الحرب على سوريا ودور الجماعات التكفيرية والمتموّلين / مصطفى السعيد
مصطفى السعيد* ( مصر ) – الاربعاء 15/9/2021 م …
* كاتب ومفكر سياسى مصرى
e-mail:Mustafa Saeed <[email protected]>
دخل الجيش السوري إلى درعا جنوب سوريا ليغلق صفحة أخرى من صفحات الهجمة الإستعمارية على سوريا، والتي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، واستخدم أدوات من جماعة الإخوان وداعش والنصرة وغيرها من أكثر الجماعات التكفيرية دموية، ومعهم بعض المتحولين من اليسار إلى الليبرالية لتجميل مشهد العدوان، الممول خليجيا، والتي أعلنت قطر على لسان رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق أنها دفعت 137 مليار دولار لتمويل العدوان، ولنا أن نتصور باقي مساهمات دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة، واستقدام إرهابيين من نحو 90 دولة، بالإضافة إلى المتمولين وعشرات القنوات الفضائية وشراء الذمم والضمائر، وأموال ضخمة لكل من ينشق عن الجيش، والأسعار معلنة. وكان التمهيد بنيران الدعاية الإستعمارية ضروريا لتصوير العدوان بأنه شيء إيجابي بل رائع، وانساق البعض سواء بحسن نية أو بدونها مع تلك الحملات الممولة صهيونيا من دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة، ولم يعد يتبقى أمام تحرير كامل الأراضي السورية إلا جزء من محافظة إدلب، والذي تتواجد فيه الجماعات الإرهابية التي تحركها تركيا، وشمال شرق سوريا، حيث جهزت الولايات المتحدة مجموعات من أكراد سوريا وبعض عناصر المرتزقة وهدفها السيطرة على أهم حقول النفط والعاز، وأخصب الأراضي الزراعية السورية، وحتى نفهم تعقيدات الأزمة السورية علينا تتبع مسارها، والذي بدأ مع خطة الغزو الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق، وكانت الخطوة الأهم بعد الغزو هو التطويق الكامل لإيران وإسقاط نظامها المتمرد على الهيمنة الأمريكية، وتوجه كولن باول إلى سوريا حاملا رسالة إلى رئيسها، فحواها “إستسلم تسلم”، لكن إيران وسوريا رفضتا التهديد، بل دعمتا المقاومة العراقية، وكان على الولايات المتحدة إما حشد كل قواتها لتستكمل خطة إسقاط إيران وسوريا، أو تتمهل حتى تتمكن من إبتلاع أفغانسستان والعراق، وكانت المرحلة الثالثة من الخطة الإستعمارية الأمريكية أن تسيطر على دول القوقاز، لتهدد روسيا من الجنوب بالإضافة إلى الغرب، والزحف نحو الصين حيث الخطر البازغ، لكن الخطة تعثرت بسبب المقاومة العراقية الشرسة، وصعوبة الحرب في جبال أفغانستان الوعرة، فاضطرت الولايات المتحدة إلى الإنسحاب من العراق في يناير 2011، لتعتمد على داعش والجماعات التكفيرية، واستعانت بتركيا ودول الخليج في تنفيذ المخطط البديل، وكانت الخطة غاية في الإتقان والعبقرية، فالولايات المتحدة وأوروبا لن تتكلف شيئا، فالمقاتلون من الجماعات التكفيرية التي جرى جمعها من 90 دولة، كان قد تم نشر الأفكار التكفيرية فيها بواسطة دعاة وهابيين وسلفيين تحت إشراف أمريكي، وهو ما أعلنه محمد بن سلمان في لقاء مع محطات تلفزيون أمريكية عندما سألوه عن دعم الإرهاب، وقال لقد طلب منا الحلفاء نشر الفكر الوهابي ونفذنا ما طلبوه، فلماذا اللوم على تنفيذنا ما طلبتموه. لكن الخطة كانت تحتاج لعمليات تجميل، وضع أقنعة تغطي الجماعات التكفيرية، فتم تغطيتها بشخصيات من منظمات المجتمع المدني المتمولة، وبعض نفايات اليسار العربي، الذين يبحثون عن دور بعد أن يئسوا من أن تحقق لهم الإشتراكية شيئا، خاصة بعد سقوط الإتحاد السوفييتي، وتحول بعض من كانوا يناضلون من أجل الإشتراكية إلى نشطاء في جمعيات حقوقية وإعلام متمول، وشكلوا غطاء للإخوان والجماعات التكفيرية، فكان المرزوقي وجماعته في تونس يغطون حركة النهضة، والبرادعي ومنظمات حقوقية في مصر تغطي جماعة الإخوان، وكذلك كان الحال في سوريا وغيرها، وكان المخطط البديل للحملة الإستعمارية أن تسيطر جماعة الإخوان وباقي الجماعات التكفيرية على المنطقة، وتتولى تنظيفها من كل القوى المناوئة للولايات