المحامي محمد احمد الروسان يكتب: نزاع عسكري في أوكرانيا مع الروس سيغير هياكل أمن أوروبا
المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 4/9/2021 م …
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …
*********************************************
* الأمريكي وقع مع الارهاب المعولم الذي صنعه في الدوحة.
** صراع الجمر البريطاني الأمريكي الخفي حسيسه يسمعه الجميع: تصريحات والاس الأخيرة نموذج حي
في المعلومات والمعطيات والمؤشرات، وبعد التحليل والهندسة، نجد أنّ الأمريكي بدأ العبث في الداخل الروسي بعمق هذه المرة وسرّاً، وعبر مؤسسات المجتمع المدني الروسية المتعددة، والتي هي بمثابة نوافذ استخباراتية غربية وأمريكية تستفيد من مسارات واستثمارات العولمة، وتحت عناوين مختلفة، لأضعاف هياكل حكم الرئيس فلادمير بوتين، لتحريك أطراف غير وازنة من الشارع الروسي لتعم الاحتجاجات وتتعمق، وعبر السورنة للمسألة الأوكرانية بتجلياتها وتداعياتها، والأكرنة للفالقة الاستراتيجية السورية، ذات الصدع الزلازالي الأممي.
فصار الروس أكثر توقاً وشوقاً في السعي الى تأسيس لبنات نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بالتعاون مع الصين وايران ودول البريكس، يولد من رحم الأزمات عبر ما وفّره ويوفّره الحدث السوري، والان الحدث الأفغاني في شبه القارة الهندية، والحدث الأوكراني، والأخير وكما ذكرنا ونذكر نتاج طبيعي لحالة الكباش الروسي الأمريكي الحاد في سورية، بل أنّ شكل العالم الحديث بدأ تشكيله وتشكله من سورية، والأزمة الأوكرانية ما هي الاّ داعم آخر على طريق المتعدد القطبية، يلحقها الان الحدث الافغاني الطالباني، بمخاضاته المختلفة والمتعددة وغير المكتملة والولادة عسيرة، وخيار العملية القيصرية هو الخيار الوحيد، مع التأكيد أنّ حركة طالبان نتاج وكالة المخابرات المركزية الامريكية ومنذ عام 1996م، والى حد ما تنسق مع العولمة بعد البدء بتنفيذ اتفاق الدوحة الشهير(الوهابية القطرية شطبت الوهابية السعودية)، فكانت اللقاءات في الصين بعد الاتفاق مع الامريكان في الدوحة نتاج سنوات الحوار المثمر، والصين تستفيد من العولمة وليست ضدها بالمطلق، ومن يقود الان هو كارتل النظام العالمي الجديد الذي حل محل القديم، برحيل ترامب عن البيت الابيض.
الكارتل الحاكم في مفاصل وتمفصلات الفدرالية الروسية، يدرك بفعله المتصاعد ورصده عبر قرون استشعاره، لجهاز المخابرات الاوكراني ومن له علاقات به من كوادر أجهزة المخابرات الأخرى من الدول الصديقة لكييف، أنّ منظومة الحكم في كييف، تسعى وتضغط بكافة الاتجاهات لاعادة اقتطاع اقليم جزيرة القرم من أراضي الفدرالية الروسية، والحاقه بجغرافيتها وسيادتها(القرم عادت الى الفدرالية الروسية باستفتاء شعبي عريض وهي أصلاً أرض روسية بامتياز)، وتعمل من الان كييف، على توظيف العلاقات مع جو بايدن الرئيس الامريكي ونائبته كالا هاريس لتخليق مسارات ذلك، مع العلم انّ جو بايدن له علاقات ممتازة كشخص مع الدولة العميقة في أوكرانيا.
وتضغط كييف وبالتنسيق مع كارتل الدولة العميقة في واشنطن على كثير من الدول الغربية وخاصة العربية على دعم هذا المسعى لكييف من جديد، دون أدنى ادراك أنّ ذلك سيقود الى حالة من عدم الاستقرار في اقليم جزيرة القرم، وحرية الملاحة في البحر الاسود، كما سيقود الى تدمير علاقات الدول العربية مع موسكو، خاصة تلك الدول التي لها علاقات متميزة مع روسيّا وبنفس الوقت حليفة لواشنطن.
كما تسعى كييف مع الدولة العميقة الامريكية لفرض مزيد من العقوبات على موسكو في حالة رفضها ومقاومتها لأي فعل في هذا الاتجاه، لغايات ابقاء أوروبا كخزّان عداء لموسكو.
المخابرات الروسية تعي جيداً، أنّ واشنطن تعمل على تحويل النفط من سلعة الى سلاح لمحاربة روسيّا وايران وفنزويلا وجلّ دول البريكس في أبشع صور وتجليات الخبث السياسي، بالمقابل تتلمس موسكو وترصد بقرون استشعاراتها شعور واشنطن بضعف قوتها، من خلال سعي الأخيره لتوريط بعض حلفائها في المنطقة في شكل جديد قديم من الأستعمار، فبعد أن سحبت و\أو اعادة انتشار، واشنطن لقيادة أسطولها الخامس من البحرين، ها هي لندن شارفت على الأنتهاء من بناء قاعدة عسكرية مقابل القاعدة العسكرية الفرنسية في الأمارات بالأتفاق مع مملكة البحرين، وكلا الدورين البريطاني والفرنسي في سياق التعاون والتكميل للدور الأمريكي وتابع له، وان كان الدور البريطاني والذي هو أصلاً في جوهره وباطنه دور صراعي مع الأمريكي(تصريحات والاس وزير الدفاع البريطاني، كشفت عن رأس جبل الجليد في الصراع البريطاني الأمريكي الخفي من تحت الطاولة والقادم أعظم)، ويسعى لأستعادة مناطق نفوذه التي خسرها بعد الحرب العالمية الثانية، بعكس الفرنسي الملتهم بالكامل أمريكيّاً ويحاول هذا الماكرون اللعب بالهوامش الممنوحه له من قبل الأمريكي بعد الخروج البريطاني من الأتحاد الأوروبي لتوريطه مع ألمانيا كأكبر قوّة اقتصادية في الأتحاد الأوروبي، وأعتقد أنّه من باب التكتيك وافقت لندن أن تشترك مع باريس في خدمة المجال الأمني القومي الأمريكي إلى حين أن تلوح اللحظة التاريخية الأنجليزية، وان كانت تصريحات والاس والتي هي بايعاز من مجلس اللوردات البريطاني الحاكم، تؤشّر على قربها لهذه اللحظة الانجليزية المستعرة، كجمرة حسيسها بدأ يسمعه الجميع.
المؤسسة السياسية والأستخبارية والعسكرية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وخاصة في السنوات الأربع القادمة من عهد جو بايدن ونائبته كالا هاريس، وبالتماهي والتساوق والتنسيق مع جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ) و وول ستريت وشركات النفط الكبرى، يسعى الجميع لتدمير الوجود الروسي في المنطقة، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث مجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني والفرنسي بالتعاون، مع استخبارات البنتاغون والاستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في أوكرانيا، كنتيجة للاستعصاء في المسألة السورية وتماسك صلابة الموقفين الروسي والصيني والإيراني.
بعد ضم القرم، فنحن أمام يالطا جديدة أنهت يالطا القديمة، وحالات الخلع الاستراتيجي ومحفزاته وتراكيبه في المنطقة ومن المنطقة، والإرباكات الأمريكية المقصودة للشرق الأوسط لغايات هيكلة وهندرة الوجود الولاياتي لهذا النفوذ.
والعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي وبتوجيه من البلدربيرغ الأمريكي وعبر المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي، تبني آمال كبيرة مع(تعويلاتها)الأفقية والرأسية على حليفها الشرق الأوروبي(أوكرانيا) بسلطاتها وكارتلاتها العسكرية والأقتصادية، ودورها الكبير في تهديد كينونة ووجود الفدرالية الروسيّة واعاقة صعودها الهادىء والثابت والمتواصل، عبر نشر القدرات العسكرية الأمريكية المختلفة وقدرات حلفائها في الناتو، وتوظيفها وتوليفها في اشعالات للثورات الملونة من جديد، وعلى طريقة ما سمّي بالربيع العربي كي تجعل من الجغرافيا الأوكرانية وعبر حكّامها المستنسخون الذيليون للكابوي الأمريكي، كحاجز رئيسي في الفصل بين الفدرالية الروسية وشرق أوروبا القارة العجوز المتصابية، ما بعد ضم القرم الى روسيّا عبر استفتاء شعبوي ديمقراطي نزيه، بعد خسارة واشنطن والناتو من ميزات استخدام السواحل الأوكرانية في السيطرة والنفوذ على منطقة البحر الأسود، بسبب تداعيات الضم الروسي لقرمه عبر استفتاء شعبوي عميق، وأمريكا تدعم حرب أهلية في أوكرانيا وتصدر السلاح للجميع هناك.
لسنا من عراة الفكر عندما نتساءل التساؤل التالي هنا، وعبر هذا القول المحفّز للتفكير على دقة الوصف: من المعروف للجميع أنّ(العاهرة)أي عاهرة، لا تعلن توبتها الاّ بعد أن تلفظها الحياة بتعبيراتها المختلفة، وعبر الكبر والهرم نحو فتاة أخرى تصغرها وأجمل منها، وأكثر أنوثة واثارة بل تفيح بالأنوثة فيسيل اللعاب الذكوري وأحياناً الأنثوي ان كانت العاهرة سحاقية، في هذه اللحظة التاريخية فقط تعلن توبتها، فهل متوكلي عاهرات الارهاب المعولم في الداخل الامريكي، وهم معروفون، لم يعلنوا توبتهم بعد امتثالاً للقيم الامريكية مثلاً؟ رغم دمويتهم وأساتذتهم، في صناعة فرق الموت في السلفادور والعراق وسورية وليبيا ومالي والجزائر، والآن يقدّموا أوراق اعتماد جديدة لجنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ)عبر تصريحاتهم وأفعالهم السريّة والعلنية الأخيرة، ليصار لأستدعائهم من جديد، لأنشاء فرق الموت في الداخل الأوكراني ومن جديد وبنسخ أعمق من السابقة، كون جوزيف بايدن قرر التسخين مع روسيّا، من عقود استخدام اليمين المتطرف في الغرب الأوكراني وممن اكتسبوا مهارات القتال في الداخل السوري من بعض شيشان وبعض شركس وبعض تتر وبعض عرب، عبر منظومات الجهاد العالمي ازاء الفدرالية الروسية؟ ولنا في عاهرة الشمال السوري(ما تسمى بقوّات سورية الديمقراطية”قسد”والتي هي ليست بسورية ولا ديمقراطية ولا قوّات عسكرية بل ميليشيا عميلة كميليشيا لحد في الجنوب اللبناني سابقا)خير انموذج في العمالة والخيانة المعولمة، حيث بدأت بتفكيك تحصيناتها في أماكن سيطرتها في الشمال الشرقي السوري والشمال ذاته، وتحت اشراف العسكر الامريكي لصالح ما تسمى بالمنطقة الامنة، والتي يسعى التركي الى اقامتها بالتعاون مع الامريكي، بالرغم من أنّ الامريكي متردد، كونه يعلم أنّ أي منطقة آمنة سوف تقوي نفوذات أردوغان في الداخل التركي ضد معارضيه، وهذا ما لا يريده ضمن حساباته الاستراتيجية، كون كارتل النظام العالمي الجديد يريد شطب الدور التركي في المنطقة لكن ليس الان، وان كانت تركيا تكتيكياً تخدم الأمريكي في مفاصل أسيا الوسطى كمغفر عسكري واستخباراتي متقدم له، عبر جهاز المخابرات التركي ومجالاته الحيوية الجيوبوليتيكية.
وثمة سردية أممية معولمة، تتحدث عن تراجعات هنا وهناك للهيمنة الامريكية والقوّة معاً، بسبب حروبها التوسعية لأمريكا، حيث جيشها هو الجيش الوحيد في العالم الذي لا يستريح، مع تعاظم في قوّة خصومها، وصعود قوى اقليمية ودولية أمامها، كايران وروسيا والصين، فجاء الحدث الأفغاني الطالباني، ليمثل نهايات اقصائية ومبكرة للهيمنة الامريكية على العالم، وهذا من شأنه، أن جعل أوروبا تفكر بمستقبلها بعيداً عن واشنطن دي سي، وتأسيس قوة تدخل سريع خاصة بها، بعد أن تجذّرت النزعة الانعزالية لأمريكا وفقدت عزيمتهاوهذه هي مشكلة مفاصل اليانكي الامريكي.
لنفكك المشهد الدولي والإقليمي والمحلي إلى أجزاء، ودراسة كل جزء لوحده على حدا، لغايات فهمه بالعمق المطلوب، قبل إعادة تركيب الصورة من جديد، بناءً على ما تعطيه الأجزاء من ارتباطات وتقاطعات وتباينات اتجاه المشهد العام.
