسيا منها فيتنام (لم تنتبه إلى سخرية الموقف) وإلى سنغافورة. أقدمت على التهجم على الصين متجاهلة أن أكثرية رجال الاعمال في سنغافورة من الصينيين وأن الحكومة السنغافورية تجهد لتوطيد العلاقة مع الصين، وإذ تقوم هاريس بمهاجمة الصين في هذا الظرف التي تحتاج الولايات المتحدة إلى الصين لمساعدتها مع حركة طالبان لإخلاء الرعايا الأميركيين.  من جهة أخرى أتت هاريس بشعار “اميركا عادت” وكأن الكارثة الأفغانية لم تحصل.  وعندما سألها أحد الصحفيين عما يحدث في أفغانستان ضحكت وكأن الموضوع لا يعنيها.  عدد من المراقبين يعتقد أن هاريس تعمّدت السفر لتبتعد عن الرئيس الأميركي.  فهل هناك أجواء انقلابية كما توحي صحيفة الديلي التلغراف البريطانية في مقال لدومينيك ريد الذي له ارتباطات وثيقة مع أجهزة استخباراتية أميركية؟  كما ذكرنا أعلاه، هناك غضب ينصب على بايدن لكن هاريس قد تكون أسواء بكثير.  في مطلق الأحوال يمكن اعتبار أن ما تبقّى من ولاية بايدن حوّلت الإدارة إلى بطة عرجاء.

لذلك ينصب الغضب على مستشاريه الذي لم ينقلوا الوقائع له وينصحوه.  من الملاحظ أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي بايدن لم يحضره لا نائب الرئيس ولا وزير الخارجية ولا وزير الدفاع ولا مستشار الأمن القومي ولا رئيس هيئة الأركان المشتركة.  تُرك الرئيس وحيدا ولا بد من أن يدفع أحد الثمن.  آخر المعلومات المتداولة وفقا لما جاء في مقال باتريك لورنس في موقع “كونسورتيوم نيوز” في تاريخ 25 آب/اغسطس تشير إلى جاك سوليفان المستشار الأمن القومي وربيب هيلاري كلنتون، كمرشح كبش المحرقة. على كل حال نحن في مرحلة ما قبل بداية تصفية الحسابات التي يجب أن يسبقها خطة عمل.

ما لفت نظرنا هو الغياب الكامل لمحاولات مراجعة ونقد ذاتي.  حالة الانكار والمكابرة هي السائدة وإذا كانت وقعت أخطاء فهي من صنع منفّذين القرار وليس من صنع صانعي القرار.  ما أشار إليه موقع “قمر الباما” الواسع الانتشار في المحافل الأميركية هو تكرار الأخطاء وعدم القدرة على الاستفادة من التجارب.  والانكار والمكابرة يساهمان في صوغ سياسات عبثية ونتائج كارثية.

وفي هذا السياق من التساؤلات يسأل معهد بروكنز هل تستطيع رئاسة بايدن تجاوز الكارثة الأفغانية؟  ففي مقال مثير نشر في 23 آب/أغسطس على موقعها تتسأل عن المزاج الأميركي تجاه الرئيس بايدن.  فوفقا لبعض الاستطلاعات 75 بالمائة من المستطلعين يعتقدون ان طريقة الانسحاب كانت خاطئة وأن فقط 33 بالمائة يعتقدون أنه كانت خطة لإخلاء الأميركيين.  وتضيف أن الانسحاب جاء في أعقاب عودة جائحة الكورونا رغم حملات التلقيح ما دفع المستطلعين التشكيك بكفاءة الرئيس وقدرته على التركيز.  الجدير بالذكر أن المعهد من المؤيدين للحزب الديمقراطي وللرئيس الأميركي ما يدل على مدى الانزعاج منه.  ويضيف التقرير أنه “لوحظ عدم اكتراث الرئيس لما يحصل حوله” رغم ضخامة الحدث.

