مؤتمر باريس بين المعوقات والاحتمالات / نبيل عمرو

 

نبيل عمرو * ( فلسطين ) السبت 4/6/2016 م … 

* وزير فلسطيني أسبق …

انعقد أمس المؤتمر الذي تم الترويج له طويلا وكثيراً في باريس.

ومن السذاجة المفرطة اعتبار هذا اللقاء كما لو أنه حدث عابر لا معنى ولا قيمة له، وبذات القدر من السذاجة، يمكن ان نصف تعليق الامال عليه بالجدية، ذلك لأن مؤتمر باريس يضم قوىً ودولاً تجمع على أهمية حل القضية الفلسطينية فيما يتصل بالامن والاستقرار الاوروبي تحديداً ، الا ان المعوقات أمام هذه الرغبة الدولية تبدو أكثر قدرة على التعطيل ، وهنا يتعين علينا أن ندخل الى التفاصيل التي هي اساس صنع السياسة والمؤثر الجوهري في خلاصاتها ..

أولاً.. ان امريكا محتكرة مقاولة عملية السلام في الشرق الاوسط، لن تسمح بنجاح اوروبي من حيث فشلت هي واستنكفت بعد جهد طويل وملح أدّاه السيد كيري بشبه تفرغ كامل ولمدة سنة ، وأمريكا ان لم تكن قادرة على انجاح صيغة معينة فهي قادرة تماما على الافشال المباشر وغير المباشر.

ثانيا.. ان اسرائيل وهي الجهة المعنية بصورة مباشرة بالملف الفلسطيني ، تقوم ومنذ أن جرى الحديث عن المبادرة الفرنسية بتدجين اصحاب المبادرة وابتزازهم على مستويين.. الاول .. العلاقات  الثنائية اذ ان الدولة العبرية بحاجة الى تعديلات جوهرية في المواقف الفرنسية تجاه اسرائيلـ وقد بدأت تحصد نتائج ملموسة على هذا المستوى,.. والثاني .. تطويع المبادرة الفرنسية لتتماثل اخيرا مع المطالب الاسرائيلية خصوصا حين توافق فرنسا على ان المفاوضات المباشرة بين الجانبين هي المدخل الاجباري لاي حل ..

ثالثا.. الفلسطينيون من جانبهم ومن خلال استمرار الانقسام ، وتمزق وضعهم الداخلي عموماً يشكلون ان لم نقل عقبة فعلية ، فوضعهم الداخلي يصلح بالنسبة لاسرائيل كذريعة للتهرب من أي التزام جدي في اي عملية سلام معهم.

يضاف الى هذه المعوقات الثلاثة، معوق موضوعي اشمل ، هو الحرب الدائرة في الجوار العربي وبوجه خاص في سورية حيث حلقة مركزية من حلقات الصراع العربي الاسرائيلي يتوقف مصيرها على خلاصة هذه الحرب.

الا ان هذه المعوقات لا تلغي الاحتمالات التي ينطوي عليها لقاء باريس ، وهي احتمالات مستقبيلة اكثر من كونها راهنة وقريبة المدى ، واقرب هذه الاحتمالات الى المنطق ، ان يدخل الملف الفلسطيني الاسرائيلي كجزء من الترتيبات الدولية المتعلقة بالشرق الاوسط ، بعد ان تضع الحروب المشتعلة اوزارها .

 وفي هذا السياق تكون المبادرة الفرنسية ومؤتمر باريس نقطة البداية لمسار جديد يبدو ان اكثر القوى الاقليمية جدارة بادارته هي مصر، واذا ما قرأنا بصورة موضوعية الموقف المصري كما أعلنه الرئيس السيسي، فقد دعا الرجل الى ازالة العقبات امام مسار جديد ومن ضمنها استقطاب التأييد الامريكي وترتيب الوضعين الفلسطيني والاسرائيلي ليكون اكثر جاهزية لخوض محاولة جديدة لصنع السلام.

ولكي تنجح هذه المحاولة فلا مناص من انهاء الانقسام الفلسطيني اولا وتغيير التركيبة الحكومية في اسرائيل ، ورفع التحفظ الامريكي التقليدي على دور الاخرين في العملية السياسية الشرق اوسطية.

واذا كان هذا كله ممكناً ، اذ لا مستحيل في السياسة ، فإن وقتاً طويلاً نحتاجه لجمع العناصر المشجعة وتنسيقها والامر اذا بحاجة الى سنوات ، هذا اذا لم تقع مفاجآت سلبية تعيد الامر الى نقطة الصفر، والشرق الاوسط معروف بهذا التقليد الذي جعله مضطرباً الى ما لا نهاية .

بالنسبة للفلسطينيين وهم الحلقة الاضعف في السلسلة، فدورهم مركزي في تحديد مدى الجدوى من اي تحرك سياسي اقليمي ودولي فإذا ما بقوا على حالهم من التمزق الداخلي ، فكل مؤتمرات الكون وترتيبات العالم عاجلا ام آجلا لن تنفعهم، فمع انتظار خلاصات التحركات الدولية لابد من مبادرة فلسطينية داخلية، تؤهلهم كطرف في معادلة كبرى لا يسمح لغير المؤهلين بالمشاركة فيها.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.