تحليل سياسي هام … مع حل البرلمان ومجيء الملقي، “الأردن ينتخب” والإصلاح يتراجع
الأربعاء 1/6/2016 م …
الأردن العربي – عن عمون – عمر عساف …
يرى كثيرون في الأردن أن من أسباب استقرار النظام السياسي الأردني قدرة مؤسسة العرش على تنفيس واحتواء أي غضب أو احتقان او احتجاجات تجتاح الشارع، وذلك بحل الحكومة، وأحياناً البرلمان، أو كليهما.
هكذا ببساطة متناهية تصير مؤسسة العرش هي “المخلص” الذي يزيح عن كاهل الشعب الأثقال والأحمال التي ينوء بها ويريحه من “تجبر الحكومات” و”ضعف البرلمانات”.
فبسلاسة تامة يطيح الملك أي رئيس للحكومة سامَ الناس رَهَقا ويأتي بخير منه ممن يتوسم فيه الأردنيون الصلاح والأمانة، ليتكرر المشهد.
بينما يعرف الخبراء أن هؤلاء الرؤساء وحكوماتهم لا يملكون من أمرهم شيئاً وانهم إنما ينفذون سياسات قد يكونون غير مقتنعين بها، وأنْ ليس لهم من الولاية العامة المفروضة لهم إلا النزر اليسير، فيما يتقاسم القصر والأجهزة الأمنية وبعض القوى الفاعلة المنزوية قَصِياً معظم السلطات والصلاحيات.
تراجع الاصلاح
وعلى رغم إصرار القصر على التأكيد ان البرلمان الأخير سيأخذ كامل فترته الدستورية، تمهيداً لإنتاج الحكومات البرلمانية، فإنه منذ نشأة الدولة حتى الآن لم يكمل برلمان مدته الدستورية، لينتهي مصيره إلى الحل.
كل هذا لم يكْـفِ أركان الحكم، فبعدما دانت لهم الأمور مع الهجمة المرتدة على القوى الإصلاحية، رجع النظام عن كثير من المظاهر والمكاسب الإصلاحية التي اضطر إليها تحت وطأة قوة الحراك الإصلاحي في السنوات الثلاث الاولى من عمر الربيع العربي.
فقد كان الأردن من أكثر المستفيدين من انتكاس الثورات العربية وخصوصا ما يجري في سوريا المجاورة، فتمكن النظام من تفتيت الحراك الاصلاحي بفضل سياسة “العصا والجزرة” والطعن في رموز الاصلاح.
وتمت السيطرة شبه الكاملة على وسائل الإعلام، وقمع الصحافة الحرة وتكبيلها بمجموعة قوانين سالبة للحريات، في مقدمها قانونا منع الإرهاب والجرائم الإلكترونية، وتوقيف صحافيين وناشطين بسبب مقالات وآراء وإحالتهم على محكمة أمن الدولة العسكرية.
كما ضربت قانون الاجتماعات العامة عرض الحائط وصار رفض أو منع مسيرات واعتصامات واحتجاجات خلافا للحق الدستوري ولما هو منصوص عليه بالقانون فعلا يوميا. وتعداه إلى استخدام القوة في فض أي حراك سلمي، والاعتداء حتى على “نواب الأمة” المشاركين فيها واعتقال وتوقيف عدد كبير من الناشطين.
هذا كله لم يكن ليتسنى للسلطات سابقاً، لولا ما قام به النظام وأجهزته الامنية وأذرعها الاعلامية من تخويف الناس من المطالبة بالحريات والإصلاح ومحاربة الفساد وتوسيع هامش الديموقراطية والتشكيك في نيات الاشخاص والمؤسسات المدنية المطالبة بالاصلاح واتهامهم بالعمل لحساب جهات خارجية مناوئة للبلاد.
حكومة النسور
ولعل حكومة عبدالله النسور، وشخص الرئيس تحديدا، كانت أفضل مثال على سلب السلطة التنفيذية الولاية العامة، وخصوصاً مع التعديلات الدستورية الأخيرة، التي سحبت بعض الصلاحيات لمصلحة مؤسسة العرش، وضربت رأي الشارع عرض الحائط، بعد السماح لحاملي الجنسيات الأخرى من الأردنيين بتولي المناصب العليا والعامة كالوزارة والنيابة.
فالنسور سجل أطول مدة في رئاسة الحكومة في عهد المملكة الرابعة (ثلاث سنوات ونصف سنة) مثلت بمجملها تراجعات غير مسبوقة للحكومة عن ممارسة واجباتها الدستورية… وغيابها عن بعض الملفات المهمة، وخصوصاً الملفين الأمني والاقتصادي، باستثناء الجانب الجبائي الذي ميز هذه الحكومة عن غيرها وسبب غضباً واحتقاناً لافتاً في الشارع.
وسجلت في عهد النسور تراجعات ملحوظة في الحريات وحقوق الانسان وتزايد معدلات الفقر والبطالة وتجاوز المديونية العامة للدولة الخطوط الحمر (35 مليار دولار أميركي تقريبا، أي ما نسبته 92 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، بينما القانون، بعد تعديله، يسمح بـ80 في المئة فقط.
حكومة الملقي
صحيح ان اسم الرئيس المكلف هاني الملقي لم يطرح بقوة في بورصة خلفاء النسور في رئاسة الحكومة، وصحيح كذلك أنه ليس لدى الرجل ما يمكن ان يرشحه لهذا المنصب في الفترة الحالية التي يفترض أنها فترة رئاسة حكومة موقتة (إجراء الانتخابات النيابية فقط بموجب الدستور).
وإذا كان لدى الملقي مشروع، فهو لن يستطيع تنفيذه في أشهر أربعة، ستنشغل فيها حكومته بمعاونة الهيئة المستقلة للانتخاب في إجراء الانتخابات النيابية التي لا يتشجع لها كثيرون.. للأداء المتردي للبرلمانات السابقة، نظراً الى ضعف دور البرلمان أصلاً وتحكم السلطة التنفيذية في نوعية النواب الذين يصلون اليه.
غير أن أبرز ما ميز الملقي في مسيرته السياسية، اندفاعه القوي نحو توثيق السلام مع الاسرائيليين، منذ كان في الوفد المفاوض قبل 24 سنة، وقت تراجع كثير من المتحمسين عن حماستهم للعلاقة مع اسرائيل، المرفوضة شعبيا، وأيضاً لا يحبذها عدد من الفاعلين في عملية اتخاذ القرار السياسي.
ولكن هنالك سيناريو مطروح، مرتبط بهذه الميزة، هو ان فترة إدارة الانتخابات ستمكن الملقي من التمرس في الإدارة العامة، وتالياً تفسح له في المجال لتأليف حكومة اخرى بعد انعقاد البرلمان المقبل، فيما يتبلور مشروع يرى كثيرون أن التغييرات الأخيرة هي تمهيد لتغييرات آتية في إطاره كثرت التكهنات حولها… فهل يكون الملقي من تلقى على كاهله مهمة التنفيذ؟
التعليقات مغلقة.