 

النقطة الرابعة هو غياب حتى الساعة لخطة يمكن أن تقوم به الإدارة.  حتى الان ما زال الخطاب الدائر هو من يتحمّل مسؤولية الخسارة المعنوية الكبرى التي لحقت بالولايات المتحدة؟  من يتحمل سوء التدبير في تنفيذ القرار؟  لا يدور الحديث عما يمكن أن تقوم به الإدارة تجاه الحلفاء بعد ما حصل لان لا رؤية استراتيجية لها.  البعض يخلط بين الرغبات والاستراتيجية.  الرغبات لم تتغير وهي الهيمنة على العالم.  لكن قدرات الولايات المتحدة تغيّرت ولا أهداف واضحة يمكن أن تنجزها لتحقيق رغباتها.  ما زالت زمرة المحافظين الجدد الذين التحقوا بالحزب الديمقراطي وزمرة المتدخّلين الليبراليين في أوهام أن المزيد من القوة هو الحل.  هذا ما كتبه وزير الخارجية انطوني بلينكن في انتقاده لسياسة باراك أوباما في سورية.  العقم في التفكير يتلازم مع رداءة النخب التي تصنع القرار وهذه هي مأساة الحكم في الولايات المتحدة.

فماذا يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة فيما بعد الانسحاب من أفغانستان.  هناك فارق كبير بينما هو مطلوب ومعقول وبينما تريده مصالح القوى النافذة.  يُسجّل للرئيس الأميركي قراره بالانسحاب والعذر الذي أعطاه أي أن لا جدوى من الاستمرار وهذا القرار يقطع الطريق على أي محاولة للتراجع عنه.  من جهة أخرى، هناك أحاديث في بعض المواقع أن القيادة العسكرية تعمّدت الانسحاب الفوري من قاعدة بغرام دون التحضير لإخلاء الرعايا الأميركيين والافغانيين الذين عملوا لصالح القوّات الأميركية، وذلك بهدف إحراج الإدارة.  أذا كان ذلك الأمر صحيحا فعلينا أن نتوقع تغييرات في راس هرم القوات المسلحة.  وكذلك الأمر يتعلّق بالمؤسسات الاستخبارية التي بات واضحا أنها لم تكن لتعي سهولة الانهيار الذي حصل.

كل ذلك يعني ان الخيارات المتاحة محدودة جدا وسيكون انعكاسات الانسحاب من أفغانستان على تواجد القوّات الأميركية في كل من العراق وشرق سورية.  فبات واضحا أن لا قدرة ولا رغبة أميركية في تحمّل كلفة الدم التي ترافق الاحتلال وهذا الاستنتاج لن يغيب عن محور المقاومة سواء في سورية أو في العراق.  فعاجلا أم اجلا سيكون الانسحاب الأميركي أمرا مطروحا بشكل جدّي، وربما عاجلا أكثر من آجلا.

الهيبة الأميركية أصابها ضربة قاسمة قد يصعب الخروج منها بسهولة.  تناذر فيتنام استلزم حوالي 15 سنة لإزالته لما كانت الظروف الأميركية آنذاك أحسن بكثير مما هي عليه في الوقت الراهن.  كانت حرب تحرير الكويت التحوّل للخروج من تداعيات الانسحاب من فيتنام ولكن اليوم ليس بالأفق ما يوحى أن بإمكان الولايات المتحدة تكرار حربا خليجية جديدة تستطيع أن يكون لها اليد العليا.  عناصر موازين القوّة التي كانت لصالح الولايات المتحدة تراجعت بشكل ملموس على أكثر من صعيد نذكر منها:

العنصر الأول هو فقدان القدرة العسكرية على خوض وكسب الحروب.

القوّة العسكرية الهائلة التي كانت تتمتع بها سرعان ما تبيّن أن تلك القوّة عاجزة عن كسب الحروب.  تستطيع الولايات المتحدة بقدراتها النارية تدمير المعمورة آلاف المرّات ولكنها لا تستطيع السيطرة على الأرض كما تبين في كل من أفغانستان والعراق وسابقا في فيتنام وقبل ذلك في كوريا.  قوتها العسكرية الأسطورية من صنع هوليوود وليس من فعل التاريخ والواقع.  فأي معركة عسكرية انتصرت فيها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية باستثناء احتلا جزيرة غرانادا عام 1983 المنزوعة من السلاح؟  وحتى فيما يتعلّق بالحرب العالمية الثانية فالمنتصر الفعلي في مسرح العمليات الأوروبي كان الاتحاد السوفيتي الذي دفع ثمنا باهظا في الأرواح قارب 27 مليون نسمة وأكثر من 8 مليون جندي.  ويعتبر المؤرخ العسكري البريطاني ارثر ليدل هارت أن الأداء العسكري المتفوق كان للجيشين المهزومين أي الجيش الألماني والجيش الياباني وأن ما أدى الى هزيمة قوة المحور كان التفوّق الاقتصادي الاستراتيجي للولايات المتحدة.

العنصر الثاني هو تراجع القدرة الاقتصادية والمالية.