المتحدة وإسرائيل، وإخلاء الأراضي الفلسطينية من الفلسطينيين ونقلهم لدولة الخلافة، ثم القضاء على المقاومة اللبنانية “الكافرة”، والتوجه إلى العراق وإشعال حرب سنية شيعية، تنهك شعوب المنطقة، وتجعل من السهل إبتلاعها، لكن الخطة تعثرت لأسباب كثيرة، منها أن سوريا لم تسقط بسهولة، بل أبدت مقاومة شرسة، ثم تعثرت جماعة الإخوان في مصر، وحدث إنشقاق في التحالف الإستعماري، بسبب خشية دول الخليج أن تكون هدفا لسيطرة جماعة الإخوان، وانقسم التحالف الإستعماري إلى شطرين، عندما انشقت تركيا ومعها قطر وجماعة الإخوان، والشطر الآخر بقيادة السعودية والإمارات، وكل منهما يتنافس على الحصول على التوكيل من الولايات المتحدة وإسرائيل لإدارة الحرب والسيطرة على المنطقة.
لم تكن الخطة تتضمن إسقاط حكومات البحرين واليمن، لكن في ظل موجة الإضطرابات، اندلعت إنتفاضات أخرى لم تكن في الحسبان، وجرى قمع إنتفاضة البحرين بكل ضراوة، وكذلك اليمن، بمباركة وصمت التحالف الدولي الذي كان يروج للربيع العربي، والذي استغل رغبة الكثير من شعوبها وحلمهم في التغيير، وادعى دعم تلك الإنتفاضات، لكنه كان يعد لسرقتها وتغيير مسارها من إنتفاضات شعبية إلى فرصة للسيطرة الإستعمارية من خلال تقوية ودعم جماعة الإخوان وباقي الجماعات التكفيرية ومعها منظمات المجتمع المدني الممولة، لتتمكن من سرقة وخداع الشعوب المنتفضة، والتواقة لمجتمع أفضل، لكنها وجدت أنها كانت مجرد ضحية وأداة لخطة محبوكة ومنظمة ومدعومة، انتزعت أحلام الشعوب، بل وظفتهم في تحقيق المرحلة الأولى من الخطة، بخلخلة الأنظمة، وتأتي الجماعات المنظمة والمدعومة لتحصد ثمار تلك الإنتفاضات، وتحويل مسارها لخدمة وتنفيذ المخطط الإستعماري.
كانت سوريا تميل مع الريح قليلا عندما لا تكون موازين القوى مواتية للمقاومة، فعند سقوط الإتحاد السوفييتي، وغياب الصين عن الساحة الدولية، وإنهاك إيران في حرب طويلة شنها صدام حسين بدعم خليجي وأوربي وأمريكي، وغياب أي قوة مناوئة للولايات المتحدة دخلت في مفاوضات مدريد، وأخذت تراوغ، ووضعت شروطا صعبة، وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل تتوقعان تنازلات سورية أكبر، وأخذت سوريا تراهن على استهلاك الوقت، آملة في تغيير موازين القوى الإقليمية والدولية، وبالفعل أخذت موازين القوى في التغير تدريجيا، ومعها يزداد الموقف السوري صلابة، وتعرضت سوريا لإغراءات وتهديدات، وكان أهمها حادث إغتيال رفيق الحريري في 2005، واتهام سوريا بالضلوع فيه، ثم عدوان 2006 في لبنان، وفشلت إسرائيل في كسبها، وعندئذ تم إغراء سوريا بأن توافق على أن تعبر أراضيها خطوط النفط والغاز إلى أوروبا مرورا بتركيا لكي تحرم روسيا من عوائدها، وتتحرر أوروبا من الإعتماد على الغاز والنفط الروسي، ولما رفضت سوريا العرض الذي جرى بوساطة تركيا وقطر كانت خطة الغزو معدة وجاهزة، ومخازن الأسلحة وعشرات آلاف التكفيريين على الحدود التركية والأردنية واللبنانية، ومعسكرات استقبال اللاجئين مشيدة في تركيا وكردستان العراق، وانتقل الدواعش الذين نظمتهم في العراق إلى الرقة في سوريا، ولما فشلت خطة إقامة دولة خلافة عثمانية جديدة، وانقسم التحالف الأمريكي، جرى استبدال الخطة، والسعي إلى إقامة دولة جديدة تضم غرب العراق “الأنبار” وشرق سوريا “البادية والرقة وشرق الفرات”، وأن تكون الدولة الجديدة معبرا للنفط والغاز الخليجي إلى أوروبا، وأن تمنع التواصل بين إيران والمقاومة، والسعي إلى تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة للدروز والعلويين والسنة والأكراد والمسيحيين، ومازالت المعارك مستمرة على قطاع دير الزور حتى الآن، والإعتماد على ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” مع جماعات تكفيرية للسيطرة على المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، حتى الوصول إلى الأردن ثم الكيان الصهيوني، لكن المعركة صعبة بسبب قوة الحشد الشعبي العراقي وسيطرة سوريا على البادية وحتى البوكمال.