ما هي طبيعة ونوعية ورائحة الحذاء الروسي المرفوع في الوجه الأمريكي المسوّد؟ هل ثمة مخاض مؤلم وحاد بعمق لولادة(ليست من الخاصرة)لشرق أوسط جديد بسمة روسية خالصة تشاركية مع
آخرين؟ هل نجح الروسي الأقرب إلى الشرق منه إلى الغرب، في الذي أخفق فيه اليانكي الأمريكي؟ إذا كان هناك ثمة شرق أوسط جديد بسمة ووسم روسي خالص، وأنّ المنطقة دخلت هذا المسار الحديث مع نهايات صيف هذا العام وبدايات فصل الخريف وفي الثلث الأخير من العام 2021م، فهل هناك أحصنة طروادة روسية كانت تفعل فعلها رأسيّاً وعرضيّاً وبصمت، لأحداث الاختراقات الضرورية لهذا الشرق الأوسط الروسي الجديد وفقاً لعلم المنعكسات؟
وهل أخضع الأمريكي ومعه حلفائه من الغرب تلك الأحصنة الروسيّة الطرواديّة للمتابعة والمراقبة ثم العرقلة في فعلها وتفاعلاتها في المستهدف من الأهداف الروسية المتصاعدة والمتفاقمة في الأهمية؟ وهل فشلت استراتيجيات الإعاقة الأمريكية في عرقلة وإضعاف الفعل الروسي عبر أحصنته المختلفة؟ ومنذ متى تعمل فعلها وتفاعلاتها ومفاعيلها تلك الأحصنة الطرواديّة الروسية؟ هل يمكن اعتبار مثلاً منظومة صواريخ اس 400 الروسية بمثابة حصان طروادة روسي لاختراق تركيا، بعد أن طرقت الأبواب التركية طرقة واحدة فقط، فسال اللعاب التركي المتعدد عسكرياً لها، وبعيداً عن سياقات حلف الناتو؟ وهل ذات منظومة الصواريخ الأس 400 والأس 300 فعلت فعلها في جدار الدولة الإيرانية، بجانب مفاعل بوشهر النووي، ومفاعلات نووية إيرانية أخرى يتم تنفيذها بخبرات روسية؟ وهل يمكن دمج منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية الأس 400 التي تتحصّل عليها تركيا الآن في منظومات هياكل الناتو العسكرية، باعتبار أنقرة عضو فاعل في هذا الحلف وبمثابة غرفة عمليات متقدمة للغرب في أسيا الوسطى والمجال الحيوي الروسي؟
نعم وبكل وضوح، بعد إنهاء عصابات داعش في العراق وسورية(صارت تتلوّن بمسميات جديدة بدعم من تحالفات البورغر كينج وثقافات الماكدولدز والكابوي)ظهر التدخل الأمريكي فجّاً طامعاً متحديّاً، ولكنه سيخرج خروجاً كارثيّاً وأعمق من خروجه من أفغانستان، ومن لبنان في عام 1983 م، وعبر مقاومته عسكريّاً حتى يصار إلى(شلعه شلعاً من جذوره)، كما يسعى هذا اليانكي الأمريكي ومعه المراهقين الغلمان من البعض العربي، على إنفاذ الكيان الصهيوني في جسد المنطقة، مثلما كانت أوسلو 1993 م بوّابة ذلك بجانب وادي عربة 1994 م وقبلهما كامب ديفيد 1979 م، مع سعي حثيث لهذا التحالف الأمريكي مع بعض غلمان مملكات القلق العربي على الخليج، إلى تفجير الأردن من الداخل سياسيّاً وعبر الورقة الاقتصادية وتشابكاتها الديمغرافية، بعد أن قلب الجميع له ظهر المجن، لذا ظهر الملك في السابق محارباً في مناورة عسكرية بالذخيرة الحيّة، في رسائل متعددة للجميع، إن لجهة الداخل الإقليمي، وان لجهة الخارج الإقليمي، وليس للملك من سند سوى الجبل! ونقول له: الجبل أيّها الملك، أي ليس لك سوى شعبك، وليس أمريكا وغلمانها في المنطقة، والتحالف مع واشنطن أكثر خطورة من العداء لها، هكذا المعادلات الحسابية والوقائع والمعطيات تنطق وتتحدث، ولنا في ومن التاريخ العبر والأدلة والقرائن.
عبر الاستدلال والاستقراء واستنطاق المعطيات والوقائع نرى أنّ خارطة طريق تغيير التوازنات الإستراتيجية الشرق أوسطية وبالتالي الدولية، يبدأ بالضرورة من دمشق، وينتهي بالضرورة في دمشق أيضاً خاصةً في ظلّ حالة من الدفع التاريخي الحاد السائدة في العالم .
تحدث المزيد من الخبراء والمحللين الاستراتيجيين الأمميين، عن طبيعة التوازنات الشرق أوسطية الجارية حالياً بفعل الحدث السوري وتداعياته، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات الواقعية، إلى أن منطقة الشرق الأوسط قد أصبحت على موعد مع بيئة إستراتيجية جديدة ذات أفق دولي عميق، بفعل الجيش العربي السوري، والموقف الروسي المتماسك في جلّ المسألة السورية، والفعل الصيني المساند له، بجانب الدعم الإيراني المستمر(الغرب يحاول العبث بإيران ومعه حلفائه عبر لعبة حراك الشارع وإسقاطها على منحنيات الطبقة الوسطى الإيرانية الحقيقية، والتي يمكن الرهان عليها لأحداث التغيرات السياسية المطلوبة، ونقول لهم: إذا كان خازوق ما تسمى بالثورة السورية، والتي ما بقي ثور بريّ من البريّة إلاّ ولقحها وذاق عسيلتها ثم طلقها، قد استغرق عشرة أعوام وأكثر وفشلتم، فانّ خازوق ما تسمى بالثورة الإيرانية التي تنشدونها ومعكم عرب روتانا وغلمانها وحلفاؤكم، سيستغرق مائة عام وأكثر وستفشلوا).
من السورنة للحدث الأوكراني في مجاله الحيوي وهندسة جغرافيته، إلى أكرنة الحدث السوري ضمن حواضن جغرافية سورية الطبيعية، ومن الروسنة الروسيّة لجلّ المنطقة الشرق الأوسطية، إلى الأمركة الأمريكية المضادة للروسنة والساعية لإخضاعها لأدواتها خدمة لسلّة مصالحها الإستراتيجية، فالأيرنة الإيرانية لجغرافيات نفوذات طهران في مجالها الإقليمي والصراع مع العدو الصهيوني، باشتباكات متعددة وعلى مدارج الخطوة خطوة، فالصيننة المساعدة بتنافس للروسي والإيراني في الشرق الأوسط، والوصول على نفوذات على ساحل البحر الأبيض المتوسط عبر مسارات طريق الحرير القديم ومعها إيران أيضاً(أشار الملك عبدالله الثاني إلى ذلك ذات لقاء مع مجلة أمريكية مشهورة، عندما سأله الصحفي في سياقات المسألة الإيرانية قبيل جائحة كورونا العالمية)، وفي أسيا الوسطى بشراسة صامتة تعاوناً مع الروسي والإيراني، وسعي عميق من فلسفة ومسارات الأتركة، وغياب قصري وذاتي كلي للعرب وخاصةً ذووا الفكر البنطلوني الساحلي – خصر ساحل، والذي يقوم بوظيفة الاستداخل للهزيمة بين ثنايانا، حيث الطبخة أمريكية والحطب تركي مطعّم ببعض عربي، والوضع بوضعيات الكاماسوترا عسكرياً في الشمال السوري(بعد أن تعمّد التركي إفشال تنفيذ اتفاق زوتشي في ادلب، وذهابه إلى شرق نهر الفرات ليخلط الأوراق من جديد في الحدث السوري).
إن كان الحزب الديمقراطي بزعامة الرئيس الأسبق باراك أوباما مارس استراتيجية الأستنزاف في المنطقة والعالم والأدارة من الخلف على مدار ثمان من السنيين فترة حكمه(الأكذوبة)، فانّ الرئيس الحالي جوزيف بايدن والد بو وهنتر والذي كان نائبا لباراك أوباما ما زال يحاول ممارسة إستراتيجية تفكيك الأحلاف، من خلال تعميق استراتجيات البلبلة لتعميق الفوضى، بعبارة أخرى هو يمزج بين الإستراتيجيتين ليخرج(بكوكتيل) استراتيجيات تذهب بالولايات المتحدة الأمريكية نحو المزيد من المتاهات، والبدء من بحر الصين الجنوبي والعلاقات مع تايوان، ومحاولة تفكيك العلاقات الروسية الصينية، إن عبر التصعيد ليفاوض، التصعيد المتعدد الأوجه ازاء روسيا في مناطق أوروبا الشرقية وحدائقها الخلفية في أسيا الوسطى، والتهديد بالانسحاب من اتفاقيات الصواريخ الإستراتيجية النووية قصيرة المدى لدفعها للتفاوض والتفاهم(سوليفان مستشار الامن القومي الامريكي، زار مؤخراً سراً موسكو والتقى فلادمير بوتين ولا نتائج)، وان عبر سلّة متكاملة بإعطاء روسيّا مزيد من النفوذ في مجالاتها الحيوية وخاصة مساحات أوروبا الشرقية حيث واشنطن ما زالت تلعب هناك وفي سورية، وتمييع العلاقات مع إيران(هو يحاول قدر استطاعته في ذلك).