العنصر الثاني لمكوّن ميزان القوّة كان في قوّة الاقتصاد الأميركي الذي كان يورد حتى مطلع الستينات حوالي 60 بالمائة من حاجات العالم من مواد صناعية وزراعية.  وكان حجم الاقتصاد الأميركي يشكل 40 بالمائة من الاقتصاد العالمي عام 1960 بينما لم يتجاوز 25 بالمائة عام 2020 وذلك وفقا لدراسة أعدتها صحيفة فوربز الاقتصادية والمالية.  والخط البياني التاريخ خط منحدر قد تزيد من سرعة انحداره التطوّرات الاقتصادية الداخلية والعالمية بسبب السياسات الخاطئة التي لا نريد تفصيلها في هذه المقاربة.  الأرقام تتكلّم بنفسها عن التراجع.

العنصر الثالث هو التسليح الأميركي والجهوزية العسكرية المتردّية.

تفيد التقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث الأميركية وخاصة معهد امريكان هريتاج فونداشن الذي يصدر تقريرا سنويا عن الجهوزية العسكرية الأميركية أن في الحد الأقصى من الإمكانيات فإن الجهوزية هامشية.  وجاءت شهادة رئيس هيئة الأركان المشتركة مات ميلي في جلسة استماع للكونغرس العام الماضي أن جهوزية القوّات المسلحة لا تتجاوز 40 بالمائة وان الهدف هو الوصول إلى 60 بالمائة عام 2023.  فهذا يعني أن قدرة الولايات المتحدة على خوض عملية عسكرية طويلة المدى أو حتى متوسطة المدى غير ممكنة.  كما جاءت العاب محاكات حروب قامت بها معاهد أبحاث عسكرية (war games simulations) منها معهد راند كوربوروشين أن المواجهات مع أي من الصين وروسيا ستنتهي بهزيمة نكراء للقوّات الأميركية (rout).  في هذا السياق نشير إلى تصريح نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة جون هايتن أن نتائج محاكاة حرب مع الصين التي أجريت مؤخرا حول تايوان كانت فاشلة للغاية!  أضف إلى كل ذلك تفوّق السلاح الروسي الكاسر للتوازن كما كشف عنه الرئيس الروسي في خطاب شهير في شهر أذار/مارس 2018 عن الصواريخ الأسرع من الصوت على الأقل بسبعة أضعاف (hypersonic) والمسيّرة والتي لا دفاع ليواجهها إلاّ في منظومة صواريخ أس 500 الروسية تجعل من الاسطول الأميركي خردة عائمة!

هذا لا يعني أن لا قدرة نارية للتدمير ولكن لا تستطيع الولايات المتحدة كسب أي حرب.  مقولة القائد الفيتنامي جياب شهيرة عندما سئل عن الأداء الأميركي فقال بشكل مقتضب أن الأميركيين تلاميذ غير نجباء (mauvais élèves)، أي لا يتعلمون من التجارب!  وبالتالي نراهم يكرّرون الأخطاء وكأن الحل هو المزيد من السياسات التي لا جدوى لها.  فإذا فشلت القوة فالحل هو المزيد من القوة!

والتراجع في الجهوزية الأميركية يعود إلى فقدان القوّامة في التكنولوجيا التي يدفعها ويمولها المجمّع العسكري الصناعي.  وبما أن مقوّمات ذلك المجمّع مرتكزة إلى بنية احتكارية نرى الاستثمار في الإبداع التكنولوجي متراجعا رغم الإنفاق الكبير عليها.  فالهدر والاسراف من سمات الشركات التي تقوم بإنجاز تلك الأبحاث مع مراكز الأبحاث والمختبرات لكن هدفها أولا وأخير الربح وإن كان على حساب الجودة والكلفة.   يتجلّى ذلك في التسليح حيث روسيا تسبق بحوالي 15 سنة في الابداع التكنولوجي كالصواريخ المفرطة في سرعة الصوت والطائرات الحربية الحديثة التي تنافس أحدث المنتوجات الأميركية وذلك بكلفة جزئية من الكلفة الأميركية.  كما أن الصين متقدمة على الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي التي تكون تطبيقاته في القوّات المسلحة كما في الصناعة والاستشفاء وكل مكوّنات الحياة في المجتمع المعاصر.

العنصر الرابع هو عدم القدرة على تحمل الخسائر والأعباء الناتجة عن مواجهات مفتوحة.

