لنكن واضحين.. ولنضع النقاط على الحروف / سعود قبيلات

 

 

سعود قبيلات ( الأردن ) الخميس 5/2/2015 م …

 

جريمة قَتْل الطيَّار الأردنيّ الشهيد معاذ الكساسبة، بهذه الطريقة الهمجيَّة البشعة، سُوِّغَتْ بإحدى فتاوى ابن تيمية التكفيريَّة وبتعاليم دين محمَّد بن عبد الوهَّاب الدمويّ الوحشيّ.

وبخلاف أتباع ابن تيمية وابن عبد الوهَّاب، فإنَّ كلّ القيم والمذاهب والمبادئ الإنسانيَّة الحديثة تؤكِّد على وجوب المعاملة الإنسانيَّة للأسير والحفاظ على حياته. وفي كلّ الأحوال، فإنَّه لا يجوز قتل الناس بهذه الطريقة الهمجيَّة المهينة لكرامة الإنسان وإنسانيَّته.

فأيّ «فكرٍ» هذا الذي يشجِّع حامليه على قتلِ أسيرٍ أعزل بكلِّ هذه البشاعة والهمجيَّة!

وبالمناسبة، منذ مدَّة، أدان رجل الدين المصريّ الشهير، الشيخ علي جمعة، فكر ابن تيمية التكفيريّ، هذا؛ فتعرَّض لهجمةٍ تكفيريَّة ظالمة.

***

الذين قتلوا الشهيد معاذ الكساسبة، يمارسون القتل، يوميّاً، في سوريَّة، بأبشع صوره، منذ أربع سنوات، باسم «الثورة السوريَّة»؛ ويمارسونه في مصر باسم «مناهضة الانقلاب والدفاع عن الشرعيَّة»، وفي العراق باسم «نصرة أهل السنة والجماعة». ولقد قتلوا تحت هذه المسمَّيات الزائفة ألوف الجنود (والمواطنين) السوريين والمصريين والعراقيين واللبنانيين والليبيين والتونسيين واليمنيين. وقبل أيَّام قليلة فقط، قتلوا، بتفجيرٍ انتحاريّ غادر، مدنيين لبنانيين مسالمين، كانوا يركبون حافلةً في وسط دمشق.

***

بالتالي، فالمواجهة الحقيقيَّة الصادقة لهذا الوباء الإرهابيّ المتفشِّي تكون بالتحالف والتنسيق مع الجيش العربيّ السوريّ والجيش العربيّ المصريّ وحزب الله والجيش اللبنانيّ وكلّ القوى المعادية فعلاً للإرهاب، وليس بالإصطفاف مع الولايات المتَّحدة وتحالفها «الدوليّ» الذي يزعم زوراً وبهتاناً عداءه للإرهاب، وهو أبعد ما يكون عن ذلك.

***

الولايات المتَّحدة هي التي أطلقتْ فرنكشتاين الإرهاب، أصلاً، في أفغانستان، ورعته ودعمته وسلَّحته. فهل يمكن لنا أنْ ننسى استقبال الرئيس الأميركيّ الأسبق، «الشيخ المجاهد» رونالد ريغان، قادة إرهابيي أفغانستان في البيت الأبيض، في أوائل ثمانينيّات القرن الماضي، وتسميته لهم بـ«المجاهدين مِنْ أجل الحريَّة»؟ هل يمكن لنا أنْ ننسى أنَّ الولايات المتّحدة سلّحتهم – آنذاك – بأحدث أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً. ثمَّ كيف لنا أنْ ننسى أنَّ الولايات المتَّحدة ودول حلف الأطلسيّ عندما أرادت تفتيت يوغسلافيا وتحويلها مِنْ دولة كبيرة مستقلَّة في وسط أوروبَّا إلى دويلات ضعيفة تابعة، استدعتْ احتياطيَّها مِنْ هذه الحركات الوهَّابيَّة التكفيريَّة، للقتال هناك، باسم نصرة الإسلام والمسلمين، إلى أنْ أُنجِزَت المهمَّة المطلوبة.. وبعدئذٍ، لم يعد أحدٌ مِنْ هؤلاء «الغيورين على الإسلام والمسلمين» يهتمّ بأيّ شيءٍ يجري في أشلاء يوغسلافيا السابقة. وهو الأمر نفسه الذي فعلوه (ويفعلونه)، الآن، مع سوريَّة ومصر.. بهدف تحطيمهما. (بالمناسبة، الأساليب الإجراميَّة التي تستخدمها «داعش» وشقيقاتها، تستدعي إلى مخيّلتي دائماً مشاهد مبتكرة في بشاعتها مِنْ أفلام الرعب الهوليوديَّة)

