لا إنتقائية في التعامل مع الإرهاب / راسم عبيدات
راسم عبيدات ( فلسطين ) الثلاثاء 7/6/2016 م …
الإرهاب واحد سواء قام به دول أو مجموعات او أفراد، وهو ليس مرتبط بفكر او مذهب او دين محدد، ولكن الخلاف بأن بعض القوى او الدول تحتضن وتدعم قوى إرهابية من اجل خدمة مصالحها وأهدافها سياسية كانت ام اقتصادية ، وهي تتعامل مع الإرهاب بشكل انتقائي وبمعايير مزدوجة متعارضة مع كل القيم والمبادئ والقوانين الدولية، وهذا من شأنه ان يشكل بيئة حاضنة لمثل هذه الجماعات او الدول الإرهابية، ويمكنها من ممارسة ومواصلة اعمالها الإرهابية من قتل وتدمير دون أي محاسبة او مساءلة، حتى يصل الأمر لوصف ما تقوم به من اعمال إرهابية بانها اعمال مشروعة او دفاع عن النفس، او تأتي كرد فعل “مشروع” على ما يمارسه النظام السياسي الذي تقوم بمحاربته، فعلى سبيل المثال لا الحصر دولة الإحتلال الإسرائيلي مارست سياسة التطهير العرقي والقتل والطرد والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني، ولكن رغم كل ذلك هناك من دول الغرب الإستعماري وامريكا من وقفوا الى جانب إسرائيل ووصفوا جرائمها وإغتيالتها وعملياتها العسكرية وعقوباتها المخالفة لكل الأعراف والمواثيق والإتفاقيات الدولية، بانها شكل من أشكال الدفاع عن النفس وتاتي رداً على “الإرهاب” الفلسطيني، منطق مقلوب تحويل الجلاد الى ضحية والضحية الى جلاد .
والقوى الإستعمارية وأمريكا لم تدعم فقط دولاً تمارس الإرهاب، كما حاصل مع إسرائيل، بل في سياقها التاريخي، كانظمة رأسمالية “متغولة و”متوحشة” داست على كل القيم والمعايير والمواثيق والإتفاقيات الإنسانية والدولية التي تشبعنا تنظيراً بها من حرية وعدالة وديمقراطية وحقوق إنسان وحق تقرير مصير وغيرها، فهي استخدمت قوتها العسكرية وتدخلت مباشرة في قلب أنظمة حكم جاءت على أنقاض ديكتاتوريات كانت تدعمها وتحميها، كما حصل في تشيلي ونيكاراغوا وايران وفنزويلا وبنما وغيرها من البلدان الأخرى .
وليس هذا فحسب فنحن رأينا في سبيل مصالحها، كيف وظفت قوى ما يسمى بالجهاد العالمي “القاعدة” والعرب الأفغان في حربها مع الإتحاد السوفياتي، عندما دعمتهم بالسلاح والمال والرجال في أفغانستان لخدمة مصالحها، ولضرب الوجود السوفياتي هناك، حتى وصل الأمر بالرئيس الأمريكي الراحل ريغان لوصفهم بانهم مناضلون من أجل الحرية، ولكن عندما انهوا مهمتهم، وخرجوا عن طوع مشغليهم، جرت محاربتهم ووصفهم بالجماعات الإرهابية.
منذ أكثر من خمس سنوات جرى إستغلال وتوظيف الجماعات الإرهابية التي تنهل من الفكر الوهابي التكفيري، والمتسلحة بفكر الكهوف والسجون طورا بورا وغوانتنامو من جماعة “القاعدة” ومتفرعاتها من “داعش” و”النصرة” و”جيش الإسلام” و”احرار الشام” وغيرها من المسميات والعناوين لنفس المنتج في القيام بعمليات قتل وإرتكاب مجازر ومذابح لم يعدها التاريخ البشري لا قديماً ولا حديثاً، وكذلك التخرب والتدمير والنهب والإغتصاب والتهجير والطرد القسري لأثنيات بأكملها، ناهيك عن تدمير كل المنجزات والمواريث الحضارية والإنسانية، ونهب سرقة الآثار وغيرها.