من عوامل الضعف في القدرة العسكرية هو عدم إمكانية تقبّل الخسائر في الأرواح.  حرب فيتنام التي كانت فاقدة لدعم شعبي لأنها لم تكن ّقضية” حيوية بالنسبة للشعب الأميركي حصدت أكثر من 59 ألف جندي ناهيك عن الجرحى.  بات واضحا أن القوّة المفرطة لن تأتي بالنتائج المرجوة خاصة أن قدرة الولايات المتحدة على تحمّل أعباء الحرب لفترات طويلة محدودة جدا.  المعارك التي ربحتها الولايات المتحدة كانت محدودة في الزمان سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي، ودائما ضد خصوم أقل قوة في السلاح والعناصر البشرية.  حرب فيتنام واحتلال أفغانستان والعراق كشفت قلّة قدرة التحمّل الأميركي.  وتفيد استطلاعات الراي العام الأميركي أن المزاج الشعبي لا يؤيّد الحروب الدائمة للولايات المتحدة.  فعمر الولايات المتحدة 250 سنة قضت أكثر من 234 سنة من عمرها في حروب داخلية وخارجية.  لكن اليوم القدرة على الحروب الطويلة غير موجودة ولا رغبة فيها عند الشعب وحتى بين العديد من السياسيين الذين لم يرتبطوا ارتباطا وثيقا بالمجمع العسكري الصناعي.

موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خير دليل على عدم الرغبة في الخوض في مواجهة عسكرية قد تؤدّي إلى خسارة في الأرواح.  فلما استطاعت وسائل الدفاع الجوّية اسقاط درّة طائرات التجسس الأميركية المسيّرة والتي كلفتها تفوق 250 مليون دولار لم يقم بأي رد عسكري بحجة أن لا خسارة بشرية أميركية حصلت وإن كان بإمكان وسائل الدفاع الجوي الإيرانية اسقاط طائرة محمّلة بالجنود.  كما أن عدم الرد على الهجوم الصاروخي على قاعدة اسد في العراق بعد اغتيال قاسم سليماني وابي مهدي المهندس دليل آخر على عدم رغبة لأي مواجهة عسكرية تسفر عن خسارة في الأرواح.  فحروب الولايات المتحدة بدون “قضية” ومهام واضحة تجعل الجندي الأميركي غير متحمّس على خوضها ما يؤثّر بالأداء.  فالالتحاق بالقوّات المسلّحة هو ملجأ اقتصادي اجتماعي للمهمّشين في المجتمع الأميركي وليس بدافع وطني.

العنصر الخامس هو نوعية القيادات.

إضافة للعوامل المادية هناك عوامل ذاتية تؤثر بشكل أساسي في صنع موازين القوة وهي نوعية القيادات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.  فمنذ أكثر من ثلاثة عقود تشهد الولايات المتحدة تردّيا ملحوظا في نوعية القيادات السياسية والعسكرية والأمنية.  لن نخوض في العمق في أسباب التردّي بل نكتفي بالقول إن طبيعة النظام السياسي القائم لا يمكن إلاّ أن يفرز خيارات بين السيء والأسواء بسبب سيطرة المال على مفاصل عملية انتقاء الأشخاص على الصعيد الاتحادي، والولايات، والمقاطعات.  فالمسؤول السياسي مدين بوجوده لمن دعمه ماليا وليس لناخبيه.  كذلك الاعلام أصبح محصورا في ست شركات ووسائل التواصل الاجتماعي محتكرة من قبل شركات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.  فتمركز المال والاعلام في يد القلّة ألغى فعليا “ديمقراطية القرار” العائد للناخب الأميركي الذي بدأ يعرب عن تململه من الوضع القائم.  وما يزيد الطين بلة هو قرار المحكمة الدستورية العليا، التي أصبحت مسيّسة، في تشريع الانفاق المالي في الحملة الانتخابية واعتباره وسيلة من وسائل التعبير الذي يصونه الدستور الأميركي.  وبناء على ذلك نرى انحدار مستوى القيادات السياسية سواء على صعيد الفهم أو العلم، أو على صعيد الكفاءة، أو صعيد الأخلاق.

قد يكون من المفيد إعطاء بعض الأمثال عن تردّي مستوى القيادات الأميركية.  فعلى سبيل المثال نشير إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن في 9 آب/أغسطس 2021 الذي دافع عن ضرورة تمرير قانون الاستثمار في البنى التحتية الأميركية وذلك لأسباب جيوسياسية والمقصود هنا الصين.  غاب عن بال الوزير الأميركي الحاجة الداخلية لإعادة تأهيل البنى التحتية المترهلة وضرورة تجهيزها لإعادة بناء الإنتاجية المتراجعة.  تعتبر الصحيفة الصينية “غلوبال تايمز” المقرّبة من مراكز القرار في الصين أن هذا التصريح مضحك ويدل على التراجع والأفول الأميركي!