والوهَّابيَّة، أمّ هذا الداء الخبيث، تأسَّستْ وترعرعتْ، أصلاً، بدعم من المخابرات البريطانيَّة ورعايتها.. ثمَّ واصلت الحياة وانتشرت برعاية من المخابرات الأميركيَّة ومباركتها. ولذلك، لا يلحظ الغرب أساليب الحكم القروسطيَّة الجائرة والمتخلِّفة للوهَّابيَّة وجرائمها الوحشيَّة في الجزيرة العربيَّة؛ بل إنَّه لا يكفّ عن التعامل معها كحليف دائم وموثوق مِنْ أخلص حلفائه؛ رغم مزاعمه المعروفة بشأن الحداثة والعداء لأساليب الحكم الدكتاتوريَّة ولكلّ أشكال التجاوزات على حقوق الإنسان.

وقبل حوالي يومين فقط، أعلن متحدِّث باسم «الإخوان المسلمين» (مِنْ خلال فضائيَّة تتطفَّل على اسم رابعة العدويَّة وتبثّ مِنْ تركيا) أنَّ كلَّ سائح يأتي إلى مصر دمه مباح، وكلّ سفير يبقى فيها بعد مهلةٍ حدَّدها ذلك الناطق.. دمه مباح، وجميع الشركات والمصالح الاقتصاديَّة التي تواصل العمل على أرض الكنانة مهدَّدة بالتخريب والتدمير.. الخ. (لماذا؟ ومِنْ أجل ماذا؟ لا شيء سوى الرغبة في نيل السلطة والتحكّم برقاب الناس).

وتركيا – كما هو معروف – عضو قديم وأساسيّ في حلف الأطلسيّ، ومع ذلك، لم تقل لها أيّ دولة مِنْ دول الحلف «إفّاً»، ولا لـ«الإخوان المسلمين»؛ بل لقد تمَّ استقبال بعض ممثِّلي «الإخوان» المصريين في البيت الأبيض قبل أيَّام بحفاوة ظاهرة.

***

على سيرة «الإخوان»، يجدر بنا أنْ نتذكَّر، أنَّ تنظيم «داعش»، نفسه، كان، قبل أشهر، قد قتل ألوف الأيزيديين وهجَّرهم مِنْ ديارهم وسبى نساءهم، فأدانت هذه الجريمة البشعة جميع القوى السياسيَّة العربيَّة؛ لكنَّنا لم نسمع أيَّ كلمة إدانة لهذه الجريمة من «الإخوان المسلمين».

***

وحتَّى عندما أُضطرّ مسؤولو فرعهم في الأردن – تحت ضغط الرأي العامّ الشعبيّ الكاسح – لإعلان موقفٍ مِنْ الجريمة البشعة التي استهدفت الطيَّار الكساسبة، وجدناهم يدينون حادثة «قَتْله» فقط، ولكنَّهم لم يدينوا التنظيم الذي قتله، ولم يسمّوه شهيداً. على أيَّة حال، هو لا يحتاج إلى «صكّ غفران» منهم ليكون شهيداً.

***

إنَّ مَنْ يناصر الإرهاب في سوريَّة ومصر والعراق وليبيا ولبنان وسواها لا يمكن أنْ يكون صادقاً (ومصدَّقاً) عندما يعلن أنَّه ضدّ جريمة واحدة فقط لفصيلٍ واحدٍ فقط مِنْ فصائل الإرهاب.