والأزمة في المنطقة الشرق الأوسطية، تتحوّا ناراً وشنّاراً، وهي من ستحدد مستقبل غرب آسيا لعشرات السنين القادمة، ومفتاح الحل في هذه الأزمة هو المفتاح السوري، فمن يملك مفتاح سورية ترتفع حظوظه في امتلاك المنطقة(غرب آسيا بأكملها)، لذلك بعد فشل الأمريكي العسكري في سورية على الأقل، يحاول أن ينجح اليانكي الأمريكي وجوقته والكومبارس المرافق له بالسياسة في الملف السوري، كونه لو قدّر له بالسيطرة على سورية كان ذلك ضربة قاسمة لمحور المقاومة من ناحية، وروسيّا من ناحية أخرى، وهذا من جانبه يفسّر أحد أسباب التدخل الروسي والأيراني وحزب الله في الأزمة السورية.
فسورية ليست أفغانستان أشرف غني الفار الى الامارات، وليست طالبان ذات النتاج المخابراتي الأمريكي، وسورية ليست الوادعة تونس الخضراء، وليست مصر التي شلّتها الكامب ديفيد – شلّت أملها، وليست ليبيا المحكومة بكتاب أخضر، وليست اليمن الفقير بفعل جاره الذي يضربه ويعتدي عليه كل يوم تحت عنوان اعادة الرئيس الفار ببرقع النساء، سورية بنسقها السياسي ورئيسها، ليست بلداً على الهامش الخرائطي، يكفي أن تجيّش بعضاً من داخله حتّى يسقط رئيسه، بتظاهرات وأغنيات ومواويل وبرامج اتجاه معاكس ومقالات وتحليلات، تبثها بعض فضائيات عرب روتانا(مش حتئدر تغمّض عينيك).
الأمريكي قدّم تنازلات في بعض ملفات الخلاف، وفي الملف الإيراني يصعّد ليفاوض من جديد، والملف السوري وحزب الله والملف العراقي والملف اللبناني، وكان يحتاج الى تغطية لجلّ ما تنازل عنه في العمق لا في الشكل حتّى لا يجرح في كبريائه، وللتغطية على صفقات سلاحه بمئات المليارات من الدولارات، فذهب الى تسخين الملف الأوكراني من جديد والعبث بأسيا الوسطى لتخريب الساحة الروسية، واثارة دخّان آخر للتغطية عن تنازلاته في الشرق الأوسط، رغم حاجته الى ستاتيكو في الأخير للتفرغ لعدوه القادم روسيّا والصين، والأخيرة تتعملق اقتصاديّاً والأقتصاد الأمريكي صار مرهون الان للأقتصاد الصيني، وبنت بكين جيشاً حديثاً ومتطور، والجيش الروسي بقي قويّاً ومتماسكاً والشعور القومي الروسي تنامى وتنامى عبر بوتين وسياساته، ومجتمع المخابرات الروسي توسّع في مجاله الجيوبولتيكي وصارت له أدواته الناعمة، والتي من شأنها أن تقود الى تغيرات مثيرة في خرائط مجاله الحيوي، وكما هو الحال في تغير البنى السوسيولوجية والأستراتيجية لأوروبا، ان تمادت الأخيرة في تساوقها مع واشنطن، في استهدافاتها للداخل الروسي والخارج الروسي، في مجالاته الحيوية ذات الجزئية الأهم في الأمن القومي الروسي.
فالعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وفي معرض مسارات دعمها لسلطات كييف، المحفوف بالمخاطر على جلّ استقرار القارة الأوروبية العجوز، فهي تشرعن كل أنواع مواجهات هذه السلطات مع المعارضين في شرق أوكرانيا وجنوب شرقها.
الكابوي الأمريكي معروف عنه تاريخيّاً التشدّد والمرونة في السياسات وتنفيذها، حيث هناك في مفاصل الدولة الأمريكية فريق يسعى الى مزيد من التصعيد مع الروسي، في فرض مزيد من عقوبات مشدّدة وتقديم مساعدات عسكرية لسلطات كييف الجديدة(النازيون الفاشست)، وهذا الفريق فريق العصا الأمريكية الغليظة، بسببهم صارت أمريكا الشرطي الأول في العالم، وفريق آخر يظهر شيء من الحكمة والواقعية السياسية والميدانية، وقد يكون الأقدر على فهم متغيرات الزمن، يسعى وبصعوبة نتيجة الصراع والخلاف مع الفريق الآخر، في جعل الباب مفتوحاً بقدر يسير للغاية للوصول الى تقاربات ثم تفاهمات، للوصول الى الحل الدبلوماسي لهذه الأزمة مع الروسي.
هذا الفريق الأمريكي فريق الأطفاء الدبلوماسي للنار التي أشعلتها واشنطن عبر حلفائها وأدواتها في الداخل الأوكراني، ممكن وصفه بالتيّار المعتدل أو أنّه يظهر الأعتدال وينادي بالتريث وتبريد سخونة الأجواء، ويعلن أنّه ليس من الحكمة بمكان حشر روسيّا بالزاوية ورفع سقوف التشنج معها، وفي ظل وجود ملفات مشتركة مهمة على طول وعمق خطوط العلاقات الأمريكية الروسية.
فتحتاج واشنطن لموسكو كثيراً وأكثر من حاجة روسيّا للعاصمة واشنطن دي سي في الملف السوري، والملف الأفغاني، والملف الباكستاني، والملف الإيراني، وملف كوريا الشمالية، وملف الصراع العربي “الأسرائيلي”، وملف تايوان، وفي ذلك رسالة مشفّرة لموسكو، نواة الأخيرة فكّت الشيفرة، وهي لتقديم تنازلات محدودة في ملفات أخرى حتّى في تايوان.
وبحسب قراءات مجتمع المخابرات والأستخبارات الروسية، أنّه وفي ظل الأصطفافات الدولية بسبب الأزمة السورية ونتاجها الطبيعي الأزمة الأوكرانية، تسعى واشنطن وحلفائها ودولة الكيان الصهيوني الدولة المسخ “إسرائيل”، إلى تسخين النزاع بين روسيّا واليابان حول جزر كوريل المتنازع عليها بين طوكيو وموسكو، والأخيرة تنسق مع بكين حول ذلك.
كما أنّ الفدرالية الروسية تعي أنّ فريق الأطفاء الدبلوماسي للنار الأمريكية في كييف، لا يعني ولا يشي أنّ أمريكا تقر بوجود شريك روسي لها، وأنّ هناك قوّة أخرى صاعدة أعادت انتاج نفسها من جديد، فصعدت بقوة وثبات وكان الصعود خطوة خطوة وليس صعوداً صاروخيّاً، كون المعادلة الكونية تقول: أنّ من يصعد بشكل صاروخي سريع يسقط بمثل وشكل ما صعد، وهذا ينطبق على الدول وعلى الجماعات وعلى الأفراد(النخب السياسية والأقتصادية)في المجتمعات والدول.