ورغم كل ذلك وجدنا بأن تلك الجماعات الإرهابية ، جرى دعمها بكل الإمكانيات من العديد من الدول العربية والإقليمية والدولية في حروبها ومعاركها العدوانية والإجرامية، ضد الأنظمة القائمة في دولها، كما حدث في ليبيا والعراق ومن ثم سوريا، حيث جرى ضخ مئات المليارات من الدولارات واحدث أنواع السلاح والإحتياطي البشري الإرهابي من أكثر من (80)% من اجل تدمير سوريا وتقسيم جغرافيتها وتفكيك جيشها ونهب خيراتها وثرواتها وإسقاط قيادتها، ورغم كل ما قامت وتقوم به من مجازر وعمليات إرهابية، بقيت مشيخات النفط والكاز الخليجية وجماعة الخليفة السلجوقي ومعهم أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا، ترفض تصنفها كقوى مجرمة وإرهابية، ولكن تحت الضغط وما حققه الجيش السوري بالتعاون مع حلفائه وأصدقائه الروس والإيرانيين وحزب الله من انتصارات عسكرية دفع بامريكا وحلفائها للموافقة على مضض على تصنيف “داعش” كجماعة إرهابية، وان استمروا بدعمها في السر، وما زالوا يرفضون اعتبار حليفتهم “النصرة” كقوة إرهابية يجب العمل على إجتثاثها.
الإرهاب عندما يضرب في سوريا او الضاحية الجنوبية في لبنان، أو في اليمن لا يجري إدانته او التنديد به وإستنكاره والدعوة الى إجتثاثه، بل نجد من يخترع ويجد التبريرات والمصوغات له، سبحان الله قوى مغرقة بالتطرف والإرهاب والإقصائية تقاتل من اجل ” الحرية” و”الديمقراطية” و “التعددية”، هو “العهر” بحد ذاته، فهذه القوى الإرهابية عندما ضربت في باريس، قامت الدنيا ولم تقعد وعقدت المؤتمرات وتداعى زعماء ورؤوساء الدول، بمن فيهم من يمارس الإرهاب بحق شعبهم مثل رئيس السلطة الفلسطينية عباس لحضور مؤتمر في باريس يجرم “داعش” ويندد بإرهابها، أما جرائمها هي اخواتها ومتفرعاتها الأخرى في العراق وسوريا على وجه التحديد فلا يجب إدانتها ولا تجفيف منابع ومصادر دعمها وتسليحها وتمويلها ورعايتها وحضانتها…؟؟، فهي تخدم مصالح وأهداف تلك الدول بفرض مشروع سايكس – بيكو جديد على المنطقة العربية يقسمها على أساس المذهبية والطائفية.
اليوم الإرهاب في اول يوم من أيام شهر رمضان الفضيل، ضرب في الأردن، وبالتحديد في مخيم البقعة، حيث أدى هذا الهجوم الإرهابي الى استشهاد خمسة من قوات الأمن الأردنية، هذا العمل ليس بالبريء، بل هناك قوى خططت له وكانت “داعش” اداته التنفيذية، فهو يستهدف ضرب لحمة النسيج المجتمعي الوطني والإجتماعي الأردني، ولا غرابة اذا ما كان الهدف إحداث حالة من الإقتتال الأردني- الفلسطيني، تمهيداً لما يسمى بمشروع الوطن البديل وتصفية القضية الفلسطينية، ولذلك على الحكومة والدولة الأردنية التي إستجابت للشروط والإملاءات الخارجية عربية ودولية، بان وفرت حاضنة وبيئة لتلك الجماعات الإرهابية، وسهلت دخولها وتسليحها من أراضيها الى سوريا لكي تمارس كل أنواع القتل والتدمير، خدمة لمشاريع معادية، أن تصحو الأن وقبل فوات الآوان، بأنه لا امن للإرهاب، فهو عندما يتمكن يتمرد على مشغليه وحاضنيه، فلتكن عملية الهجوم على مقر المخابرات الأردنية في مخيم البقعة، واستشهاد خمسة من أفرادها، ناقوس خطر يدق أمامها، بالعمل بلا هوادة على إجتثاث وتصفية القوى الإرهابية، وتدمير حواضنها وقطع شريان تمويلها وإغلاق مؤسساتها المتسترة بالإجتماعية والإغاثية، ووقف كل وسائل التحريض التي تمارسها عبر مساجدها ومؤسساتها ووسائلها الإعلامية.
فالإرهاب يجب التعامل معه على قاعدة واحدة، وليس الإنتقائية، فلا يوجد إرهاب سيء وإرهاب جيد، جيد عندما يضرب في سوريا والعراق والضاحية الجنوبية واليمن، وسيء عندما يضرب في أي دولة او مدينة تابعة للحلف الأمر – صهيوني الإستعماري الغربي.
التعليقات مغلقة.