***

يجدر بنا أيضاً أنْ نتذكَّر أنَّ مدينة «عين العرب» (كوباني) الكرديَّة السوريَّة واجهتْ هجوماً واسعاً عليها مِنْ «داعش»، لمدَّة أربعة أشهر متواصلة، وتصدَّت له ببسالة نادرة، فكانت بمثابة، «ستالينغراد» جديدة، أمام توسّعه الذي كان مضطرداً؛ لكنَّها لم تلقَ – مع الأسف – ما يلزم من الدعم والمساندة، ورغم ذلك، تمكَّن مقاتلو ومقاتلات «حماية الشعب»، الأكراد، في النهاية، مِنْ صدّ هذا التنظيم الفاشيّ الإرهابيّ وتطهير أرضهم منه.

***

جرائم الوهَّابيين ضدّ الأردنيين ليست جديدة؛ ففي العامين 1922 و1924 غزتْ قطعانهم منطقتي الجيزة والقسطل في جنوب عمَّان، وقتلتْ، في الصباح الباكر، كلّ مَنْ صادفته من النساء والأطفال والشيوخ، مِنْ أبناء قبيلة بني صخر، وهم نيام؛ لكنَّ بني صخر والقبائل الأردنيَّة الأخرى المجاورة سرعان ما جمعوا صفوفهم وشنّوا هجوماً معاكساً ضدَّ الغزاة إلى أنْ تمكَّنوا في النهاية مِنْ صدّ هجومهم وتكبيدهم خسائر فادحة. والأساليب التي يستخدمها «داعش» وشقيقاته الآن في العراق ومصر وسوريَّة ولبنان، هي نفسها التي استخدمها الوهَّابيّون ضدّ الأردنيين في عشرينيَّات القرن الماضي؛ لكن مع فارق أنَّه لم يكن يوجد – آنذاك – فيديو وفضائيَّات وانترنت. ولا تزال ذاكرة الأردنيين تختزن الكثير من المشاهد الوحشيَّة لتلك الغزوات الغادرة.

***

لا يمكن للمرء أنْ يضع الأفعى في حضنه ويربِّيها ويرعاها ثمَّ يستغرب إذا ما لدغته في النهاية. فمنذ أوائل سبعينيَّات القرن الماضي، تمَّ تسليم جهاز التربية والتعليم في الأردن برمَّته للفكر التكفيريّ الوهَّابيّ، والنتائج الكارثيَّة لهذه العمليَّة ماثلة مِنْ حولنا الآن في كلّ المجالات.

***

محاربة الإرهاب التكفيري لن تنجح بالاعتماد على المواجهة العسكريَّة والأمنيَّة فقط؛ بل، قبل ذلك وبالتوازي معه، تجب مواجهة «فكره» الفاشيّ الظلاميّ.

***

لا حلّ إلا بالدولة العلمانيَّة الديمقراطيَّة المنفتحة، والسير نحو إنجاز برنامج التحرّر الوطنيّ، والتنمية المستقلّة، و«العدالة الاجتماعيَّة»؛ أمَّا توظيف الدين في خدمة السياسة (أيّاً كانت اشكاله وكائناً مَنْ كان مستخدِمه)، فلا يمكن أنْ يُنتِجَ إلا دواعش وفكراً داعشيّاً. حدث هذا مع كلّ الأديان؛ حدث، على سبيل المثال، في أوروبّا العصور الوسطى على يد رجال الدين المسيحيّ، وقاد إلى كوارث ومآسٍ وجرائم لا تقل عن ما نشهده الآن على يد «داعش» وشقيقاته. ولم تخرج أوروبّا مِنْ محنتها، وتتمكَّن مِنْ نهضتها، إلا عندما أبعدتْ رجال الدين عن السياسة وفصلت الدين عن الدولة.

***

في الختام، أحرّ مشاعر العزاء لأسرة الشهيد الطيّار معاذ الكساسبة وذويه، ولأبناء شعبنا الأردنيّ كافّة.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.