وانحدار المستوى في القيادات السياسية ينجر إلى القيادات العسكرية التي أصبحت مسيّسة وإلى تشجيع طبقة عسكرية تتماهى مع مطالب المجمع العسكري الصناعي المالي التكنولوجي ومراكز الأبحاث التي تموّلها تلك الشركات. فالاستراتيجيات العسكرية مبنية على نظرية الحروب الدائمة والقوّة المفرطة التي لا تخدم بالضرورة أهدافا سياسية أو تحمي “مصالح وطنية” أو تحاول تصدير ايديولوجيات لدول العالم ك “منظومة القيم” و”الديمقراطية” الخ.  حتى هدف الهيمنة على العالم لا تحقّقها استراتيجيات المتبعة من قبل وزارة الدفاع.  وسجل المواجهات العسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لا يوحي بوجود تفوّق لعقل عسكري يمكن الاقتضاء به.  على كل حال مقاربة الجهوزية الأميركية لا تنحصر في التسليح ونوعيته بل أيضا في مستوى القيادات.  وهناك دراسات أظهرت ان القيادات العسكرية من دون رتبة عقيد تفيد أن أكثرية الضباط لا يرون أي جدوى للحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة بينما القيادات من الصف الأول مرتبطة ارتباطا عضويا بالمجمع العسكري الصناعي المالي التكنولوجي والإعلامي.  ويمكن الإضافة إلى كل ذلك المجمع الأمني.

المجمع الأخير هو مجموع المؤسسات الاستخبارية القائمة في الولايات المتحدة والتي عددها المعلن 17 مؤسسة لا تعمل بالتنسيق مع بعضها البعض إلاّ في حالات ضيّقة ومحدودة.   كما أنها تضم الشركات الأمنية الخاصة التي تتعاقد مع وزارة الدفاع وأجهزة التنصّت.  فالتنافس بنيها هو على النفوذ وعلى الموازنات المالية وتتصرّف كأنها عدوة لبعضها البعض.  لكن معظمها أصبح مسيّسا ويتدخل في العمل السياسي والإعلامي كما شهدنا في محاولات اسقاط دونالد ترامب منذ لحظة فوزه.  ولكن الإخفاق الأكبر هو في مقاربة التحديات والمخاطر التي تهدّد الولايات المتحدة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.  الإخفاق في المعلومات الاستخباراتية والقراءة الصحيحة لموازين القوة يساهم في استمرار حالة النكران للتحوّلات التي حصلت وتحصل في العالم.

العنصر السادس هو التماسك الداخلي.

مع التراجع الحاصل في البنية الاقتصادية والعسكرية والسياسية نشهد اهتزازا كبيرا في التماسك الاجتماعي الأميركي حيث حدّة الانقسامات أصبحت تهدد ديمومة الكيان الأميركي. يعود ذلك لعدة عوامل.  العامل الأول هو التراجع الاقتصادي وزيادة الفجوات الاقتصادية والاجتماعية.  والعامل الثاني هو التحوّلات في البنية السكّانية على الصعيد العرقي والديني وعلى صعيد الاجتماعي.  فالانقسامات العرقية تتجلّى بعنصرية أصبحت في الحمض النووي الأميركي.  الكاتب الراحل سامويل هنتنغتون مروّج نظرية صراع الحضارات كتب قبل رحيله “أن الأميركيين مهدّدون بفقدان هويتهم الانكلوساكسونية الانجيلية البيضاء”.  وهذا الشعور يعود إلى زيادة نسبة الاقلّيات غير البيضاء في البنية السكّانية بسبب الهجرة الوافدة من أميركا اللاتينية والشعور بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي لشرائح واسعة.  وقد شهدنا في الانتخابات الرئاسية في 2016 و2020 مدى الاستقطاب العنصري والمجتمعي بين النخب و”المنبوذين” (deplorables) على حد قول هيلاري كلنتون وبين البيض وغير البيض وبين سكّان المدن الكبرى وسكّان الأرياف حيث اصطدمت الجغرافيا بالديمغرافيا.