انّ أي نزاع عسكري في أوكرانيا مع الروس من قبل الناتو والأمريكان سيغير هياكل أمن القارة الأوروبية ويقود الى حالة عدم الأستقرار في أوروبا كلّها، خاصة وأن المعلومات تقول عن تواجد عسكري للناتو هذا الأوان في مناطق أوروبا الشرقية، وهذا ما تم رصده وأكّده تصريح غير مسبوق لقائد قوّات الناتو في شرق أوروبا، والذي سبق أن زار دول الجوار السوري منذ بدء الحدث السوري وفي أكثر من زيارة معلنة وغير معلنة ومنها الأردن.
وروسيّا تعتمد تكتيك النفس الطويل، وهذا هو نفسه سيناريو القرم الذي انتهجته موسكو، حيث الجيش الروسي تمترس خلف الحدود وترك الساحة للحلفاء في الداخل القرمي(القرم)، مع دعم سياسي ومادي ومعنوي وعسكري واعلامي، وذات السيناريو سيكون مع مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، وفي حال تفاقمت الأمور في الشرق الأوكراني وجنوبه، فانّنا سنكون أمام قرم آخر ينظم للفدرالية الروسية، وأثر ذلك على أوروبا والعالم سيكون وخيماً، حيث تتشجّع الحركات الأنفصالية وتطالب بالأنفصال، مما يقود الى حالة من عدم استقرار وثبات الدول وحدودها الجغرافية، وفي النهاية سيكون الشرق الأوكراني قرم آخر انّها لعنة اقليم كوسوفو، حيث تم سلخ الأخير من يوغسلافيا السابقة وجعله كدولة بمساعدة الأمريكي، وثمة تسخينات لجغرافيا وديمغرافيّة كوسوفو كمنتج للأرهاب من جديد لتوجيهه ازاء روسيّا وتركيا، راجع تحليل لنا سابق عبر محركات البحث: البلقان بريد رسائل والقاع السوري سيبلع الجميع.
وبسبب الإخفاقات الأمنية المخابراتية، وعبر فجوة إشكالية المعلومات الأستخباراتية التي عانت وتعاني منها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لجهة الأخطاء في التخمينات والتقديرات وخاصة في المشهد الصيني، والمشهد الكوري الشمالي، والمشهد التايلندي ومناطق جنوب شرق أسيا، وحيال المسرح الإيراني والباكستاني، والمسرح الأفغاني، والمسرح العراقي، والمسرح المصري، والمسرح التركي، والمسرح السوري، المسرح الأوكراني وعقابيله المستمرة، العلاقات الروسية – الصينية ومسارات تطورها، وفي الملف اللبناني – المقاومة وحزب الله، وفي ملف الدولة الأردنية وتداعيات ما سميت بمشروع الفتنة بعد أن كانت انقلاباً مثلاً.
فالوكالة فشلت فشلاً ذريعاً، إن لجهة تقديم المعلومات الضرورية والكافية التي تتمتع بالمصداقية والدقة، في وقتها المناسب والداعمة لقرارات الإدارة الأميركية، وخاصةً قرارات مجلس الأمن القومي الأميركي، و وزارة الخارجية الأميركية، ومؤسسة البنتاغون، ودعم تخمينات وتقديرات مجمّع المخابرات الأميركي، فكانت النتائج مخيبة للآمال وفي غاية السوء.
الاختراقات الأمنية المخابراتية لأروقة الوكالة نفسها ومنشآتها من قبل شبكة المخابرات الإسرائيلية مستمرة وتجري على قدم وساق الآن، جهاز الموساد والشين بيت وآمان، حيث درجت هذه الأجهزة على تقديم تخمينات وتقديرات أمنية وسياسية مغلوطة، ليتم تظليل المخابرات الأميركية ومراكز القرار السياسي الأميركي، لجهة مجريات الأوضاع في الشرق الأوسط، وعرفنا وشرحنا وفي أكثر من تحليل أنف لنا، كيف كان يفبرك كل من السفير جيفري فيلتمان، ودينيس روس الفاعل والمتفاعل بعمله الحالي كمستشار غير معلن لشعبة الدراسات في الموساد الأسرائيلي، بالتعاون مع جارد كوشنير كبير مستشاري البيت الأبيض زوج ايفانكا ترمب، كيف كانا(روس وفيلتمان)يفبركان تقاريرهم إلى رئيس مجمّع المخابرات الأميركي – حيث كان قليل الاهتمام بها ولم يكترث بتفاصيلها – من خلال مكتب المخابرات والبحوث التابع للخارجية الأميركية، حيال الملف الإيراني، والملف السوري، والملف اللبناني- حزب الله، وملف الأوضاع الفلسطينية ومآلاتها، وملف الحراك السياسي الفاعل في الدولة الأردنية وآلية تفاعل مجتمع المخابرات والأستخبارات الأردني معه.
كما أمعنت بالفشل السي أي إيه في التخمينات والتقديرات، لردود أفعال شعوب وحكومات الدول الحليفة والصديقة، لجهة توجهات السياسة الخارجية الأميركية، فتجذّر العداء لأميركا وزاد وتفاقم، ولم تستطع أي ادارة أمريكية أن تحقق فرق ملموس، بما فيها ادارة جوزيف بايدن وحتّى هذه اللحظة، من وضع إستراتيجية مواجهة التحولات والتقلبات، لأمزجة القيادات السياسية للدول وأمزجة شعوبها بما فيها الآدارة الحالية. حيث أدّت تحولات السياسة الخارجية التركية، وعلى المستوى التكتيكي والاستراتيجي، إلى إرباك كل حسابات السياسة الخارجية الأميركية ذات العلاقة والصلة، بملفات الشرق الأوسط، والشرق الأدنى، والبلقان، والقوقاز الشمالي والجنوبي على حد سواء.
وكان لردود الفعل القوية والمنسجمة مع رؤية الدولة، للشارع الأردني المسيس بأطره الشعبوية والإعلامية والسياسية والحزبية والعشائرية، الرافض لأي تدخلات أميركية في شؤون دولته بما يخص حراكه الداخلي، أن أربكت أيضاً السياسة الخارجية الأميركية والتي تنظر، إلى الملف الأردني كمخرجات للملف الفلسطيني، والرهان يكون على تماسك الجبهة الداخلية الأردنية، ضد محاولات أميركية تمارس بالخفاء والعلن على الدولة الأردنية، للقبول ببعض مخرجات مفاوضات التقريب السريّة الحالية بين الفلسطينيين والأسرائليين عبر أطراف أخرى غير معلومة، والتلويح دائماً وأبداً بالورقة الاقتصادية، وما تعاني منه الموازنة العامة للدولة من سوء، مع التذكير أن الملك عبد الله الثاني كان وما زال يعتبر، أنّ القبول بما ترمي إليه هذه الضغوط بمثابة انتحار سياسي، مما يؤكد وباستمرار أن الدولة ورأسها يرفضون ويقاومون مقاومة الرجل المستميت، كل ما يمارس من ضغوط سريّة وعلنية عبر إغراءات وتهديدات، تنوء لقوّتها ولثقلها أوتاد الأرض، والسؤال الآن هو: هل ستصمد الدولة الوطنية الأردنية في مواجهة هذه الضغوط ان لجهة الموضوع الفلسطيني وتشابكاته مع الداخل الأردني، وان لجهة المسألة السورية والوضع الجديد في العراق بعد الأنجازات في الميدان ومكافة كارتلات الأرهاب؟.
