مساعد الوزير المصري اخطأ في حق الافارقة بوصفهم بـ”الكلاب والعبيد” / عبد الباري عطوان

 

عبد الباري عطوان ( السبت ) 4/6/2016 م …

·       على مساعد الوزير  ان يعتذر..

·       معظمنا كعرب عنصريون وطائفيون..

·       الانهيار الذي نعيشه احد النتائج.. ونحتاج الى اعادة تربية وتثقيف لتجنب الاسوأ.

لم افاجأ شخصيا بالضحة المثارة حاليا في القارة الافريقية، ومحورها وصف مساعد وزير البيئة المصري للافارقة بأنهم “كلاب وعبيد” باللغة العربية، في حالة غضب انتابته خلال مؤتمر دولي انعقد في نيروبي، ومطالبة مندوبة كينيا منسقة لجنة الخبراء الافريقية في الامم المتحدة، مصر بالاعتذار، وحرمانها من تمثيل افريقيا في المحافل الدولية اثر ذلك.

سبب عدم المفاجأة، ان الكثيرين من المسؤولين، بل والمواطنين، العرب يتمتعون بجرعة عالية من العنصرية، ليس تجاه الافارقة والهنود وشعوب اخرى فقط، وانما لبعضهم البعض، بسبب اللون او العرق، او الثروة، ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بتعبيرات مثل “انا خليجي وافتخر”، او “الاردن اولا”، او “فلسطين اولا”، او “المجوس″، و”الرافضة”، و”النواصب”، و”ابناء المتعة”، يدرك جيدا ما اقول.

بعض الاشقاء في السودان كانوا يطلقون وصف “العبيد” على اشقائهم ابناء الجنوب قبل الانفصال وبعده، ويلصقون التوصيف العنصري البغيض بغير العرب في دارفور ايضا، وانا شخصيا شعرت بالصدمة عندما سمعت مسؤول خليجي كبير يصف الرئيس باراك اوباما بـ”العبد”، مثلما سمعت وقرأت اهانات عنصرية الطابع توجه الى الخليجيين وتتهمهم بالتخلف والبداوة من قبل “عرب الشمال”، والعكس صحيح ايضا، ولا ننسى تراثا دمويا هائلا حافل بقصص “الذبح على الهوية”، سواء كانت عرقية او طائفية او مذهبية، ولا نحتاج الى ضرب امثلة.

***

ما اريد قوله اننا كعرب بحاجة الى اعادة تثقيف وتربية دينيا، وسياسيا، واجتماعيا، حول كيفية احترام الآخر والتعايش معه، واحترام ثقافته، ولغته، ولونه، ودينه، لاننا انحدرنا الى الدرك الاسفل بعنصريتنا وطائفيتنا ونفختنا الكاذبة، ولعل ابرز مظاهر هذا الانحدار الحروب الطائفية والتقسيمات العرفية المشتعلة في اكثر من بلد عربي، وتقتات على كراهية واحقاد تغذيها وسائل اعلام ممولة حكوميا للأسف.

عشت في مصر اكثر من اربع سنوات في اوائل السبعينات، حيث حصلت على شهادتي الجامعية الاولى، وكانت مصر تعج بالاشقاء من معظم البلدان العربية الافريقية والآسيوية، وبمنح دراسية من جامعة الازهر والجامعات المصرية الاخرى، ولا ابالغ اذا قلت ان العديد من هؤلاء الطلاب تزوجوا من مصريات، وكانوا يلقون كل الترحيب والتقدير من الحكومة والشعب في مصر، ففي زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت افريقيا تحتل المرتبة الثانية في الاهتمام بعد الوطن العربي، باعتبارها العمق الطبيعي، والرصيد الشعبي والحضاري الاستراتيجي، ومولت مصر معظم حركات التحرير، وارسلت المئات من الائمة لنشر الدين الاسلامي المتسامح دون اي تمنن.

في السنوات الاربعين الماضية انقلبت الامور رأسا على عقب، وتدهورت العلاقات المصرية الافريقية، وبات العرب مكروهين في أعين نسبة كبيرة من الافارقة، وها هي اثيوبيا تهدد مئة مليون مصري برغيف خبزهم ببنائها سد النهضة لتحويل مجرى النيل، بدعم مالي وفني من دولة الاحتلال الاسرائيلي، اما نحن كعرب ننشغل بحروبنا مع بعضنا البعض، وتدمير مراكزنا الحضارية، وتمزيق جيوشنا واضعافها، واهدار ثرواتنا واجيالنا الحالية والقادمة.

العرب تغيروا نحو الاسوأ، ومصر على رأسهم، والسبب هذه الحكومات الفاسدة التي تحكمهم، والفتن الطائفية والعرقية السائدة في صفوفهم، ويجري تلقينها للاطفال في دور الحضانة وتكبر معهم حتى مرحلة البلوغ ليتحولوا الى ادوات قتل، ونشر الكراهية الدينية والطائفية، والنزعات العنصرية.

عندما يقول المسشار محفوظ صابر وزير العدل المصري السابق انه يرفض تعيين ابناء “الزبالين” في سلك القضاء المصري، فلماذا نستغرب ان يصف زميل له يصف الافارقة بـ”الكلاب والعبيد”؟ وحتى عندما اراد المستشار الذي من المفترض ان يكون حارسا للعدالة والمساواة كقاض قبل ان يكون وزيرا، توضيح تصريحاته هذه التي صدرت عنه في برنامج تلفزيوني انطبق عليه المثل الذي يقول “جاء يكحلها عماها”، وانقل عنه تبريره حرفيا “ان مهنة القضاء من المهن المقدسة تحتاج بيئة اجتماعية جيدة لينضج فيها القاضي ويكون غير محتاج”، اي ان بيئة “الزبالين” لا يمكن ان تكون حاضنة ملائمة للقضاء.. هل هناك عنصرية وطبقية اكثر من هذا؟

***

ان ابرز اسباب الانهيار التي نعيشها حاليا، ونرى ترجماتها حروبا ودمارا في بلداننا هو غياب قيم العدالة والمساواة، وتفشي العنصرية والطائفية في معظم اوساطنا وبلداننا، واذا لم نبدأ استراتيجية شاملة وطويلة الامد وسريعا لكشف هذ الارث العفن واقتلاعه من جذوره، واعادة منظومة قيم العدالة والمساواة، واحترام الآخر التي تحفل بها عقيدتنا الاسلامية، وقيمنا الحضارية، فإننا نهرول نحو كارثة حقيقية، ونحن مفتوحو الاعين مثل البلهاء.

اعرف مصر جيدا، واعرف طبيعة شعبها الطيب المتسامح، ولا اعتقد ان مساعد الوزير، الذي اهان الاشقاء الافارقة بزلة لسانه المعيبة، يمثل هذا الشعب، او الاغلبية الساحقة منه، واتمنى ان لا تتردد الحكومة المصرية بالاعتذار عن هذا الخطأ الكارثي، وبسرعة، وان لا تدّس رأسها في الرمال، فالامر جدي ولا يجب التعاطي معه باللف والدوران، وتشكيل لجان تحقيق.. “وخير الخطائين التوابون”.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.