ما يكرّس حدّة الانقسام الناتج عن التحوّل في البنية السكانية نتائج التعداد السكاني الذي تقوم به الدولة الاتحادية كل عشرة سنوات.  ففي التعداد الأخير الذي أقيم سنة 2020 والذي تم نشر نتائجه في مطلع شهر آب/أغسطس 2021 بات واضحا أن نسبة السكان البيض انخفضت إلى أقل من 60 بالمائة (حوالي 58 بالمائة من اجمالي السكان).  لكن المهم هنا كيف استقبلت قيادات الحزب الديمقراطي ونخبها الإعلامية تلك النتائج.  لقد عمّت الفرحة عندهم لأنهم يعتقدون أن تراجع نسبة البيض ستترجم إلى المزيد من الأصوات الناخبة من “الاقليّات” لصالح الحزب الديمقراطي.  لم تنتبه تلك النخب إلى ردود العفل عند خصومهم حيث حدّة الاحتقان العرقي زادت وتعمّقت.   فالمصلحة الوطنية أصبحت تابعة للمصلحة الانتخابية فقط لا غير ما يساهم في تهديد التماسك الاجتماعي.

من جهة أخرى هناك عامل إضافي خطير يهدد التماسك الاجتماعي وهو ضرب الخلية الأساسية لأي مجتمع، أي ضرب العائلة.  فإحصاءات التعداد السكاني خلال العقدين الماضيين تفيد أن أكثر من 50 بالمائة من العائلات التي يوجد فيها أطفال تفتقد إلى أحد الأبوين.  فنمط الحياة وتلاشي المسؤولية أدّى إلى غياب أحد الأبوين، وفي معظم الأحوال يغيب الأب.  وتلاشي الأسرة له تداعيات خطيرة على تماسك المجتمع عبر تفشّي الأمراض الاجتماعية كاستعمال المخدرات والإجهاض والطلاق إلخ.

كما لا يمكن التغافل عن ثقافة العنف السائدة في المجتمع الأميركي حيث اللجوء إلى العنف بدلا من التفاوض هو الطريقة المفضلة.  فالأفلام الهوليوودية والتلفزيون والفيديوهات والألعاب الفيديو والرياضة مبنية على تأليه القوّة والعنف.  وإذا اخذنا بعين الاعتبار أن 40 بالمائة من الأميركيين يملكون قطعة سلاح أي حوالي 72 مليون شخص وأن عدد قطع السلاح بين المدنيين يتجاوز 394 مليون قطعة فلا عجب أن تشهد الولايات المتحدة مآسي قتل جماعي من شباب في حالة كئب أو عدميين.  ولا نتكلّم عن الميليشيات الخاصة التي يسمح بها الدستور الأميركي والتي تعترض على وجود حكومة اتحادية.  ما نريد أن نقوله إن في مناخ الانقسامات الحادة على القاعدة العرقية والدينية والطبقية والفجوة المتفاقمة بين النخب وباقي الشعب وتفكك الأسرة وثقافة العنف فإن التماسك الاجتماعي أصبح قاب قوسين. والانفجار الداخلي قد يحصل في أي لحظة في زمن الانكماش الاقتصادي وانسداد الآفاق وثقافة العنف السائدة.

أما النظام السياسي القائم المرتكز على تداول السلطة بين حزبين فلم يعد قادرا على استيعاب المتغيّرات على الصعيد السكّاني والاقتصادي والاجتماعي بل على العكس ساهم في تعميق الانقسام.  فالخطاب السياسي القائم لا يحاول لملمة الشمل بل يغذّي سياسة الاقصاء.  وما ينتج عن ذلك هو تنامي عدم الثقة بين المواطن والدولة. فهناك انشطار واضح تشير إليه جميع استطلاعات الرأي العام بين الحكومة والمواطن بغض النظر عن الانتماء السياسي.  وهذا الانفصام يظهر بوضوح في عدم الرضى للشعب الأميركي لأداء حكوماته على الصعيد الداخلي وعدم رضاه على الخوض في حروب مستمرة.  فأي أدارة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية تسلك سياسة خارجية مبنية على حروب لا تحظى على دعم الشعب الأميركي ما يضعف قدرة أي إدارة في إمكانية خوض حروب جديدة لا يعتبرها المواطن الأميركي ضرورية أو مبرّرة.