وتساوقاً مع مخطط استراتيجية وكالة المخابرات المركزية الأميركية التوسعي “بشراهة”، وما يلقي بأعباء نوعية على كاهل البعثات الدبلوماسية الأميركية، في العالم والشرق الأوسط بشكل خاص، وعلى كاهل ميزانية الدفاع والأمن الأميركية، تتحدث معلومات تم تسريبها لتلك الميديا المقرّبة والموثوقة، ضمن هذا النسق والسياق وتحت عنوان “الهندرة” الأمنية للسي أي ايه وتعزيز عملها الخارجي، حيث أصدر وزير الدفاع الأميركي قراراً غير معلن، برفع مخصصات العمليات السرية الأميركية في اليمن وايران لأستخبارات البنتاغون، بعد زيادة غير مسبوقة في ميزانية الدفاع تفوق 45 مليار$ في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، في سورية وأوكرانيا، وفي تايلند والحدائق الخلفية للفدرالية الروسية بشكل عام، حيث تهدف هذه العمليات السريّة الأميركية المشتركة والتشاركية بين وكالات الأستخبار الأمريكية السبعة عشر، الى تدمير الأهداف المعادية والعمل على بناء الشبكات الصديقة، والقيام بالأستطلاعات وجمع المعلومات واعداد وتمهيد المسرح الميداني، استعداداً للعمليات والمواجهات المحتملة القادمة، هذا وقد برزت التقارير الأمنية المسرّبة بقصد الى بعض مجتمع الميديا المقرّب الواسع الأنتشار، بسبب نوعية وكم المعلومات، بشكل متزامن مع اقصاء بعض كبار ضبّاط المخابرات في داخل مجاميع الأستخبارات الأمريكية في الداخل والخارج.
حيث تم تحميل من تم اقصائه(الضحايا) مسؤولية كل نقاط الضعف والأخطاء والأختراقات الأمنية المخابراتية العسكرية، وما ترتب عليها من نجاحات لحزب الله اللبناني في تعزيز قدراته العسكرية، وصعود حركة طالبان باكستان وطالبان أفغانستان من جديد وبقوّة، وصعود حركة أنصار الشريعة في ليبيا، وصعود الجماعات المسلحة في سيناء من أنصار جماعة بيت المقدس وغيرها وفي دارفور وما يجري في داخلها سرّاً الآن، وحركة بوكو حرام وتصاعدها في نيجريا، ونشاطات للجماعات المسلحة في الجزائر وهي في تصاعد، بجانب ما يجري في تونس في جبل الشعانبي، وما يحضّر الآن للمغرب وموريتانيا، وملف دولة جنوب السودان( اسرائيل أفريقيا).
وتقول معلومات استخبارات، وبعد تفاقمات الأزمة الأوكرانية وثبات النسق السياسي السوري، ومضي الدولة الوطنية السورية في برامجها السياسية والعسكرية، وتماسك الجيش العربي وتماسك القطاع العام السوري، فأنّه وبناءً على توصية مشتركة شارك في بلورتها وزير الحرب الأميركي، ورئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان بالتعاون مع أنتوني بلينكين وزير الخارجية, ووليام بيرنز مدير السي أي ايه، قام مؤخراً قائد القيادة الوسطى الأميركية، باصدار قرار لوحدات القيادة الوسطى، بضرورة استخدام وحدات القوّات الخاصة لتنفيذ المزيد من العمليات السريّة في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً، حيث تقوم القيادة الوسطى الأميركية باعدادات متزايدة للبنى التحتية، التي سوف ترتكز وتقوم عليها العمليات السريّة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية حالياً وفي المرحلة القادمة في الشرق الأوسط، وباقي مناطق العالم ذات العلاقة والصلة بالرؤية الأستراتيجية الأميركية، حيث هناك عمليات سريّة تم القيام بها وعمليات أخرى قيد التنفيذ، وأخرى ما زالت تخضع لمزيد من الدراسة، وبالتنسيق مع المخابرات الأسرائيلية وبعض الدول العربية الحليفة لواشنطن، كلّ حسب قيمته ودوره وحاجة أميركا له.
وبالرجوع الى تلك التقارير نلحظ أنّه، تم اعتماد دولة جيبوتي العربية كنقطة انطلاق للعمليات السريّة الأميركية، الموجهة ضد اليمن والصومال ومنطقة خليج عدن ومناطق شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، لذلك وعبر القيادة الوسطى الأميركية تم تطوير وانشاء قاعدة عسكرية أميركية في جيبوتي أخرى بجانب الموجودة ومنذ سنوات، ونشر فيها مزيد من أسراب طائرات أميركية بدون طيار بشري، وهي ذات القاعدة التي تنطلق منها الغارات ضد بعض الأهداف اليمنية لمساندة العدوان البعض العربي على اليمن وضد الأهداف الصومالية.
ويعترف قادة الجيوش الحربية الأمريكية بوضوح، أنّ العمليات السريّة الأميركية الحالية والقادمة، سوف تزيد الشرق الأوسط سخونةً على سخونة، وبالتالي سوف تؤدي الى تصعيد عسكري في مختلف مسارحه وبؤره الملتهبة، ويضيف أحدهم أنّ هذا التصعيد العسكري المتفاقم، له تاثيرات حيوية وايجابية لناحية، تحفيز ودعم خطط المساعدات العسكرية والمخابراتية الأميركية، حيث تسعى واشنطن من خلالها الى تعزيز المصالح الأميركية القومية في المنطقة، والى دعم حلفائها الأسرائليين والمعتدليين العرب. كما تؤكد قيادة الجيوش الحربية الأمريكية على أنّها ستعمل على نشر المزيد من القواعد العسكرية الأميركية، حيث تتمركز فيها أسراب الطائرات بدون طيار، وبناء القدرات التكنولوجيا المتطورة المربوطة بالأقمار الصناعية، لتوجيه واعادة توجيه الطائرات بدون طيار بشري، وتحقيق القدرات على الأستطلاع وجمع المعلومات ذات القيمة الأستخبارية في المنطقة، ومتابعة دقيقة لمختلف الأهداف ذات القيمة الأستخبارية الأستراتيجية والتكتيكية في المنطقة أيضاً.
والأخطر في المسألة والأمر يكمن، في أنّ القيادة الوسطى سوف تقوم بالاهتمام وباستهداف المسرح الليبي الآن، وبعد دخول وحدات من القوّات الخاصة الأمريكية والفرنسية والبريطانية والجزائرية الى الجنوب الليبي – لا اعلان عن ذلك خاصةً وبعد مقتل الرئيس التشادي ادريس ديبي وغموض المرحلة في تشاد، مع تواجد قوات نخبة اسرائيلية وضباط موساد في تشاد دعماً للمجلس العسكري، كذلك متابعة واستهداف المسرح الأيراني وان عادت أمريكا لأتفاق ايران النووي عام 2015 م ورفعت العقوبات كاملة، وممكن المسرح السوري، لحظة الخيار صفر بالحدث السوري، بالرغم من أنّ البعض يستبعد ذلك، عبر تنفيذ برنامج عمليات سريّة وبالتنسيق مع الأسرائليين، كما تعد برنامج سري خاص بباقي مناطق الشرق الأوسط، وفي الساحات السياسية العربية القويّة والضعيفة على حد سواء، حيث تشكل الساحات السياسية العربية الضعيفة تحديداً، أهم نقاط الأنطلاق والتمركز الأميركي في المنطقة، التي صارت مفتوحة على كل شيء الاّ الأستقرار.
