الإرهاب الاقتصادي في سورية / د. يحيى محمد ركاج

 

د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الأحد 5/6/2016 م …

* باحث في السياسة والاقتصاد …

تتنوع أشكال الحرب على سورية وأدواتها بما يفوق اختلاف الدول المتكالبة عليها، ولم يعد خاف على أحد دقائق الوقت بدل الضائع والدقائق الإضافية التي منحها داعموا ومشغلوا الإرهابيون في سورية لأعوانهم وأذنابهم في تأخير الحسم العسكري للحرب واستعادة الجيش العربي السوري للسيطرة على كامل الجغرافيا السورية، والتي لم ولن يفلحوا بها، الأمر الذي يحاولون تحقيقه من خلال الحرب الاقتصادية والإرهاب الاقتصادي.

فالحرب الاقتصادية التي ترافقت مع العداون على سورية منذ اليوم الأول والتي اعتمدت أدوات متنوعة ومتبدلة مع كل مرحلة من مراحل العدوان انطلاقاً من الشائعات كعدم قدرة الدولة على دفع الرواتب ابتداءً من الثلث الثاني من عام 2011 وصولاً إلى تدمير المعامل وحرق المستودعات وفرض حصار اقتصادي جائر على متطلبات العيش للشعب السوري لم تأتي أكلها مع صمود هذا الشعب وثقته بانتصارات جيشه العقائدي البطل.

الأمر الذي جعل الحلف المعتدي على سورية يغير من أدواته كثيراً في الإرهاب الاقتصادي الذي يمارسه على الشعب السوري، فكان القطاع المستهدف بشكل رئيس ودوري قطاعي الكهرباء والوقود لما يشكلانه هذين القطاعين من عصب الحياة التي تقوم عليها الحياة العامة للمواطنين من جهة، ولدورهما الرئيس في استنزاف خزانة القطع الأجنبي للدولة السورية من جهة أخرى، خاصة أن المستهدف الرئيس الآخر هو العملة السورية باعتبارها إحدى رموز السيادة وعوامل الصمود للشعب السوري وباعتبارها أيضاً أيقونة الثقة التي يستنبط منها الشارع نبض الانتصار الذي يترقبه.

فقد تفنن اللفيف المعتدي على سورية عبر الدمى السورية الموضوعة في واجهة الحرب على الشعب السوري عبر تقاريره الدورية بالتحريض على استهداف قطاع الكهرباء باعتباره عصب النشاط الاقتصادي للحياة العامة للمواطنين، والتحريض أيضاً على الاستيلاء أو التخريب والتدمير لكل ما يرتبط بالنفط وتكريره وقنوات إيصاله للمواطن، في حين كان استهداف الليرة السورية هو السيمفونية اليومية لمسلسل التحريض عبر التشجيع على استبدالها في العديد من الأماكن بالليرة التركية، وعبر نشر الشائعات بفقدانها للثقة خارج حدود الجمهورية العربية السورية، عبر الاستهداف الممنهج لسعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي بأدوات ووسائل مختلفة أبرزها نشر برنامج لتحديد سعر الصرف يقوم بتحديد سعر وهمي للدولار مقابل الليرة متبنياً حرباً خفية تعمل على إضعاف ثقة المواطن بعملته السورية، ويقوم هذا البرنامج عبر النصائح التي يقدمها أو عبر تقاريره التي يصدرها بالتشجيع على التداول في سوق العملات بالليرة التركية مقابل الدولار.

كما كانت أبرز الوسائل المتبعة في الحرب على الليرة السورية هو قيام بعض القوى المحركة لبعض الفصائل بدفع رواتبها بالليرة السورية بدلا من الدولار الذي اعتادوا الدفع به، حيث تقوم هذه القوى بدفع الرواتب بأعلى من قيمتها المتعارف عليها تشجيعاً لاعتماد سعر صرف أعلى بكثير من الواقع ليتدحرج هذا السعر تلقائياً لباقي المناطق السورية التي تخضع لسيطرة الدولة عبر العامل النفسي للمواطن البسيط الذي يخشى تآكل ثروتها أو للمواطن الذي يسعى لتحقيق الأرباح بالفطرة باعتبارها مدخرات آنية لمواجهة أخطار الحرب المستقبلية ومتطلبات العيش والانتقال الذي تفرضه ظروف الحروب متعددة الجبهات.

 

لقد شكلت عوامل التحريض الممنهج على استهداف الليرة السورية وسعر صرفها عامل جذب للمواطن العادي لشراء الدولار باعتباره ملاذاً أمناً يستمد قوته من الهيمنة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، ولربط سعر الذهب في الأسواق السورية بسعر الدولار غير الرسمي الموجه من الخارج، دون إدراك من هذا المواطن الذي قدم دماء أولاده في هذه الحرب أنه بسلوكه هذا يساهم في استعار واستمرار الحرب على بلده لفترة أطول، وغير مدرك تماماً بأنه في سلوكه الفطري المستند على الخوف من الحروب والتمسك بالحياة يساهم في قتل أسرته تدريجياً عبر تكاليف المعيشة التي تأثرت بدولار السوق السوداء وأنشطة الظل.

كما كانت عوامل التحريض والاستهداف الممنهج لقطاعات الطاقة والنفط والنقد السوري تتزايد مع كل انتصار جديد يحققه بواسل الجيش العربي السوري، ومع كل مرحلة تفاوضية جديدة يتم الدعوة إليها بغية تشكيل ضغط على المفاوض السوري وعلى القائد العسكري الذي يقود ميدان المواجهة، وكانت كل هذه العوامل تفقد بريقها أمام صمود المواطن وبسالة الجندي الذين يدركان أن الحرب متعددة الأنواع، وأن عصبها مال لا ينفذ، فهي تستمد قوتها من خزائن التجار وتستمر إلى أن تنفذ الخزائن أو يبدأ التجار بجني المكاسب والأرباح.

لقد أدرك المواطن البسيط في سورية أن ما دافع عنه بالدم لن تتخلى عنه حكومته بالاقتصاد وإعادة الإعمار، وأدرك ولو متأخراً أن عملته هي كلمة السر للنصر في الحرب على الإرهاب، فواجب دعم الليرة السورية من أولويات المواجهة ولا يقل أهمية كثيراً عن حمل السلاح لدعم الجندي المرابط في الجبهات، فما خسره الإرهاب بالدم لن نجعله يكسب مقابله أي شيء بالاقتصاد والدولار وتكاليف المعيشة.

فتجار الحروب لا يرفضون فكرة الدولة القوية فقط، بل يسعون إلى دولة عديمة الأهمية إن لم يستطيعوا تدميرها واسقاطها.

عشتم وعاشت الجمهورية العربية السورية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.