مستقبل الإخوان المسلمين في أوروبا / د. عادل عامر

د. عادل عامر ( مصر ) – الأربعاء 13/10/2021 م …




لقد فشل الإسلام السياسي في أن يقدم نفسه كبديل مقنع للشعوب العربية، ولم يستطع أن يُنشئ مشروعا سياسيا أو أن تكون له قيادات فاعلة ومحبوبة من قبل الشعب، بل دخل في خلافات مع الأطراف الأخرى ومؤسسات الدولة من أجل البقاء في السلطة. مكافحة الإخوان خلال المرحلة المقبلة سوف تتطلب المزيد من التعاون الإقليمي والدولي للتعامل مع المتغيرات الجديدة للجماعة والجماعات الإرهابية الأخرى.  

 فجماعات الإسلام السياسي تؤمن بالوطن كحيز معنوي وليس كحيز وطني، فيكفي أن تبايع هذه الجماعات أحد قادتها كخليفة ليصبح لديهم خلافة دون فرض السيادة على الجغرافيا، من خلال تحسين ظروف المجتمع والتفكير في تنميته،  

فهي لا ترى نفسها إلا امتدادا للتنظيم في كل مكان، وتحاول أن تستنزف مقدرات الوطن من أجل الانتماء والبيعة للتنظيم الدولي، حتى وإن أظهرت غير هذا. ولذلك عندما أُسقطت الحركة في بعض الدول وجدت نفسها معزولة ولم يقف معها أحد.  

 منذ إقصاء النهضة من سدة السلطة في تونس واتساع التأييد الشعبي لقرارات الرئيس، تزيد قتامة المستقبل السياسي للإخوان المسلمين في العالم.. خاصة في ظل حالة الغضب الشعبي ضد الجماعة وأذرعها في كل مكان، وفقدانها الحلفاء،  

 فالأحداث الأخيرة في تونس لقيت ردة فعل عربية ودولية هادئة ومستوعبة، وهذا يعيد إلى الأذهان فشل تجربة الإخوان المسلمين في مصر، وإخفاقهم في محاولات الصعود إلى السلطة في سوريا.  تتابع قدوم الفارّين من النظامين الناصري في مصر والبعثي في سوريا، أشهرهم يوسف ندا من مصر وعصام العطار من سوريا، حيث أسسوا بشكل متزايد مع الوقت شبكة واسعة وحسنة التنظيم من المساجد والجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية التي حملت فكر الإخوان المسلمين،  

وإن لم تكن كلها بالضرورة خاضعة لتوجيهات تنظيم الإخوان الدولي.  ارتبطت تلك البداية في أهدافها بدئها بالظّروف المسبّبة لقدوم أصحابها إلى أوروبا الغربية تحديدًا، فكان من الأهداف الرئيسية للتنظيم الأوروبي في ذلك الوقت: تقديم المساعدة للهاربين من الاضطهاد من العالم العربي، وتوفير بيئة حاضنة لهم وللمسلمين الآخرين، يتمكنون فيها من المحافظة على أنفسهم ودينهم وسط بيئة مختلفة عنهم كليًّا،  

 وكان النشاط الظاهر في المجتمع مقتصرًا على الدعوة إلى مظاهرات وفعاليات متعلقة بالأحداث المهمة الدائرة في العالم العربي. تطوّرت هذه الأهداف تدريجيًّا بتطور التجربة وبتطور نوعية المنضمين للتنظيم، حيث تزايدت أعداد الطلاب والكفاءات المهاجرة هربًا من ضيق الأحوال الاقتصادية في بلدانها الأصلية، ووجود جيل ثامن أبناء المهاجرين، ونتحدث هنا عن الفترة بين نهاية الستينيات إلى منتصف السبعينيات، حيث انتقل إخوان أوروبا من مرحلة فقدان الهوية إلى مرحلة الشعور بها والحاجة إلى إبرازها، وتحولت أوروبا من منفى مؤقت إلى موطن استقرار، ونتج عن هذا تغيير في المفاهيم الشرعية المؤصّلة لحالة المسلمين في الغرب، فبدلًا من ثنائية «دار الحرب» و«دار الإسلام»، ظهر مصطلح «دار الدّعوة»، واصفًا دول أوروبا الغربية التي تسمح قوانينها بكل أشكال الممارسات الدينية والدعوية آنذاك، وبدأ كذلك انتشار مفهوم «فقه الأقليات» الذي يبحث ويُصدر الفتاوى الخاصة بالمسلمين في خارج بلاد الإسلام.  

رغم الهامش الكبير من الحرية والديمقراطية التي ينعم به المقيمون في الدول الأوروبية، فإنّ تنظيم الإخوان حافظ على سرية الانتماء مع العمل العلني بالنسبة للواجهات التي تعبر عنه، تأثّرًا ربّما بنهجه في العالم العربي،  

وأيضًا بسبب أن كثيرين من المقيمين هناك ما زالوا مرتبطين بأوطانهم الأم، فكانت هناك خشية عليهم أو على عائلاتهم من الملاحقة إن عادوا إليها. والثقافة السائدة تتأثّر بالأوضاع القاسية التي مرت بها الحركة في المشرق، ففقه المحنة وكتابات الإخوان من مصر وسوريا والعراق وفلسطين وغيرها لا تستطيع أن تنفك عن أوضاعهم الخاصة في بلدانهم،  

 فإذا أضفنا إلى ذلك عدم وجود كتابات فكرية ودعوية وحركية تحمل الخصوصية الأوروبية، لم يكن من المتصور أبدًا أن تكون المخرجات على خلاف الأدبيات التي تطرحها الكتب المقررة في المناهج.  