وتتحدث المعلومات باسهاب عن سيناريو قد يحدث في استهداف المسرح الأيراني في حال تم فشل و/ أو افشال اتفاق ايران النووي، حيث ستنطلق العمليات السرية المرجوة من كافة الأتجاهات، المحيطة بايران سواءً كانت برضى الدول المحيطة أو بدون موافقتها، فمن المحتمل الأنطلاق من أذربيجان وتركيا، العراق واقليم كردستان العراقي، أفغانستان وباكستان، تركمانستان وأرمينيا، بحر قزوين وبحر العرب وأخيراً من مياه الخليج.
نعم المؤسسة السياسية والأستخبارية والعسكرية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وبالتماهي والتساوق والتنسيق مع جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ) و وول ستريت وشركات النفط الكبرى، يسعى الجميع لتدمير الوجود الروسي في المنطقة، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث مجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني والفرنسي بالتعاون، مع استخبارات البنتاغون والأستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في أوكرانيا، كنتيجة للآستعصاء في المسألة السورية وتماسك صلابة الموقف الروسي والصيني منها، واصرار النسق السياسي السوري على الصمود ورفض كافة التنازلات من خلال دولة الشعب، بعبارة أخرى، دولة الكل والجميع، لا دولة الفرد ولا دولة الفئة، ولا دولة الطبقة ولا دولة المسؤولين الكبار، ولا دولة التجار وكبار القادة والضبّاط، ولا دولة البرجوازية الطفيلية من جديد، بل دولة البرجوازية الصناعية السورية دولة البرجوازية الوطنية، باسناد الوطنيين السوريين والشرفاء العرب والحلفاء وغيرهم.
ولتفصيل مستقبل القوّة الروسية في جغرافية الشرق الساخن نقول وبعمق:
لقد عزّزت روسيّا من جديد موقفها حين أنفقت موارد قليلة لتحافظ على علاقات متوازنة مع مراكز القوى الإقليمية الرئيسة، وبقيت إيران لاعباً مؤثراً في سورية رغم الضغوط الاقتصادية الأمريكية الهائلة عليها، علاوة على ذلك تزايد تصميم إيران على الاستفادة من إمكاناتها في سورية والمنطقة، وهذا من شأنه ما يزيد احتمالات استمرار واشنطن في معاقبة طهران، يضاف إلى ذلك ما قدمته دول الخليج من موارد مالية وعسكرية قوية لمنع إيران من لعب هذا الدور الحاسم في سورية، وما تزال الصين المتنامية باستمرار، تلوح في الأفق البعيد محاوِلة أن تنأى بنفسها عن شؤون الشرق الأوسط على نحوٍ جوهريٍّ ومبدئي، لكن حقيقة وجودها تجعلها جزءاً من المعادلة.
وعلى خلفية التراجع الأمريكي الواضح في سورية، قامت الولايات المتحدة بعملية مداهمة لتدمير مقرِّ “أبي بكر البغدادي” زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي (المحظور في روسيا وعدد من دول العالم)، وذلك بدعم ضمني من روسيا وتركيا والعراق والأكراد(وفقاً للمسؤولين الأمريكيين)وقبل ذلك أسامة بن لادن، ثم قامت وبشكل فردي بتصفية الفريق قاسم سليماني ورفاقه، ومع ذلك فإن الأمريكيين لم يغادروا حقول النفط السورية، مع تمسكهم بقرار حظر نفطي صارم ضد سورية .
في جميع الاحتمالات، وفي خضم هذه الأحداث الجارية، يُظهر بعض اللاعبين أن أعمالهم تسعى إلى تحقيق مصالح براغماتية محددة تماماً، وأن إرادتهم السياسية تتفوق على القيود الهيكلية القائمة، سواء أكانت تحالفات أم قرارات لمؤسسات دولية أم التزامات مع الحلفاء.
ويبدو أن سياسة “الوكلاء” ذاتها، أي الدول الفردية، لا تنسجم مع المنطق، والإجراءات الدقيقة المحددة التي تنتج عن مجموعات متطورة تحقق فوائد ملحوظة، في حين أن قوة السلطة الهائلة والموارد والأموال لا تضمن النجاح لها.
بعد كل شيء، فإن الخلافات السياسية للحلفاء(الولايات المتحدة وتركيا)حول القضايا الفردية ليست الأولى، ومع ذلك أصبحت الصفقات ظرفية على نحو متزايد، والآفاق الاستراتيجية وراء المهام التكتيكية غير واضحة.
كما أنه من السابق لأوانه شطب سلطة الدول ذاتها، وكما قال كينيث والتز – منظّر أمريكي متخصص في علم العلاقات الدولية: (إن الدول القوية قد تخطئ بالتأكيد، ويمكن أن تكون الدول الضعيفة أكثر نجاحاً في مواقف معينة ومع ذلك فإن الدول القوية أكثر مرونة ويمكن لها القيام بمزيد من المحاولات، ومع ذلك، لدى الأقوياء هوامش أمان أكثر، ما يعني القيام بالمزيد من المحاولات، وإذا كان الأقوياء قادرين على تحمل الأخطاء، فإن أي خطأ قد يصبح قاتلاً بالنسبة للضعفاء).
هذه الأحداث التي تجري تعيدنا إلى واحد من الأسئلة الأساسية لعلوم العلاقات الدولية: ما الذي يجعل البعض أقوى والبعض الآخر أضعف؟ هل هناك صيغة عالمية للسلطة والنفوذ تنتج النجاح في ظل ظروف مختلفة؟.
بُذلت محاولات عدة لإيجاد صيغة عالمية من خلال مقارنة لجميع الدول مدّة طويلة، وما زالت حتى وقتنا الحاضر، وكانت جميعها تعتمد على معايير الاقتصاد والقوة العسكرية، ويذكر أن دراسة أمريكية للقوة العسكرية استخدمت معايير، مثل: حجم القوات المسلحة والإنفاق الدفاعي وإنتاج الطاقة وصهر المعادن والسكان وسكان المدن، ورغم كل هذه النسبية فإن التركيز على الاقتصاد والإمكانات العسكرية هي نماذج في المقارنات العالمية، والمشكلة في كيفية ضبط الفهارس لتأخذ بالحسبان الفروق الدقيقة المختلفة، وقد حاول مشروع بحث روسي(الأطلس السياسي للعصر الحديث)للباحث أندريه ميلفيل وآخرين مراعاة الفروق الدقيقة للدول، بالإضافة إلى التطور التكنولوجي لها ومؤشرات القوة الناعمة.
