فلسطين … تفاصيل تكشف لأول مرة عن حياة القيادي بـ”القسام” الشهيد باسم عيسى
لم تكن عيون الشهيد باسم عيسى؛ القيادي في “كتائب القسام”، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ترى النوم الطويل، فقط 15 دقيقة من الراحة، كانت كافية لشحن قوّته 24 ساعة في العمل الدؤوب.
الشهيد باسم صبحي عيسى، قائد لواء غزة في “كتائب القسام”، من مواليد خان يونس جنوب قطاع غزة عام 1965، أب لسبعة أولاد (أربع بنات وثلاثة ذكور)، كان همّه كرامة الأمة ونصرها وعزتها، ترعرع حب فلسطين ونما في قلبه.
أوقات قصيرة كان يقضيها مع أسرته، فتارة مطارد من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأخرى مطارد من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وطوراً بين كنف المتفجرات والأسلحة لتطويرها، حتى ارتقى مقبلاً غير مدبر في معركة “سيف القدس” في أيار/ مايو الماضي.
ينحدر الشهيد باسم عيسى من عائلة مناضلة، لها باع كبير في مقارعة الاحتلال، حيث لجأ ولده وعائلته عام 1948 إلى قطاع غزة، بعد أن هجرتهم العصابات الصهيونية من بلدتهم الأصلية في “بيت طيما” قرب عسقلان، ليستقروا في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين.
انتقل عيسى للعيش في مدينة غزة إثر عمل والده ممرضاً في مجمع الشفاء الطبي، والتحق بدبلوم المعلمين تخصص علوم ورياضيات، كما درس إدارة أعمال تخصص “محاسبة” في جامعة القدس المفتوحة.
مراحل حياته
بثبات وعزيمة اكتستبها من رفقتها له، تروي راوية القوقا “أم عماد” زوجة الشهيد باسم عيسى لـ” قدس برس”، تفاصيل تكشف لأول مرة عن حياة زوجها، ومراحل حياته التي عاشها في كنف المقاومة منذ انتفاضة الحجارة عام 1987 حتى استشهاده في معركة “سيف القدس”.
تقول “أم عماد”: التحق باسم منذ نعومة أظافره بحركة حماس، وذلك بالتزامن مع اندلاع انتفاضة الحجارة في 8 كانون الأول/ ديسمبر من العام 1987، حيث كان أحد نشطاء الحركة والانتفاضة، وقد اعتقلته قوات الاحتلال 3 مرات، أطولها كانت عامين ونصف العام.
بعد الإفراج عنه منتصف العام 1991، كانت الذراع العسكرية لحركة حماس بمسماها الجديد “كتائب القسام”، تعيد تشكيل نفسها من خلال انتقاء عناصر ذات صفات خاصة، يمكنها البقاء أطول وقت ممكن في مقارعة الاحتلال، فكان عيسى أحد عناصر الرعيل الأول، الذين انضموا للكتائب بسرية تامة جداً.
وتؤكد “أم عماد”: لم أكن أعلم بخلفية انضمام “باسم” لكتائب القسام، ولكن شعور داخلي أخبرني فصارحته بذلك، إلا أنه أخفى في بداية الأمر، وبعد مدة من الزمن، ووضوح بعض الأمور، أخبرني بكل شيء، فأخذت على عاتقي أن أحمل معه عبء هذه المهمة، لنيل جزء من الأجر الذي يناله الشهداء.
“أم عماد” التي أخذت صلابة الجأش، وقوة العزيمة من رفيق حياتها، تتابع حديثها لـ”قدس برس” فتقول: باسم كان من الرعيل الأول في كتائب الشهيد عز الدين القسام، برفقة عماد عقل ويحيى عياش وعدنان الغول، وحضر إبعاد مرج الزهور، لكنه لم يكن من قائمة المبعدين لخروجه من المعتقل حديثاً.
عمله من السر إلى العلن
ظل باسم يعمل بشكل سري ضمن صفوف “كتائب القسام” دون أن يكشف أمره، حتى مشاركته في تنفيذ “عملية الزيتون” الفدائية في 12 أيلول/ سبتمبر 1993 قرب مسجد مصعب بن عمير في حي الزيتون، برفقة الشهيد عماد عقل، حيث تم فيها الإجهاز على 3 من جنود الاحتلال، ليكشف أمره، ويصبح على رأس المطلوبين لقوات الاحتلال.
“كانت عملية الزيتون مرحلة فارقة في حياة باسم ورفاقه، حيث تعتبر العملية المصورة الأولى للقسام، ليحتفظ باسم بصور تلك العملية داخل خزانة غرفة النوم، وعلى خلفية هذه، تمت ملاحقته من سلطات الاحتلال، لتبدأ رحلة المطاردة له”. بحسب زوجته.
