العلاقات السعودية الأميركية: نحو انعطاف استراتيجي؟ / ليلى نقولا

يبدو أن المنطقة مقبلة على خلط أوراق عديدة، منها رغبة الأميركيين في توسيع نفوذ بعض الدول الخليجية الأصغر على حساب “الشقيقة الأكبر”، السعودية.

بعد مطالبات حثيثة من أهالي ضحايا الـ11 من أيلول/ سبتمبر، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً برفع السرية عن وثائق التحقيق التي بقيت سرية لغاية تاريخه، على أن تكشف خلال الأشهر المقبلة. وكشفت باكورة الوثائق، التي رفعت عنها السرية، عن تورط أحد موظفي القنصلية السعودية في لوس أنجلس، عمر البيومي – تقول الوثيقة إنه عميل للاستخبارات السعودية – في مساعدة المهاجمين.

وعبّر السعوديون عن استيائهم من قرار الإدارة كشف الوثائق، واعتبروا أن المذكور في تلك الوثائق غير صحيح، في ظل تشنج واضح في العلاقات بين البلدين، فهل تبدو العلاقات السعودية الأميركية على مفترق طرق؟

الجواب يبدو نعم، بالرغم من تزايد التأكيدات الأميركية لمحورية الدولة السعودية وأهميتها كشريك وحليف للولايات المتحدة الأميركية، ولكن الحقيقة أن التغيّر في النظرة إلى السعودية، داخل الولايات المتحدة الأميركية، مستمر منذ هجمات الـ11 من أيلول/ سبتمبر 2001، وعبّر عنه بشكل واضح الرئيس الأميركي باراك أوباما.

– عهد بوش الابن (2001- 2008)

بالرغم من تورط العديد من المواطنين السعوديين في هجمات الـ11 من أيلول/ سبتمبر، بقيت العلاقة جيدة بين السعودية والإدارة الأميركية، وخاصة أن السعودية أدانت العمل الإرهابي، وتعاونت مع الأميركيين، معتبرة أنها نفسها تعرضت لإرهاب “القاعدة” من قبل.

ومن ضمن مبادرة الشرق الأوسط الموسع، التي سوّقت لها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، دعا الأميركيون إلى تغيير المناهج التربوية السعودية لنبذ التطرف والدعوة إلى التسامح الديني، لكنّ شيئاً لم يحصل. غضّ الأميركيون النظر لحاجتهم إلى الدعم الخليجي في حروب العراق وأفغانستان.

–  مرحلة أوباما (2009- 2016)

توترت العلاقة الأميركية السعودية بشكل كبير خلال عهد أوباما، فقد اتهم السعوديون الإدارة الأميركية بدعم التغيير في العالم العربي عبر دعم الثورات العربية التي أطاحت، في السنوات الأولى، أو هدّدت، حكم حلفاء السعودية في المنطقة.

وفي ما بعد، وبعد الكشف عن المحادثات السرية التي كان يعقدها الأميركيون مع الإيرانيين، ثم بعد توقيع التفاهم النووي مع إيران عام 2015، تشنّجت العلاقات بين الطرفين، وعبّر السعوديون عن استيائهم خلال زيارة أوباما للسعودية، بالإخلال بالبروتوكول الرسمي، وعبر تصريحات متفرقة تتحدث عن “افتراق” سعودي أميركي.

–  عهد ترامب (2017- 2020)

كانت علاقة ترامب بولي العهد السعودي ممتازة، فقد أنفق السعوديون مئات المليارات من الدولارات على صفقات أسلحة واستثمارات في الداخل الأميركي، وأقيمت حملة علاقات عامة لتسويق الإنجازات والانفتاح والتطور التي تعيشها السعودية في ظل حكم محمد بن سلمان، وبارك ترامب الحصار الذي تمّ فرضه على قطر.

لكن مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا أحرج ترامب وإدارته، بعدما ساد استياء عارم في الأوساط الإعلامية والأكاديمية والسياسية في الولايات المتحدة، وازدادت المطالبات بإنهاء الدعم الأميركي للسعودية، ومحاكمة ولي العهد السعودي.

–  إدارة بايدن 

اليوم، تبدو إدارة بايدن كأنها استمرار لإدارة أوباما في العديد من التصورات الاستراتيجية في العالم، ويمكن أن نفهم رؤية بايدن للعلاقة مع السعودية، انطلاقاً من “عقيدة أوباما”، التي تمّ شرحها في حديث واسع وشامل مع مجلة “ذي أتلانتك”. كان أوباما “غاضباً من العقيدة السياسية الخارجية التي تجبره على معاملة السعودية كحليف”. وفي حديث مع رئيس الحكومة الأسترالية مالكولم تيرنبول، وصف أوباما كيف تحوّلت إندونيسيا، تدريجياً، من دولة مسلمة متسامحة إلى دولة أكثر تطرفاً وغير متسامحة. سأله تيرنبول “لماذا يحصل هذا الأمر؟”، أجابه أوباما “لأن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين (الإسلاميين) إلى البلد”. وأضاف “في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة”. عندها سأله تيرنبول “أليس السعوديون أصدقاءكم؟”، أجاب أوباما بأن “الأمر معقّد”.

وهكذا، يبدو أن هناك تراجعاً واضحاً لمستوى العلاقات السعودية الأميركية مع وصول بايدن، ونورد بعض المؤشرات:

– منذ وصوله، كشف بايدن عن الوثائق المتعلقة بمقتل خاشقجي، والتي أكدت اعتقاد الاستخبارات الأميركية بتورط ابن سلمان شخصياً في الأمر.

– سحبت الولايات المتحدة أحدث منظوماتها للدفاع الصاروخي وبطاريات صواريخ باتريوت من السعودية خلال الصيف الحالي، بالرغم من حاجة السعودية إلى أنظمة دفاع جوّي متطورة في ظل الهجمات التي يشنّها اليمنيون على الأراضي السعودية، رداً على الحرب السعودية المستمرة على الأراضي اليمنية.

– توقيع السعودية اتفاقية للتعاون العسكري مع روسيا، خلال زيارة نائب وزير الدفاع السعودي لموسكو، في نهاية آب/ أغسطس المنصرم، وصدور تحذير أميركي لجميع شركاء الولايات المتحدة وحلفائها لـ”تجنب المعاملات الجديدة الرئيسية مع قطاع الدفاع الروسي كما هو موضح في القسم 231 من قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات (CAATSA) كاتسا”.

– أعلنت وزارة الدفاع الأميركية إرجاء زيارة وزير الدفاع لويد أوستن للسعودية، التي كانت مقررة ضمن جولته الخليجية خلال الأسبوع الماضي، بسبب “مسائل تتعلق بالجدول الزمني”، بينما استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قصر نيوم في السعودية – في اليوم نفسه – رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي.

في النتيجة، يبدو أن المنطقة مقبلة على خلط أوراق عديدة، منها رغبة الأميركيين في توسيع نفوذ بعض الدول الخليجية الأصغر على حساب “الشقيقة الأكبر” – السعودية، فلا يمكن إغفال الدور الذي يعطيه الأميركيون لقطر بعد انسحابهم من أفغانستان، وللإمارات العربية المتحدة التي افتتحت موجة التطبيع مع “إسرائيل”، وقد يكون لمصر الدور الاستراتيجي المستقبلي في المشرق العربي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.