أن الفرع الأوروبي للإخوان المسلمين يتسم بضعف إنتاجه التنظيري. وعلى الرغم من تنظيمه للعديد من المؤتمرات حول ضرورة المواطنة الإسلامية، فإنه يفتقر إلى المفكرين برغم الخلفية الجامعية المحترمة لكوادره، مع وجود بعض الاستثناءات مثل طارق أوبرو، صاحب عديد الكتابات عن شريعة الأقليات، وطارق رمضان، الأستاذ بجامعة أوكسفورد  

الفكرة المركزية في ممارسات تنظيم الإخوان هي التفرقة ما بين حالة الضعف وحالة التمكين، وكلتاهما لها علاقة بتوازن القوى السياسي والأمني في المجتمع. وما حدث فعلياً أن الإخوان عرفوا كيف يتعايشون مع نظم ملكية وجمهورية وبرلمانية؛ ولم يكن لديهم معضلة في معارضة التعددية الحزبية لأنها تقسم الأمة،  

ثم المناداة بأن تكون الانتخابات هي الحكم. وفي اللحظة الراهنة، فإن وجه الإخوان في الغرب هو الجماعة المعتدلة المؤمنة بالتآخي مع بقية الإنسانية وقيمها الديمقراطية والليبرالية؛ وفي لحظات سابقة عندما هلّ «الحراك السياسي» عن طريق الشباب العربي في العقد الماضي باتت مرحلة «التمكين» جاهزة للتطبيق عن طريق القوة واستخدام الإرهاب والترويع.  

في اللحظة الراهنة، فإنَّ الحالة السياسية الإخوانية يمثلها سيطرة على المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب، ومواجهات مع السلطة في كل الدول العربية التي نجت من الربيع المزعوم، وتلك التي قاومت ونجحت مثل الحالة في مصر؛ وتمثيل في السلطة مباشر في تركيا، وبالأكثرية النيابية في تونس، وبالأدوار المؤثرة في الأردن والمغرب، والتعامل مع التراجع في السودان.  

التنظيم الدولي لـ«الإخوان» والموجود في أكثر من ثمانين دولة في العالم لا يتدخل في التفاصيل الدقيقة لعمل الفروع، وإنما يحافظ دائماً، أولاً على أن تكون الجماعة هي الحاضنة التي تربي ليس فقط الإخوان، وإنما تفرخ التوابع السياسية والإرهابية كافة. وثانياً، أن تكون قادرة على التعبئة المالية من خلال البنوك والاستثمارات الممتدة حول العالم.  

 وثالثاً القدرة الإعلامية الدعوية في كل الأحوال لنشر الدعوة واستراتيجيات السيطرة على السلطة السياسية. إن مساعي جماعة الإخوان المسلمين للتغلغل في المجتمعات الغربية ترتكز على رؤى واضحة واستراتيجيات مدروسة تم الإعداد لها بعناية من جانب الجماعة، وهناك العديد من الوثائق التي تؤكد ذلك بوضوح، لعل أبرزها الوثيقة التي تحمل عنوان “مذكرة تفسيرية: الهدف الاستراتيجي العام للجماعة في أمريكا الشمالية”، والتي أعدها القيادي الإخواني محمد أكرم عام 1991.  

وهذا التغلغل الإخواني في المجتمعات الغربية بات يثير قلق واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية في السنوات القليلة الماضية، فقد تصاعدت المخاوف من عملية أسلمة أو “أخونة” الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي يقوم بتنفيذها التنظيم الدولي للإخوان، بعدما نجح في تشكيل الرأي العام الإسلامي في هذه الدول وجذب الآلاف من الشباب والبالغين، ومحاولة تصوير الجماعة بالوجه المعتدل.  

وبدا هذا القلق واضحاً في التحذيرات التي أطلقتها العديد من المؤسسات السياسية والأجهزة الاستخباراتية الغربية من محاولات جماعة الإخوان المسلمين التغلغل في المجتمعات الغربية، وفرض ثقافتها عليها؛ فعلى سبيل المثال، قد حذرت أصوات في البرلمان البريطاني عام 2014 من الأنشطة المتشددة للإخوان وتخطيطها لتأسيس قاعدة انطلاق لها في لندن لتنفيذ خططها في دول أخرى، لا سيما بعد لجوء عدد من قادة الجماعة من مصر إلى بريطانيا بعد أحداث 30 يونيو 2013  

كما وصف تقرير سويسري داخلي كتابات الإخوان المسلمين على أنها ذات “موقف غير متسامح، بل أعمى تجاه العادات والأفكار الغربية بشكل عام وتمقت – خصوصا – الغرب لأنه أصاب العالم الإسلامي بالنزعة المادية والنسبية، وهناك تحذيرات مستمرة، حول خطورة أفكار الجماعة  

. وحذر أيضاً تقرير هيئة حماية الدستور الألمانية “الاستخبارات الداخلية” في ولاية بافاريا من التهديد المتزايد لجماعة الإخوان الإرهابية، وتحركاتها المعادية للدستور، ودعمها كيانات موازية لمؤسسات الدولة وبرامجها، ومساعيها لتأسيس نظام حكم شمولي لا يضمن سيادة الشعب أو مبادئ الحرية والمساواة.  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.