ورغم شح السلاح في أيدي باسم ورفاقه من الرعيل الأول لكتائب القسام، الذين لم يتدربوا في كليات عسكرية أو يخوضوا أي دورات بسبب وجود الاحتلال، إلا أن هذه الفترة والتي سبقت قدوم السلطة، شهدت سلسلة كبيرة من العمليات الفدائية، وشهدت ضغوطاً كبيرة على من كان يقودها، في محاولة لأسرهم أو قتلهم أو إجبارهم على مغادرة القطاع.
بعد شهرين من عملية الزيتون الفدائية، استشهد عماد عقل، فكان باسم أول من استقبل يحيى عياش، الذي قدم من الضفة الغربية، ووفر له مأوى، لتعلم السلطة بالأمر، وتبدأ رحلة الملاحقة لباسم من قبل أجهزة أمن السلطة، التي اقتحمت منزله عدة مرات، وأطلقت عليه النار وأصابته واعتقلته.
تعلّم باسم – الذي لم يكن له علاقة بعمل المتفجرات – أساسيات صناعة المتفجرات من عياش، وطور خبرته في تصليح الأدوات الكهربائية، ليصبح واحداً من أهم صانعي المتفجرات لاحقاً.
الضيف و”التستري”
تؤكد “أم عماد” أن زوجها أصيب إصابات بالغة برصاص أجهزة أمن السلطة وهي تلاحقه لتعرف مكان يحيى عياش، واعتقل وكان يسمح لهم بزيارته خلال وجوده في العناية المكثفة من المشفى، ليبقى أشهراً طويلة في سجون السلطة، إلى أن أفرج عنه بعد استشهاد يحيى عياش من أجل التعرف على جثته.
وأوضحت أنه بعد دفن يحيى عياش، رفض زوجها العودة إلى سجون السلطة وعذاباتها، ليصبح مطارداً من الاحتلال والسلطة معاً، مشيرة إلى أن السلطة اعتقلتها للضغط على زوجها لتسليم نفسه.
وأضافت أن اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 أيلول/ سبتمبر 2000 كانت مرحلة جديدة من العمل المقاوم بشكل عام، ولزوجها بشكل خاص.
وأشارت إلى أن القائد العام لكتائب القسام محمد ضيف، هو من لقب زوجها بـ”التستري”، وذلك لأنه كان دائماً يحمل في جيبه قلماً ومفك فحص كهرباء “مفك تست”، واستغرب من هذا الأمر، فأكد له أنه مهم لعملنا في تصنيع المتفجرات والفحص المستمر حتى لا تقع أخطاء.
وقالت “منذ ذلك الوقت، أدرك الضيف أن باسم ممكن أن يطور نفسه في تعلم هندسة صناعة المتفجرات، وكان له ما أراد”.
حياته الزوجية.. واستشهاده
وأضافت أم عماد “أن طبيعة عمل زوجها العسكري في مجال التصنيع، لم تؤثر على حياته، فقد عرف عنه حبه الشديد لأحفاده، وحُسن تعامله مع الجميع صغيراً وكبيراً، وكان المفضل لدى أبناء إخوته وأخواته”.
وأكدت أنه في اللحظات القليلة التي كانت تجمعهم خلال سنوات المطاردة، كان يحرص على مساعدتها، ويطلب منها أن لا تتعب نفسها في أعمال البيت وأن تتركها له.
وقالت “كان عندما يعود إلى المنزل ويجدني مشغولة في تدريس الأبناء، يدخل إلى المطبخ ويصنع طعام العشاء أو ينظف أواني الطبخ..”.
وفي 12 أيار/ مايو الماضي، في معركة “سيف القدس”، زفّت “كتائب القسام”، القائد القسامي المجاهد باسم عيسى “أبي عماد”، قائد لواء غزة في “كتائب القسام”، وثلةٍ من إخوانه القادة والمجاهدين، والذين ارتقوا في أثناء عدوان الاحتلال على مواقع المقاومة ومقدراتها وكمائنها.
وأكدت الكتائب أن “هؤلاء الأبطال الذين ارتقوا في معركة سيف القدس للدفاع عن مسرى الحبيب محمد، صلى الله عليه وسلم، نالوا شرف الشهادة في أعظم المَواطن وأطهر المعارك، ومن خلفهم آلاف من القادة والجند يواصلون المسير ويحملون الراية ويُذيقون العدو الويلات”.
التعليقات مغلقة.