العنصر السابع هو الضعف في الموقف السياسي الدولي للولايات المتحدة

نتيجة للعقيدة التي تحكم سلوك الولايات المتحدة بأنها صاحبة “القدر المتجلّي” الذي يصنع “استثنائيتها” فهي تتبع قاعدة اللعبة الصفرية حيث أي ربح لها يجب أن يكون هزيمة للآخرين.  استطاعت تسويق تفوّقها في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية إلى أن انفردت بالقطبية الواحدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي فتعزّزت استثنائيتها ما جعلها تقع في فخ الغرور المفرط وبالتالي إساءة تقدير موازين القوة المتغيّرة وخاصة مع صعود الصين وعودة روسيا.  كما أنها أهملت التعاطي مع حد أدنى من الاحترام والندّية مع حلفاءها الأوروبيين الذين يشكون أيضا من تردّي في نوعية قياداتهم السياسية.  وبناء على ذلك ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء فادحة كاحتلال أفغانستان والعراق بكلفة بشرية وعسكرية واقتصادية ومالية ساهمت في تسريع وتيرة التراجع فالأفول فالانهيار المرتقب.  وبينما كانت منهمكة في حروب عبثية كانت كل من روسيا تعيد بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية بعد زوال حقبة بوريس يلتسن، وكانت الصين مستمرّة في نموها الاقتصادي إلى أن أصبح تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة. وليس بمقدور الولايات المتحدة تغيير ذلك الواقع.  كما أن ضعف الموقف الأميركي يكمن في أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تقديم رؤية سياسية خارجية وأو عروض مغرية لتحصين تحالفاتها.  ففي اجتماع مجموعة ال 7 التي عقدت في كورنوال في المملكة المتحدة في شهر تموز/يوليو 2021 لم يستطع الرئيس الأميركي تقديم برنامج مقنع لردع صعود الصين وخاصة مشروع الحزام الواحد والطريق الواحد.  اكتفى بتوصية ضرورة “بناء أفضل” دون تحديد المضمون وكيف.  ليس لدى الإدارة الأميركية سياسة غير سياسة العقوبات التي تضر بمن يفرضها أكثر بمن هو مستهدف كما تبيّن بفشل سياسة العقوبات ضد العديد من الدول.

العنصر التاسع هو حال الانكار لموازين القوّة والتناقضات الداخلية بين مكوّنات الدولة العميقة.

الضعف الأميركي في طرح سياسي مقنع تفسّره حالة الانكار لموازين القوة.  فالمواقع الالكترونية التابعة لمراكز الأبحاث الأميركية وللمجلّات المختصة كفورين افيرز وفورين بوليسي والمجلس الأطلسي على سبيل المثال والتي هي مختبرات السياسة ومرتكزاتها فمعظمها (كي لا نقول جميعها!) تقلّل من قوة الدول المنافسة لها على كافة الأصعدة وتضخّم القدرات الأميركية وتسوّق لاستعمال المزيد من القوة عندما تفشل القوة في تحقيق الأهداف.  من يقرأ تلك التحليلات الصادرة عن تلك المراكز يشعر كأنه على كوكب آخر لا علاقة له بالواقع. وعلى ما يبدو فإن النخب التي تساهم في صنع القرار مقتنعة أو أقنعت نفسها بسردية “الاستثنائية” الأميركية التي لا تخطيء!  بالمقابل فإن الدولة العميقة أو السلطة الحقيقية لها مصالح لا تتماهى بالضرورة مع مصالح الدولة الوطنية بل تفرض مصالحها عليها كي تتبنّاها.  ولكن حتى لو سلّمنا بأن مصالح مكوّنات الدولة العميقة هي مصالح الدولة الأميركية فإن التناقضات بين المصالح تضاعف العجز في القدرات التي تجعل الدولة العميقة تسعى إلى توترات في العالم تضبط إيقاعها دون أن تتحوّل إلى مواجهات شاملة لا تستطيع تحمّل كلفتها.  فعلى سبيل مثال عن تلك التناقضات نشير إلى أجندة البيئويين الشباب في الحزب الحاكم ولوبي النفط والفحم. فهم على تناقض في المصالح وكلاهما من حمل بايدن إلى الرئاسة.  فكيف سيوفّق الرئيس الأميركي بين هاتين المجموعتين؟

ومع تراجع القدرات الأميركية والتغيير الحاصل في ميزان القوّة لصالح دول صاعدة تصبح قدرة الدولة العميقة على ضبط إيقاع وتيرة التوترات الموضعية صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة.  فهي مضطرة إلى اللجوء الى التسويات دون أن تلتزم بها لفترات طويلة ما يجعل إمكانية الوصول إلى تفاهمات مع الولايات أمرا غير ممكن حيث لا ثقة بها في تنفيذ التزاماتها.