لا يمكن فهم الحملة الإعلامية على سوريا إلا في ضوء تلك المخططات، وقد أعلنت محطة البي بي سي مؤخرا أنها ارتكبت أخطاء جسيمة في الفيلم الوثائقي عن استخدام الجيش السوري لأسلحة كيماوية، لكنها لم تكن أخطاء عفوية، بل حملات إعلامية منسقة، وكأن أصحاب الخوذات البيضاء مدربون على أيدي المخابرات البريطانية، وعند تحرير الغوطتين جرى تهريبهم عبر إسرائيل ، وهذا الفيلم مجرد نموذج بسيط من حملة مكثفة جرى إنفاق أموال ضخمة عليها لتبرير الحرب الإستعمارية على سوريا، وكان نتيجة هذا الفيلم الوثائقي المفبرك تماما أن شنت السفن الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية هجوما على سوريا “العدوان الثلاثي”، وحملات “السفاح”، و”قاتل شعبه”، و”البراميل المتفجرة”، وجميعها كانت جزءا من الحرب الإستعمارية، بالتمهيد الدعائي والإعلامي لتبرير الحملة الإستعمارية، والتي شاركت فيها إسرائيل مباشرة في الفترة الأخيرة بغارات على سوريا مع الطائرات الأمريكية. هذا لا يعني أن النظام السوري لم يرتكب تجاوزات قبل الحرب، أو أنه نظام مثالي، لكن سوريا لم تكن مستهدفة من أجل عيون الشعب أو الحرية أو حقوق الإنسان، فأين حقوق الإنسان في دول الخليج؟ وماذا عن قتل طفل يمني كل عشر دقائق؟ وماذا عن شعب البحرين الذي واجه الإعدامات والسجون وسحب الجنسية وكل أنواع القمع؟ لم تهتم المنظمات المتمولة بأي من هذه المذابح الحقيقية، وراحت تنشر أخبارا معظمها مفبرك عن سوريا، وهؤلاء لا يمكن النظر إليهم إلا باعتبارهم جزء من الحملة الإستعمارية، سواء كانوا يتمولون مباشرة أو بطريق غير مباشر أو أصدقاء أو متأثرين بالحملات الدعائية، ففي النهاية جرى توظيفهم لخدمة الحملة الإستعمارية، وأهدروا نضالات الشعوب في تففير وطني حقيقي، لأنهم شوهوا تلك النضالات، بل وظفوها وحرفوا مسارها، وتسببوا في الإحباط واليأس من تغيير وطني يواجه الإستعمار والإستبداد ليقيم وطنا أكثر عدالة وتحررا واستقلالا. إن تأييد أي حراك للتغيير مرهون بشرطين، أولهما أن يكون معاديا للإمبريالية بوضوح، وأن يكون نحو الأفضل، أي تقدميا وليس متحالفا مع الجماعات التكفيرية أو الرجعية العربية ومع تحقيق أماني الطبقات الشعبية في العدالة والحياة الكريمة.
لقد جاء فرض الحصار الإقتصادي على سوريا ولبنان بعد فشل الحملة الإستعمارية في تحقيق أهدافها، وهو ما يفرض على من انخدعوا وشاركوا في الحملة على سوريا إلى مراجعة مواقفهم إذا كانوا حقا يسعون إلى التحرر والإستقلال ويعادون الإمبريالية، فالإمبريالية هي أبشع أنواع الإستبداد والنهب للشعوب.
التعليقات مغلقة.