بدأ المجتمع الدولي يشهد تغيّراً في موازين القوى، من حيث حسابات القدرة والدور، فبعض الدول التي كانت تصنّف صغيرة حسب معايير القياس القديمة من حيث الحجم وعدد السكان والقدرة العسكرية والإمكانات الاقتصادية، أصبحت تصنف أحياناً بأنها دول قوية من حيث الفاعلية والدور والقدرة على التأثير، ما يشكل عجزاً للدول الكبرى القوية عن تحقيق الأهداف المرسومة لها، وتبعا لذلك تزداد الهوّة بين الإمكانات وبين القدرات، ولكن هذا نادراً ما يشكل عائقاً لها، وعلى هذا النحو، فإن أي مؤشر يكشف الإمكانات عن وجود قائد متفوق واحد وعدة قادة غيره بالتوازي، كما يكشف عن كتلة الدول التي تتخلف عشرات أو حتى مئات المرات، ويتم الخروج عن هذا المؤشر حينما يتعلق الأمر بنوعية العلاقات بين الدول، إذ تمثيلاً لا حصراً، تتمتع الولايات المتحدة، دون شك، بسلطة أكبر مقارنة بروسيا أو الهند أو جمهورية الصين الشعبية، لكن سيناريو العدوان العسكري الأمريكي ضد أي من هذه الدول غير وارد، وعلى الأرجح تكون التكاليف المادية الباهظة هي السبب، وكذلك الأمر عند مناقشة عمليات عسكرية محتملة ضد إيران، البلد الأضعف بنظرها وغير النووي، لن تفكر الولايات المتحدة بذلك وما زالت ترفض هذا المسار حتى الآن، لأن تكاليف هذه الحرب كذلك ستكون باهظة جداً، وبمعنى آخر، فإن توازن القوى لا يعطي فكرة عن نوعية العلاقات بين الدول.
معايير ارتباط القوة بالإمكانية أو القدرة التي تمكّن مستخدمها(الدولة)للتأثير على الآخرين وإخضاعهم لإدارة القوى الفاعلة في أي موقف اجتماعي سياسياً كان أم اقتصادياً أم ثقافياً، وتُعد قوّة الدولة من العوامل التي يعلّق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، ذلك لأن هذه القوّة هي التي ترسم أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي، وهي التي تحدد إطار علاقاتها بالأطراف الخارجيّة في البيئة الدولية، ومعيار قوتها هو الوصول إلى أهدافها في استخدام طاقتها التي تسهّل السيطرة على تصرفات الآخرين والتحكم بها، وفي تحليل استخدامات القوّة في الفكر الاستراتيجي فإن ذلك يتم عند استخدام أدوات القوّة العسكرية أو الأدوات الاقتصادية أو العمل الدبلوماسي في القرارات السياسيّة. وتتركز مهام المسؤولية عن كل أداة في تحديد الكيفية التي يتم بها استخدام هذه الأدوات لتحقيق الأهداف خاصة فيما يتعلق بالقرارات الكبرى.
كما لا يعني هذا أن الدولة القوية التي تسيّر الأمور وفقاً لمصالحها واستراتيجيّاتها هي دولة سيئة أو فاسدة، فالسوء والفساد والأنانية أمور مستقلة عن مفهوم القوّة، خاصة وأن هذا المفهوم قد تجاوز في مضمونه الفكري المعنى العسكري الشائع إلى مضمون حضاري أوسع ليشمل القوة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والثقافية والتقنيّة.
إلا أن توفر مقوّمات القوّة هذه لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد الحصول عليها، وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالقدرة على استخدام ذلك في تمكين الدولة من التدخل الواعي لتحويل مصادر القوّة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، فالقوة هي مجرد امتلاك مصادر القوّة كالموارد والقدرات الاقتصادية وحسن إدارتها، والمُكنة العسكرية والسكانيّة وغيرها. أما القدرة فتنصرف إلى إمكانية تحويل هذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين.
كان الاتحاد السوفييتي في عام 1989، قوة عظمى مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبإمكانات ديمغرافية كبيرة “الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة “، وأفضل جيش في العالم. لكنه انهار بين عشية وضحاها وفقاً للمعايير التاريخية، وقد لوحظت خلال ذلك أمور مهمة حول حالة النخب، “انهيار الروح والإرادة”، العدمية الكامنة والسخرية الكاملة في ما يتعلق بالإيديولوجية القائمة، وإبان حقبة انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وإعلان جمهورية روسيا الاتحادية، واستقلال دول الكومنولث الواحدة تلو الأخرى، حدث تدهور وانهيار شديدين في الدولة الروسية داخليّاً (الاقتصاد، التجارة، الاستثمار… إلخ) وخارجيّاً (السياسة الخارجية، المكانة الدولية… إلخ)، حتى أُطلِق على روسيا لقب “الرجل المريض“..
من المثير للاهتمام أن “الأطلس السياسي” الروسيّ كشف عن نظام مهم يرى أن السلطة لا تؤخذ بالحسبان بذاتها فقط؛ بل أيضاً مع اعتماد معايير أخرى كتاريخ الدولة ونظامها السياسي، ونوعية الحياة، والمستوى الفكري والثقافي والاقتصادي وغيره.. ومستوى التهديدات للدولة ومصدرها، ما يدلُّ على أنَّ “صورة العالم” مختلفة بعض الشيء، وبدلاً من المقياس الخطيِّ يظهر مشهد من مجموعات مختلفة من الدول، وكل مجموعة لها بعدها الخاص، بمعنى آخر، توجد الدول الحديثة في حقائق متوازية كما كانت، ولكل حقيقة معايير خاصة بها، نادي القوى العظمى لديه بعد واحد وجدول أعمال، ومجموعة الدول المتقدمة ذات الجيوش الصغيرة نسبياً لها معايير مختلفة وأبعاد أخرى، ومجموعة الدول المتخلفة التي تقاتل من أجل بقائها ولا تزال لديها مجموعة أخر تتخفّى وراءها وتكافح من أجل البقاء.
تتفاقم المشكلة بسبب حقيقة أن هذه المجموعات وجداول أعمالها قابلة للاختراق في يوم من الأيام، ويمكن لدولة من مجموعة القوى العظمى أن تطرق باب الدولة من مجموعة متخلفة أو حتى “رغيدة الحياة” مع جدول أعمالها غير المرحب به دائماً في شكل غارات قصف أو عمليات سرية أو عقوبات اقتصادية مفتوحة وتدخلات سياسية وغيرها.
السؤال الرئيس ماذا يعني كل هذا بالنسبة لروسيا؟ هناك حقيقة يتم تجاهلها بشكل متكرر مع متابعة التطورات الدولية وسرعة نمو الهند وجمهورية الصين الشعبية، وحياة الألمان الجديدة بعد توحيد الألمانيتين، وحضارة كوريا الجنوبية، وديمقراطية سويسرا، إلى أي مدى سيبقى الأمريكيون مثالاً يحتذى به للدول الضعيفة، وماذا عنا؟ نحن مثل المتدربين الذين يُحاضر فيهم آباؤهم ويلوّحون لهم بالعصا كل يوم.
إذا كان “الوكلاء” يحلون محل “الهياكل” في العلاقات الدولية الحديثة، فربما يستحقُّ الأمرُ تغيير العدسة التحليلية التي ننظر من خلالها إلى “الوكلاء”، وبخاصّة الوكيل غير التقليدي مثل روسيا.
ربما يجب أن ننطلق من صفات “الوكيل” بدلاً من الصيغ العالمية التي ندرس بها “الهياكل”.
هذه المسألة مهمة من الناحية المنهجية والسياسية على حد سواء.
في النهاية نحن نتحدث عن مصادر هويتنا السياسية. يمكن لنا البحث عنها في محاولة للتوافق مع معيار عالمي ولكن يمكن لنا أيضاً البحث عنها في أنفسنا تفاصيلنا وتوازن النقاط القوية والضعيفة، وفي نهاية المطاف في تاريخنا وثقافتنا. من الممكن أن نعيد اكتشاف أنفسنا من جديد.
عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:
https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A
منزل – عمّان : 5674111 خلوي: 0795615721
سما الروسان في 5 – 9 – 2021 م.
التعليقات مغلقة.