التداعيات العربية

من الواضح أن الانسحاب من أفغانستان يطرح على بساط البحث الوجود الأميركي في كل من العراق وسورية.  تقديرنا هو أن الانسحاب حتمي إذا ما ارتفعت كلفة البقاء.  فالولايات المتحدة في ظروفها الحالية عاجزة عن تحمل أي كلفة بالدم في وجودها في بيئات معادية جدّا.  والنجاح الافغاني سيشجع على تصعيد في العمليات العسكرية ضد القوّات الأميركية.  ليس للوجود الأميركي أي مبرر في بلاد الرافدين وبلاد الشام سوى قضية امن الكيان الصهيوني المحتل.  والتأييد للكيان الصهيوني في الولايات المتحدة يشهد تراجعا ملموسا في شرائح واسعة من الشعب الأميركي قد بدأ بالتأثير على النخب الحاكمة.  فهل المزاج الأميركي مستعد لتحمل ضريبة الدم بسبب الكيان الصهيوني المحتل؟  في المدى المنظور، ربما وإلى حد ما. في المدى المتوسط لسنا متأكدين من ذلك. في المدى الطويل، قطعا لا.  فهل هناك ضرورة إطالة البقاء حتى يصبح الخروج قسريا وبالطريقة المهينة بعد فيتنام وأفغانستان؟

على صعيد آخر، الانسحاب الأميركي لا من أن يقلق حلفاء الولايات المتحدة في الخليج والجزيرة العربية وحتى داخل الكيان الصهيوني.  من الواضح ان ذلك الانسحاب سينجر إلى تحوّلات كبيرة في الصراع العربي الصهيوني لصالح محور المقاومة دون أن يستطيع المحور المناهض تغيير أي شيء في موازين القوّة على الأرض.

الانهيار للمنظومة الفكرية والأخلاقية الغربية

هذا الانهيار في رأينا في غاية الأهمية إن لم يكن الأهم.  للأسف ليس هناك مكان في النقاش السياسي حول دور المنظومة الفكرية في تكوين ميزان القوة علما أن الغرب لم يبخل في ترويج منظومته الفكرية والقيمية التي يعتبرها نموذجية يجب تعميمها على العالم وحتى بقوّة السلام ما يكشف التناقض بين الادعاء في الحفاظ على القيم الإنسانية وفرضها بقوة السلاح!  المشاهد التي اظهرتها وسائل التواصل الاجتماعي كفيلة بتدمير مصداقية الغرب والولايات المتحدة حول “إنسانية” منظومتهم.  لكن هذا حديث آخر لا نستطيع التوسع فيه اليوم ولكن نعتقد أنه أولوية لكل مثقف عربي أن يقاربه.

المحور المناهض للهيمنة الأميركية يقدم مقاربة مختلفة للعلاقات بين الدول والأمم وهي مقاربة تعتمد القانون الدولي والتشريعات الصادرة عن المؤسسات الدولية.  وهذه المقاربة تعتمد قاعدة الربح المشترك للجميع.  بالمقابل الولايات المتحدة والمنظومة الغربية تقدم مقاربة تعتمد نظام القيم والاحكام التي تحددها هي باستنسابية كبيرة تخدم مصالحها فقط على قاعدة اللعبة الصفرية حيث ربح الولايات المتحدة هو خسارة الآخرين. فيا ترى أي

خلاصة

ماذا يمكننا أن نستخلصه من هذه المقاربة؟

أولا، هزيمة الولايات المتحدة على يد حركة إسلامية واضحة للغاية وتداعياتها مدوية.

ثانيا، احتمالات تغيير مسار الأمور من قبل الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص محدودة كي لا نقول معدومة.

ثالثا، حالة الانكار والتخبط مسيطرة على العقل الأميركي وليس هناك من دلائل تشير إلى إمكانية تقبّل ما حصل وبالتالي علينا أن نتوقع المزيد من السياسات العبثية.

ربعا، التداعيات على الوجود العسكري الأميركي في المشرق العربي مطروح على بساط البحث عاجلا قبل آجلا.

خامسا، موازين القوة ليست في صالح الولايات المتحدة لأسباب عديدة اوردناها.

وسادسا وأخيرا، سقوط المنظومة الفكرية والقيمية الغربية والأميركية.  العالم يبحث عن شيء مختلف قد يقدّمه المحور المناهض للهيمنة الأميركية.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.